شرح نهج البلاغة.
شیخ الدقاق

02 - شرح الخطبة الأولى من نهج البلاغة

شرح نهج البلاغة

  • الكتاب: شرح نهج البلاغة
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

10

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

شرح الخطبة الأولى

شرح الخطبة الأولى من نهج البلاغة في ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم.

جرت عادة الشراح على شرح خطبة الشريف الرضي أعلى الله في الخلد مقامه وهي خطبة طويلة، لكننا لن نشرح خطبة الرضي، ويمكن مراجعة أغلب شروح نهج البلاغة التي شرحت خطبة الشريف الرضي، وبعضها شرح مطول، وبعضها شرح مختصر، ونحن سنقتصر على خصوص ما جاء في نهج البلاغة على لسان أمير المؤمنين بأقسامه الثلاثة:

القسم الأول الخطب.

القسم الثاني الرسائل.

القسم الثالث الحكم.

جاء في مستهل الخطبة الأولى لنهج البلاغة: «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقّه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن».

نشرح اليوم هذا المقطع الشريف، ويمكن مراجعة:

  • شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، الجزء الأول، صفحة سبعة وخمسين. 
  • شرح نهج البلاغة، لابن ميثم البحراني، المعروف بمصباح السالكين، الجزء الأول، صفحة مائتين وخمسة وثلاثين، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

الشريف الرضي، عنوان أول قسم من أقسام نهج البلاغة بهذا العنوان «باب المختار من خطب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وأوامره، وكلامه الجاري مجرى الخطب في المقامات المحصورة»، وفي نسخة أخرى، «ويدخل» هكذا العبارة في النسخة الأخرى «باب المختار من خطب أمير المؤمنين عليه السلام أوامره وكلامه ويدخل في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب في المقامات المحضورة، والمواقف المذكورة، والخطوب الواردة».

الخلاصة:

الباب الأول في الخطب والكلام، فقد يكون كلاماً وليس بخطبة، ولكن هذا الكلام الذي يجري مجرى الخطبة، لأن الرسالة أيضاً كلام، وقصار الحكم والمواعظ أيضاً كلام.

«في المقامات المحصورة» أي التي حصروها وحددوها، وفي نسخة: «المقامات المحضورة» أي التي حضروها وشاهدوها.

النقطة الأولى بيان معنى المفردات في اللغة[1].

المدح والمديح الثناء الحسن، والمدحة فعلة من المدح، ووزن فعلة يدل على الكيفية، تقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس جِلسَةَ العبد» أي أن كيفية جلوسه كانت كـكيفية جلوس العبد، فهنا المدحة عبارة عن كيفية المدح والمديح، فالمدحة هي الهيئة والحالة التي ينبغي أن يكون المدح عليها، «والإحصاء» إنهاء العد والإحاطة بالمعدود، يقال: «أحصيت الشيء» أي أنهيت عده، والإحصاء من لواحق العدد، أي يلحق بالعدد، ولذلك نسب الإحصاء إلى العادين.

«والنعماء» هو النعمة، وهو اسم يقام مقام المصدر التي هي النعمة، و«أديت حق فلان» إذا قابلت إحسانه بإحسان مثله.

«والإدراك» اللحوق والنيل، والإصابة والوصول والوجدان.

«والهمة» هي العزم الجازم والإرادة، يقال: «فلان بعيد الهمة» إذا كانت إرادته تتعلق بعليات الأمور دون محقراتها.

«والغوص» الحركة في العمق، من قولهم: «غاص في الماء» إذا ذهب في عمقة.

«والفطن» جمع فطنة، وهي في اللغة «الفهم»، ولذا قيل: «البطنة تذهب الفطنة»، والفهم عند العلماء عبارة عن جودة استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه.

وتراجع كتب اللغة العربية لمعرفة هذه المفردات، ولكن هناك نكات لغوية وأدبية لا بأس بالتطرق إليها، وقد ذكرها المرحوم السيد محمد كاظم القزويني في كتابه[2].

ما الفرق بين الحمد والمدح؟

الجواب: الكلمتان متقاربتان في المعنى، والفرق بينهما أن الحمد هو الثناء باللسان على أمر اختياري بقصد التعظيم والتبجيل للمحمود، سواء كان لنعمةٍ أم لغيرها، والمراد بالأمر الاختياري ما كان من قبيل الكريم، فإن الكريم يستطيع أن يكون بخيلاً، لكن توجد صفات غير اختيارية لا دخل للإنسان في تحققها كـجمال وجهه ونسبه فهذه أمور غير اختيارية، فالحمد يكون للصفات الاختيارية ولا يكون للصفات غير الاختيارية، بخلاف المدح فإن المدح هو الثناء الجميل على أمر سواء كان اختيارياً أو لم يكن اختيارياً، فيصح مدح الله عزّ وجل ومدح سائر الخلق على صفاتهم الاختيارية كـالكرام والشجاعة، وعلى صفاتهم غير الاختيارية، مثل: النسب والجمال والملاحة.

نعم، قد يطلق المدح على موارد الحمد أيضاً، كما يقال: «مدحت أمير المؤمنين عليه السلام»، وتفصيل هذا يذكر في تفسير سورة الحمد وتفسير البسملة.

إحصاء الشيء عده وضبطه، والعادون المحاسبون، والمجتهد من بذل وسعه وجهده في الأمر، والهم جمع همة وهي العزم القوي، وغاص في الشيء غطس ونزل فيه، والغوص في المعاني بلوغ أقصاها، والفطن جمع فطنة وهي الحذق والفهم.

إلى هنا بينا النقطة الأولى بيان معنى المفردات.

الآن شرح مقاطع هذا المقطع أو مفردات هذا المقطع.

قال الإمام علي عليه السلام: «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون».

في هذا المقطع يشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى عجز الإنسان عن حمد الله تبارك وتعالى.

والسر في ذلك:

أن الشيء إذا عرفت ماهيته، وعلم كنه يمكن مدحه، أي وصفه، مهما بلغ وعظم، ولكن إذا جهل الإنسان حقيقة الشيء، وقصر عقله عن إدراك ماهيته، فحينئذ لن يبلغ، ولن يصل، ولن يتمكن من وصف ذلك الشيء.

والله عزّ وجل واجب الوجود، وواجبٌ لذاته، وغني مطلق، والإنسان ممكنٌ، وفقرٌ محضٌ ومطلق، فأنى للممكن أن يحيط بالواجب، وأنى للفقير أن يحيط بالغني، لذلك قال أمير المؤمنين: «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون» والمعنى الثناء على الذات الإلهية التي لا يصل إلى كيفية الثناء الحقيقي لها أي قائل.

وهنا أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل: «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته المادحون» بل قال: «القائلون»، وهنا نكتة بلاغية عظيمة، فأيهما أعم القول أو المدح؟

والجواب: القول أعم، فنفى العام وهو القول، وبنفي العام وهو القول ينتفي الخاص وهو المدح، فيصير المعنى هكذا: الحمد لله الذي لا يصل إلى كيفية مدحه قول أي مادحٍ، أي قول أي قائل حتى لو كان مادحاً، فاستخدام مفردة القائلون أعم وأبلغ من مفردة المادحين.

المقطع الثاني قال عليه السلام: «ولا يحصي نعماءه العادون».

في هذا المقطع يتطرق أمير المؤمنين إلى عجز الإنسان عن إحصاء النعم، ولقد صرح القرآن الكريم بهذه الحقيقة في موضعين، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها[3].

وهذا شيءٌ بديهي لا يحتاج إلى دليل وبرهان، فالوجدان لا يحتاج إلى برهان، وكما يقول الإيرانيون: «العيان لا يحتاج إلى بيان» لا يستطيع العبد أن يعد نعمة الله عزّ وجل.

وهناك رواية ذكرها ابن ميثم البحراني[4] وهي: «أنه خطر على قلب داوود عليه السلام أو موسى عليه السلام حيث قال: يا رب كيف أشكرك؟! وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك، فشكري لك نعمة أخرى توجب عليّ الشكر لك، فأوحى الله تعالى إليه: إذا عرفت هذا فقد شكرتني» وفي خبر آخر: «إذا عرفت أن النعم مني رضيت منك بذلك شكراً».

لذلك مهما شكر العبد وحمد وأثنى على الله، ومهما بذل في وسعه وطاقته فإنه لن يؤدي حقّ الله عزّ وجل وسيبقى قاصراً.

ولعل هذا معنى كلامه «ولا يؤدي حقه المجتهدون»، الاجتهاد من الجهد، فمهما بذل من جهد وعناء لن يستطيع أن يؤدي حقّ الله تبارك وتعالى.

المقطع الآخر قال عليه السلام: «الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن».

في هذا المقطع يتكلم أمير المؤمنين عن عجز الإنسان عن معرفة الله، والمعرفة فرع التصور، وتصور وإدراك الممكن محدود، ولا يمكن أن يدرك غير المحدود، والله عزّ وجل لا متناهٍ، وأنى للإنسان المتناهي أن يحيط بـاللامتناهي.

لذلك قال الإمام الباقر عليه السلام : «كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم»[5].

إذاً الله عزّ وجل لا يدركه بعد الهمم، هذا من باب تقديم الوصف على الموصوف، بعد الهمم أي الهمم البعيدة، غوص الفتن أي الفطن الغائصة، فالله عزّ وجل لا يدركه بعد الهمام أي الشخص الذي همته عالية، ولا يناله أي لا ينال معرفة الله، غوص الفطن أي الفطن والأفهام التي تغوص في الأعماق.

ملخص الكلام:

ليس لأحد من الخلق أن يعرف الذات الإلهية معرفة كاملة، الكلام عن المعرفة الكاملة لا يوجد أي أحد، حتى النبي صلى الله عليه وآله المعرفة الكاملة، لأن الله لا متناهي غير محدود، والنبي محدود، والمحدود لا يحيط بغير المحدود، وأنى للمتناهي أن يحيط بغير المتناهي، يعني الإطلاع التام.

لذلك ورد في الرواية «لا تتفكروا في كنه الله، ولكن تفكروا في آثار الله» التفكر في آثار الله، هذا برهان النظم، ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى.. وإلى.. هذه النظم يكشف عن منظم هذا البرهان الآني الانتقال من المعلول إلى العلة، إن المعلول يكشف عن العلة، إن نظم السماء والأرض يكشف عن وجود منظم.

لماذا هذا أقرب التفكر في آثار الله؟ 

لأن التفكر في آثار تفكر في الممكنات التي هي من أمثالنا، فننتقل ونتفكر في المعلولات الممكنة التي هي أمثالنا لكي نصل إلى العلة التي هي واجبة وليست ممكنة.

لكن إذا تتفكر في كنه الله تتفكر في العلة، وأنى لك أن تحيط بالعلة واجبة الوجود.

هذا تمام الكلام في المقطع الأول.

المقطع الثاني «الذي ليس لصفته حد محدود» هذا كلام عن الصفات الإلهية اللامتناهية، يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  شرح نهج البلاغة، لابن ميثم البحراني، ج 1، ص 327.

[2]  شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 58، والذي طبع أكثر من ستين سنة، وأعيد طبعه للمرة الثانية بعد ستين سنة، وهو أول كتاب ألفه قبل كتاب فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، علي من المهد إلى اللحد، وسائر موسوعة من المهدي إلى اللحد.

[3]  سورة إبراهيم، آية 34، سورة النحل، آية 18.

[4]  شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 1، ص 113، من الطبعة القديمة.

[5]  بحار الأنوار، ج 69، ص 293.

00:00

10

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 2 الجلسة

10

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: شرح نهج البلاغة
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
2 الجلسة