التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

02 - تفسير سورة الفاتحة، محل نزولها

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

10

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تفسير سورة الفاتحة، محل نزولها

[الأقوال في المسألة]

توجد ثلاثة أقوال في المسألة:

القول الأول وهو المعروف أن سورة الفاتحة مكية.

القول الثاني إن سورة الفاتحة مدنية.

القول الثالث إن سورة الفاتحة نزلت مرتين مرة في مكة، وأخرى في المدينة تعظيماً لشأنها.

[التحقيق]

وتحقيق الكلام في هذه المسألة لا يهم كثيراً فقد ذكر المرجع الشيخ عبد الله جواد في تفسير تسنيم[1] أن بحث سورة الفاتحة أنها مكية أو مدنية لا يهم، نظراً لعدم وجود آيات فيها يتغير معناها بتغير مكان نزولها.

[الدليل على كونها مكية]

والصحيح من هذه الأقوال الثلاثة هو القول الأول وفاقاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله في الخلد مقامه فقد ذكر دليلين تفسيره[2].

الدليل الأول إن فاتحة الكتاب هي السبع المثاني في قوله تبارك وتعالى: «ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم» فقد ذكر في سورة الحجر هذه آية سبعة وثمانين أن السبع المثاني نزلت قبل ذلك، وسورة الحجر مكية بلا خلاف، فلا بدّ وأن تكون فاتحة الكتاب مكية أيضاً، إذ نصّ على السبع المثاني في سورة الحجر التي هي مكية، فتكون سورة الحمد والفاتحة التي هي السبع المثاني مكية أيضاً.

الدليل الثاني أن الصلاة شرعت في مكة وهذا ضروري لدى جميع المسلمين، ولم تعهد في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب، وقد صرح النبي صلى الله عليه وآله بذلك بقوله: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وهذا الحديث منقول عن طريق الامامية وغيرهم[3].

فالصحيح أن سورة الحمد والفاتحة نزلت بمكة.

 

[القول الثالث محتمل]

لكن يوجد احتمال آخر وهو القول الثالث أنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة وهذا القول محتمل في حد نفسه لكن لم يثبت بدليل.

[وجه التسمية بالسبع المثاني]

ولعل الوجه في تسمية سورة الفاتحة بالسبع المثاني أي أنها سبع آيات ثنيت أي نزلت مرتين مرة في مكة ومرة في المدينة، وإن كان الروايات الشريفة قد دلت على أن المراد بالسبع المثاني: أن هذه الآيات السبع تثنى أي تذكر مرتين في الركعتين الأولتين من الصلاة، ففي كل صلاة تثنى قراءة سورة الفاتحة في الركعة الأولى والركعة الثانية.

هذا تمام الكلام في محل نزول سورة الفاتحة، واتضح أنها مكية وليست مدنية.

[فضل سورة الفاتحة]

فضل سورة الفاتحة يكفي في فضلها أن الله تبارك وتعالى قد جعلها عدلاً للقرآن العظيم في آية الحجر «ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم»، وأنه لا بدّ من قراءتها في الصلاة، ولا تغني عنها سائر السور «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، والصلاة هي عمود الدين، وبها يمتاز المسلم عن الكافر.

بالإضافة إلى ما اشتملت عليه سورة الفاتحة من معارف عظيمة حتى قيل: لو تليت على مجنون لآفاق.

روى الصدوق بإسناده عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله تعالى، قال لي: يا محمد! ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش»[4].

وروى البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى قال: «كنت اصلي فدعاني النبي صلى الله عليه وآله فلم أجبه، قلت: يا رسول الله إني كنت اصلي، قال: ألم يقل الله: «استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم» ثم ألا اعلمك أعظم سورة في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد؟! فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج، قلت: يا رسول الله! إنك قلت: ألا اعلمك أعظم سورة من القرآن؟ قال: «الحمد لله ربّ العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته»»[5].

[آيات سورة الفاتحة]

آيات سورة الفاتحة المعروف بين المسلمين أن عدد آيات سورة الحمد سبع بل لا خلاف في ذلك، وروي عن الحسين الجعفي أنها ست، وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان، وكلا القولين شاذ مخالف لما اتفقت عليه روايات الفريقين السنة والشيعة من أنها سبع آيات.

[جزئية البسملة]

وقد ذكرنا أن المراد من السبع المثاني في آية سورة الحجر هو سورة الحمد والفاتحة، يبقى الكلام هل البسملة جزءٌ من سورة الحمد أو لا؟

المشهور بين جميع المسلمين أن البسملة جزء من سورة الحمد، وإن اختلفوا في بقية سور القرآن الكريم، فذهب الإمامية إلى أن البسملة جزء لا يتجزأ من جميع السور القرآنية البالغة مئة وأربعة عشر سورة عدا سورة التوبة «براءة من الله» فهي لم تبدأ بالبسملة لأن فيها عذاب ووعيد من الله عزّ وجل ولا يناسب أن تبدأ بالبسملة التي فيها رحمة.

لكن عدد البسملات في أيضاً مائة وأربعة عشر إذ جاء في الآية «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم».

وخالف في ذلك جمهور العامة، فقالوا: إن البسملة مجرد افتتاح لسور القرآن وليست جزءً من سور القرآن المائة وأربعة عشر سورة عدا سورة الفاتحة فإنهم أقروا أنها جزء من سورة الفاتحة لنصّ القرآن عليها.

ولكن هناك أيضاً من اختلف في تعداد آيات سورة الفاتحة وفي عدّ البسملة من الآيات السبع، فمن عد البسملة آية مستقلة من الآيات السبع ذهب إلى أن قوله تعالى: «صراط الذين أنعمت عليهم» إلى آخر الآيات «غير المغضوب عليهم ولا الضآلين» آية واحدة، ومن لم يعدها آية ذهب إلى أن قوله تعالى: «غير المغضوب عليهم ولا الضآلين» آية مستقلة.

[الخلاصة]

والخلاصة المشهور والمعروف بين المسلمين أن عدد آيات سورة الفاتحة سبعة وأن البسملة أول آية منها على خلافٍ في مبدأ ومنتهى بقية الآيات.

[فلسفة سورة الفاتحة]

غايات وفلسفة سورة الفاتحة الغاية من سورة الحمد بيان حصر العبادة في الله تبارك وتعالى، والإيمان بالمعاد والحشر، وهذه هي الغاية القصوى من إرسال الرسول الأعظم وإنزال القرآن، «قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا» فإن دين الإسلام قد دعا جميع البشر إلى الإيمان بالله وإلى توحيده، قال تعالى: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله» جميع الرسالات وجميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين دعوا إلى التوحيد والمعاد.

فالغاية من سورة الحمد حصر العبادة في خصوص الله تبارك وأنه لا يستحق غيره أن يعبد، وأن الإنسان الفقير الضعيف لا ينبغي أن يخضع إلا لله تبارك وتعالى، قال تعالى: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد».

وبعد أن ثبت أن الله عزّ وجل هو المستحق للعبادة والحمد والثناء بقوله: «الحمد لله ربّ العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين» لقن عباده بأن يقولوا بألسنتهم وقلوبهم «إياك نعبد وإياك نستعين».

[أحوال الناس]

ثم ذكرت سورة الفاتحة أن أحوال البشر والناس بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب على ثلاثة أقسام:

القسم الأول صراط الذين أنعمت عليهم، وهم الذين شملتهم العناية الإلهية والنعم الربانية فاهتدوا إلى الصراط المستقيم.

القسم الثاني غير المغضوب عليهم، وفيه إشارة إلى من استحقوا غضب الله تبارك وتعالى، فمن دعاه حب المال والجاه إلى العناد فعاند الحق ونابذه سواء عرف الحق ثم جحده أو لم يعرفه، هذا ينطبق عليه قوله تعالى: «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه».

وهذا القسم الثاني المغضوب عليه أشد من القسم الثالث ولا الضآلين.

وقد فسرت الروايات الشريفة المغضوب عليهم باليهود وفسرت الضالين بالنصارى.

القسم الثالث أشارت إليه الآية «ولا الضآلين» وهو من ضل الطريق وانحرف ولعله لم يعاند الحق وإن ضل عن الحق لتقصيره، وبما أن البشر لا يخلو من حب الجاه والمال، فالجاه والمال تمثالان من ذهب لهما تصلي بكل قلوبهم البشر.

ولا يؤمن على الإنسان من الوقوع في الضلال وغلبة الهوى ما لم تشمله الهداية الربانية، وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى: «ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً، ولكن الله يزكي من يشاء، والله سميع عليم».

[خلاصته]

خلاصة سورة الفاتحة، ذكرت سورة الفاتحة أربعة أمور:

الأمر الأول حمد الله والثناء عليه وتمجيده بما يرجع إلى كمال ذاته، وكونه ربّ العوالم، وسلطانه يوم المحشر.

الأمر الثاني حصري لعبادة والاستعانة بالله تبارك وتعالى، فلا يستحق غير الله أن يعبد أو يستعان به.

الأمر الثالث طلب الهداية من الله والسير على الصراط المستقيم الذي يوصل إلى الحياة الدائمة والنعيم الذي لا زوال له.

الأمر الرابع إن الصراط المستقيم خاص بخصوص من أنعم الله عليهم وتلطف بهم، ومَن عليهم برحمته وفضله، وهو يغاير صراط وطريق من غضب الله عليهم كاليهود ومن ضلوا الطريق كالنصارى، لذلك ورد في الدعاء: «يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».

في دعاء يوم الجمعة: «اللهم ثبتني على دينك ما أحييتني، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب».

قال تعالى: «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب».

سمي القلب قلباً لتقلبه، فلكي يثبت هذا القلب بحاجة إلى إنعام الله ومنه ولطفه وفضله وكرمه.

هذا تمام الكلام في إشارات عامة قبل الدخول في التفسير الترتيب التفصيلي، ونبدأ بتفسير البسملة، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  تفسير تسنيم في تفسير القرآن الكريم، ج 1، ص 279، بحث سورة الفاتحة مكية أم مدنية.

[2]  البيان في تفسير القرآن، ص 420.

[3]  التهذيب، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 146، باب 23، الحديث 31.

صحيح البخاري، كتاب الأذان، رقم الحديث 714.

[4] تفسير البرهان، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 26.

[5]  صحيح البخاري، ج 6، ص 103، كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث 4622.

مسند أحمد بن حنبل، رقم الحديث 17177.

00:00

10

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 5 الجلسة

10

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
5 الجلسة