المقامات العلية
شیخ الدقاق

15 - أربعة طرق لتحصيل صفة الخوف

المقامات العلية

  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

20

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أربعة طرق لتحصيل صفة الخوف

كان الكلام في المقام الثالث في بيان الصفات الرذيلة المتعلقة بالقوة الغضبية، قلنا طرف الإفراط في القوة الغضبية هو التهور وطرف التفريط في القوة الغضبية والجبن، وهناك رذائل تترتب على صفة الإفراط والتفريط:

الصفة الأولى صفة الخوف، وهي تترتب على جانب التفريط الجبن.

الصفة الثانية هي صفة الأمن من مكر الله، وهي تترتب على جانب الإفراط التهور وما يقابل الأمن من مكر الله هو الخوف الله إذ الأمور تعرف بأضدادها علم الأخلاق، علم الأخلاق هو الذي يدرس محاسن ومساوئ الصفات، يدرس المحاسن والأضداد، المناقب والمثالب، المحاسن والمساوئ، الفضائل والرذائل، هناك مثل بالفارسي يقول: من أين تعلمت الأدب؟ قال: من غير المؤدبين.

إذا بحثنا عن طرق أربعة توجب تحقق الخوف من الله عزّ وجل:

الطريق الأول تحصيل اليقين بالله، تقوية الإيمان، كل ما صار عندك يقين بالله وبالحساب والكتاب وبيوم القيامة يزيد خوفك من الله الذي يعرف الله أكثر يخاف الله أكثر والذي ما يعرف الله ما يخاف الله.

الطريق الثاني التفكر بأحوال يوم الحساب ويوم القيامة.

الطريق الثالث مشاهدة أحوال الخائفين من الله، لما تسمع أو تقرأ عن أحوال أمير في صلاته وأحوال الإمام السجاد في وضوءه.

الطريق الرابع أن تتأمل في عدم قدرة البشر على فهم حقائق القضاء والقدر.

هذه أمور أربعة كل ما الإنسان يعمقها في حياته يزيد خوفه من الله.

أولاً يعمق إيمانه بالله.

ثانياً يتفكر في الميعاد يوم القيامة وأهوال يوم القيامة.

ثالثاً يشاهد أحوال الخائفين ورجال الله.

رابعاً يتأمل في القضاء والقدر الإنسان ما يعرف عاقبته.

كان واحد في منطقتنا من أهل الصلاح والفلاح وآخر ممن يتعاطى المخدرات والحشيش فهدى المؤمن الصالح ذلك العبد الطالح وأصبح هذا الرجل من المؤمنين والمتدينين، رأيته في زيارة الأربعين لما رأيت وجهه ذكرت الشخص الذي هداه، انحرف ومات بحشيشه.

لذلك لا تنظر إلى العبد المذنب باستخفاف واستحقار، ولا تنظر أن أنت أفضل منه، هذا يؤدي إلى سوء العاقبة.

نقرأ هذا المقدار مما كتبه المحدث الكبير الشيخ عباس القمي رحمه الله في كتاب المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدي[1] قال:

«ويجب أن يعلم أن تحصيل صفة الخوف يتم بأربعة طرق:

الأول السعي في تحصيل اليقين والإيمان بالله ويوم الجزاء والجنة والنار والعقاب والحساب.

الثاني أن يتفكر دائماً بأهوال يوم الحساب ويتذكر أنواع العذاب ويضع الموت نصب عينيه ـ اذكروا هادم اللذات ـ ويتصور صعوبة عالم القبر والبرزخ وعقاب يوم القيامة» تهيئة الكفن مستحب ومن موجبات طول العمر، وأفضل الهدايا إهداء الكفن إذا تهدي واحد كفن يقول تدعي علينا.

بعض أهل طاعته مهيئ الكفن مكان عمله يعني عنده مكتب اجتماعات الكفن إلى جنبه، يدرس الكفن بجنبه.

يا من بدنياه اشتغل

قد غره طول الأمل

الموت يأتي بغتة

والقبر صندوق العمل.

أمير المؤمنين يقول: يا كميل! استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلوله أجلك.

«الثالث مشاهدة أحوال الخائفين من الله والاستماع إلى قصص خوف الأنبياء والأولياء الشديد من الله عزّ وجل».

في يوم من الأيام رأت إحدى زوجات النبي وهو يبتل ويتهجد حتى تورمت قدماه، فقالت: يا رسول الله ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فلما هذا العناء؟ فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً صلى الله عليه وآله.

«الرابع أن يتأمل في عدم قدرة البشر على فهم حقائق القضاء والقدر الإلهي» هنا العبارة فيها نقص من الترجمة موجود في الترجمة هكذا: «وعدم أحد بما هو وراء الحجاب فالفرح بالطاعة والإيمان خاتمة أمره» العبارة غير منسجمة لعله خطأ مطبعي فراجعت النسخة الأصلية المكتوبة بالفارسية المقامات العلية أو خلاصة معراج السعادة صفحة ستة وعشرين تصير الترجمة هكذا: «وعدم أحد بما هو وراء الحجاب» يعني وعدم معرفة أحد بما هو وراء الحجاب.

وإذا نراجع النسخة الفارسية بالدقة تكون الترجمة الدقيقة هكذا: «ولا يوجد خبر عند أي أحد بما وراء الحجاب» يعني لا يوجد لأي أحد إطلاع بما هو وراء الحجاب، يعني الغيب نحن في عالم الشهادة وهناك عالم الغيب عالم الغيب محجوب عنا مستور عنا.

ثم قال: «فالفرح بالطاعة والإيمان خاتمة أمره» إذا نراجع الترجمة «إذا لا ينبغي الفرح بالطاعة والإيمان لعدم معرفة بخاتمة أمره» وماذا يعرف عن نهاية عمله.

ثم يقول:

«وكيف يطمئن إلى أن ما كتابه لن يتحول» أيضا هناك خطأ في الترجمة أو في الطباعة، إذا نراجع في الفارسية تصير هكذا: «وكيف يطمئن أن كتابه لن يتحول» أي كيف يطمئن إلى أن دفتر أعماله لن يتحول، كيف لم يتحول؟ أنت عندك حسنات، تغتاب واحد، حسناتك تنتقل إلى ذاك الشخص، أو تنقل إليك مساوئ غيرك، إذا ذاك ما عنده حسنات وأنت اغتبته سيئاته تنتقل لك فدفتر أعمالك وكتاب أعمالك يتحول يتغير.

«وأن أحواله لن تتبدل كما ورد أن شخصا عبد الله خمسين عاماً وعمل عمل أهل الجنة حتى لم يبق بينه وبين الجنة إلا بقدر شرب الناقة، وصارت خاتمته إلى ما قدر له» يعني يعبر مقدار المكان الذي تشرب فيه الناقة، لكن عاقبته سيئة كما في جامع السعادة.

مكتوب تعريف شعر فارسي، تعريب هذا خطأ مطبعي، تعريب يعني بيت شعر بالفارسي، ينقل إلى اللغة العربية يعرب: «لا ترضى بالأعمال في يوم الأزل لا تدري ما تلقاه من سوء العمل» ترجمة على وزن شعر دقيق.

«وروي أن الملائكة إذا صعدت بروح المؤمن وقد مات على الخير والإسلام تعجبت، وقالت: كيف نجا من دنيا قد فسد فيها خيارنا؟!» أجارنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

«وورد أيضا الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم إلا العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم فيجب أن نبكي على أنفسنا ونوح على أحوالنا.

تعريب شعر فارسي:

إذا نظرت لغيرك ذي العيون

بكت بدماء بدماء مقلتها الجفون

واجلس حيثما بكت الجموع

اليقا بالألم الحزين».

يوم من الأيام أنا كنت خارج من إحدى المدارس العلمية في قم في أثناء خروج أحد المجتهدين الآن عند رسالة عملية مرجع داخل وهو من أهل الله متدين سلمت عليه، قلت له: ادعوا لي في خلواتك وفي مواطن إجابة الدعاء خصوصاً صلاة الليل، قال: إن شاء الله. اسمك الكريم؟ قلت له: اسمي، قلت له: أنت إلى خير فأشار بسبابته إلى حلقه، قال: شيخنا ما دام هذه لم تخرج من هنا لا اطمئن أنني على خير، هذا من حسن ظنك ادع لي بحسن العاقبة.

لذلك حجر بن عدي الكندي لما أسره أزلام معاوية وحكموا عليه وعلى ولده بالضرب بالسيف، فقالوا له: نضرب عنقك أولاً أو عنق ولدك؟

فقال: قدموا ولدي.

قالوا: ما أقساه؟

فقال: إني أخشى أن يرى حرارة السيف على رقبتي فيتراجع عن ولاية علي بن أبي طالب وأحببت أن اطمئن أن ولدي يخرج من الدنيا على ولاية علي بن أبي طالب أولاً وأؤجر به وبنفسي ثانياً، هكذا كان حجر بن عدي الكندي.

«وهذا الخوف الذي هو خوف سوء العاقبة هو أعظم المخاوف التي مزقت قلوب العارفين، ولسوء العاقبة أسباب كثيرة ومرجعها إلى ثلاثة أشياء» التفتوا جداً إلى هذه الأشياء الثلاثة المهمة.

الأول أن يوجد عند الإنسان خلل عقائدي وهذا يظهر عند سكرات الموت، بل أنصحكم نصيحة أيها الإخوة والأحبة بذكر خاطرة:

في إحدى السنوات بالحوزة العلمية أشكل أحد المجتهدين الذي هو في مستوى المرجعية إشكالاً لا ينبغي من مثله أن يقوله، وانتشر هذا الإشكال انتشار الهشيم، وردوا عليه مراجع الدين والعلماء، من ضمنهم أحد المراجع الذي كان زميلاً له، وقال: مشكلة هذا الشخص تبدأ من حيث كنا عزاب في المدرسة الفيضية، وهذا الإشكال كان في ذهنه منذ أن كان طالباً صغيراً وأعذب ولم يسعى لرفع الإشكال وبقي هذا الإشكال إلى أن أصبح في هذا المستوى العلمي الرفيعي.

رحمة الله على السيد الإمام الخميني عطل بحثه الخارج فقه وأصول ثلاثة أيام، لماذا؟ لأنه سمع أن طلابه علقت في ذهنه شبهة عطل درسه ثلاثة أيام وتفرغ لهذا الطالب لكي يرفع من ذهنه هذه الشبهة.

في الرواية «لئن يهدي الله بك رجلاً كان خيراً لك مما طلعت عليه الشمس» هذا الذي عنده إشكالية، عنده ضعف عقائدي، انحراف عقائدي جهل عقائدي ما يلتفت إليه يأتيه الشيطان عند سكرات الموت فتكون عاقبته سيئة، فاسعوا إلى تقوية عقائدكم من الآن.

السبب الثاني قلة حب الله في القلب، وغلبة حب الدنيا والأهل والعيال على حب الله، والإنسان مع من أحب إذا هو متعلق بالدنيا يحب الفلوس أو العروس أو ما يؤكل بالضروس دنيا في دنيا، عند سكرات الموت هذا يصير للإنسان الذي في غيبوبة أو في الحلم، يا أخي أنت إذا عندك امتحان رياضيات أو فقه أو أصول وتنام تصير الحلم كله فقه وأصول ورياضيات لأنك قريب العهد منه، عند سكرات الموت يأتيك أقرب الشيء الذي كان إليك.

يا أخي ألا بذكر الله تطمئن القلوب أنت إذا تمشي في السوق أو تركب سيارة وتسمع ليرة ليرة ليرة ليرة دينار دينار يعني كل كلام عن الفلوس والدنيا، بدل ما تشتغل بذكر الله، تشتغل بذكر المال أو بذكر الناس فلان راح وفلان قال وفلان كذا وفلان كذا ثوبه قصيرة وهذا ثوبه طويلة، عند سكرات الموت يأتيك هذا الذي كان قريب إليك، دائما تحب تتكلم على الناس هذا يجيك عند سكرات الموت، وهذا يصير أحب إليك من الله ومن ذكر الله فتبغض لقاء الله فتكون العاقبة سيئة والعياذ بالله.

السبب الثالث كثرة المعاصي وإتباع الشهوات.

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي

إذا الإنسان غارق في الشهوات، يعني واقعاً بعضهم وجدته ما يمكن تتكلم معه هو في واد آخر وأنت في واد آخر هذه دنياه وهذه حياته.

إذا هذه أسباب ثلاثة لسوء العاقبة:

الأول الخلل والضعف العقائدي.

الثاني حب الدنيا وزيادته على حب الله.

الثالث إتباع الشهوات.

نقرأ هذا المقدار قال الشيخ عباس القمي رحمه الله:  

«ولسوء العاقبة أسباب كثيرة ومرجعها إلى ثلاثة أشياء:

الأول وهو أسوأها وهو أن يظهر عند سكرات الموت خلل بعقائد الميت ويوجب الشك أو إنكار بعض العقائد في قلبه فيصير هذا حجاباً بينه وبين الله، ويؤدي به إلى العذاب الأبدي والخسران.

الثاني قلة حب الله في القلب وغلبة حب الدنيا والأهل والعيال على حب الله فعندما يشاهد هذا الشخص الموت ويستحضر في ذهنه مفارقته للأشياء المحبوبة لديه ولأنه يعلم أن هذا الفعل من الله يزول القليل الباقي من الحب بل يتبدل إلى بغض وإنكار».

الله يرحم عمي يشتغل في السوق يقول دخلت على أحد التجار وهو نايم على الصندوق الذي فيه الأموم، قلت له: صبحك الله بالخير أبو فلان، استيقظ قال: نعم، التفت إلى الصندوق التجاري، يقول: خسارة بروح عنك، خسارة سأترك هذا الصندق وأرحل عنه، تعلق بالمال.

«فإذا مات على هذه الحال كان ذلك من سوء العاقبة، ويرد على الحق تعالى كالعبد الآبق الهارب الساخط المأخوذ قهراً» عبد هارب ويمسكون يأتي وهو ساخط «فيحملونه إلى مولى، إذا على كل طالب نجاة أن يجعل حب الله غالباً على قلبه.

الثالث كثرة المعاصي وإتباع الشهوات والرسوخ فيها فهي تخطر في الإنسان عند الموت وتتصور لديه فإذا مات على هذه الحال كانت عاداته وشهواته حجاباً بينه وبين ربه، وكثيراً ما تتمثل له صورته الفاحشة بسبب الإلفة والعادة.

والسر في ذلك أن حالة الغيبوبة التي تحصل قبل الموت شبيهة بالنوم فكما يرى الإنسان الأحوال التي ألفها واعتاد عليها حال النوم ولا يرى فيه أبداً الأشياء التي لا تشبه ما رآه حال اليقظة واعتاد عليه كذلك عند سكرات الموت، والغيبوبة التي تسبقه والتي هي بمنزلة النوم لا يخطر بباله غير ما اعتاد عليه وألفه.

طبعاً عند سكرات الموت يتضح أنا حدثني واحد يقول حضرت احتضار إلى شخص مؤمن يقول: لما قرب رحيله بكى، قال لم تبكي؟ قال: خسارة على صلاتي التي صليتها صليتها خلف القضاة، يعني عرض عليه أعماله رأى وهو يصلي ورا القضاة رأى أعماله ذهبت هباً منثوراً، يقول: خسارة.

«والغيبوبة التي تسبقه والتي هي بمنزلة النوم لا يخطر بباله غير ما اعتاد عليه وألفه ومن أراد الخلاص من هذا الخوف يجب عليه أن يشتغل بالمجاهدة تمام عمره ليمنع نفسه عن المعاصي وينزع جذور الشهوات من قلبه ويواظب على العلم والعمل».

سؤال لماذا: أكثر الناس يسرحون في الصلاة؟ بل بعضهم يقول: أنا إذا أريد أتذكر اصلي، حتى كان حجي الله يرحمه يقولون: إبليس يقولون ما فيه فايدة، قال: أنا دخلت في الصلاة جاني، قال لي: يا حج فلان خيشة البصل نسيتها في السوق الذي اشتريته ارجع خذها.

والجواب: أنت دائماً تتذكر الشيء الذي كنت مأنوس به قبل الصلاة.

أعجبني أحد المؤمنين يقول ـ من طلاب قم ـ يومياً آخر عشر دقائق قبل الصلاة افرغ نفسي، ما أشغل نفسي بدرس أو مباحثة أو سوق أفرغ ذهني اذكر الله قبل ما أدخل في الصلاة ومن المواظبين على درس الأخلاق يعتبره واجب، يعني أكثر درس يواظب عليه درس الأخلاق وفرغ نفسه مربي نفسه، كان يعمل والدنيا عنده ترك الدنيا، جاء إلى الآخرة تفرغ لها تماما عشر دقائق قبل كل صلاة يجلس يتفرغ.

لكن الكثيرين إذا دخل وقت الصلاة يقول جاء القاطع الذي يقطع الدرس ويقطع أعمالنا.

ثبتنا الله وإياكم على ذكر الله وحب أولياء الله، هذا تمام الكلام في الصفة الثانية الأمن من مكر الله.

الصفة الثالثة اليأس من رحمة الله، يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  ص 33.

00:00

20

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 15 الجلسة

20

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
15 الجلسة