خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

05 - أقسام الجهاد

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

10

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدرس (الخامس): أقسام الجهاد

الأمر الرابع عبادية الجهاد.

أقسام الجهاد ينقسم الجهاد في الفقهاء إلى قسمين: «الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي»، وهناك تقسيمات أخرى ذكرها بعضهم، فبعضها تقسيم رباعي ذكره الشهيد الثاني في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، فأضاف إلى الجهاد الابتدائي والدفاعي ما نصّه:

«جهاد من يريد قتل نفس محترمة، أو أخذ مالٍ، أو سب حريم مطلقاً، ومنه جهاد الأسير دافعاً عن نفسه، وربما أطلق على هذا القسم الدفاع لا الجهاد، وهو أولى، وجهاد البغاة على الإمام»[1].

وعلى هذا التقسيم جرى السيد علي الطباطبائي[2]، فتكون الأقسام أربعة:

الأول الجهاد الابتدائي.

الثاني الجهاد الدفاعي.

الثالث جهاد من يريد قتل نفس المحترمة أو أخذ ماله.

الرابع جهاد البغاة على الإمام.

ويوجد تقسيم ثلاثي ذكره الشهيد الثاني في المسالك من دون عد قتال البغاة[3]، فيكون الجهاد ينقسم إلى ثلاثة: «ابتدائي ودفاعي وجهاد من يريد قتل نفس محترمة أو أخذ ماله أو انتهاك عرضة».

والصحيح أن جهاد البغاة، وجهاد من يريد قتل نفس محترمة، ليسا من الجهاد المستفاد من النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ولا من الجهاد المصطلح بين الفقهاء، فإننا لو تتبعنا كلمات الفقهاء سنجد أن الجهاد خاصٌ بقتال الكفار دون المسلمين، جهاد البغاة قتال للمسلمين، فـقتال الكفار إما أن يكون ابتدائياً لدعوتهم إلى الإسلام، أي من دون عدوانٍ منهم نباغتهم ونبدأهم بالقتال لإدخالهم في الدين، فهذا جهاد ابتداء، أو يكون الجهاد قتال للكفار دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، فيما لو هجم الكفار على دار الإسلام، فحينئذ يجب الدفاع، وهو الجهاد الدفاعي.

وليس من الجهاد المصطلح في كلمات الفقهاء قتال البغاة، أي من بغى من المسلمين كالخوارج الذين بغوا على أمير المؤمنين أو أصحاب الجمل الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه السلام.

وليس من الجهاد المصطلح دفاع الأسير المسلم، أو المسلم المقيم بين الكفار عن نفسه، أو دفاع أي شخص عن نفسه ضد العدوان المتجه إليه شخصياً، فهذا يندرج تحت أحكام الدفاع، ولا يقال الجهاد الدفاعي.

إذاً مفردة الجهاد في كلمات الفقهاء خاصة بخصوص قتال الكفار، إما مع عدوانهم فيكون الجهاد دفاعي، وإما مباغتةً وابتداءً من دون عدوانهم لدعوتهم إلى الإسلام، فهذا جهاد ابتدائي.

لكن مفردة الجهاد في اللغة، المشتقة من الجهد، بمعنى بذل الوسع، فإن مفهوم الجهاد لغةً يسع جميع هذه الأقسام، وعليه يحمل ما ورد من إطلاق لفظ الجهاد على بعض هذه الموارد، من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرض فهو شهيد، والروايات التي نصّت على مفردة جهاد النفس مثلاً، عبرت عنه بالجهاد الأكبر، وقتل العدو عبرت عنه بالجهاد الأصغر، فهنا يحمل على الجهاد بالمعنى اللغوي.

وقد استظهرنا في بداية البحث أن الجهاد ولفظة الجهاد ليست لها حقيقة شرعية ولا متشرعية وإنما استعملها الشارع المقدس بمعناها اللغوي، لكنه أضاف إلى خصوص القتال ما يشترط فيه قصد التقرب إلى الله عزّ وجل، فصار الجهاد المصطلح وهو قتال الكفار بقصد التقرب إلى الله تبارك وتعالى.

وهذا مناط الفرق بين الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاد يكون مع الكفار، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بين المسلمين وغيرهم.

وقد استظهر الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله من المحقق الأردبيلي المتوفى سنة تسعمائة وثلاثة وتسعين هجرية ذهابه إلى انحسار الجهاد المشروع بالابتدائي فحسب مع وجود الإمام عليه السلام وظهوره وأمره به، ولا شرعية لما عدا ذلك على الإطلاق حتى الدفاعي في عصر الغيبة.

قال المقدس الأردبيلي في كتابه[4] ما نصّه:

«وحيث إن الجهاد لم يقع إلا مع الإمام، وحينئذ لا يحتاج إلى معرفة أحكامه، فتركنا باقي الآيات المتعلقة به» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

ثم يعلق الشيخ محمد المهدي شمس الدين في كتاب جهاد الأمة[5]:

«ولا ريب في مباينة ما ذهب إليه لأدلة الكتاب والسنة».

وفيه: إن ظاهر عبارة المحقق الأردبيلي في كتابه زبدة البيان الذي هو دراسة لآيات الأحكام فهو يتناول بحث الآيات القرآنية الفقهية، وحينما وصل إلى آيات الجهاد ذكر أن الجهاد لا يصح ولا يقع إلا مع حضور الإمام المعصوم، وبما أن الإمام المعصوم غائبٌ ترك بحث آيات الجهاد والتفصيل فيها نظراً لعدم وجود الثمرة مع غيبة الإمام المهدي عليه السلام هذا هو ظاهر عبارة المقدس الأردبيلي.

وأين هذا من إنكار الجهاد الدفاعي؟! بل ظاهر العبارة أن المقدس الأردبيلي قد تطرق إلى ماله ثمرة عملية، وبما أن الجهاد مشروط بحضور الإمام المهدي عليه السلام وقد غاب، فالجهاد ليس واجباً بالفعل، وحينئذ لا حاجة إلى التفصيل في مباحثه لذلك قال: «وحيث إن الجهاد لم يقع إلا مع الإمام» يعني لم يصح إلا مع الإمام المعصوم «وحينئذٍ» لأنه لا يقع إلا مع الإمام المعصوم «لا يحتاج إلى معرفة أحكامه» الإمام غائب «فتركنا باقي الآيات المتعلقة به».

إذاً المشهور بين الفقهاء تقسيم الجهاد إلى قسمين: «جهاد ابتدائي وجهاد دفاعي»، وفي الذكرى السنوية لمراسم رحيل الإمام الخميني أعلى الله في الخلد مقامه الماضية، ونحن ندخل حرم الإمام الخميني بطهران، التقيت بسماحة آية الله الشيخ عباس الكعبي حفظه الله ، وسألته عن أبحاثه، ومنها «كتاب الجهاد» وبحثه في مجلدين بالفارسي ولم يطبع.

فسألته عما ذهب إليه في بعض المسائل، فقال: إن تقسيم الجهاد إلى «ابتدائي ودفاعي» قد أخذ من كتب العامة، فأصل هذا التقسيم في كتب العامة، وإذا راجعنا الروايات والمصادر الأصلية لا نجد عيناً ولا أثر للتقسيم إلى «جهاد ابتدائي وجهاد دفاعي».

هذا مذكورٌ في كلمات فقهاء الشيعة الذين تأخروا، وأصل هذا الكلام في كتب العامة، وهذه فكرة تحتاج إلى تحقيق وتدقيق، لذلك قلنا ينقسم الجهاد في كلمات الفقهاء، ولم نقل ينقسم الجهاد في الإسلام، فيرجى التأمل والتدقيق في هذه المفردة، ومن هنا نمضي في ترتيبنا كما هو موجود في الكتب الفقهية كـجواهر الكلام، والشيخ عباس الكعبي يقول ناقش أيضاً صاحب الجواهر ومن أين أخذ هذه الفكرة «تقسيم الجهاد الابتدائي ودفاعي».

القسم الأول الجهاد الابتدائي

حقيقة الجهاد الابتدائي

المراد بالجهاد الابتدائي هو القتال المبتدأ من المسلمين للكافرين لأجل دعوتهم إلى الإسلام، فيراد من الجهاد الابتدائي قتال الكفار من دون عدوان مسبقٍ منهم، لإدخالهم في الدين الإسلامي، وحملهم على اعتناقه.

والكافر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول الكافر الكتابي، أي إذا كان لهم كتاب سماوي، أو شبهة كتاب سماوي، كاليهود فعندهم توراة موسى، والنصارى والمسيحيين عندهم إنجيل عيسى عليه السلام.

فالكافر الكتابي عند قتاله وهزيمته يخير بين أمرين:

إما الدخول في الإسلام فتشمله أحكام المسلمين، وإما الخضوع لسلطان الإسلام بأداء الجزية، وهي ضريبة تفرضها الدولة الإسلامية، قال تعالى: ﴿حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

القسم الثاني الكافر الكتابي، كـالوثني الذي يعبد الصنم مشرك وليس عنده كتاب سماوي، أو الملحد الذي لا يؤمن بدين ولا يؤمن بوجود الله، فهذا يخير بين أمرين لا ثالث لهما: «إما الإسلام أو القتل لا غير» هذا هو المشهور بين الفقهاء.

وإنما سمي هذا القسم من الجهاد ابتدائياً لأنه يتم بدون عدوانٍ مسبق من قبل الكفار على المسلمين، وسبب مشروعيته في نظر القائلين به هو: «كفر الكفار ودعوتهم إلى الإسلام»، فالكفر بمجرده مقتضٍ تام لمشروعية قتالهم ﴿إن الدين عند الله الإسلام، قال تعالى: ﴿ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل من وهو في الآخرة من الخاسرين، فإذا توفر المقتضي وارتفع المانع، وأمكن غزو بلاد الكفار لدعوتهم إلى الإسلام، وقلنا بجواز الجهاد الابتدائي وجب قتالهم، ويخيرون بين الدخول في الإسلام أو القتل، إلا إذا وجد مانع كـضعف المسلمين عن القتال، وغير ذلك.

هذا هو المشهور بين الفقهاء.

مشروعية الجهاد الابتدائي:

أجمع فقهاء الإمامية على مشروعية وجواز الجهاد الابتدائي ووجوبه، لكن في زمنٍ خاص، وحالةٍ خاصة.

أما الزمان الخاص فهو زمن حضور الإمام المعصوم عليه السلام وظهوره أو وجود نائب الإمام المعصوم الخاص الذي نصبه للقيام بأمر الجهاد، دون النائب العام كـالمراجع العظام.

وأما الحالة الخاصة فهي أن يكون الإمام المعصوم أو نائبه الخاص مطلق اليد ذا سلطة على الأمر والنهي، قال الشهيد الثاني[6] ما نصّه:

«مبسوط اليدين متمكناً من التصرف» والمراد من مبسوط اليدين تصديه للحكم أي أنه حاكم بالفعل، والمراد من قوله: «متمكناً من التصرف» أن يكون ممارساً للسلطة بجميع أبعادها، «غير محجوز عن شأن من الشؤون»، فلربما يكون حاكماً لكن لا سلطة لديه محجوز عن السلطة.

فإذا كان الإمام المعصوم أو نائبه أولاً مبسوط اليد يعني حاكم، وثانياً متمكناً من التصرف أي عنده صلاحيات ويمارس السلطة.

«فإذا أمر بالجهاد فعلاً، ودعا الناس إلى الجهاد، وجب الجهاد».

ثم أضاف الفقهاء قيداً آخر، فقالوا: «إذا أمر الإمام المعصوم بالجهاد فعلاً أو يرضى به ويأذن فيه على الأقل فيما لو أمر به غيره».

وقد ذكروا هذا القيد ليخرجوا صحة الفتوحات الإسلامية زمن خلافة الخليفة الأول والثاني والثالث، بزعم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد أمضى هذه الفتوحات أو رضي بها، فيكفي في المشروعية رضا الإمام بها حتى لو لم يأذن لكن رضا أي أجاز.

والفرق بين الإذن والإجازة أن الإذن متقدم والإجازة متأخرة، لكن عند غيبة الإمام المعصوم وعدم وجود نائب خاص فإن الجهاد الابتدائي غير مشروع، بل قد صرحوا بعدم جواز الجهاد مع أئمة الجور، والمراد بهم الملوك والأمراء الذين تسلطوا على الأمة بغير نصّ كما عليه الشيعة الإمامية، أو بغير رضا أهل الحل والعقد كما عليه سائر المذاهب من العامة.

هذا تمام الكلام في بيان مشروعية الجهاد الابتدائي، واتضح أنه مشروط عند المشهور بحضور المعصوم وإذنه أو إذن نائبه الخاص، وقد خالف في ذلك السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد القائد السيد علي الخامنئي، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، فقالوا: بمشروعية الجهاد الابتدائي، وأن للفقيه الجامع للشرائط وهو النائب العام للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حق الجهاد الابتدائي، ولا يختص الجهاد الابتدائي في مشروعيته بحضور المعصوم عليه السلام، ومن هنا نبحث عدة بحوث:

البحث الأول اشتراط وجوب الجهاد الابتدائي بحضور الإمام عليه السلام وإذنه، يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  الروضة البهية، ج 2، ص 379.

[2]  رياض المسائل، ج 1، ص 478.

[3]  مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام، ج 1، ص 116، الطبعة الحجرية.

[4]  زبدة البيان في أحكام القرآن، ص 310، طبعة المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

[5]  ص 70.

[6]  مسالك الأفهام، ج 1، ص 116، سطر 18، من الطبعة الحجرية.

00:00

10

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 7 الجلسة

10

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
7 الجلسة