التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

07 - هل البسملة جزء من سور القرآن الكريم؟

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

20

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 هل البسملة جزء من سور القرآن الكريم؟

توجد أقوال ثلاثة:

القول الأول وهو المشهور عند الشيعة والسنة، فقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على أن البسملة آية من كل سورة بدء بها، فالبسملة ليست جزءً فقط من سورة الحمد، بل هي جزء من كل سورة بدأت بالبسملة، ومن هنا لا يشمل هذا الكلام سورة براءة، لأنها لم تبدأ بالبسملة.

وذهب إلى هذا القول وهي القول وهو أن البسملة جزء من كل سورة ابتدئ بها، بالإضافة إلى إجماع الشيعة الإمامية، عبد الله بن العباس، وابن المبارك، وأهل مكة كابن كثير، وأهل الكوفة كعاصم والكسائي، وغيرهما من أهل الكوفة سوى حمزة الكوفة، وذهب إليه أيضاً غالب أصحاب الشافعي[1].

وجزم بجزئية البسملة من كل سورة قراء مكة والكوفة[2]، وحكي هذا القول عن عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير، وأبي هريرة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، ومكحول، والزهري، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام[3].

وعن البيهقي نقل هذا القول عن الثوري ومحمد بن كعب[4]، واختاره الفخر الرازي في تفسيره، ونسب هذا القول إلى قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز، وإلى ابن المبارك والثوري، واختار هذا القول أيضاً جلال الدين السيوطي مدعياً تواتر الروايات الدالة عليه معناً[5].

إذاً القول الأول حظي بإجماع الإمامية، أغلب أصحاب الشافعي، نسب إلى أحمد بن حنبل، قال به علمان كبيران من أعلام أهل السنة: الفخر الرازي وهو علم في التفسير والكلام، وجلال الدين السيوطي وهو علم في علوم القرآن والرجال.

هذا تمام الكلام في القول الأول.

ولقد أجاد وأفاد سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في عرض هذه الأقوال ومناقشتها[6].

القول الثاني البسملة آية من خصوص فاتحة الكتاب دون غيرها، وقال به بعض الشافعية، وحمزة الكوفي، ونسب هذا القول إلى أحمد بن حنبل، كما نسب إليه القول الأول[7].

والفرق بين القول الأول والقول الثاني:

أن القول الأول يرى أن البسملة جزء لا يتجزء من جميع سور القرآن التي بدأت بالبسملة، فهو جزء من سورة الحمد وسورة البقرة وسورة المائدة والنساء إلى آخر سورة الناس، بخلاف القول الثاني الذي يرى أن البسملة جزء من خصوص سورة الفاتحة، وأما بقيت سور القرآن التي بدأت بالبسملة فالبسملة مجرد افتتاح للسورة وليست جزءً من السورة، فهم يقولون: إن البسملة فيما عدا سورة الفاتحة مجرد افتتاح ولا تحسب آية من آيات أي سورة عدا الفاتحة.

القول الثالث البسملة آية فذة لكنها افتتاح وليست جزءً لا من فاتحة الكتاب ولا من غير فاتحة الكتاب من سور القرآن، وإنما أنزلت البسملة تيمناً لبيان رؤوس السور وللفصل بين السورتين والسور المختلفة، وهذا القول هو المشهور بين الحنفية وذهب إليه جماعة منهم مالك بن أنس وأبو عمر ويعقوب[8].

إلى هنا عرفنا أن الشيعة الإمامية وأغلب الشافعية يرون القول الأول وهو أن البسملة جزء من جميع سور القرآن التي بدأت بها، وأن المالكية والحنفية يرون القول الثالث وهو أن البسملة مجرد افتتاح وليست جزءً لا من الفاتحة ولا من غيرها، وأن أحمد بن حنبل نسب له أحد قولين: القول الأول هو القول الأول أنها جزء من كل سورة، والقول الثاني أنها جزء من خصوص سورة الفاتحة دون غيرها.

هذا تمام الكلام في بيان الآراء الفقهية والقرآنية لأعلام القراء والفقهاء.

البحث الآخر.. البحث الأول هل البسملة جزء من القرآن؟..

البحث الثاني: هل تجب قراءة البسملة في الصلاة؟ وهل تجب قراءة البسملة في الصلاة مرتين؟ مرة قبل الفاتحة ومرة بعد السورة التي يؤتى بها بعد الفاتحة؟

يوجد قولان.. طبعاً الشيعة الإمامية يرون وجوب قراءة البسملة في الفاتحة والسورة التي بعد الفاتحة، والشيعة الإمامية يشترطون الإتيان بسورة كاملة بعد الفاتحة ولا تكفي مجرد آية، الكلام الآن لأقوال عند العامة، هل تجب قراءة البسملة قبل الفاتحة وما بعدها أو لا؟

يوجد قولان:

القول الأول ذهب أكثر الحنفية إلى وجوب قراءة البسملة في الفاتحة في الصلاة، وذكر الزاهدي عن المجتبى أن وجوب القراءة في كل ركعة هي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة[9].

القول الثاني ما ذهب إليه مالك بن أنس من كراهة قراءة البسملة في حد نفسها، واستحباب قراءتها لأجل الخروج من الخلاف[10].

والخلاصة:

يتفق الحنفية مع مالك في أن البسملة مجرد افتتاح وليست جزءً لا من فاتحة الكتاب ولا من غيرها، لكنهما اختلفا في وجوب قراءتها في الصلاة قبل الحمد، فذهب أكثر الحنفية إلى وجوب قراءة البسملة في الصلاة قبل الحمد، وذهب مالك بن أنس إلى كراهة قراءتها، لكن للخروج من خلاف أبي حنيفة يقول: يستحب الإتيان بالبسملة قبل الفاتحة.

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال في المسألة، الآن يأتي الكلام في أدلة المسألة، أدلة جزئية البسملة للقرآن، هذه المسألة فيها أقوال أخرى شاذة لا فائدة في التعرض لها، والمهم بيان الدليل على المذهب الحق وهو مذهب الشيعة الإمامية، فنتطرق إلى ما يدل على جزئية السورة من روايات الخاصة والعامة، ثم نتطرق إلى أدلة العامة التي نفوا بها جزئية السورة.

البحث الأول أحاديث أهل البيت عليهم السلام فقد وردت روايات صريحة مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام وصحيحة وصريحة تدل على أن البسملة جزء من الفاتحة وغيرها من سور القرآن التي افتتحت بها.

الرواية الأولى عن معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إذا قمت للصلاة اقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» في فاتحة القرآن؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» مع السورة؟ قال: نعم»[11].

الرواية الثانية عن يحيى بن أبي عمران الهمداني، قال: «كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام» وأبو جعفر عندنا الإمام الباقر والإمام الجواد، وهذه الرواية عن الإمام الجواد، لأن المكاتبات سادت أيام الإمام الجواد حكم الطبقة والمكاتبة.

«كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام جعلت في فداك ما تقول في رجل ابتدأ «بسم الله الرحمن الرحيم» في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار إلى غير أم الكتاب من الشورى تركها» يعني يقرأ البسملة الفاتحة دون السورة التي تليها.

«فقال العباسي» يعني فقيه دولة بني العباس «فقال العباسي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه، يعيدها مرتين على رغم أنفه»[12] يعني العباسي، يعني على رغم أنف العباسي يعيد البسملة مرتين: مرة في الفاتحة ومرة في السورة التي بعد الفاتحة.

الرواية الثالثة ما جاء في صحيحة ابن أبي أذينة رواية طويلة إلى أن قال: «فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سمي باسمي، فمن أجل ذلك جعل «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول السورة، ثم أوحى الله إليه أن أحمدني، فلما قال: الحمد لله رب العالمين، قال النبي صلى الله عليه وآله في نفسه: شكراً، فأوحى الله عزّ وجل إليه قطعت حمدي فسم باسمي، فمن أجل ذلك جعلت في الحمد «الرحمن الرحيم» مرتين، فلما بلغ ولا الضآلين، قال النبي صلى الله عليه وآله : الحمد لله ربّ العالمين شكراً، فأوحى الله إليه قطعت ذكري، فسمي باسمي فمن أجل ذلك جعل باسم «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول السورة، ثم أوحى الله عزّ وجل إليه اقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى: «قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد»»[13].

إذا الروايات الخاصة تدل بوضوح وصراحة على اشتراط الإتيان بالبسملة في سورة الحمد والسورة التي بعد الحمد في الصلاة وأن البسملة جزء من كل سورة افتتح بها.

هذا البحث طويل في الفقه أنه أيضاً إذا جئت بالبسملة هل يشترط أن تعين السورة أو لا؟ وإذا.. يقولون يشترط أن تعين السورة لأن معنى البسملة من كل سورة يختلف، وإذا عينت سورة هل يجوز العدول إلى صورة أخرى أو لا؟ المشهور أنه إذا عينت سورة قل هو الله أحد أو سورة الجحد قل يا أيها الكافرون لا يجوز أن تعدل إلى غيرها، ولكن إذا عينت أي سورة مثل سورة النصر أو العصر يجوز أن تعدل إلى غيرها لكن إذا عدلت تعيد البسملة لأنك قرأت البسملة مثلا بنية سورة العصر، إذا عدلت إلى سورة النصر تعيد البسملة، هذا بحث طويل في الفقه بحثنا في التفسير وليس في الفقه.

البحث الثاني أحاديث أهل السنة.

وقد دلت روايات كثيرة من طرق أهل السنة على جزئية البسملة من السورة والفاتحة.

منها الرواية الأولى ما رواه أنس، قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءه، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر»»[14].

الرواية الثانية ما أخرجه الدار قطني، بسند صحيح عن علي عليه السلام أنه سئل عن السبع المثاني، فقال: «الحمد لله رب العالمين، فقيل له: إنما هي ست آيات، فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم» آية»[15].

الرواية الثالثة ما أخرجه الدار قطني أيضاً بسند صحيح عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قرأتم الحمد فاقرأوا «بسم الله الرحمن الرحيم» فإنها أم القرآن والكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها»[16].

الرواية الرابعة ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس، قال: «السبع المثاني فاتحة الكتاب، قيل: فأين السابعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم»[17].

الرواية الخامسة ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن ـ الشاهد من القرآن ـ بسم الله الرحمن الرحيم»[18].

الرواية السادسة رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت»[19] قال الحاكم النيسابوري: «هذا صحيح على شرط الشيخيين» يعني البخاري ومسلم.

الرواية السابعة ما رواه سعيد بن عن بن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا جاءه جبرائيل، فقرأ: «بسم الله الرحمن الرحيم» علم أن ذلك سورة»[20].

الرواية الثامنة والأخيرة ما رواه ابن جريح قال: «أخبرني أبي ـ أحد القراء معروف أبي ـ أن سعيد بن جبير أخبره، قال: «ولقد آتيناك سبعاً من المثاني»، قال: «هي أم القرآن»، قال: أبي ـ ابن كعب ـ وقرأ علي سعيد بن جبير «بسم الله الرحمن الرحيم» الآية السابعة» يعني سبع آيات بالإضافة إلى البسملة فتكون السبع المثاني بعد.

قال سعيد بن جبير: «وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة» يعني جزء من الفاتحة قال ابن عباس: «فأخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم»[21]، والروايات كثيرة.

الخلاصة:

روايات خاصة والعامة، روايات الشيعة الإمامية وروايات أهل السنة تدل على أن البسملة جزء من الفاتحة وجزء من سور القرآن.

يبقى الكلام في الروايات المتعارضة هناك روايات عند العامة تدل على أنها ليست بجزء، فكيف نعالج هذه الروايات المتعارضة؟

يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  تفسير روح المعاني، الألوسي، ج 1، ص 39.

[2]  تفسير الشوكاني، ج 1، ص 7.

[3]  تفسير ابن كثير، ج 1، ص 16.

[4]  تفسير الخازن، ج 1، ص 13.

[5]  الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 1، ص 135 و 136، النوع 22 و 27.

[6]  البيان في تفسير القرآن، ص 440 إلى 454.

[7]  تفسير روح المعاني، الآلوسي، ج 1، ص 39.

[8]  تفسير الألوسي، ج 1، ص 39.

[9]  تفسير الألوسي، ج 1، ص 39.

[10]  الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1، ص 257.

[11]  الكافي، الكليني، ج 3، ص 312، الحديث 1.

الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 311، الباب 170، الحديث 2.

[12]  الكافي، الكليني، ج 3، ص 113، الحديث 2.

تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 69، باب 23، الحديث 20.

[13]  الكافي، الكليني، ج 3، ص 485، الحديث 1.

[14]  صحيح مسلم، كتاب الصلاة، رقم الحديث 607.

[15] رواه البيهقي في سننه، ج 2، ص 45، باب الدليل على أن البسملة آية تامة.

[16]  الإتقان، السيوطي، ج 1، ص 136، النوع 22 إلى 27.

[17]  مستدرك الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 1، ص 551.

[18]  سنن البيهقي، ج 2، ص 50، باب افتتاح القراءة في الصلاة، ج 2، ص 50.

[19]  مستدرك الحاكم، ج 1، ص 232.

[20]  مستدرك الحاكم، ج 1، ص 231.

[21]  مستدرك الحاكم، ج 1، ص 550، كتاب فضائل القرآن.

00:00

20

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 9 الجلسة

20

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
9 الجلسة