محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
شیخ الدقاق

58-ما هو السبيل لثبات على الدين؟

محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام

  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    200

15

2024 | يونيو

5 ذي الحجة 1445

12 حزيران 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 ما هو السبيل لثبات على الدين؟

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وخطابه المجيد بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

الحديث عن عوامل السلام على الدين ثبتنا الله وإياكم على دين محمد وولايته آل البيت محمد.

آيتان في كتاب الله مخيفتان:

الآية الأولى قوله تبارك وتعالى: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا الله عزّ وجل ينصّ ويصرح على أن القدم كانت ثابتة في سبيل الله لكن كانت عاقبتها أنها زلت وهذا أمر مخيف جداً.

الزبير بن العوام بن صفية بنت عبد المطلب ابن عمة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ سيفه طالما كشف الهم والغم عن وجه رسول الله ثبت أيام النبي وثبت أيام أمير المؤمنين قبل أن يتسنم الخلافة في الشورى الستة عمر بن الخطاب حينما عين الشورى في الستة كان أحد الستة الإمام علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان.

الزبير بن العوام لم ينازع أمير المؤمنين من بين الستة، قال: هي لك يا علي، لم يقبل أن ينازع أمير المؤمنين، قال: هي لك يا علي، وقف مع أمير المؤمنين.

لكن حينما تسنم أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ الخلافة طمع في ولاية الكوفة والبصرة هو وطلحة بن أبي عبيد الله.

الزبير متى انحراف في السبعينات من عمره سبعين خمسة وسبعين سنة من عمره، إذا هذه الآية مخيفة فتزل قدم بعد ثبوتها.

هذا القلب سمي قلباً لتقلبه، أنت الآن في هذه اللحظة مؤمن لحظة ثانية ينقلب هذا القلب عن الإيمان والعياذ بالله، والكل عرضة لذلك، أنت تقول: فلان انحرف! فلان انحرف! فلان انحرف! أنت أيضاً عرضة للانحراف، فما هو السبيل لضمان عدم الانحراف؟ ما هو السبيل للثبات على الدين؟ ثبتنا الله وإياكم.

الآية الثانية قوله تبارك وتعالى في آخر سورة الكهف: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *  الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا هو يعمل المسكين ويظن ويحسب أن عمله خالصاً لوجه الله وأن عمله صحيح يتفاجأ يوم القيامة (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) يعني كان العمل من الأساس غير صحيح، الآية الأولى (فتزل قدم بعد ثبوتها) يعني كانت ثابتة كان العمل صحيح ثم انحرف، الآية الثانية من البداية لم يكن صحيحاً كان يتوهم ويحسب أن عمله صحيح.

هناك حيثيتان: حيثية حدوث وحيثية بقاء، حيثية ابتداء وحيثية استمرار، عودوا الثقاب علة محدث للنار ولكن عنصر الأكسجين ووجود مادة قابلة للاشتعال علة مبقية لاشتعال النار.

الإنسان المؤمن يركز على كلتا الحيثيتين: حيثية الحدوث وحيثية البقاء، حيثية الابتداء وحيثية الاستمرار، يعني عنصر الإخلاص مطلوبٌ حدوثاً وبقاءً، ابتداءً واستمراراً.

مثلاً: مشروع خيري، صندوق لمساعدة الفقراء والأيتام، مدرسة لتعليم الأحكام، قد يكون الإنسان في البداية ليس مخلصاً فحيثية الحدوث والابتداء في الإخلاص ما متوفرة وأحياناً في البداية قد يكون مخلصاً ينتشر المشروع ويشتهر المشروع تأخذه النشوة الاعتداد بالنفس يأخذه الغرور فتزول حيثية الإخلاص بقاء وإن كانت موجودة ابتداءً وحدوثاً.

إذاً عليكم بالإخلاص حدوثاً وبقاء، فما هي العوامل التي تؤدي إلى الثبات على الدين؟

الإنسان ما يضمن حسن العاقبة، ولكن يمكن أن يضمن الأسباب التي تؤدي إلى حسن العاقبة، لا يوجد شخص يستطيع أن يضمن أنه يموت على الثبات على الدين وأن تكون عاقبته حسنة ما دام هذه الروح لم تبلغ الحلقوم ولم تخرج ما يضمن، لكن هناك أسباب تؤدي إلى الثبات على الدين وإلى حسن العاقبة، فما هي هذه الأسباب؟ وما هي هذه العوامل؟

نقتصر على بيان ثلاثة عوامل:

العامل الأول قوة المعرفة، جاء في الرواية عن إمامنا الباقر ـ عليه السلام ـ : «لا يقبل عمل إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل» أئمتنا ـ عليهم السلام ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أهم خصيصة وأهم صفة فيه العلم والمعرفة معرفة الله عزّ وجل، وكل الصفات النبي والوصي تعود إلى صفة المعرفة.

لأنه عرف الله أصبح عابداً، لأنه عرف الله أصبح زاهداً، لأنه عرف أصبح مجاهداً، لأنه عرف الله رق على الأيتام والمساكين، كل الصفات ترجع إلى المعرفة، حتى الصفات الإلهية الصفات الذاتية العلم والحياة والقدرة يقولون: الصفات الأخرى ترجع إلى صفة العلم الله قادر لأنه عالم ترجع إلى صفة العلم.

هكذا الإنسان المؤمن كلما تعمقت معرفته بالله حينئذ يتمسك بالله عزّ وجل، ويدرك أنه ناقص والله كامل وأنه فقير وأن الله عزّ وجل هو الغني (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) يعرف أنه ممكن والله عزّ وجل واجب الوجود ولا قوام للممكن إلا بالواجب.

إذاً أول من عوامل الثبات على الدين تعميق معرفة الله عزّ وجل كل ما يتعمق الإنسان بمعرفة الله ضمن الثبات على الدين، لذلك ورد في دعاء الغيبة، اسمه دعاء الغيبة: «اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني» إذا أول أمر من عوامل الثبات على الدين تعميق معرفة الله.

العامل الثاني تهذيب النفس وترويض النفس.

أساس المشكلات النفس وشهواتها، كل ما الإنسان تعرف على نفسه فإنه سيتعرف على ربّه، لذلك ورد في الرواية: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».

هذه النفس الجوهرة الثمينة لها دقائق قد يجهلها نفس الإنسان، يقول الإمام الخميني في الأربعون حديثاً: «إن مكامن النفس بالغة الدقة» يعني قد تتوهم أنك مخلص لكن تكتشف يوم من الأيام أنك لست بمخلص، كذلك الشخص الذي كان يصلي عشرين سنة في الصف الأول، يوم من الأيام أتأخر يا الله يا الله ما استطاع أن يصلي في الصف الأول صلى في الصفوف الخلفية، فتأذى كثيراً، فاكتشف أن صلاته في الصف الأول لم تكن لله وإنما كانت لإرضاء النفس، حتى يقول الناس: إن فلان مواظب على الصلاة في الصف الأول، فأعاد صلاة عشرين سنة.

لذلك النفس بحاجة إلى خبير، خبير في علم النفس، خبير في الأخلاق، خبير في كيفية التعامل معها وكيفية تهذيبها.

العامل الثالث من عوامل الثبات على الدين اللجأ إلى الله والطلب منه والتوسل بأولياء الله هذا من أسهل وأسرع الطرق.

منشأ أغلب المشاكل والذنوب أن يرى الإنسان نفسه شيئاً، فلان ما عبرني، فلان تكلم عليّ، فلان أذاني، أنا سويت كذا، أنا سويت كذا، أنا سويت ليكم كذا، لازم تسوون لي كذا، هذا كله منشأها ماذا؟ أنا يعني أنا شيء.

طبعاً هذا كلام سهل حتى أنا المتكلم سهل التطبيق هو الصعب، إذا يوم من الأيام تصل في قرارت نفسك مو على لسانك وفلتات لسانك في قرارت نفسك أنك لا شيء، كما يقول الإمام الخميني: «لا يؤثر في الوجود إلا الله» بعد لا تنظر إلى الظالم ولا تنظر إلى المظلوم لا تنظر إلا إلى الله يؤثر في الوجود إلا الله.

حينها لن ترى نفسك مؤثراً ولن ترى الآخرين مؤثرين، ولن ترى نفسك واسطة ولن ترى الآخرين واسطة، البعض يقول: أنا أموت الآن أولادي أيتام من يربيهم من يهتم بهم من يتعب عليهم يعني يرى نفسه شيئاً، إذا لا يرى نفسه شيئاً لا يؤثر في الوجود إلا الله، أنا كالعدم حتى الكاف زائدة.

طبعاً هذا مو كلام الكلام سهل، المهم في قرارة نفسي أرى نفسي شيئا أو لا؟! هذا يحتاج إلى مجاهدة ورياضة نفسانية، إذا وصل الإنسان إلى درجة لا يرى نفسه شيئاً، وهذا القرآن الكريم والروايات والأدعية وظيفتها تحرك الإنسان من فلك الأنا إلى فلك هو، من فلك أنا إلى فلك أنت الله، لذلك في دعاء عرفة الإمام الحسين يقول: «أنا الذي عصيت، أنا الذي جنيت، أنا الذي..، أنا الذي.. » ينسب الذنوب إلى نفسه، ولكن في الفضائل ينسبها إلى الله «أنت الذي أعطيت، أنت الذي رزقت، أنت الذي..، أنت الذي..، أنت الذي».

لكن الإنسان لأنه يحب نفسه في الفضائل والكمالات ينسبها إلى نفسه، وفي الذنوب والنواقص ينسبها إلى غيره.

الإنسان الذي يوفق لتهذيب نفسه ينسب النواقص إلى نفسه وينسب الكمالات إلى الله تبارك وتعالى الذي يروض نفسه على هذا الطريق الله عزّ وجل يعطيه حسن العاقبة يعطيه الثبات ما تزل قدمه.

هذه العوامل الثلاثة إذا واظبنا عليها:

أولاً عمقنا معرفتنا بالله عزّ وجل.

ثانياً عمقنا مجاهدتنا لأنفسنا وتعرفنا على أنفسنا جيداً.

ثالثاً لجأنا إلى وتوسلنا بأولياء الله، مثل اليتيم الذي انقطع به الطريق أو الغريق الذي تحطمت به السفينة في قعر المحيطات وتشبث بخشبة لا يلجأ إلا إلى الله.

نختم بهذا القصة والخاطرة:

في يوم من الأيام حاكم صقلية.

صقلية وين موجودة الآن؟ جنوب إيطاليا.

حاكم صقلية أراد أن ينام فلم يستطع النوم هيمن عليه الأرق، استيقظ نادى ندمائه غلمانه، احضروا النكت افرحوني أريد أغير جو، احضروا المهرجين والمنكتين لم تتغير نفسيته.

قال: إذا خذوني إلى البحر، احضروا السفينة.

احضروا السفينة صعد، الليل مظلم دامس تخرج يدك ما تشوفها، خرج في الليل مع هدوء موج البحر وظلام الليل الدامس، وإذا بصوت ضعيف: «يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! ».

قال: لحظة غريق انقذوه.

بحثوا عنه انقذوا الغريق.

فقال له حاكم صقلية: ما خطبك؟

قال: اعلم اعلم أنه انكسرت بي السفينة في قعر البحر المظلم، وتشبثت بهذه الخشبة، ولا يوجد لي أي ملجأ إلا الله، فناديته: «يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! ».

فقال حاكم صقلية: سبحان الله! وأنا لم لم أستطع النوم؟! وما الذي أخرجني في البحر؟! ولم تتغير نفسيتي بأهل النكت وأهل الحكايات؟!

فقال الغريق: سبحان الذي أرقك وأنقذني!

الله عزّ وجل مسبب الأسباب إذا يريد ينقذ هذا الغريق يؤرق حاكم صقلية ويلهمه أن يذهب إلى البحر لإنقاذه، هكذا من يلجأ إلى الله.

إذا تعلم نفسك في كل أمورك تلجأ إلى الله، الله عزّ وجل يفتح عليك بفتحه المبين.

ثبتنا الله وإياكم على ولايتهم والبراءة من أعدائهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

00:00

15

2024
| يونيو
جلسات أخرى من هذه الدورة 59 الجلسة

15

يونيو | 2024
  • الكتاب: محاضرات أخلاقية في حسينية الإمام الرضا عليه السلام
  • الجزء

    01

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
59 الجلسة