التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

06 - تفسير البسملة

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

20

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تفسير البسملة

«بسم الله الرحمن الرحيم» ابتدأت البسملة بلفظ «بسم» أي باسم الله، وبما أن العبد ممكن والله عزّ وجل واجب ولا يمكن للممكن أن يحيط بالواجب، إذ أن الممكن المتناهي لا يحيط بالواجب اللامتناهي، ومن هنا أمر «بسم الله» لا بالله.

والاسم ما دلّ على المسمى والذات، والكتاب كتابان: كتاب تكويني وكتاب تدويني، وعالم التدوين هو عالم الجعل والتشريع، وعالم التكوين هو عالم الخلق، وابتدأ الله عزّ وجل كتابه التدويني وكتابه التكويني باسمه الدال عليه، وابتدأ باسمه الأعظم تكويناً وتدويناً، ففي عالم التكوين أول ما خلق الله نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله إذ أنه الاسم الأتم تكويناً، فالاسم ما دل على الذات، وأتم اسم تكويني في عالم الخلق يدل على الله عزّ وجل هو نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله.

وكما ابتدأ الله عالم التكوين والخالق باسمه الأتم وهو الحقيقة المحمدية، كذلك ابتدأ كتابه التدويني وهو القرآن باسمه الأعظم، وأكثر الروايات تشير إلى أن اسم الله الأعظم هو لفظ «الله» فقال: «بسم الله» أي ابتدأ بسم الله، وقلنا توجد احتمالات أربعة:

الاحتمال الأول أقرأ أو اقرأ، والاحتمال الثاني أقول أو قل، وبناء على هذين الاحتمالين يكون الفعل متعدي، أقرأ جملة «بسم الله الرحمن الرحيم» أو أقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» هذا الجار والمجرور في محل نصب مفعول به.

فبناء على الاحتمال الأول أقرأ أو اقرأ، والاحتمال الثاني أقول أو قل، يكون الفعل متعدي.

بخلاف الاحتمال الثالث أستعين أو استعن «بسم الله» أو الاحتمال الرابع ابتدئ أو أبتدئ بسم الله فإن الفعل يكون لازماً ويتعدى بالباء، وإذا دار الأمر بين الفعل اللازم والفعل المتعدي يقدم اللازم فينتفي الاحتمال الأول والثاني أقرأ وأقول، ويبقى الاحتمال الثالث أستعين، والاحتمال الرابع أبتدئ فإن أجبنا على إشكال الاحتمال الأول والثاني أقرأ جملة أقول جملة، ودفعنا هذا الإشكال وقلنا إن بسم جار ومجرور في محل نصب مفعول به.

عموماً الاحتمال الأول والثاني يكون الفعل متعدي، الاحتمال الثالث والرابع لازم.

لكن بناءً على الاحتمال الثالث أستعين يلزم التكرار، إذ تكررت الاستعانة في سورة الحمد، في قوله تعالى: «وإياك نستعين» فيتعين الاحتمال الرابع، فيكون الفعل لازم ابتدئ، ولا يوجد تكرار.

الأصل عدم التكرار حتى لو كانت القضية مهمة لكن إذا دار الأمر بين التوكيد وبين التأسيس المتكلم العرفي إما أن يؤكد مع طلباً جديداً، وإما أن يؤكد مطلباً سابقاً، فإذا جزمنا أنه يؤكد بقرائن هذا صحيح، لكن إذا شككنا ودار الأمر بين التأسيس والتأكيد فإنه يحمل على التأسيس وكلام الله عزّ وجل كلام الباري يحمل على أفضل الكلام، فيتعين الحمل على التأسيس، فنقدر لفظ ابتدئ.

ومن هنا نشرع في تفسير البسملة، ويراجع البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي صفحة أربعمائة وثلاثة وثلاثين إلى أربعمائة وخمسة وثلاثين.

الله عزّ وجل أنزل سور القرآن وهي مائة وأربعة عشر سورة لسوق البشر إلى كماله الممكن أي ما يمكن أن يصل إليه من كمال وإخراج الإنسان من ظلمات الشرك والجهالة إلى نور التوحيد ومعرفة الله ومن هنا ناسب أن يبدأ في كل سورة باسمه الكريم لأن اسمه هو الكاشف عن ذاته ولا يمكن أن يحيط البشر بذاته فيبتدأ باسمه الدال على ذاته، وقد أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم لكي يعرف سبحانه وتعالى واستثنيت من ذلك سورة براءة لأنها نزلت بالشدة وبدأت بالبراءة من المشركين، ولهذا الغرض أنزلت، فلا يناسبها ذكر اسم الله في البداية، ولا سيما مع توصيفه بالرحمن الرحيم.

روى ابن عباس قال: سألت علي بن أبي طالب عليه السلام : «لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم، قال: لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان»[1].

والخلاصة:

ابتدأ الله عزّ وجل كتابه التدويني وهو القرآن الكريم بذكر اسمه، كما ابتدأ في كتابه التكويني في عالم الخلق ابتدأ باسمه الأتم، واسم الله الأتم في عالم التكوين والخلق هو الحقيقة المحمدية ونور النبي الأكرم الذي هو أول مخلوق لله وتعالى قبل خلق سائر المخلوقين.

بيان ذلك:

إن الاسم هو ما دل على الذات، وبهذا الاعتبار تنقسم الأسماء الالهية إلى قسمين: تكوين وجعلية تدوينية، فالأسماء الجعلية هي الألفاظ التي وضعت للدلالة على الذات الإلهية المقدسة أو على صفة من صفات الذات الجمالية أو الكمالية أو الجلالية جمالية والجلالية.

والأسماء التكوينية هي الممكنات الدالة بوجودها على وجود خالقها وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، آية الله أي علامة الله.

قال تعالى: «أم خلقوا من غير أم هم الخالقون»، «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا» إذاً في جميع المخلوقات، يوجد ما يدل على وجود الخالق، وما يدل التوحيد.

وكما تختلف الأسماء الإلهية اللفظية من حيث دلالتها فيدل بعضها على نفس الذات وبعضها يدل على صفات الجمال وبعضها يدل على صفات الجلال، كذلك تختلف الأسماء التكوينية في دلالتها وإن اشترك الجميع في الكشف عن الوجود والتوحيد، ومنشأ الاختلاف أن الموجود إذا كان أتم كانت دلالته على الله أقوى، ومن هنا صح إطلاق أسماء الله الحسنى على الأئمة الهداة باعتبار أن وجودهم هو الوجود الأتم والأدل على الله تبارك وتعالى، وقد أطلق عليهم في بعض الروايات[2].

إذاً الله عزّ وجل ابتدأ في كتابه التدويني وهو القرآن الكريم بأتم اسم وهو الاسم الأعظم الله فهو أشرف الألفاظ وأقربها إلى اسمه كما بدأ في كتابه التكويني وعالم الخلق باسمه الأعظم والأتم في عالم الوجود العيني في مقابل عالم الوجود الذهني يعني في عالم الأعيان والموجود الخارجية خارج الذهن.

من هنا يحسن ماذا؟ الابتداء «بسم الله» روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «كل كلام أو أمر ذي بال لم يفتتح بذكر الله عزّ وجل فهو أبتر أو قاطع أقطع»[3].

وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله عزّ وجل «كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر»[4] أي مقطوع.

لذلك تجد في الكتب في طباعة الكتب أول صفحة يكتبون بسم الله الرحمن الرحيم، وأحرص دائماً في تدريسك في اجتماعاتك في مداخلاتك في كلامك أن تبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، وتذكر هذه الرواية «كل أمر ذي بال لم يبدأ به بسم الله فهو أبتر».

كما ذكرنا فيما سبق أن إضافة اسم الله إضافة باسم إلى الله هي إضافة معنوية وليست إضافة بيانية أي أن كلمة اسم قد استعملت في معناها وكلمة الله قد استعملت في معناها.

أي أن كلمة اسم استعملت في معناها الجامع القابل للصدق على جميع أسماء الله تبارك وتعالى أسماء الله الحسنى عددها تسعة وتسعين، فلفظ اسم مفهومه جامع يجمع الأسماء التسعة وتسعين، فتقدم لفظ الاسم على لفظ الجلالة الله من باب ذكر وتقدم المفهوم والإشارة به إلى المصداق، فبعد ذكر المفهوم الجامع اسم ذكر أبرز وأهم مصداق للاسم وهو لفظ الله.

إذا لفظ الله هو أشرف المصاديق، وهو أحق بانطباق مفهوم الاسم عليه، وبهذا يتضح معنى كون بسم الله أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها كما ورد في الروايات[5]، يعني بسم الله أقرب من سواد العين إلى بياضها، فإن القربى بينهما قرب ذاتي، إذ المفهوم وهو الاسم متحد ذاتاً مع مصداقه وهو الله، يعني انطباق المفهوم على مصداقه يوجد اتحاد ذاتي قرب ذاتي بين المفهوم والمصداق وقرب سواد العين من بياضها قرب مكاني والاتحاد بينهما وضعي.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى «بسم الله»، ثم قالت الآية الكريمة «الرحمن الرحيم» صفات الله الكمالية كثيرة، لكنه تبارك وتعالى قد خص صفة الرحمة وابتدأ بها من بين سائر صفاته الكمالية والجمالية.

والسر في ذلك:

أن القرآن نزل رحمة لعباده، فكما أن الكتاب التكويني وهو النبي جاء رحمة للعالمين، قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فكذلك الكتاب التدويني جاء رحمة للعالمين، فكان من المناسب أن يلي ذكر اسم الله وهو الاسم الأعظم، والمراد بسم الله الأعظم هو اسم الذي إذا دعي به أجيب، وقيل: هو لفظ الله، وقيل: لفظ الرب، وقيل: لفظ الحي القيوم، توجد عدة أقوال أفضلها أن اسم الله الأعظم هو الله، ولذلك في سائر الأدعية: «اللهم يا الله إلهي» كل المشتقات من لفظ الله.

وقد وصف الله عزّ وجل نفسه بالرحمة في عدة آيات ووصف القرآن، قال: هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.

ذكر الرحيم بعد الرحمن، ذكرنا أن رحيم على وزن فعيل وهي صفة مشبهة، وأن الرحمن على وزنه فعلان صيغة مبالغة، وأن لفظ الرحيم تدل على أن الرحمة لا تنفك لازم لا ينفك عن الذات، وبهذا يتضح نكتة تأخير كلمة الرحيم عن كلمة الرحمن، فإن هيئة الرحمن على وزن فعلان تدل على عموم وشمول الرحمة وسعتها، ولا تدل على أن صفة الرحمة لازمة لا تنفك، فجاءت لفظت الرحيم وأكدت على أن صفة الرحمن التي دلت على سعة الرحمة وشمولها لا تنفك عن الذات.

وبعض المفسرين قالوا: إن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني، يعني زيادة الألفاظ في لفظ الرحمن تدل على زيادة معنى الرحمن على لفظ الرحيم الذي حروفه أقل، وهذا التعليل عليل فمن يتتبع لغة العرب يجد بعض الكلمات حروفها قليلة ومعناها كبير وبعض الكلمات حروفها كثيرة ومعناها أقل فكلمة حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر لأن حذر على وزن فعل.

إذا العبرة بدلالة الألفاظ وكيفية وضعها في اللغة العربية وليست العبرة بزيادة الحروف.

والخلاصة:

تبتدأ سورة الحمد بل كل القرآن الكريم عدا سورة التوبة براءة من الله بالبسملة، والبسملة ذكرت مائة وأربعة عشر مرة لم تذكر في سورة التوبة وذكرت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.

خلاصة التفسير:

إذا أردت أن تبدأ أي شيء في حياتك التكوينية وفي حياتك التدوينية فابدأ «بسم الله» وتذكر عموك وشمول رحمة الله، وتذكر أن الرحمة لا تنفك عن الله عزّ وجل فهو يرعاك في عالم التكوين وشؤون خلقك ويرعاك أيضاً في عالم التشريع والتشريعات التي قننها لها.

هذا تمام الكلام في تفسير البسملة.

يبقى الكلام في بحث من علوم القرآن وفي الفقه.

هل البسملة من القرآن؟ لا بأس في أن نبحثه في الدرس القادم إن بقينا أحياء، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  المستدرك، للحاكم النيسابوري، ج 2، ص 33.

[2]  الكافي، ج 1، ص 130، الحديث 2.

تفسير البرهان، السيد هاشم البحراني التوبلاني، ج 1، ص 377.

[3]  مسند أحمد بن حنبل، ج 2، ص 359.

[4]  بحار الأنوار، المجلسي، ج 76، ص 305، الباب 58، الحديث 1.

[5]  بحار الأنوار، المجلسي، ج 10، ص 295، الباب 25، الحديث 1.

00:00

20

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 9 الجلسة

20

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
9 الجلسة