التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

01_مقدمة تمهيدية النقطة الأولى الفرق بين التفسير والتأويل

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

10

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

     

 النقطة الأولى الفرق بين التفسير والتأويل

نشرع اليوم السبت الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وستة وأربعين هجرية قمرية، الموافق للثامن والعشرين من سبتمبر من عام ألفين وأربعة وعشرين ميلادية، المصادف للسابع من تير من عام ألف وأربعمائة وثلاثة هجرية شمسية، ونشرع في دورة جديدة تفسير القرآن الكريم، وقبل أن نشرع في تفسير البسملة وسورة الفاتحة نقدم مقدمة تمهيدية، في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى الفرق بين التفسير والتأويل.

النقطة الثانية الفرق بين المناهج والاتجاهات التفسيرية.

النقطة الثالثة المنهج المختار وهو تفسير القرآن بالقرآن.

 

 

[النقطة الأولى: الفرق بين التفسير والتأويل]

ونشرع في بيان النقطة الأولى من المقدمة التمهيدية وهي الفرق بين التفسير والتأويل.

[التفسير لغةً]

التفسير في اللغة: مأخوذ من سفر أو أسفر، تقول: «أسفر الصبح عن وجهه»، إذا كشف وبان عن وجهه، أو مأخوذ من فَسَرَ، وهناك خلاف بين اللغويين من أن التفسير مأخوذ من فَسَرَ أو سفر، ولا يهمنا التوسع كثيراً في بيان المعنى اللغوي من التفسير، إذ أن من الواضح أن المراد بالتفسير لغةً: «الكشف والإبانة والإيضاح».

[التفسير اصطلاحاً]

وأما المراد بالتفسير في المعنى الاصطلاحي هو عبارة عن «كشف المراد الاستعمالي من كتاب الله، وتعيين المراد الجدي من خلال والمحاورات العرفية»، ولعل من أفضل وأخصر تعاريف التفسير اصطلاحاً ما ذكره صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي أعلى الله في الخلد مقامه إذ قال في الميزان[1] ما نصّه:

«التفسير: وهو بيان معاني الآيات القرآنية، والكشف عن مقاصدها، ومدليلها».

فقوله رحمه الله «أن التفسير بيان معاني الآيات القرآنية» أي المراد الاستعمالي للآيات القرآنية، وقوله رحمه الله «والكاشف عن مقاصدها ومداليلها» أي الكشف عن المراد الجدي الذي يكشف عن المقصود والمدلول الجدي للآية الكريمة.

 

هذا تمام الكلام في بيان معنى التفسير لغةً أي الإبانة والكشف، واصطلاحاً كشف المراد الاستعمال والجدي لآيات القرآن الكريم.

[الفرق بين التفسير والتأويل]

ومن واضح أن التفسير هو عبارة عن كشف المراد من ظاهر اللفظ فالتفسير ناظر إلى ظاهر الآيات الكريمة لا إلى باطنها، بخلاف التأويل الذي هو ناظر إلى باطن الآيات الكريم، وهذا ما يقودنا إلى بحث معنى التأويل لغة واصطلاحاً.

[التأويل لغةّ]

التأويل لغةً: مأخوذ من بمعنى الرجوع، آل الأمر إلى كذا أي رجع الأمر إلى كذا.

[التأويل اصطلاحاً]

التاويل اصطلاحاً: هو عبارة عن بيان المراد الباطني والواقع للآيات الكريمة، ومن الواضح أن معرفة باطن القرآن وواقع القرآن ليس بيد أي أحد، قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗوَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وقد فسرت الروايات الراسخين في العلم بأنهم النبي والأئمة عليهم السلام أي المعصومون الأربعة عشر: «محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وذرية الحسين للإمام المهدي عجل الله تعالى».

[خلاصة النقطة الأولى]

النقطة الأولى الفرق بين التفسير والتأويل أن التفسير: هو كشف القناع عن ظاهر اللفظ، بينما التأويل: هو عبارة عن كشف القناع عن باطن اللفظ، والتفسير في متناول الجميع لمن أحاط بأدوات التفسير، بخلاف التأويل فإنه ليس في متناول الجميع، إلا الذين اصطفاهم الله واجتباهم وخصهم بتأويل القرآن الكريم.

هذا تمام كلام في النقطة الأولى وهي بيان الفارق بين التفسير والتأويل واتضح أن بحثنا في هذه الدورة هو في التفسير لا التأويل.

[الفرق بين المنهج التفسيري والاتجاه التفسيري]

المنهج: يشير إلى المصدر والأدوات، والاتجاه: يشير إلى المشرب والاتجاه والذوق للمفسر، وهذا ما يقودنا إلى دراسة نظرية المعرفة، فما هو مصدر المعرفة عند الإنسان؟ هل هو النقل أو العقل أو القلب والكشف والشهود أو الحس والتجربة أو التلفيق بين هذه المصادر الخمسة؟

[أنواع المعرفة]

ومن هنا ذكروا خمسة أنواع للمعرفة:

النوع الأول المعرفة النقلية، وهي تشمل القرآن الكريم، الروايات الشريفة، التاريخ.

النوع الثاني المعرفة العقلية الفلسفية، بحيث يكون مصدر المعرفة هو العقل والبعد الفلسفي والنظري، لذا سميت: «معرفة نظرية عقلية فلسفية».

النوع الثالث المعرفة العرفانية، ومصدرها القلب، وواردات القلب، ومعاينة ومشاهدة القلب، لذلك سميت هذه المعرفة: «معرفة عرفانية، قلبية، إشارية».

النوع الرابع المعرفة الحسية، وهي التي تقتصر على معطيات الحس والتجربة ولا تؤمن إلا بما تتناوله الحواس الخمس في المختبر وعند التجربة، وهي: «الحاسة الباصرة، والسامعة، والذائقة، والشامة، واللامسة»، فقال الغرب: نحن نعيش عصر العلم، وقد ولى عصر الفلسفة والنظريات العقلية، وقالوا: إن معطيات الحس هي التي توجب العلم فقط، دون معطيات النقل في الأديان، ودون معطيات العقل في الفلسفة، ودون معطيات القلب في العرفان، فاطلقوا على المعرفة الحسية أنها معرفة علمية، فقالوا: «معرفة علمية».

النوع الخامس المعرفة التلفيقية، وهي التي تلفق بين الأسباب الأربعة: «العقل، والنقل، والقلب، والحس» باختلاف المعطيات، ففي الأمور المادية توجد معرفة علمية وحسية، وفي المعاينات القلبية والمشاهدات الملكوتية يوجد معرفة عرفانية، وفي الأديان والمذاهب ومعطيات التاريخ توجد معرفة نقلية، كما توجد المعرفة العقلية الفلسفية، فقالوا: هذه معرفة تلفيقية، تلفيق بين «العقل والنقل والفلسفة والشهود».

ولذلك مدرسة الحكمة المتعالية للملا صدرا صدر المتألهين الشيخ محمد إبراهيم الشيرازي هي عبارة عن «معرفة تلفيقية»، «معرفة فلسفية تلفيقية» لأنه لفق بين الحكمة الإشراقية للسهروردي، والحكمة والفلسفة المشائية لابن سينا، والعرفان النظري وعلم الكلام القديم.

فمدرسة الحكمة المتعالية معرفة الفقهية بين «العقل والنقل والقلب»، النقل يتمثل في علم الكلام، والعقل يتمثل في فلسفتين الإشراقية و المشائية، والقلب يتمثل في العرفان النظري.

[وعليه...]

إلى هنا عرفنا مصدر المعرفة، وبحثنا ليس في الفلسفة ولا التاريخ ولا العرفان وإنما بحثنا في المنهج التفسيري، أي المصدر الذي يفيدك في تفسير آيات القرآن الكريم، إذا أردت أن تفسر القرآن الكريم، ما هو مصدرك في تفسير الآيات؟ هل مصدرك النقل من آيات وروايات؟ أو مصدرك العقل والفلسفة فيصير تفسير عقلي؟ أو مصدرك القلب وشواهد ومعاينات القلب فيكون منهج عرفاني، أو مصدرك الحس والتجربة فيصير منهج علمي.

 

 

 

[أنواع مناهج التفسير]

ومن هنا فإن المناهج التفسيرية ناظرة إلى مصدر التفسير، ويمكن بيان أقسام أو أنواع للمنهج التفسيري:

المنهج الأول تفسير القرآن بالقرآن، أي أننا نأخذ الآية ونقارنها بمثيلاتها من الآيات، فإذا جاء لفظ «الصلاة أو الجهاد» في الآية فإننا نجمع آيات القرآن الموجودة في الصلاة والجهاد، ونقارن بينها ونتدبر فيها ونستنتج منها.

قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ فالقرآن الذي هو مبينٌ لغيره وتبيان لكل شيء لا يحتاج إلى مبين، بل يفسر بعضه بعضاً، هذا منهج تفسير القرآن بالقرآن، أي آية تقرنها بآياتها المثيلة في اللفظ والمعنى، ثم بعد ذلك تأتي إلى الروايات وتستشرف منها، إذ أن أهل البيت أدر بالذي فيه.

المنهج الثاني التفسير الروائي، مثل: «تفسير نور الثقلين» للشيخ جمعة عبده علي الحويزي، مثل: «البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم البحراني، مثل: «تفسير كنز الدقائق» لابن المشهدي، مثل: «تفسير القمي» للعياشي، مثل: «تفسير الصافي» للفيض الكاشاني، فهي تفاسير تفسر الآيات استناداً إلى خصوص الروايات الشريفة، إذاً التفسير الروائي مصدره الرواية فقط.

المنهج الثالث التفسير عرفاني، مثل: «تفسير بيان السعادة» لأحد أهل السنة، و«تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم» للسيد حيدر الآملي، والتفسير العرفاني يعتمد على الواردات القلبية والمعاينات القلبية، لذلك يسمى «التفسير العرفاني أو التفسير للإشاري».

المنهج الرابع التفسير الفلسفي، مثل: «تفسير القرآن الكريم» لملا صدرا، وهو الذي يعتمد على معطيات العقل والفلسفة في تفسير آيات القرآن الكريم.

المنهج الخامس التفسير العلمي، مثل: «تفسير الجواهر» للطنطاوي أحد شيوخ الأزهر، فهو يركز كثيراً على معطيات العلم والتجربة.

هذه خمسة مناهج في التفسير:

  1. تفسير القرآن بالقرآن.
  2. تفسير الروائي.
  3. التفسير العقلي.
  4. التفسير العلمي.
  5. التفسير العرفاني.

[الفرق بين المنهج والاتجاه]

إذاً سؤال: ما الفرق بين المنهج التفسيري و الاتجاه التفسيري؟

والجواب: إن المنهج فهو يشير إلى «مصدر التفسير وأداته»، فما هي الأداة في القرآن؟ هل هي نفس القرآن؟ أو الرواية أو النقل أو العقل أو الفلسفة أو العرفان أو الحس والتجربة؟ فنوع الأداة ومصدر التفسير هو الذي يتحكم في المنهج، وأما الاتجاه فهو يشير إلى «مشرب المفسر وذوق المفسر».

فمثلاً تقول: تفسير القرآن تفسير الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي من ناحية المنهج هو منهج تفسير القرآن بالقرآن لكن من ناحية المشرب مشربه فلسفي فصاحب الميزان فيلسوف.

أو تقول الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تقول: هذا مشربه فقهي، وتقول: توجد تفاسير اجتماعية يعني ليس المنهج اجتماعي، المنهج قد يكون عقلي أو قرآني أو روائي، لكن الذوق اجتماعي، مثل: «تفسير الكاشف» للشيخ محمد جواد مغنية، و«تفسير الأمثل» للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، و«تفسير النور» للشيخ محسن قراءتي.

أو تقول مثلاً: «تفسير الزمخشري» اتجاهه أدبي لأنه قوي في البلاغة واللغة.

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية الفرق بين المنهج و الاتجاه، واتضح أن المنهج التفسيري يشير إلى المصدر، والاتجاه يشير إلى المشرب والذوق للمفسر.

[طريقة تفسير القرآن بالقرآن]

النقطة الثالثة والأخيرة المنهج المختار عبارة عن تفسير القرآن بالقرآن، وطريقته أننا أول ما نقرأ الآية نستحضر الآيات المقاربة لها في المعنى، إما أن تتفق معها في اللفظ أو تختلف معها في اللفظ، ونتأمل في هذه الآيات ونستنتج، ثم بعد ذلك ننظر إلى الروايات الشريفة، ونستشرف منها هل فهمنا المعنى الذي فهمناه أو لا؟ فلا نقتصر على مجرد التأمل في آيات القرآن لوحدها بل لابد أن نظم إليه التأمل في الروايات الشريفة، وهذا مستفاد من حديث الثقلين «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».

[الفرق التفسير الروائي وتفسير القرآن بالقرآن]

سؤال: ما الفرق بين التفسير الروائي وبين تفسير القرآن بالقرآن؟

بعض من ذهب إلى التفسير الرواية يقول: نحن لا نفهم القرآن ولا نفسره إلا في حدود الرواية، بينما تفسير القرآن بالقرآن، يقول: هناك فهم عادي متاح للناس، وهناك فهم عميق، قد لا يكون متاحاً للناس، فنتأمل في آيات القرآن، ثم نستشرف الروايات الشريفة، وذهب إلى التفسير تفسير القرآن بالقرآن عدة من الأعلام ـ كان بنائي اقرأ ولكن لا يوجد وقت اقرأ ـ أشير المصادر:

الأول الميزان في تفسير القرآن[2] السيد محمد حسين الجزء الأول صفحة احداش

الثاني البيان في تفسير القرآن، للسيد أبو القاسم الخوئي قال رحمه الله :«إني لا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته، وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الوارد عن أهل بيت العصمة من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله ، وما استقل به العقل الفطري الصحيح الذي جعله الله حجة باطنة كما جعل نبيه صلى الله عليه وآله وآل بيته المعصومين حجة ظاهرة، سيجد القارئ أيضاً إني كثيراً ما أستعين بالآية على فهم أختها، واسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن، ثم أجعل الأثر المروي مرشداً إلى هذه الاستفادة»[3].

الثالث ممن ذهب إلى هذا السيد عبد الأعلى السبزواري[4].

الرابع الشيخ جوادي آملي[5].

الخامس الشهيد الصدر في كتابه المدرسة القرآنية.

وكثير من أعلام من المفسرين ذهبوا إلى هذا، ونحن نذهب إليه إذ يكفي حديث الثقلين في الدلالة عليه.

والله ولي التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1] الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 4.

[2]  تفسير الميزان، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج 1، ص 11.

[3]  البيان في تفسير القرآن، ص 13.

[4]  مواهب الرحمن، ج 1، ص 6.

[5]  تفسير تسنيم، ج 1، ص 81.

00:00

10

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 5 الجلسة

10

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
5 الجلسة