التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

05 - تحليل مفردة الرحيم من البسملة

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

16

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تحليل مفردة الرحيم من البسملة

تحليل مفردة الرحيم من البسملة.

«الرحيم» اسمه عام لصفة خاصة، فهذا الاسم يطلق على الله عزّ وجل وعلى غيره، فهو عام، لكنه لصفة خاصة، فهذه الرحمة تختص بالمؤمنين أو بخصوص يوم القيامة كما سيأتي.

و«الرحيم» على وزن فعيل، وهو صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، ومن خصائص هذه الصيغة أنها تستعمل غالباً في الغرائز واللوازم غير المنفكة عن الذات كـ «العليم، والقدير، والشريف، والوضيع، والسخي، والبخيل، والعلي، والدني» فالفارق بين صفة الرحمن وصفة الرحيم، أن الرحيم يدل على لزوم الذات، لزوم الرحمة للذات، وعدم انفكاكها عنها، والرحمن يدل على ثبوت الرحمة فقط.

وذهب الألوسي في تفسيره[1] إلى أن كلمة الرحمن والرحيم ليستا من الصفات المشبهة، بقرينة إضافتها إلى المفعول في جملة: «يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما»، والصفة المشبهة لا بد من أن تؤخذ من اللازم، ولا تكون متعدية.

وناقشه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[2] رحمه الله بحقٍ قائلاً:

وهذا الاستدلال غريب لأن الإضافة في الجملة المذكورة ليست من الإضافة إلى المفعول بل من الإضافة إلى المكان أو الزمان ولا يفرق فيها بين اللازم والمتعدي، هذا لو نظرنا إلى مفردة الرحمن والرحيم وحللناهما بمقتضى اللغة العربية.

لكن إذا رجعنا إلى الروايات[3] سنجد أن بعض الروايات ذكرت أن الرحمن اسم خاص ومعناه عام، وأما الرحيم فهو اسم عام ومعناه خاص، ومختص بالآخرة أو بالمؤمنين.

لكن لا بد من تأويل هذه الروايات لمخالفتها ظاهر الكتاب العزيز، فإنه قد استعمل فيه لفظ الرحيم من غير اختصاص بالمؤمنين أو بالآخرة، فقد جاء في القرآن الكريم الآيات التالية:

قال تعالى: «فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم» «نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم» «إن الله بالناس لرؤوف رحيم» كل الناس ما في خاص بالمؤمنين أو يوم القيامة «ربكم الذي يسجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما» يعني بجميع المربوبين.

قال تعالى: «ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً» يعني يغفر ويرحم للمنافقين أيضاً، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

وقد جاء في بعض الأدعية والروايات «رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما»[4].

لكن يمكن أن يوجه اختصاص الرحمة بخصوص المؤمنين أو خصوص اليوم الآخر بهذا التوجيه، وهو أن الرحمة إذا لم تنتهي إلى الرحمة في الآخرة فكأنها لم تكن رحمة، وقد أشير إلى ذلك في بعض الأدعية المأثورة فمن يرحمه الله في الدنيا ولا يرحمه في الآخرة، فرحمة الدنيا ليست رحمة أمام عذاب الله الأخروي، فما جدوى رحمة في الدنيا تكون عاقبتها العذاب والخسران في الآخرة؟! فإن الرحمة الزائلة تندك أمام العذاب الدائم.

ومن هنا بهذا اللحاظ صح أن يقال: الرحمة مختصة بالمؤمنين أو بالآخرة، هذا من قبيل ما يقال في هذه الرواية «الدنيا سجن المؤمن وجنة للكافر» والحال إن بعض المؤمنين متنعم في الدنيا، بل بعضهم ملك كـنبي الله سليمان أصبح ملكاً، وبعض الكفار في فقرٍ متقع في هذه الدنيا، ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمع وأقبح الكفر والإفلاس بالرجلي.

فيكون الجواب: إن نعيم المؤمن في الدنيا وإن أصبح ملكاً فليس بشيء أمام نعيم الله في الآخرة، فهذا النعيم الدنيوي بمثابة السجن بالنسبة إلى النعيم الأبدي الأخروي، وهذا العذاب والفقر الدنيوي للكافر ليس بشيء أمام عذاب جهنم والعذاب الأخروي، فيكون الأمر نسبياً.

هذا تمام الكلام في بيان المفردات الأربع للبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم».

الإعراب:

«باسم» أي باسم، فالباء حرف جر، واسم اسم مجرور، ومن الواضح أن الجار والمجرور له متعلق في اللغة العربية، فما هو متعلق البسملة؟

وقع الكلام في ذلك، وذكرت أربعة أقوال:

القول الأول تقدير أقرأ أو اقرأ فتقول: بسم الله أقرأ، أو بسم الله اقرأ.

القول الثاني تقدير أقول أو قل فتقول: قل بسم الله أو أقول بسم الله.

القول الثالث المتعلق أستعين أو استعن فتقول استعن بالله أو أستعين بالله.

القول الرابع والأخير وهو الصحيح أن يكون المتعلق ابتدء، فتقول بسم الله ابتدأ أو ابتدأ بسم الله.

والوجهان الأولان باطلان، والوجه الثالث لا يمكن المساعدة عليه، فيتعين الوجه الرابع وهو الابتداء.

تفصيل ذلك:

أما الوجه الأول، وهو تقدير اقرأ أو اقرأ، وكذلك الوجه الثاني وهو تقديم أقول أو قل، فهنا يكون مفعول القراءة أو القول هو الجملة بما لها من معنى، فلابد من تقدير كلمة أخرى لتكون الجملة بما لها من المتعلق مقولاً للقول، فيصير التقدير هكذا على الوجه الأول اقرأ أو اقرأ جملة وعبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» فمفعول اقرأ أو أقرأ هو عبارة جملة كلمة «بسم الله الرحمن الرحيم»، والأصل عدم التقدير.

فعلى الاحتمال الأول وهو أقرأ أو اقرأ نقدر لفظ جملة أو عبارة، وهكذا على الوجه الثاني أقول أو قل فتصير العبارة هكذا: قل عبارة بسم الله الرحمن الرحيم، أقرأ عبارة بسم الله الرحمن الرحيم، فنقدر مفعولاً محذوفاً لـ اقرأ على الاحتمال الأول، أو لـ أقول على الاحتمال الثاني، والأصل عدم التقدير، فهذا خلاف ظاهر عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» ليس فيها تقدير جملة عبارة بسم الله الرحمن الرحيم.

الوجه الثالث وهو تقدير أستعين أو استعن، الاستعانة إما أن تكون من الخالق، وإما أن تكون من المخلوق، والاستعانة من الخالق مستحيلة لأن الله غني، فلا يحتاج إلى الاستعانة حتى بأسمائه الكريمة، وأما الاستعانة من الخلق، فهي ممكنة، بل قد تكون واجبة، لكن الخلق يستعين بالله لا بأسماء الله.

وقد نصّ تبارك وتعالى على ذلك في سورة الحمد إذ قال عزّ من قائل: «إياك نعبد وإياك نستعين» ولم يقل: نعبد أسماءك،وبأسمائك نستعين، لم يقل.

ممكن هذا ولكن خلاف ظاهر الآية ظاهر الآية الاستعانة بالله عزّ وجل.

فتعين الاحتمال الرابع وهو الابتداء، فتقول: بسم الله ابتدء، ولهذا التقدير آثار في فهم البسملة والآيات والقرآن الكريم حتى الاستخارة، فإذا استخرت بالقرآن وخرجت البسملة، فإذا قدرت الاستعانة وهي الاحتمال الثالث تقول لمن استخار، هذا الأمر جيد لكن فيه صعوبة، لأن الاستعانة لا تكون إلا في الأمر الصعب.

ولكن إذا قدرت الابتداء، تقول له: توكل على الله اشرع في العمل، ولا توجد صعوبات، بل الله عزّ وجل يأمرك بالابتداء.

وهكذا على الاحتمال الأول أو الثاني اقرأ: بسم الله واعمل، قل بسم الله وامض.

لذلك بعض الكتب في الاستخارة في البسملة، يقول: جيدة لكن فيها صعوبة هذا بناء على تقدير الاستعانة ففهم الآية يؤثر.

«بسم الله» هناك إضافة أضيف الاسم إلى الله عزّ وجل، فهل هذه الإضافة بيانية أو هذه الإضافة معنوية؟

والصحيح أن هذه الإضافة معنوية، وكلمة الله مستعملة في معناها «الذات الإلهية»، وليست إضافة بيانية، يعني باسم بالاسم الذي هو الله تصير بيان، فلو حملناها على الإضافة البيانية، يوجد احتمالان لا يمكن الالتزام بهما.

الاحتمال الأول لو كان المراد نفس هذه الألفاظ «الله الرحمن الرحيم» فالاحتمال الأول، يقول: هل يراد مجموع هذه الألفاظ؟ ومن الواضح أن مجموع هذه الألفاظ ليس من الأسماء الإلهية، ليس من أسماء الله «الله والرحمن والرحيم» يعني مجموع الله الرحمن الرحيم، هذا ليس من الأسماء.

وإن أريد كلٌ على انفراده، يعني لفظ الجلالة على انفراده، والرحمن على انفراده، والرحيم على انفرادع، احتيج إلى العاطف، فتصبح الجملة هكذا: «بسم الله والرحمن والرحيم» وهذا خلاف ظاهر البسملة ليس فيها واو عاطفة.

إذاً الإضافة ليست بيانية لا بنحو المجموع ولا بنحو الانفراد، فيتعين أن تكون الإضافة معنوية، وتكون كلمة «الله» قد استعملت في معناها.

هذا تمام الكلام في تحليل مفردات البسملة، إلى هنا أخذنا المفردات الأربع: «باسم، الله، الرحمن، الرحيم» ابتدأ، ونحن ونبتدأ بالتفسير إلى هنا فقط حللنا المفردات الأربع، وشرحنا معناها.

يبقى تفسير البسملة، وبيان واقع البسملة، وما دلت عليه الروايات الشريفة بالنسبة إلى البسملة، يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  روح المعاني، ج 1، ص 59.

[2] تفسير البيان، ص 431 و 432.

[3]  تفسير الطبري، وهو تفسير روائي، ج 1، ص 43.

تفسير البرهان، السيد هاشم التوبلاني، تفسير روائي عند الشيعة، ج 1، ص 28.

[4]  الصحيفة السجادية، دعاء الإمام السجاد في استكشاف الهموم.

بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 383، باب 4، الحديث 68، الدعاء بعد صلاة الأعرابي.

مستدرك الحاكم النيسابوري، ج 1، ص 155.

00:00

16

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 5 الجلسة

16

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
5 الجلسة