المقامات العلية
شیخ الدقاق

16 - اليأس من رحمة الله

المقامات العلية

  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

23

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أربعة طرق لتحصيل صفة الخوف

كان الكلام في المقام الذي عقده الشيخ عباس القمي رحمه الله في كتاب المقامات العلية لبيان الصفات الرذيلة المتعلقة بالقوة الغضبية، قلنا حد الوسط في القوة الغضبية هو الشجاعة وجانب الإفراط هو التهور وجانب التفريط هو الجبن، ويترتب على جانب الإفراط والتفريط آفات:

الآفة الأولى الخوف، والخوف منشأ جانب الإفراط أو جانب التفريط؟ جانب التفريط الجبن.

الصفة الثانية الأمن من مكر الله أي عدم الخوف من الله، وهي تترتب على جانب الإفراط أو جانب التفريط على جانب التفريط؟ الجواب تترتب على جانب الإفراط التهور.

الصفة الثالثة اليأس من رحمة الله، وهي تترتيب على جانب الإفراط أم جانب التفريط؟ على جانب التفريط، يخاف كثيراً بحيث ييأس من رحمة الله.

قلنا أكبر الكبائر الشرك بالله، ثاني أكبر الكبائر هو ماذا؟ اليأس من روح الله، ثالث أكبر الكبائر هو ماذا؟ الأمن من مكر الله.

قلنا المؤمن دائماً بين الخوف والرجاء بينهم تعادل وتساوي، إذا جانب الرجاء يطغوا يصاب بالأمن من مكر الله الذي هو ثاني أكبر الكبائر، وإذا طغى جانب الخوف يحصل اليأس من روح الله، إذا أكبر الكبائر الشرك بالله، ثاني أكبر الكبائر اليأس من روح الله، والذي سنأخذه اليوم، وثالث أكبر الكبائر الأمن من مكر الله، الذي أخذناه في الصفة الثانية.

سؤال: لما اليأس من رحمة الله ثاني أكبر الكبائر؟

الجواب لأنه قد يؤدي إلى الكفر، ييأس من كل شيء، قال تعالى: «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» وهذه آفة عظيمة تصيب الإنسان إذا كثرت ذنوبه.

في يوم من الأيام دخل شخص على أحد أزلام هارون الرشيد وهو يأكل في شهر رمضان، قال: اليوم شهر رمضان لم أفطرت؟ قال: ولم أصوم؟ لأنني سأدخل النار، فلماذا أصوم؟ قالوا: كيف؟

قال: في إحدى الليالي بعث إلي هارون الرشيد أحد أتباعه أجب الأمير، يقول: فذهبت إلى هارون الرشيد، فقال لي: بم تفدي الأمير؟

قال: بالمال.

قال: إذا ارجع، ثم جاء الطارق مرة ثانية أجب الأمير، فجاء إلى هارون، فقال له: هارون الرشيد بما تفدي الأمير؟

قال: بالمال والأهل والولد.

قال: ارجع لا حاجة لنا في ذلك.

ثم جاء الطارق مرة ثالثة أجب الأمير، فذهب إلى هارون الرشيد، فقال له هارون الرشيد: بما تفدي الأمير.

قال: بالمال والأهل والولد والدين.

قال: أحسنت ما دام تفدي الأمير بالدين، اذهب مع هذا، ونفذ ما يأمرك به.

يقول: فأخذني إلى زنزانة فيها ستين علوي، قال: خذ السيف واضرب أعناقهم وألقي برؤوسهم في هذه البئر، ستين علوي من أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله.

يقول: فأخذت السيف ضرب الأول والثاني والثالث إلى أن وصلت إلى تسعة وخمسين، ضربت أعناقهم ألقيتها في البئر، يقول الرجل: الستون كان شيخ كبيراً، فقال لي: كيف تلقى الله؟ وكيف تلقى جدي رسول الله؟ وقد قتلت ستين من ولده؟!

يقول: فارتعشت يدي، ولكن قطعت رأسه والقيته في البئر.

قال: وبعد هذا كيف آمل ادخل الجنة وأنا قاتل ستين علوي من ولد النبي صلى الله عليه وآله، فقاده الذنب إلى ذنبٍ أعظم وهو اليأس من روح الله، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

حدثني أحد إخوتي وأحبتي،  يقول: أنا كان عندي بيت في بلد من البلدان، تركت فيه أغراضاً، هجرت ذاك البلد سنين، يقول: رجعت إلى البيت لكي أخذ أغراض تفاجأت أن هذا البيت قد سكنت فيه عائلة واستولت على البيت وتملكت البيت.

والعجب العجاب أن من استولى على كان مفكراً ومنظراً إسلامياً وينظر للحركة الإسلامية، يكتب البيانات والأفكار وينظر، يقول: فذهبت إليه، قال: قلت: يا فلان أنت المنظر، أنت قدوتنا، أنت زعيمنا، كيف تغتصب هذا البيت؟

قال: يا فلان من كثر ما أكلنا حرام يأسنا ندخل الجنة، فإذا ما ندخل الجنة خلنا نستأنس في الدنيا، والعياذ بالله.

فانتقل من ذنب أكل الحرام إلى ذنب اليأس من روح الله، كما يقولون بالفارسية: «القليل تلو القليل يصبح كثيراً، والقطرة تلو القطرة تصبح سيلاً جارفاً» فاحذروا محقرات الذنوب، هذا الذنب الصغير التي تستحقره ممكن يقودك إلى هذا.

يا أخي يا حبيبي كثير من الذين انحرفوا بعضهم علماء ومراجع وقادة ومفكرين يعني ما كانوا يستغربون مثلك لما يقولون لهم فلان انحرف وفلان انزلق، إذا كانوا يستغربون كيف انزلقوا؟ لتحقيرهم الذنوب الصغيرة وعدم الالتفات إليها.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى الذنوب الصغيرة ويهذب نفسه، هذه إذا تراكمت يصل إلى مستوى قد لا يستطيع التراجع فيه، إذاً هذا ذنب عظيم، الدنيا مزرعة الآخرة، ولابد من الأمل.

يوم من الأيام قال الحسن البصري: «»العجب كل العجب، ممن نجا كيف نجى؟! فقال زين العابدين: «العجب كل العجب ممن هلك كيف هلك؟!»، الله عزّ وجل رحمته تسبق غضبه، صحيح المؤمن بين الخوف والرجاء، لكن ينبغي أن يغلب رجاءه.

لذلك الروايات تقول: يوم القيامة حتى إبليس يطمع في رحمة الله، توجد رواية عجيبة «يؤتى بالرجل فيقال: خذوه إلى النار، فيقال إلى النار: فيقف، يأتي النداء والجواب: عبدي لما توقع؟ فيقول: إلهي وسيدي ومولاي أنا أقر بأني عبد مذنب وعاصي، ولكن كنت أمل وأرجو رحمتك الواسعة، فيأتي النداء والجواب: خذوه إلى الجنة عبدي وثق بي لن أخيب ظنه.

لذلك ينبغي على المؤمن أن يغلب جانب الرجاء، لكن بحيث لا يصل إلى درجة الأمن من مكر الله.

يقول الشيخ عباس القمي:

«الصفة الثالثة اليأس من رحمة الله

هذه الصفة من جملة المهلكات ومن المعاصي الكبيرة، بل يفهم من بعض الآيات إنها موجبة للكفر، قال تعالى: «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» ويكفي في خبثها أنها تمنع الإنسان من محبة الله، وعن الطاعات والعبادات، والشيء يعرف بضده ويعالج بأضداده، وعلاجها بتحصيل ضدها وضدها الرجاء أي الأمل بالله الذي هو عبارة عن انبساط القلب وسروره لانتظار أمر محبوب بشرط أن يكون الإنسان قد حصل أسباب الوصول إليه» مثل المزارع الذي يزرع القمح، يزرع القمح ويأمل ماذا؟ يأمل أن ينبت.

بعض الروايات «شخص نذر أن يعطي المتوكلين على الله. فقيل له: أعطي المزارعين لأنهم يحرثون الأرض ويتوكلون على الله وينتظرون قطر السماء».

يقول الشيخ عباس القمي:

«مثل انتظار بلوغ القمح من قبل من زرع حباً سالماً من العيب في أرض صالحة يصل إليها الماء وسقاها في وقتها».

لكن يا أخي لا تتوقعوا الشيء من دون عمل، شخص ما يزرع أو يزرع في أرض سبخ مالحة، ويأمل أن تنبت، هذا مثل ما يقولون: «يقولون له تيس يقول حلبة»، أقول لك: ثور يعني ذكر، يقول أي احلبه، ما يصير.

«أما توقع الشيء الذي لم يتهيأ أي من أسبابه فلا يسمى رجاءً بل يسمى غروراً وحمقه، مثل انتظار القمح ممن لم يزرع الحب، أو زرعه في أرض سبخه» أي مالحه بدون ماء «ومعلوم أن انتظار هذا الشخص للقمح ليس إلا غروراً وحمقاً، إذا علمت ذلك فاعرف أن الدنيا مزرعة الآخرة، وقلب الإنسان بمنزلة الأرض، والإيمان هو الحب، والطاعات هي الماء الذي يجب أن تروى به الأرض وتطهير القلب من المعاصي والأخلاق الذميمة بمكانة تنظيف الأرض من الشوك والحشائش، ويوم القيامة هو زمن الحصاد فمن قام بهذا النحو من الزراعة وأمل بعد ذلك كان رجاؤه صادقاً وإلا لم يكن ذلك إلا الغرور والحمق.

قال أحد فصحاء العرب: ما اشترى العسل من اختار الكسل.

وحاصل معناه لا ينال الفوز من دون اجتهاد من سعى للخير يؤجر في المعاد».

سؤال: لماذا نلاحظ أن أطوال أعمار المراجع طويلة؟

مراجع الدين عادة يعمرون ثمانين سنة تسعين سنة مئة سنة، إذا مات المرجع في الستين قالوا: مات شباباً.

ما هو السر في ذلك؟

نسأل سؤال آخر: ما هو أكبر سبب للموت في العالم؟

أكثر الناس أكثر شيء يموتون من ماذا؟

القلق والاضطراب، القلق والتوتر.

البارحة جائني شخصية قال: أنا طول عمري ما عندي سكري، صار انفجار أمامي ابتليت بالسكري، للصدمة.

إذا تريد تعيشها عيشة هنية الشوام يقولون: خوذ شامية، إذا تريد تعيش عيشة هنية، عليك بالاطمئنان، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

المراجع يطول عمرهم للاطمئنان ما عنده قلق ما عنده توتر.

أنت تصنع نفسك بنفسك: أتزوجت لو ما تزوجت؟ ألم ترى اللبنانية التي تعيش السعادة وقد حملت حقيبتها على ظهرها وقد انهدم بيتها وضاع جميع ما تملك لكنها ملكت البسمة، وقالت: لا أفارق البسمة.

يقولون: أنت رهن أفكارك، أفكارك الذهنية والداخلية تنبثق وتتقولب في قوالب لفظية، والقوالب اللفظية تتحول إلى برامج عملية ميدانية.

يا أخي يا أخي إذا أنت عندك مشاريع، عندك طموح، تُدَرس، تِدرِس، تأسس مشاريع خيرية، كذا إلى آخره، اعلم أن هذه المشاريع العملية فرع الألفاظ والمصطلحات التي تتلفظها، واعلم أن هذه الألفاظ التي تتلفظها رهن الأفكار الذهنية.

يقولون: في شخص تزوج ما أنجب، سنين ما أنجب، جيء به إلى طبيب نفساني، قال: لم لم تنجب؟ قال شنو هذا وساخة؟ الجماع و مواقعة المرأة هذه سفالة أن ينزل الإنسان إلى أسفليه، وأنا أنزه نفسي، فأثبت له الطبيب النفساني أن هذا تكامل وبالزواج يمتد النسل وبدون الزواج ينقطع النسل، فأنجب إذا الإنسان رهنه فكره.

الآن من أكبر أمراض العصر الاكتئاب، عن شنو الاكتئاب؟ دائماً نائم، خامل، يحقر نفسه، لا يقوى على شيء، جسمه متعب، لأنه ربما تعرض إلى جرح بكلمة، هذه الزوجة تعرضت إلى جرح من زوجها كلمة من زوجها، أو هذا الولد كسره أبوه أو صديقه.

إذاً هذا الثالث مهم جداً، من يزيد جانب الخوف؟ من يزيد جانب الخوف؟ هذا مشكل جداً.

مرة سافرنا في قطار رزقنا الله وإياكم الوصول من قم إلى مشهد أتانا واحد يخاف، طول الليل نام، قال: لا أخاف ينقلب القطاع، قلنا له فوائد مصائب قم عند قم فوائد أنت توفر مكان حتى ننام خلك عند النافذة تحرسنا ونحن ننام، نمنا في وهو مسكين سهر، عنده قلق داخلي، هذه أوهام سيطرة قوة الوهم.

قال الشيخ عباس القمي:

«ولهذا ورد أن محمد من رفعة قال الإمام الصادق عليه السلام : «إن قوماً من مواليك يلمون بالمعاصي ويقولون نرجو، فقال: كذبوا ليس لنا بموالٍ أولئك القوم ترجحت بهم الأماني، من رجا شيئاً عمل له، ومن خاف من شيء هرب منه» يعني الاعتقاد يستدعي العمل، ليس الاعتقاد بمحبة أهل البيت ومودته، لسي االمراد بالمودة مجرد الحب وإنما الجري على مقتضى الحب والمودة وهو العمل بتعاليم أهل البيت عليهم السلام.

هنا نفس الشيء لابد من العمل وإلا يصير حماقة يأمل مثل: «ثلاثة لا يستجاب لهم رجل جلس في بيته وهو يدعو الله ارزقني، ورجل يدعو على زوجته وقد جعل أمرها بيده» يقدر يطلقها مو مطلقنها، ويقول: تؤذيني.

إذا لابد من العمل يعني ليس تطلقون، يعني تأمل وتجري وفقاً لهذا الأمل، إذا ما تجري يصير حمق، حماقة.

«واعلم أن الآيات والأخبار الواردة في باب الرجاء والأمل كثيرة، ولو لم يكن في هذا الباب سوى سعة رحمة الحق تعالى وكثرة إحسانه وشفاعة الرسول وأهل بيته الاطهار عليهم السلام والبشارات والأجر الذي ورد للشيعة لكان كافياً، فقد ورد أن الله يوم المحشر يغفر ويعفو بقدر لا يخطر على بال أحد حتى يطمئن الشيطان بذلك».

طبعاً هذا لا يدعو إلى أن الإنسان يذنب ويقول: رحمة الله واسعة، لذلك جاء في جامع السعادات الجزء الأول صفحة مئتين وواحد وخمسين: «ليس المقصود من الرواية الترغيب بالمعصية فهذا منافٍ لإنذار الأنبياء، وأدلة النهي عن المنكر، بل المقصود بيان سعة وشمول العفو الإلهي، حتى لا ييأس من ابتلي بالمعصية، ويرجو المغفرة والرحمة الإلهية مهما كانت معصية كبيرة.

وروي أيضاً «أنه لو لم يعصي العباد لخلق الله خلقاً آخر ليعصوا حتى يعفو عنهم».

تعريب شعر فارسي:

قد فاق عفو الله عن أخطائنا

الأمر سر ليس أمراً معلنا

أخبرت أمالي إلى ريح السحر

جاء النداء أنفق بالطاف السناء».

نختم بهذه القصة الموجودة في قصص الأنبياء:

أن الله عزّ وجل رفع إبراهيم خليل الرحمن، فرأى رجل وامرأة يزنيان، فدعا عليهما، فماتا، ثم رفعه فرأى أناس يعصوه فدعا عليهم فماتوا، الرواية طويلة، فجاءه النداء والجواب: يا إبراهيم! هؤلاء سنين يعصون في مملكتي ولم أمتهم، أنت الآن اطلعت عليهم دعيت عليهم وقتلتهم، لاحظ رحمة الله عزّ وجل.

ويقال: إن رجلاً كان يعبد صنماً، فكان يقول: يا صنم، يا صنم، يا صنم، فأخطأ وقال: يا صمد، فجاءه النداء «لبيك عبدي»، الله عزّ وجل خلق العباد، رحمة بهم، لا لكي يعذبهم، الله عزّ وجل رحمته تسبق غضبه.

إذاً هذه الآفة الثالثة والصفة الثالثة اليأس من روح الله أو من رحمة الله هذه نتيجة فقدان الأمل بعفو الله وكرمه وعفوه وفضله.

الصفة الرابعة ضعف النفس، يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

23

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 19 الجلسة

23

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
19 الجلسة