خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

11 - الجهاد في حالة قوة المسلمين وضعفهم

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

22

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الجهاد في حالة قوة المسلمين وضعفهم

البحث الرابع الجهاد في قوة المسلمين وضعفهم.

تطرقنا إلى كلمات الأعلام من فقهاء الإمامية، ويظهر منها أنهم يرون العلاقة الطبيعية بين المسلمين والكفار في حالة الحرب، فالحرب بين الإسلام والكفر دائماً، وتجب على الأقل مرة في كل عام، ولكن فعلية الحرب والجهاد تتوقف على حالة المسلمين، من حيث عددهم وعدتهم واستعدادهم للحرب وقوتهم.

ويمكن أن تذكر ثلاث حالات:

الحالة الأولى حالة تفوق المسلمين على الكافرين في القوة.

الحالة الثانية بالعكس حالة ضعف المسلمين أمام الكفار.

الحالة الثالثة حالة التعادل وتساوي قوة المسلمين مع قوة الكفار.

والقدر المتيقن من وجوب الجهاد هو خصوص الحالة الأولى فيما إذا كان المسلمون في قوة وأما إذا كانوا في ضعف فعليهم بالتربص والانتظار وتحين الفرصة حتى تحصل لهم القوة.

وأما الحالة الثالثة وهي حالة التساوي والتعادل بين المسلمين والكفار في القوة، فلم يتطرق لها الأعلام في كلماتهم.

فبالنسبة إلى الحالة الأولى وهي حالة قوة المسلمين أمام الكافرين، ذكر الفقهاء أن الجهاد واجب فوراً ولا يجوز تأخيره والتوقف عنه، بل يجب النفور إلى الكفار محاربتهم على الفور، فإن بدأ الكفار وجبت محاربتهم، إما لكفهم أو لإدخال في الإسلام كما صرح بذلك الشيخ الطوسي[1]، وإن كفوا وجبت محاربتهم أيضاً بحسب المكنة، وأقل الجهاد وجوبه في كل عام مرة، كما تقدم في كلام المحقق الحلي في الشرائع والعلامة الحلي في التحرير.

قال ابن حمزة في الوسيلة فيما إذا كانت بالمسلمين قوة على الحرب وإحراز النصر ما نصّه: «يلزم قتالهم على الفور»[2]، وهذا هو مذهب العلامة الحلي في القواعد[3]، والمحقق الكركي في جامع المقاصد حيث قال ما نصّه: «فإذا حصلت الكثرة المقاومة وجب النفور»[4].

إذا الحالة الأولى أي حالة قوة المسلمين يجب الجهاد فوراً.

الحالة الثانية في حالة ضعف المسلمين.

فقد اتفق الفقهاء على عدم وجوب شن الحرب، وعبر عنه الشيخ الطوسي في المبسوط[5] بأنه الأولى، بل صرح بعضهم بعدم جواز القتال ووجوب الصبر، منهم العلامة الحلي في القواعد، فقد قال ما نصّه: «ومع ضعف المسلمين عن المقاومة يجب الصبر»[6]، وفي حالة عدم شن الحرب بسبب الضعف وقلة العدد أو العدة، ذهب بعض الفقهاء كالمحقق الحلي إلى وجوب التربص، فهل التربص واجب أو مستحب؟

قولان في المسألة:

القول الأول ذهب المحقق الحلي إلى وجوب التربص بالكفار لتحين الفرصة لمحاربتهم، قال المحقق الحلي نجم الدين في شرائع الإسلام ما نصّه:

«ويجب التربص إذا كثر العدو، وقل المسلمون، حتى تحصل الكثرة للمقاومة، ثم تجب المبادرة»[7] يعني مصطلح المقاومة موجود من أيام المحقق الحلي وليس حادث الآن.

هذا القول الأول وجوب التربص، يعني الانتظار وتحين الفرصة للإغارة على العدو، يعني إعداد القوة للهجوم عليه.

القول الثاني ما ذهب إليه آخرون كالعلامة الحلي وهو استحباب التربص، قال العلامة في التحرير: «ويستحب له» يعني الوالي أو الإمام «أن يتربص بالمسلمين مع القلة، ويؤخر الجهاد حتى يشتد أمر المسلمين».

إلى هنا عرفنا أنه في الحالة الأولى وهي قوة المسلمين يجب الجهاد فوراً، وفي الحالة الثانية ضعف المسلمين ينبغي التربص إما بنحو الوجوب أو الاستحباب.

يبقى الكلام في الحالة الثالثة وهي حالة تعادل القوة بين المسلمين والكفار، فلم نجد مصرح بحكم الحرب.

وهذه الحالات الثلاث يلحاظ فيها مشروعية الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام، فهل الجهاد الابتدائي مشروع أو لا؟

وهناك مسألة كلية يمكن تطبيقها هنا أيضاً، وهذه المسألة الفقهية: هل الأحكام تختص بالأفراد أم تشمل الجهات أيضاً؟

فمثلاً: «الملكية» لا شك أن الفرد يملك، لكن هل تملك الجهة كالبنك أو الشركة أو الدولة؟

هذا بحث بين الفقهاء، هناك من لا يرى أن الجهة تملك فالصندوق الخيري أو البنك أو غير ذلك من الجهات لا يملك، المالك هم الأفراد المؤسسون، للصندوق أو الشركة.

وهذا أن الحكم يتوجه إلى الأفراد أو إلى الجهة يمكن بحثه هنا، فالحكم بوجوب الجهاد على الأمة الإسلامية هل يتوجه إلى أفراد الأمة الإسلامية أي إلى آحاد المكلفين الذين يشكلون الأمة الإسلامية؟ أم أن الحكم يتوجه إلى نفس الأمة كجهة والأفراد داخلون ضمن الأمة؟

وبعبارة أخرى: لو وجب الجهاد الابتدائي فوراً فالمخاطب بالتكليف هل هو الدولة الإسلامية التي تحكم الأمة؟ أو أن المخاطب هو الأفراد الذين هم يعيشون ضمن إطار الدولة الإسلامية؟

لو راجعنا كلمات مشهور الفقهاء لوجدنا أنها ناظرة إلى توجه التكليف بالجهاد إلى الأفراد، بينما يرى المرحوم شمس الدين رحمه الله أن الحكم لا يتجه إلى الأفراد، بل يتجه إلى الأمة كمجموع وإطار وجه، وبالتالي المعني بذلك زعيم الأمة ورئيس الدولة، ولأفراد يندرجون تحت الأمة.

قال الشيخ شمس الدين رحمه الله ما نصّه[8]: هذا وإن طرح هذه المسألة يؤيد ما ذهبنا إليه من أن الجهاد واجبٌ عيني على الأمة، لأن عنوان الضعف والقوة لا يجري في الأفراد، الذين ادعى المشهور أنهم المخاطبون بالجهاد، فقد يكون الأفراد أقوياء وأغنياء، بينما تكون الأمة كجماعة وشخصية معنوية، وكدولة وهيئة اجتماعية ضعيفة وفقيرة، فمعيار الضعف والقوة هو معيار الجماعة المخاطبة عيناً بوجوب الجهاد».

أقول: لو تتبعنا الآيات والرواية وأقوال الأصحاب والفقهاء لوجدنا أنها ناظرة إلى الأفراد، وإن خاطبت الأمة إلا أنها في مقام وضع التكليف على أفراد الأمة لا على جهة الأمة. نعم، الأمر بالجهاد يخضع لتشخيص مصلحة الأمة ومصلحة الأفراد، وذلك بيد الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو نائبه العام.

ولنضرب مثالاً أجنبياً لتقريب الفكرة:

«كتب عليكم القصاص النفس بالنفس»، قال تعالى: «فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل» فمن قتل أبوه يحق له أن يقتص من قاتل أبيه، وهذا الحكم يتجه إلى ولي المقتول، لكن لا يحق لولي المقتول أن يقتص من دون نظر الإمام أو نائبه، فالحدود والتعزيرات مشرعة في الإسلام وناظرة إلى أفراد الأمة الإسلامية، للكن المخول بإجراء الحدود والتعزيرات هو الإمام أو نائبه، وإن كان هذا الحكم يتجه إلى الأفراد.

وهكذا بالنسبة إلى الجهاد الحكم يتجه إلى عموم المكلفين، مثل: الصلاة على الميت، تكفين الميت يتجه إلى عموم الأفراد وهو واجب كفائي، إن قام به البعض وغسلوا الميت وكفنوه سقط عن البعض الآخر، وإن لم يقم به البعض استحقوا العقاب جميعاً، وهذا الخطاب للأفراد وليس إلى الأمة كجهة، لكن بالنسبة لتغسيل الميت وتكفين الميت هذا إجراؤه إلى عموم الأفراد من دون حاجة إلى إذن الإمام أو نائبه الخاص أو نائبه العام بخلاف الجهة.

ومن هنا يتضح أن الحكم بالجهاد إنما يكون وفقاً لمصلحة الإسلام والمسلمين، والذي يشخص المصلحة هو الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو العام بناءً على مشروعية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة.

وبالتالي في الحالات الثلاث: «حالة قوة المسلمين أو ضعفهم أو تساويهم مع الكفار» يلحظ المصلحة التي يشخصها الإمام المعصوم، وفي الغالب تكون المصلحة في حالة قوتهم في الجهاد، وفي حالة ضعفهم في التربص وعدم الجهاد.

هذا تمام الكلام في البحث الرابع.

البحث الخامس قتال الأقرب فالأقرب.

إذا وجب الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام، فهل يجب مطلقاً أي قتال القريب والبعيد من دون فرق؟ أم أن هناك أولويات فلا بد من البدء بقتال القريب ثم الأقرب فالأقرب؟

صرح الفقهاء بأنه إذا كانت بالمسلمين قوة على الحرب وثقة بإحراز النصر فالأولى أن يبدأوا بقتال الأقرب إليهم فالأقرب من الكفار، ولنتتبع كلمات الفقهاء وأقوالهم ثم نتطرق إلى الأدلة.

إذاً البحث الأول أقوال الفقهاء في المسألة.

قال الشيخ الطوسي في المبسوط ما نصّه:

«وينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه من الكفار الأقرب فالأقرب»[9].

ولفظ ينبغي أعم من الوجوب والاستحباب، وإذا راجعنا اللغة العربية والاستعمالات القرآنية فلعلها تكون ظاهرة في الوجوب واللزوم، قال تعالى: «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر» يعني لا يمكن أن تدرك الشمس القمر.

ومن هنا ذهب الشيخ حسين العصفور العلامة رحمه الله إلى استفادة الوجوب والجهر من قوله عليه السلام : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه من المأمومين»، فقال: لابد أن يجهر إمام الجماعة بالتسبيحات الأربع في الركعة الثالثة أو الرابعة، أو يجهر بالبسملة، ينبغي أي يلزم.

لكن المتعارف في المحاورات العرفية استعمال ينبغي في الاستحباب أو الرجحان لا على نحو اللزوم، إذاً الشيخ الطوسي استعمل مفردة «ينبغي» قد يفهم منها الوجوب في اللغة العربية.

وقال ابن حمزة في الوسيلة:

«ويبدأ بالأقرب فالأقرب ما لم يكن الاهتمام بالأبعد أوكد»[10].

الثالث قال المحقق الحلي في شرائع الإسلام:

«والأولى أن يبدأ بقتال من يليه إلا أن يكون الأبعد أشد خطراً»[11].

وقوله: «الأولى» يدل على الاستحباب، ولا يدل على الوجوب.

الرابع أيضاً المحقق الحلي مثل هذا الكلام في المختصر النافع، لكن عبارته في المختصر النافع تدل على الوجوب، قال: «ويبدأ بقتال من يليه إلا مع اختصاص الأبعد بالأخطر»[12].

الخامس قال العلامة الحلي في القواعد:

«ينبغي أن يبدأ بقتال الأقرب ثم القريب ثم البعيد ثم الأبعد، فإن كان الأبعد أشد خطراً قدم، وكذا لو كان الأقرب مهادناً»[13].

وقال العلامة في التحرير:

«ينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه، ولو كان الأبعد أشد خطراً أو أعظم ضرراً، كان الابتداء بقتاله أولى، وكذا لو كان قريباً، وأمكنه الفرصة من الأبعد، أو كان الأقرب مهادناً، أو منع من قتاله مانع».

وأطلق ابن إدريس في السرائر فقال: «وينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه من الكفار الأقرب فالأقرب»[14].

وذكر الشهيد الأول والثاني مثل هذا في اللمعة والروضة[15] قال:

«ويبدأ بقتال الأقرب إلى الإمام أو نصبه إلا مع الخطر في البعيد فيبدأ به».

هذا تمام الكلام فيه التطرق إلى كلمات الفقهاء، بعضها يستفاد منها الوجوب يبدأ ينبغي، وبعضها يستفاد منها الاستحباب الأولى.

تتمة الكلام، ودليل المسألة يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1] المبسوط، ج 2، ص 10.

[2]  الوسيلة إلى نيل الفضيلة، ص 732، كتاب الجوامع الفقهية، السطر العاشر، الطبعة الحجرية.

[3]  قواعد الأحكام، كتاب الجهاد، المقصد الثالث، الفصل الأول، ص 102، سطر 22، من الطبعة الحجرية.

[4]  جامع المقاصد، المحقق الكركي، ج 3، ص 381.

[5]  المبسوط، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 10.

[6]  قواعد الأحكام، ص 102.

[7]  شرائع الإسلام، كتاب الجهاد، الركن الثاني، الطرف الثاني، في كيفية قتال أهل الحرب.

[8]  جهاد الأمة، ص 98.

[9]  المبسوط، ج 2، ص 29.

[10]  الوسيلة إلى نيل الفضيلة، ص 733، الجامعة الفقهية، السطر 10.

[11]  شرائع الإسلام، كتاب الجهاد، الركن الثاني، الطرف الثاني، في كيفية قتال أهل الحرام.

[12]  مختصر النافع، كتاب الجهاد، النظر الثاني، في من يجب جهادهم، ص 111.

[13]  قواعد الأحكام، كتاب الجهاد، المقصد الثالث، الفصل الأول في القتال، ص 102، سطر 20.

جامع المقاصد، ج 3، ص 381.

[14]  السرائر، ج 2، ص 6.

[15]  الروضة البهية، ج 2، ص 390.

00:00

22

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 11 الجلسة

22

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
11 الجلسة