التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

09 - أدلة النافين لجزئية البسملة في سور القرآن

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

22

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أدلة النافين لجزئية السملة في سور القرآن

أدلة نفات جزئية البسملة لسور القرآن.

استدل القائلون بأن البسملة ليست جزءً من السورة بوجوه[1].

الوجه الأول إن طريق ثبوت القرآن ينحصر بالتواتر، فكل ما وقع النزاع في ثبوته فهو ليس من القرآن، والبسملة مما وقع النزاع فيه، فلا تكون من القرآن.

والجواب:

أولاً إن كون البسملة من القرآن قد ثبت بالتواتر عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، ولا فرق عند الشيعة الإمامية بين التواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن أهل البيت عليهم السلام بعد أن ثبت وجوب إتباعهم.

وثانياً إن ذهاب شرذمة، وقلة قليلة إلى عدم كون البسملة القرآن لشبهةٍ لا يضر ولا يقدح بالتواتر، خصوصاً مع شهادة جمع كثير من الصحابة بكون البسملة من القرآن، كما أن الروايات عند أهل السنة دلت على كون البسملة من القرآن، وهي متواترة بالتواتر المعنوي.

وثالثاً قد تواتر أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ البسملة حينما يقرأ سورة من القرآن، والنبي في مقام البيان ولم يبين أن البسملة ليست من القرآن، وهذا يدل دلالة قطعية أن البسملة من القرآن. نعم، هذا البيان لا يثبت أن البسملة جزء من السورة، ويكفي لإثبات جزئية من السورة ما تقدم من الروايات الدالة على جزئيتها، وهي أخبار كثيرة مروية من طرق الفريقين السنة والشيعة، ومن الواضح أن جزئية البسملة للسورة تثبت بخبر الواحد الصحيح، ولا دليل على لزوم التواتر فيها.

إذا الوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: اثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله تعالى: مجدني عبدي» هذا ما يرجع إلى الله عزّ وجل.

تتمة الرواية ما يرجع إلى العبد «وإذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب ولا الضآلين، قال: هذا عبدي ولعبدي ما سأل»[2].

تقريب الاستدلال:

هذه الرواية تدل بظاهرها على أن ما بعد آية «إياك نعبد وإياك نستعين» الناظر للعبد يساوي ما قبلها في العدد، فمن بداية سورة الفاتحة إلى «إياك نعبد وإياك نستعين» ناظرة إلى الله تبارك وتعالى هذا نصف لله، وما بعد ومن «إياك نعبد وإياك نستعين» إلى آخر سورة الفاتحة هذا نصف للعبد.

وحينئذ نسأل: لو كانت البسملة جزءً من الفاتحة لم يستقم معنى الرواية، وذلك لأن سورة سبع آيات بالاتفاق، فإذا كانت البسملة جزءً من آيات سورة الفاتحة، كان «إياك نعبد وإياك نستعين» وما بعدها مجرد آيتين فقط، ومعنى ذلك أن ما قبل آية «إياك نعبد وإياك نستعين» ضعف ما بعد «إياك نعبد وإياك نستعين»، الفاتحة سبع آيات من «إياك نعبد وإياك نستعين» إلى آخره آيتين، وما قبله يصير أربع آيات، يصير ثلثين متقدم وثلث متأخر، آيتين متأخرتان يبقى من السبع خمس آيات، فالفاتحة على هذا لا تنقسم إلى نصفين في العدد.

والجواب:

أولاً إن هذه الرواية مروية عن العلاء، وقد اختلف فيه بالتوثيق والتضعيف.

وثانياً لو غضضنا النظر عن السند وغضضنا النظر عن الدلالة وسلمنا جدلاً قلنا بتمامية هذه الرواية سنداً ودلالة فهي معارضة بالروايات الصحيحة الدالة على أن الفاتحة سبع آيات مع البسملة لا بدونها.

وثالثاً إنه لا دلالة في الرواية على أن التقسيم بحسب الألفاظ، بل الظاهر أن التقسيم بلحاظ المعنى نصف معنى سورة الحمد راجع إلى الله، ونصف المعنى راجع إلى العبد، فالمراد إن أجزاء الصلاة بينما يرجع إلى الرب وهو النصف وما يرجع إلى العبد بحسب المدلول يعني نصف المدلول والمعنى يرجع ونصف المدلول والمعنى يرجع إلى العبد.

ورابعاً لو تنزلنا وقلنا أن التقسيم ليس بلحاظ المدلول والمعنى وسلمنا أن التقسيم هو بحسب الألفاظ فأي دليل على أنه بحسب عدد الآيات فلعله باعتبار الكلمات، فإن الكلمات المتقدمة على آية «إياك نعبد وإياك نستعين» والكلمات المتأخرة عنها مع احتساب البسملة وحذف المكررات هو عشر كلمات، يصير عشر كلمات قبل «إياك نعبد وإياك نستعين» مع البسملة، وعشر كلمات بعد ذلك، إذا حذفنا المكررات «الرحمن الرحيم».

إذا الوجه الثاني من أدلة نفي جزئية البسملة من السورة ليس بتام.

الوجه الثالث ما رواه أبو هريرة من أن سورة الكوثر ثلاث آيات، السيد الخوئي يعلق في يقول: «لم أعثر على هذه الرواية في كتب الروايات، لكن في صحيح البخاري عن ابن شبرمة، نظرت كم يكفي الرجل من القرآن؟ فلم أجد سورة من ثلاث آيات[3].

كما روى أبو هريرة «أن سورة الملك ثلاثون آية»[4].

فلو كانت البسملة جزء من سورة الكوثر أو من سورة الملك ليزداد عدد الكوثر على ثلاث آيات وازداد عدد سورة الملك على ثلاثين آية.

والجواب: إن رواية أبي هريرة في سورة الكوثر على فرض صحة سندها معارضة برواية أنس، وتقدمت رواية أنس التي يقول فيها: «بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءه، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر»[5]

وهذه الرواية لأنس مقبولة روتها جميع الصحاح عدا موطأ مالك[6].

إذاً رواية أبي هريرة مطروحة، أو مؤولة بإرادة الآيات المختصة، لأن هناك آية عامة وهي البسملة، وهناك آيات مختصة، فالبسملة مشتركة بين جميع السور، وهذا هو جواب روايته في سورة الملك، أنه يراد بالبسملة الآية المشتركة، وحينما قال: إن آيات سور الملك ثلاثين يقصد الآيات المختصة دون الآية المشتركة.

هذا تمام الكلام في البسملة، وقبل أن نشرع في سورة الحمد بتفسير سورة الحمد، لا بأس أن نقرأ الروايات الشريف الواردة في تفسير البسملة، وأنها جزء من القرآن، فأهل البيت أدرى بالذي فيه.

لا بأس أن نذكر هذه الخاطرة أحد الإخوة والمشايخ يقول: لازمت الشيخ العارف سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت رحمه الله فكنت اذهب إليه أمام باب داره، وانتظره حتى يخرج، وأخذ منه الكتب، وأصحبه إلى الدرس إلى أن يرجع إلى البيت، واسلمه الكتب، صحبته سنين، ولا أتذكر يوماً أنه قال: «قال ابن عربي» بل كان دائماً، يقول: قال الباقر عليه السلام قال الصادق عليه السلام .

وفي يوم من الأيام يقول: طرحت عليه تفسير القرآن الكريم، فقبل، وقلت له: ندرس تفسير القرآن تفسير الميزان، قال: لا نريد أن ندرس قال الباقر عليه السلام ، قال الصادق عليه السلام، أينك من تفسير البرهان.

ومن هنا بمقتضى حديث الثقلين الوارد عن رسول الله أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله : «إني تارك فيكم الثَقَلِين أو الثِقلَين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوه بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

لذلك نحن في البداية ندرس الآية بمقتضى معطيات اللغة العربية هذا أولاً، وثانياً نقارن الآية بمثيلاتها من القرآن الكريم وهذا تفسير القرآن بالقرآن، وثالثاً نعرض ما فهمناه على روايات أهل البيت، هذه ثلاث خطوات مهمة في التفسير.

أول خطوة دراسة مفردات الآية بحسب معطيات اللغة العربية والمحاورات العرفية، قال تعالى: «تبياناً لكل شيء» ما دام القرآن تبيان لكل شيء فهو بين.

ثانياً نعرض الآية على مثيلاتها من القرآن الكريم، لأن القرآن المبين لغيره بين بنفسه ومبين لنفسه، يفسر بعضه بعضاً.

وثالثاً نعرض ما فهمناه بحسب اللغة أولاً وبحسب القرآن ثانياً على ما يفهم من الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة.

لذلك بعد كل بحث وكل آية ندرس معطيات اللغة من جهة، ومعطيات القرآن الكريم من جهة أخرى، وندرس من جهة ثالثة معطيات الروايات الشريفة ونراجع التفاسير الروائية، وأبرزها بل من أقدمها تفسير العياشي، وما أدراك ما العياشي الذي كان من أهل السنة، فتشيع، وكان ثرياً فانفق جميع ما يملك لنشر مذهب أهل البيت، وكانت داره مرتعاً للعلماء، فما تدخل إلا وتجد بين كاتب وراوي.

وتفسير القمي هذه تفاسير نذكرها بالسلسلة لمراجعتها:

التفسير الأول تفسير العياشي مجلدين.

الثاني تفسير علي بن إبراهيم القمي.

الثالث تفسير الصافي للفيض الكاشاني، لذلك الإمام الخميني درس تفسير الصافي للفيض الكاشاني، درسه دراسة عند أستاذ.

التفسير الرابع البرهان في تفسير القرآن، للمحدث الكبير السيد هاشم التوبلاني البحراني، المتوفى سنة ألف ومئة وسبعة أو ألف ومئة وتسعة هجرية قمرية، هذا القرن الثاني عشر زمان المحدثين، صاحب البحار متوفى سنة ألف ومائة وإحدى عشر.

التفسير الخامس تفسير كنز الدقائق للعارف الشيخ محمد المشهدي، أربعة عشر مجلد، المتوفى سنة ألف ومئة وخمسة وعشرين.

التفسير السادس تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي جمعة الحويزي، المتوفى سنة ألف ومائة واثنا عشر هجرية قمرية.

التفسير السابع تفسير السيد نعمة الله الجزائري، المتوفى سنة ألف ومائة واثنا عشر.

وغيرها من تفاسير الشيعة الإمامية.

ولا بأس باستشراف الكتب الروائية والتفاسير الروائية للعامة، وأبرزها كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي وهو ابن بجدتها في التفسير علوم القرآن عند كتاب الإتقان، وأيضاً كتاب تفسير الطبري فهو من أهم التفاسير الروائية عند العامة.

التفسير الثامن بالإضافة إلى وجود تفاسير فيها كلام رجالي ونقاش، مثل: التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام.

التاسع تفسير فرات الكوفي.

وغيرها من الكتب الروائية، الفيض الكاشاني عنده ثلاثة كتب: موسع تفسير الصافي، متوسط الآصفى، مختصر المصفى، عنده: «الصافي والآصفى والمصفى».

إذاً بحثنا القادم بحث روائي حول البسملة، ولعل من أوسع وأفضل هذه التفاسير «البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم التوبلاني البحراني، ذكر الروايات مع أسانيدها بالكامل.

بحثنا القادم تفسير روائي إن شاء الله حول البسملة، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  البيان في تفسير القرآن، المحقق السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، ص 448 إلى 451.

[2]  صحيح مسلم، كتاب الصلاة، رقم الحديث 598.

سنن أبي داوود، كتاب الصلاة، رقم الحديث 699.

سنن النسائي، كتاب الافتتاح، رقم الحديث، 900.

[3]  كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث 4663.

[4]  مستدرك الحاكم، ج 1، ص 565.

صحيح الترمذي، ج 11، ص 30، كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث 1816.

[5]  صحيح مسلم، كتاب الصلاة، رقم الحديث 607.

[6]  تيسير الوصول، ج 1، ص 199.

00:00

22

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 9 الجلسة

22

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
9 الجلسة