خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

02 - حكم الجهاد

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

10

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدرس (الثاني): حكم الجهاد

[تعزية]

لقد فجعنا برحيل واستشهاد سماحة العلامة حجة الإسلام والمسلمين الأمين العام لحزب الله لبنان السيد حسن نصر الله رحمة الله عليه وحشره مع أجداده الطاهرين.

رحمه الله ورحم الكوكب من الشهداء التي رافقته، ونسأل الله عزّ وجل للمؤمنين في لبنان وفلسطين وكل مكان النصر والثبات أن شاء الله تعالى.

[العدول لبحوث معاصرة]

لقد تطرقنا إلى معنى الجهاد لغةً واصطلاحاً، وتطرقنا إلى ما ورد في كتاب جواهر الكلام للمحقق النجفي وشرائع الإسلام للمحقق الحلي، ولكن بما أننا نعيش أجواء الجهاد وبحاجة إلى مباحث حديثة وعملية في جهاد الأعداء، فإننا سنتطرق إلى ما ورد في كتاب جهاد الأمة للمرحوم آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين تقرير تلميذه الشيخ حسن محمد مكي العاملي، وهو الذي قرر كتاب الإلهيات على ضوء الكتاب والسنة والعقل، وهي محاضرات سماحة آية العظمى المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني.

الشيخ حسن يتميز بقلم رصين، وقد صدر الجزء الأول من جهاد الأمة، ولم يصدر الجزء الثاني فنحن نتطرق إلى مباحث الجزء الأول ونكمل الباقي من أبحاث هنا وهناك، كبحث الأمان والدفاع لولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي حفظه الله وأعزه وأجرى النصر على يده.

نتطرق إلى عدة أمور في حكم الجهاد:

[وجوب الجهاد]

الأمر الأول وجوب الجهاد.

الجهاد من أركان الإسلام ووجوبه من ضروريات الدين ومن بديهيات أحكام الإسلام وجوب الجهاد والقتال في سبيل الله.

وقد دل على أصل وجوب الجهاد آيات كثيرة في القرآن الكريم وروايات وفيرة في السنة المطهرة فالروايات متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله عند جميع المسلمين، كما أن الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام متواترة أيضاً على وجوب الجهاد، لكن هل يختص وجوب الجهاد بخصوص المسلمين أم أن وجوب الجهاد يشمل الكفار أيضاً؟ فهل يجب على الكافر أن يجاهد مع المسلمين أو لا؟

[هل الجهاد يشمل الكفار؟]

هذه المسألة تبتني على قاعدة فقهية، وهي: قاعدة «تكليف الكفار بالفروع»، وقد ذهب مشهور الفقهاء الإمامية إلى أن الكفار مكلفون بالفروع كالمسلمين، غاية ما في الأمر أنه لا يتقبل منهم لعدم تأتي قصد القربة في العبادة، فتجيب «الصلاة والزكاة والخمس والجهاد» على الكافر الذي لم يسلم، لكن لو صلى لا يقبل منه لعدم تأتي قصد القربى.

[هل يجب القضاء ما لو اسلم أو تشيع؟]

ولكن لو اسلم الكافر أو تشيع المخالف ولم يخمس أو لم يزكي استناداً إلى مذهبه، فهل يجب عليه قضاء ذلك أو لا؟

بالنسبة إلى الكفار توجد قاعدة تقول: «الإسلام يجب ما قبله» فلا يجب على الكافر قضاء ما فاته من الصلاة والزكاة والصوم، وأما المخالف وهو من كان من أهل السنة وتشيع ودخل في مذهب أهل البيت المذهب الجعفري الإمامي فلا يقضي أيضاً أي شيء عدا الزكاة لورود روايات خاصة أنه وضعها في غير موضعها، فيجب عليه قضاء الزكاة.

[قاعدتان معروفتان]

والخلاصة: توجد قاعدتان معروفتان عند المشهور:

القاعدة الأولى «تكليف الكفار بالفروع».

القاعدة الثانية «الإسلام يجب ما قبله».

وقد خالف المشهور سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله في الخلد مقامه فذهب إلى أن الكفار غير مكلفين بالفروع، واستند إلى روايات معتبرة، منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام فقد جاء فيها: «ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام؟! وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما»[1].

وقد صرح العلامة الحلي في التحرير بأن الكفار يجب عليهم الجهاد، لكن يمنعهم منه عدم إسلامهم، إلا في حالات خاصة كأن يستعين بهم المسلمون في قتال عدوٍ دهمهم.

هذا تمام الكلام في الأمر وجوب الجهاد، واتضح أن وجوب الجهاد على جميع المسلمين قاطبةً من ضروريات الدين، بل ذهب المشهور إلى وجوب الجهاد حتى على الكافرين.

[استمرار وجوب الجهاد]

الأمر الثاني استمرار وجوب الجهاد.

هل يختص وجوب الجهاد بزمان دون زمان أو مكان دون مكان أو يسري وجوب الجهاد ويستمر في جميع الأزمنة والأمكنة؟

لا شك ولا ريب أن وجوب الجهاد في الجملة مستمر في الزمان والمكان ويعم جميع الأمة الإسلامية فلا يختص بوجوب الجهاد بفئة من المسلمين دون فئة، ولا بجيل دون جيل، فهو ليس محدود رسول الله صلى الله عليه وآله دون ما بعده، والدليل على ذلك ثلاثة أمور:

[الأدلة على عدم الاختصاص]

الدليل الأول أدلة الجهاد الخاصة فلسانها مطلق فيه عموم أزماني وأفرادي فيشمل جميع الأزمنة والأفراد من المسلمين.

الدليل الثاني الأدلة العامة الدالة على أن أحكام الشريعة سارية في جميع على جميع البشر فهي تعم من حضر زمن النبي والأئمة عليهم السلام وتعم من غاب عن ذاك الزمان، إلا الأحكام التي ثبت نسخها من قبيل وجوب الصدقة في آية النجوى، قوله تعالى: « إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» ولم يعمل بهذه الآية إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم نسخت هذه الآية بالآية التي بعدها.

ومن الأدلة العامة الخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسنده صحيح فقد رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن حريز عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحلال والحرام فقال: «حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة لا يكون غيره ولا يجيء غيره»[2].

[اشتراك المكلفين في الأحكام]

الدليل الثالث قاعدة اشتراك المكلفين في الأحكام، وهذه قاعدة تبحث في القواعد الفقهية، وهي أن جميع المكلفين يشتركون في الأحكام من دون خصوصية لأحد إلا ما ثبت بالدليل كاختصاص النبي صلى الله عليه وآله بخصوصية كجواز أن يتزوج من تسع نساء ويجمع بينهم، وأنه إذا لبس لامة حربه وجب عليه الجهاد، وأن صلاة الليل واجبة عليه إلى آخر ما ذكره المحقق الحلي في شرائع الإسلام من خصوصيات النبي صلى الله عليه وآله.

ويؤيد قاعدة «اشتراك المكلفين في الأحكام» رواية خاصة وردت في باب الجهاد لكنها ضعيفة السند فقد رواها الكليني بهذا السند: علي بن إبراهيم ثقة، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ثقة، عن بكر بن صالح وهو ضعيف، عن القاسم بن يزيد الزبيدي ثقة، عن أبي عمر الزهري مهمل، وهناك اختلاف في قراءة الزهري أو الزبيدي، عن أبي عبد الله عليه السلام فهذه الرواية ضعيفة على الأقل بـ بكر بن صالح إن لم نضم إليه أبا عمرو الزهري.

قال الإمام الصادق عليه السلام من جملة حديثه: «لأن حكم الله عزّ وجل في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والأولون والآخرون أيضاً في منع الحوادث شركاء» الشاهد: «والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون من أداء الفرائض عما يسأل عنه الأولون، ويحاسبون عما به يحاسبون»[3].

وهذه الرواية نص في استمرار تكاليف والأحكام ومنها الجهاد، فهي تدل على اشتراك جميع المكلفين في الأحكام، وهم مسئولون عن جميع الأحكام.

لكن هذه الرواية تصلح مؤيداً لأنها ضعيفة السند ولا تشكل دليلاً.

[الابتدائي والدفاعي]

إلى هنا أثبتنا استمرار وجوب الجهاد في جميع الأزمنة والأمكنة وعلى مختلف الأفراد، لكننا قلنا إن الجهاد واجب في الجملة نظراً لذهاب أكثر فقهاء الشيعة الإمامية إلى اشتراط وجوب الجهاد الابتدائي بحضور الإمام المعصوم عليه السلام أو إذن نائبه الخاص دون نائبه العام.

فقد قسم الجهاد إلى: «ابتدائي ودفاعي»، وذهب المشهور إلى أن الجهاد الدفاعي كدفاع المرء عن ماله وعرضه وبلده لا يحتاج إلى إذن من الإمام المعصوم، بخلاف الجهاد الابتدائي الذي تغزو به الدولة الإسلامية الدول الأخرى ابتداءً من دون أن يعتدى عليها فهذا مشروط بإذن اللإمام المعصوم أو نائبه الخاص وهو من يعينه باسمه نائباً عنه دون نائبه العام كالمراجع العظام وهم قد عينوا بصفاتهم وأوصافهم المشترطة في حجية فتواهم.

فتكون النتيجة: عدم مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر غيبة الإمام المعصوم كما هو الحال في زماننا حيث غاب الإمام الثاني عشر إمام العصر محمد بن الحسن المهدي روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء فينحصر الجهاد المشروع في عصر الغيبة بخصوص الجهاد الدفاعي فقط، فلا يكون وجوب الجهاد الابتدائي مستمراً على الإطلاق بل المستمر هو خصوص الجهاد الدفاعي، وأما الابتدائي فقد خرج بانتهاء الصغرى سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين هجرية من حالتي الفعلية إلى حالة الشأنية هذا هو رأي المشهور.

[مشروعية الجهاد الابتدائي]

وخالف في ذلك السيد ابو عاصم الخوئي رحمه الله وتبعه الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد القائد الخامنئي فقالوا: بمشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة الكبرى، وأما الإمام الخميني رضوان الله عليه فعلى الرغم من ذهابه إلى ولاية الفقيه المطلقة وأن مطلق ما ثبت للنبي صلى الله عليه وآله في الشأن العام يثبت لولي أمر المسلمين، لكنه ذهب إلى عدم مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة وفاقاً للمشهور.

فالسيد الخوئي يرى الولاية المقيدة وولاية الحسبة لكنه للدليل الخاص ذهب إلى مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة، لقيام الدليل على ذلك، وهو لا يرى أن قول المشهور حجة في حقه، والسيد الإمام الخميني ذهب إلى ولاية الفقيه المطلقة لا المقيدة، ولكنه ذهب إلى عدم مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة لوجود الدليل الخاص، وهو ما ذهب إليه المشهور، والسيد الإمام يرى حجية قول المشهور، وسيأتي بحث ذلك.

 

 

[الجهاد مخصوص بالصحابة]

وقد حكى المقداد السيوري في كتابه كنز العرفان ذهاب قوم إلى أن وجوب الجهاد مختصٌ بخصوص الصحابة الذين رأوا النبي لتوجه الخطاب إليهم، فهذا القول يرى أن وجوب الجهاد خاص بخصوص الصحابة الذين عاصروا النبي رأوه أو لم يروه، المهم عاصروه لأن الخطاب «وجاهدوا» متوجه اليهم بالخصوص.

[جواب المقداد السيوري]

وأجاب المقداد السيوري عن هذا القول بقوله، وهو باطلٌ لعموم قوله تعالى: «يا آيها الذين آمنوا» إلى قوله: «وجاهدوا»، وقوله صلى الله عليه وآله : «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة»[4].

يقول مقداد السيوري: «وللإجماع»[5].

إذاً أدلة ثلاثة تدل عموم الجهاد لجميع المسلمين وعدم اختصاصه بخصوص الصحابة، وهي: «الكتاب والسنة والإجماع».

هذا تمام الكلام في الامر الثاني من حكم الجهاد، وقد اتضح أن وجوب الجهاد مستمرٌ، وسنبحث إن شاء الله ما نراه في وجوب الجهاد الابتدائي والدفاعي، وأنه مشروط أو لا؟ هناك تفاصيل حتى في الجهاد الدفاعي بعضهم قيده، الثالث سنخ الوجوب وأنه هل هو واجب عيني أو كفائي؟

يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1] أصول الكافي، باب معرفة الإمام والرد إليه، ح 3.

[2]  أصول الكافي، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، ج 1، ص 58، الحديث 19.

[3] وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، ج 11، كتاب الجهاد، باب 9، الحديث 1، ص 27.

[4] بحار الأنوار، ج 2، ص 271، نقلاً عن عوالي اللئالي لأبي جمهور الإحسائي.

[5] كنز العرفان، للفاضل المقداد السيوري، ص 342، طبع مكتبة مرتضوي.

00:00

10

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 7 الجلسة

10

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
7 الجلسة