التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

03 - تحليل مفردات البسملة

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

10

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تحليل مفردات البسملة

﴿بسم الله الرحمن الرحيم الاسم في اللغة بمعنى العلامة، وهمزته همزة وصل، فتقول: «بسم»، ولا تقول: «باسم»، والهمزة ليست من الحروف الأصلية، إذ مرجعها «سَموَ» من «السمو»، وفي لفظ «الاسم» لغات كثيرة، والمعروف منها أربع: اِسم بالكاسر، واُسم بالضم، سِم بالكسر، وسُم بالضم، فلفظ «اِسم و سِم» بكسر الأول وضمه وكسر الثاني وضمه أربع لغات مأخوذة من «السمو» وهو الارتفاع.

فما هو وجه الارتفاع؟ يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول الارتفاع باعتبار أن المعنى يرتفع باللفظ فيخرج من الخفاء إلى الظهور، ومن السر إلى العلن، فإن المعنى يحضر في ذهن السامع بمجرد سماع اللفظ بعد أن لم يكن فيه.

إذاً هذا هو الوجه الأول للارتفاع، يرتفع الآن هذا الشخص أنت ما تعرفه تسمع اسمه يرتفع هذا الجهل بـبركة هذا الاسم.

الاحتمال الثاني الارتفاع باعتبار أن اللفظ يرتفع بالوضع، فـبسبب الوضع يخرج اللفظ من الإهمال إلى الاستعمال.

هذا تمام الكلام في مصدر اشتقاق لفظ الاسم، وفيه قولان:

القول الأول وهو الصحيح أن الاسم مشتقٌ من «السمو» بمعنى الرفعة والارتفاع.

القول الثاني مصدر اشتقاق الاسم من «السمة» بمعنى العلامة.

وقد ذكر صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله كلا الاحتمالين ورجح الاحتمال الأول أنه من السمو والرفعة، وقال: يوجد معنى آخر أنه من السمة والعلامة، وقال: لا بأس به.

لكن سيد أساتذتنا المحققين السيد أبو القاسم الخوئي[1] رحمه الله رجح بحقٍ الاشتقاق الأول، فقال: إن الاسم مشتقٌ من «السمو» بمعنى ارتفاع وليس مشتقاً من «السمة» بمعنى العلامة، فقال ما نصّه رحمه الله:

«وقيل باشتقاقه من «السمة» العلامة وهو خطأ لأن جمع «أسماء» وتصغيره «سمي» وعند النسبة إليه يقال: «سموي و اسمي» وعند التعدية، يقال: «سميت و اسميت» ولو كان مأخوذاً من «السمة» لقيل في جمعه «أوسام»، وفي تصغيره «وسيم» وفي النسبة إليه «وسمي» وعند التعدية «وسمت و اوسمت».

خلاصة المفردة الاسم يوجد قولان:

القول الأول الاسم من «السمو» بمعنى الارتفاع، وهو الصحيح، ويوجد قول آخر أن الاسم من «السمة» بمعنى العلامة، وإذا راجعنا التصريف اللفظي لكلمة الاسم سنجد أن الصحيح أنه مشتق من السمو لا العلامة.

هذا تمام الكلام في المفردة الأولى باسم.

المفردة الثانية ﴿الله ويوجد فيها احتمالان:

الاحتمال الأول أنها علم لذات الله المقدسة أي علم لذات الإله، وقد عرفها العرب بـلفظ «الله» حتى في الجاهلية، قال لبيد[2]: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل».

قال تعالى: ﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله.

إذاً لفظ «الله» علمٌ لذات الإله المقدسة، وهذا اللفظ كان متداولاً حتى في الجاهلية، هذا هو الصحيح.

الاحتمال الثاني لفظ الجلالة اسم جنس فـلفظ «الله» أصله: «إله» أي ألِه أو ألَه ثم أضيفت له أل التعريف، ألِه بمعنى تحير، فإذا أضفت الألف واللام صارت الذات المتحير فيها، هذا بالكسر ألِه، وأما بالفتح ألَة بمعنى عبد، فإذا أضيف لها الألف واللام «الله» صارت بمعنى الذات المعبودة.

هذا إذا قلنا إن أصل الكلمة «ألِه» بالكسر أو «ألَه» بالفتح، وقد يقال إن أصل الكلمة «لاه» بمعنى احتجب وارتفع، فأضيفت إليها أل التعريف فصارت تشير إلى الذات المرتفعة والمحتجبة.

إذاً لفظ «الله» بناءً على الاحتمال الثاني اسم جنس إما مأخوذ من «ألِه» أي تحير وأضيف لها الألف واللام صارت الذات المتحير فيها، أو من «ألَه» بمعنى عبد ثم أضيف الألف واللام فصار المعنى الذات المعبودة، أو «لاه» بمعنى ارتفع واحتجب فتشير إلى الذات المحتجبة والمرتفعة، غاية ما في الأمر يقولون في علم الكلام: اسم جنس مصداقه واحد وهو «الإله الواحد» أي أن لفظ «الله» يطلق على الإله المعبود أو الإله المرتفع أو الإله الذي تحيرت فيه العقول.

إذاً يوجد احتمالان في لفظ الجلالة:

الاحتمال الأول أنه عالم جامد، وهو الصحيح. 

الاحتمال الثاني أنه اسم جنس دخلت عليه أل التعريف، لكن الاحتمال الثاني ليس بصحيح لأمور أربعة أفادها سيد أساتذتنا السيد الخوئي[3] رحمه الله .

الأمر الأول التبادر وهو علامة الحقيقة، فإن لفظ الجلالة إذا تلفظ ينصرف الذهن العرفي لعموم الناس إلى الذات الإلهية المقدسة، ولا يتبادر إلى الأذهان اسم الجنس الذات المعبودة أو الذات التي تحير فيها أو الذات التي ارتفعت واحتجبت، والتبادر يكشف عن الحقيقة، ولا يشك في ذلك أحد.

قد تقول هذه اللفظة في البداية كانت مشتقة ثم انتقلت وأصبحت جامدة فحينئذ نقول: نتمسك بأصالة عدم النقل، وهذه الأصالة تثبت أن لفظ الجلالة قد وضع للذات الإلهية في اللغة العربية، وتحقيق حجية أصالة عدم النقل وحجية الظهورات يبحث في علم الأصول وهو خارج بحث التفسير.

الأمر الثاني إن لفظ الجلالة بما له من معنى مشير إلى الذات الإلهية لا يستعمل وصفاً مما يدل على أنه لفظٌ جامد وليس لفظاً مشتقاً، فلا يقال: العالم الله، وتقصد من لفظ «الله» أنه توصيف للعالم، أو الخالق الله القادر الله فيراد من هذه الاستعمالات توصيف العالم والخالق والقادر بصفة هي كونه «الله» فلا يأتي لفظ الجلالة كصفة.

وهذه علامة كون لفظ الجلالة جامداً ليس مشتقاً، وإذاً كان لفظ الجلالة جامداً كان علماً لا محالة لأن الذاهب إلى أن لفظ الجلالة «اسم جنس» فسره بالمعنى الاشتقاقي، إما مشتق من «ألِه» بمعنى تحير أو «ألَه» بمعنى عبد أو «لاه» بمعنى ارتفع.

الأمر الثالث أن لفظ الجلالة لو لم يكن علماً لما كانت كلمة «لا إله إلا الله» كلمة توحيد لأنها حينئذ لا تدل على التوحيد بنفسها كما أن قول: «لا إله إلا الرازق، لا إله إلا الخالق، لا إله إلا القادر» لا يدل على كلمة التوحيد، فهذه الكلمات الأخرى «أسماء الله الحسنى» التي تطلق على الله سبحانه وتعالى لا يقبل إسلام من تلفظ بها واقتصر عليها فقط، فلو جاء شخص وقال: «أشهد أن لا إله إلا القادر» ويمكن يقصد بالقادر بگوان في الهند، يسمونه القدير الهنود، يسمونه القدير.

أو «لا إله إلا الرازق» وهو يعتقد مثلاً الجبل الفلاني هو الرازق، أو «لا إله إلا الحي» ويقصد الحي إله الإلهة عندهم، لا يقبل إسلام إلا من قال: «لا إله إلا الله» أي هذا اللفظ المختص بالذات الإلهية، فيكون لفظ الجلالة لفظاً جامداً، قد يكون منشأه اشتقاقي في الأصل مشتق، ولكن هو الآن لفظٌ جامد وليس اسم جنس يستعمل كـلفظ جامد كعلم للذات الإلهية، ولا يستعمل كـلفظ جامد.

الأمر الرابع إن حكمة الوضع تقتضي وضع لفظٍ لذات المقدسة، كما تقتضي الحكمة الوضع إزاء سائر المفاهيم، ولو تفحصنا لغة العرب لما وجدنا في لغتهم لفظ موضوع للذات الإلهية غير لفظ الجلالة «الله» فيتعين أن يكون هو اللفظ موضوع لها.

إشكال ودفع:

إن قلت إن وضع لفظ لمعنى يتوقف على تصور اللفظ والمعنى معاً، وذات الله سبحانه وتعالى يستحيل تصورها لاستحالة إحاطة الممكن بالواجب، الله عزّ وجل واجب الوجود غني مطلق، وأنى للإنسان الممكن الفقير أن يحيط بالواجب الغني، فيمتنع وضع لفظٍ للذات الإلهية لأنه لا يمكن تصور الذات الإلهية بكل تفاصيلها.

ولو التزمنا وقلنا أن الواضع هو الله وأن الله عزّ وجل لا يستحيل عليه أن يضع اسماً لذاته المقدسة لأنه محيط بذاته وبنفسه، لما كانت لهذا الوضع.

طبعاً هذا إن قيل أن الواضع هو الله هذا فيه إيرادان:

أولاً هذا القول باطل في نفسه لا يوجد دليل يدل على أن الله عزّ وجل وضع لنفسه لفظة «الله» هذا لا دليل عليه هذا باطل.

وثانياً لو تنزلنا وقلنا إن الله قد وضع لنفسه لفظ «الله» فحينئذ لا تكون لهذا الوضع فائدة لاستحالة أن يستعمل المخلوق لفظ الله في المعنى الذي وضعه الواضع والله عزّ وجل، لأن الاستعمال يتوقف على تصور المعنى وأنى للمخلوق الممكن أن يتصور المعنى الذي أراده الخالق الواجب، فيصير هذا الوضع لغو لا فائدة منه، لأن سائر المخلوقين لن يستطيعوا أن يتصوروا معنى لفظ «الله» الذي وضعه الله لنفسه.

إذاً لفظ «الله» لم يضعه الله عزّ وجل، بل وضعه المستعمل اللغوي، والمستعمل اللغوي لا يمكن أن يتصور حقيقة كُنْه الله عزّ وجل حتى يضع لها لفظ «الله».

والجواب: من قال إن وضع اللفظ للمعنى يتوقف على تصور تفاصيل المعنى، بل يكفي التصور الإجمالي للمعنى لكي يضع الوضع اللفظ له، فوضع اللفظ بإزاء المعنى يتوقف على تصور معناه بشكل إجمالي لا تفصيلي، فتصور المعنى ولو بالإشارة إليه يكفي في وضع اللفظة، والتصور الإجمالي للذات الإلهية المقدسة أمرٌ ممكن للممكن، والتصور الإجمالي كما يتحقق بالنسبة إلى تصور الممكن يتحقق بالنسبة إلى تصور الواجب.

ولو اعتبر التصور التفصيلي لامتنع الوضع والاستعمال حتى في الموجودات الممكنة التي يصعب أو لا يمكن الإحاطة بكنهها كـ «الملائكة والجن والروح» أنت تعرف حقيقة الروح؟! وحقيقة الجن؟! وتفاصيل الشياطين والملائكة؟! وعلى الرغم من ذلك وضع الواضع مفردة «الملك والجن والروح» فلا يرتاب أحد في أنه يصح استعمال اسم الإشارة أو الضمير ويقصد به الذات الإلهية.

فكذلك يمكن قصد الذات الإلهية من اللفظ الموضوع لها، يعني يكفي أن يرى الإنسان أن لفظ «الله» موضوع للذات المستجمعة لجميع صفات الكمال والجمال ومنزهة عن صفات الجلال.

يبقى إشكال يأتي الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  تفسير البيان، ص 426.

[2]  صاحب إحدى المعلقات السبع.

[3]  البيان في تفسير القرآن، ص 426 و 427.

00:00

10

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 5 الجلسة

10

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
5 الجلسة