شرح نهج البلاغة.
شیخ الدقاق

03 - الصفات الإلهية لا متناهية

شرح نهج البلاغه

  • الكتاب: شرح نهج البلاغة
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

26

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الصفات الإلهية لا متناهية

المقطع الثاني من الخطبة الأولى من نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: «الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه» صدق أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.

المقطع الأول من الخطبة الأولى من نهج البلاغة كان كلام أمير المؤمنين عليه السلام في توصيف ذات الله، وهذا المقطع الثاني انتقل فيه إلى ذكر صفات الله، فلو راجعنا المقطع الأول لوجدنا أن علياً عليه السلام ابتدأ بتوصيف ذات الله، قال: «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون» وهذه صفة للذات الإلهية «ولا يحصي نعماؤه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطان» فهذا الكلام في مقام توصيف ذات الله.

لكن المقطع الثاني انتقل فيه أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذكر صفات الله عزّ وجل، فقال: «الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعتٌ موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه».

وهذا ترتيب منطقي أول ما بدأ أمير المؤمنين عليه السلام بذات الله، ثم بعد ذلك ذكر صفات الله عزّ وجل.

مفردات اللغة

الفطر هو الاختراع والإنشاء والخلق، والنشر هب الريح، ووتد أي ثبته، الميدان بفتح الدال ما يدع الحركة والاضطراب، الصحيح أن تقرأ: ووتد بالصخور ما يدان أرضه، وليس ميدان أرض، فالميدان هو الحركة والاضطراب.

وبعد بيان معنى هذه المفردات في اللغة العربية نشرع في بيان معنى هذه الجمل:

الجملة الأولى قال عليه السلام : «الذي ليس لصفته حد محدود».

والحد في المنطق: هو عبارة عن التعريف، فيقال: كتاب الحدود أي كتاب التعريفات، ولكي يتضح كلام أمير المؤمنين عليه السلام نقول: الإنسان موجود محدود، فهو متناهٍ أي يشغل حيزاً من الوجود، فله حد ومائز، وبالتالي كل ما يرتبط بالإنسان المتناهي المحدود الصفات فهو أيضاً محدود، إذا صفات الإنسان محدودة ومتناهية ومعينة ومعلومة، فقدرته محدودة قوته محدودة شجاعته محدودة.

إذاً الإنسان له صفات كالقدرة والشجاعة والقوة لكن هذه الصفات بقدر لأن الإنسان متناهي ومحدود وصفات المتناهي المحدود لابدّ أن تكون متناهية ومحدودة لكن الله عزّ وجل لا متناهي فهو غير محدود فكذلك صفاته لامتناهية وليس لها حد وليس لها نهاية وليس لها مقدار معلوم.

وهذا هو الفارق بين الإنسان الممكن المحدود المتناهي وبين الله تبارك وتعالى غير المحدود وغير المتناهي، فالإنسان متناه وله صفات متناهية ومحدودة، والله عزّ وجل لا متناهي ولا محدود وله صفات لا متناهية وغير محدودة.

قال عليه السلام: «ولا نعت موجود».

لنعت هي الصفة التي من شأنها أن تتغير، وصفات البشر المحدودة تتغير فإن الإنسان يبدأ بالطفولة ثم مرحلة الشبع ثم الكهولة، فنفس الإنسان يتغير، وهكذا صفات الإنسان فإنها تتغير، فقد ينتقل من البخل إلى الكرام أو من الكرم إلى البخل، وهكذا يكون جاهلاً فيصبح عالماً ثم يخرف ويزول عقله ويذهب علمه.

فصفات الإنسان توجد في زمان دون زمان وفي مكان دون مكان، كالحياة فلها مدة معينة وتزول، فالنعت هي الصفة القابلة للتغير والتي من شأنها أن تتغير، ولكن صفات الله عزّ وجل ثابتة وليست متغيرة.

من هنا قال عليه السلام واصفا الله: «الذي ليس لصفته حد محدود» يعني صفات الله لا متناهية وغير محدودة، «ولا نعت موجود» أي أنها هذه الصفات ليس من شأنها أن تتغير، فصفات الله ليست كصفات سائر الموجودات الممكنة بل صفات الله ثابت نظراً لأن صفات الله عين ذاته فذاته عين صفاته وصفاته عين ذاته ولا توجد اثنينية، وبما أن ذاته ثابتة غير متغيرة فكذلك صفاته ثابتة غير متغيرة، ذاته لا تتقيد بزمان ولا مكان فكذلك صفاته لا تتقيد بزمان ولا مكان.

من هنا قال عليه السلام : «ولا وقت معدود» وقت معدود أي الوقت القابل للعد والحساب، أي أن صفات الله ليس لها مدة معينة ومحدودة، بل هي صفات دائمة وليست صفات مؤقتة ومعدودة ومتغيرة.

ثم قال عليه السلام : «ولا أجل ممدود».

أي أجل وعمر قابل للامتداد وقابل للزوال، هكذا أجل الإنسان وسائر الممكنات، قدر له أجل وعمر هذا العمر قابل للزيادة وقابل للنقصان، لكن الذات الإلهية أزلية أبدية، وصفة الأزل ناظرة إلى البداية وصفة الأبد ناظرة إلى النهاية، والإنسان وسائر الممكنات لها بداية ونهاية، لكن الله عزّ وجل ليس له بداية ولا نهاية فهو علة الوجود الأولى والباقي ممكنات خلقها وابتدعها وفطرها.

فنقول: الذات الإلهية أزلية أبدية، الله عزّ وجل أزلي أي لم يسبق بالعدم، وأبدي أي لا يعترضه الفناء.

الإنسان وسائر الممكنات كانت مسبوقة بالعدم فهي ليست أزلية ليست موجودة من الأزل، لكن واجب الوجود وهو الذات الإلهية المقدسة موجودة منذ الأزل أي لم تسبق بعدم إذ هي العلة الأولى ولم يسبقها عدم.

كما أن سائر الممكنات يعتريها الفناء وليست أبدية ولا تبقى إلى الأبد، بخلاف الذات الإلهية هي أبدية أي لا يعتريها الفناء في المستقبل.

سلام الله على سيد الشهداء حينما ودع أخته زينب عليها السلام، قال: أخية تعزي بعزاء الله لقد مات جدي رسول الله وهو خير مني، مات أبي وهو خير مني، مات أخي الحسن، إلى أن يقول: واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لايبقون، ولو بقي أحد لبقي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله فهو خير مني.

إذا المقطع الأول من الخطبة الأولى تكلم أمير المؤمنين ووصف ذات الله، المقطع الثاني تكلم أمير المؤمنين واصفاً صفات الله.

المقطع الثالث يتكلم عن قدرة الله تبارك وتعالى يقول: «فطر الخلائق بقدرته» يعني بعد أن ذكر صفات الله عرج نحو قدرة الله عزّ وجل «ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه».

الله عزّ وجل أظهر لمخلوقاته الممكنة بعض صفاته، فأظهر قدرته حينما فطر الخلائق أي خلق الخلائق وبعضها يرى وبعضها لا يرى، بقدرته، وهناك صفة أخرى غير صفة القدر وهي صفة الرحمة، فقال عليه السلام : «ونشر الرياح برحمته» نشر أي بسط الرياح وهي الهواء في الفضاء، لأن كل ذي روح كالإنسان والحيوان والنبات يحتاج إلى الهواء للتنفس، هو يحتاج إلى عنصر الأكسجين، وقوام بالهواء وعنصر الأكسجين.

قال تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» الماء «h2o» ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين، فهذا الماء الذي هو أساس الحياة فيه عنصر الأكسجين الذي يتنفسه الإنسان.

الفرق بين الريح والرياح، قال عليه السلام : «ونشر الرياح»، ولم يقل: ونشر الريح، فما الفرق بينهما؟

الجواب: الريح تستعمل في العذاب، والرياح تستعمل في الرحمة، قال تعالى: «وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية»[1].

وقال عزّ من قائل ريح فيها عذاب أليم»[2]، وقال تعالى: «أن يرسل الرياح مبشرات»[3]، قال تعالى: «وأرسلنا الرياح لواقح»[4] تلقح الأزهار والنباتات.

ويؤيد الفارق بين الريح في العذاب، والرياح في الخير، قول رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا هبت ريح، قال: «اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً»[5].

المقطع الأخير استقرار الأرض بقدرة الله، قال عليه السلام: «ووتد بالصخور ميدان أرضه»، الوتد هو العمود، والمراد بالصخور الجبال، والميدان الاضطراب والحركة، أرضه أي أرض الله عزّ وجل.

أي أن الله عزّ وجل ثبت حركة الأرض بواسطة الجبال التي هي أوتاد وأعمدة تثبت الأرض، تماماً حاله حال السفينة، السفينة إذا خالية، وحتى الطائرة إذا ما فيها أغراض ثقيلة تلعب بها الرياح والسفينة إذا خالية تلعب بها الأمواج، لكن هذه الأثقال بمثابة الوتد، هذا الحديد بمثابة الوتد والعمود الذي يثبت الأرض.

هذا تمام الكلام في هذا المقطع ثم يقول عليه السلام : «أول الدين معرفته» يتكلم عن معرفة الله، إذاً لاحظ الترتيب المنطقي: أولاً تكلم عن الذات الإلهية، ثم الصفات الإلهية، ثم ذكر صفة القدرة، ثم ذكر صفة الرحمة، ثم يتكلم عن معرفة الله تبارك وتعالى، إن شاء الله هذا المقطع أول الدين معرفته، الدرس القادم إن شاء الله.

الآن نذكر بعض مصادر والمراجع التي يمكن الرجوع إليها لفهم نهج البلاغة بعض الشروح وبعض المتون، بعضها لضبط المتن، وبعضها اضبط السند.

نذكر عشرين مرجع ومصدر:

الأول شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، عشرين مجلد.

الثاني مصباح السالكين، للشيخ ميثم بن ميثم البحراني، المعروف بشرح نهج البلاغة، خمسة مجلدات، والآن يحققونه راح يصير أكثر من خمسة.

الثالث نخبة الشرحين في شرح نهج البلاغة، للسيد عبد الله شبر، وهو ما انتخبه من شرح ابن أبي الحديد، وشرح ابن ميثم البحراني.

الرابع منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للشيخ الميزة حبيب الله الهاشمي الخوئي، اثنين وعشرين مجلد.

الخامس بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، للشيخ محمد تقي التوستري، أربعة عشر مجلد.

السادس إرشاد المؤمنين إلى معرفة نهج البلاغة المبين وبعض مناقشات كلامية مع ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة، تأليف السيد محمد حسين الحسيني الجلالي، ثلاثة مجلدات.

السابع معارج نهج البلاغة، لعلي بن زيد البيهقي الأنصاري.

الثامن في ظلال نهج البلاغة محاولة لفهم جديد، الشيخ محمد جواد مغنية، أربعة مجلدات.

التاسع نفحات الولاية شرح عصري لنهج البلاغة، المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، قالوا: وصل لخمسة عشر مجل.

العاشر دراسة لغوية وبلاغية في خطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، السيد جعفر السيد باقر الحسيني.

الحادي عشر منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، للمحدث الأديب المفسر قطب الدين بن أبي الحسين سعيد بن هبة الله الرواندي، قطب الدين الرواندي معروف صاحب كتاب فقه القرآن.

الثاني عشر شرح نهج البلاغة، السيد عباس علي الموسوي، خمسة مجلدات.

الثالث عشر توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الشيرازي.

الرابع عشر مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبدالزهراء الحسيني الخطيب، أربعة مجلدات.

الخامس عشر مسند نهج البلاغة، السيد محمد حسين الحسيني الجلالي، ثلاثة مجلدات.

السادس عشر نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، تأليف الشيخ محمد باقر المحمودي، أربعة عشر مجلد.

السابع عشر تمام نهج البلاغة، للسيد صادق الموسوي بن السيد محمد باقر بن السيد عبد الله الشيرازي.

الثامن عشر شرح نهج البلاغة، للشيخ محمد عبده المصري، تلميذ السيد جمال الدين الأفغاني، الشيخ محمد عبده معروف من علماء الأزهر، وهاجر إلى فرنسا وكان أسس مجلة العروة الوثقى مع السيد جمال الدين الأفغاني رحمة الله عليه.

التاسع عشر شرح نهج البلاغة للدكتور صبحي الصالح، معروف أحد علماء لبنان من أهل السنة وأيضاً الشيخ محمد عبده من أهل السنة وقيل أنه قد تشيع.

العشرون شرح نهج البلاغة المستخرج من بحار الأنوار، ثلاثة مجلدان، طبعته وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بالجمهورية الإسلامية في إيران، يعني من مجلدات بحار الأنوار المئة وعشرة استخرجت بعض كلمات صاحب البحار وغيرها التي تفيد في شرح خطاب أمير المؤمنين عليه السلام.

هذا تمام الكلام في ذكر هذه المصادر وهذا المقطع، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  سورة الحاقة، آية 6.

[2]  سورة الأحقاف، آية 24.

[3]  سورة الروم، الآية 46.

[4]  سورة الحجر، الآية 22.

[5]  تفسير التبيان، ج 4، ص 428.

00:00

26

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 6 الجلسة

26

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: شرح نهج البلاغة
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
6 الجلسة