شرح دعاء الكميل
شیخ الدقاق

02 - معنى الدعاء وآدابه وتاريخه

شرح دعاء الكميل

  • الكتاب: شرح دعاء الكميل
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

26

2024 | أكتوبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 معنى الدعاء وآدابه وتاريخه

الدعاء في اللغة بمعنى النداء، وقد ذكر في اللغة والتفسير عدة معاني للدعاء:

المعنى الأول الدعاء هو الرغبة إلى الله عزّ وجل.

المعنى الثاني الدعاء بمعنى الاستعانة، كما جاء في قوله تعالى: «وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين» أي ادعوا من استدعيتم طاعته ورجوتم معونته، فالدعاء بمعنى الاستعانة.

المعنى الثالث الدعاء بمعنى الاستغاثة، قال تعالى: «وادعوا شهداءكم من دون الله» أي استغيثوا بألهتكم التي عبدتموها من دون الله.

المعنى الرابع الدعاء بمعنى العبادة، ومنه قوله تعالى: «إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم» أي أن الذين تعبدون من دون الله.

لكن المعنى الأول وهو النداء يشمل هذه المعاني الأربعة[1]، فالاستغاثة نداء والاستعانة نداء والاستغاثة نداء والعبادة نداء، فهذه المعاني الأربعة المعنى اللغوي وهو الدعاء.

وقد ذكر في البلاغة العربية أن الطلب على ثلاثة أنحاء:

النحو الأول طلب العالي من الداني وهو الأمر.

النحو الثاني طلب المساوي من المساوي وهو الالتماس.

النحو الثالث طلب الداني من العالي وهو الدعاء.

فيصير معنى الدعاء هو الطلب والنداء الصادر من الداني إلى العالي، وأبرز مصاديق الدعاء، دعاء العبد المخلوق الفقير الممكن من الله الغني الكبير المتعال.

ولو راجعنا الأدعية الشريفة، لوجدنا أن معاني هذه الأدعية على ثلاثة أوجه، فأكثر الأدعية تتضمن ثلاثة أمور رئيسية:

الأول توحيد الله والثناء عليه، قال تعالى: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين»[2].

إذا المحور الأول في الأدعية توحيد الله والثناء عليه.

المحور الثاني طلب العفو والرحمة والمغفرة وما يقرب من ذلك، «رب اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا وأجزيهما بالإحسان إحساناً وبالسيئات تجاوزاً وغفرانا».

المحور الثالث مسألة الحظ من الدنيا والطلب كقوله: «اللهم ارزقني مالاً وولداً وزوجة» إلى آخر الطلبات الدنيوية والأخروية.

هذه محاور ثلاثة في الأدعية:

المحور الأول والضرب الأول توحيد الله والثناء عليه.

الثاني طلب المغفرة يعني طلبات أخروية.

الثالث طلبات دنيوية.

الدعاء بين الرفض والقبول

وهنا نتطرق إلى الاتجاهات الفكرية تجاه الدعاء، فهل الدعاء مقبول أو مرفوض؟ توجد ثلاثة اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الأول الأخذ بفكرة الدعاء في كل شيء في الحياة، فالاتجاه الأول قبول الدعاء مطلقاً، وترك غيره.

الاتجاه الثاني رفض الدعاء رفضا قاطعاً فالاتجاه يرفض الدعاء بشكل مطلق.

الاتجاه الثالث هو القول الوسط بين الطرفين، فيقبل الدعاء ولا يغفل الطلب والسعي.

هذه اتجاهات ثلاثة فصل فيها المرحوم الشهيد عزّ الدين بحر العلوم في مقدمة كتابه أضواء على دعاء كميل من صفحة خمسة عشر إلى صفحة لعله ثمانية وثلاثين.

ولنتطرق إلى هذه الاتجاهات بشكل مختصر:

أما الاتجاه الأول وهو من يقبل الدعاء مطلقاً، ويترك العمل والسعي نحو الرزق، فإنه يتمسك بجملة من الآيات كقوله تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب»[3]، وقوله تعالى: «والله يرزق من يشاء بغير حساب»[4]، وقوله تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه»[5]، فعلى هذا فعلى أي شيء يتعب الإنسان نفسه، والرزق بيد الله، وما دام التوكل على الله موجوداً فلا حاجة إلى السعي، قال تعالى: «وإذا مرض فهو يشفيني»[6] فما دام الله هو الشافي فلا حاجة إلى مراجعة الطبيب.

لكن هذا الاتجاه لا يمكن المساعدة عليه، فقد ورد في الروايات الشريفة استحباب الطلب لجلب الرزق، وورد أن ثلاثة لا يستجاب لهن، منها «رجل جلس في بيته، وقال: يا رب ارزقني».

جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: عمر بن يزيد، «قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل قال: لأقعدن في بيتي ولأصلين ولأصومن ولا أعبدن ربي فأما رزقي فسيأتيني، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم، قلت: ومن الاثنين الآخران؟ قال: رجل له امرأة يدعو الله أن يريحه منها، ويفرق بينه وبينها، فقال له: أمرها بيدك خلي سبيلها» يعني طلقها، «ورجل له حق على إنسان لم يشهد عليه فيدعو الله أن يرد عليه، فيقال له: قد أمرتك أن تشهد وتست فلم تفعل، الله يقول: إذا تداينتم بدين فاكتبوه»[7].

إذاً المقولة المشهورة «يا عابد منك الحركة ومن الله البركة» لابد من الدعاء ولابد من السعي، الرواية هكذا «إني أحب أن يكون العبد دعاء» دعاء على وزن فعال، يعني كثير الدعاء في السراء والضراء، في بعض الروايات «إذا دعا المؤمن، قالت الملائكة: هذا صوت معروف أجيبوا دعوته» لأنه دائما يدعو في السراء والضراء في الشدة والرخاء «وأما الذي لا يدعو الله إذا دعا، قالت الملائكة: ردوا دعاءه صوت غير معروف».

إذا الاتجاه الأول الذي يقبل الدعاء مطلقاً من دون سعي من دون أن يقرنه بحركة هذا الاتجاه غير صحيح.

الاتجاه الثاني بالعكس الاتجاه رفض الدعاء مطلقاً، ويقولون أن هذا الدعاء تعطيل للطلب، وأنه لا يدفع سوء ويتمسكون بعدة آيات، كقوله تعالى: «كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة»[8]، وقوله تعالى: «أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب»[9]، وقوله تعالى: «فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى»[10]، وقوله تعالى: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»[11]، «وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى».

إذا العبرة بالعمل، لكن هذا الاتجاه ليس سليماً، إذ أنه معارض بآيات ورواية، من الآيات قوله تعالى: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم»[12] هناك شرط وهو الدعاء، وهناك شرط وهناك مشروط والإجابة مشروطة بالدعاء، وإذا تحقق الشرط وهو الدعاء تحقق المشروط الإجابة قال تعالى: «ادعوا ربكم تضرعاً»[13]، قال تعالى: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون»[14].

أيضاً هذه الآية «واسألوا الله من فضله إن الله بكل شيء عليم»[15]، وأما كثيرة منها «لا يرد القضاء إلا الدعاء»، وفي رواية «أن الدعاء يرد القضاء المبرم إبراماً» فالدعاء له تأثيره.

الاتجاه الثالث القائل بالحد الوسط بين الرفض والقبول، فلا هم يقتصرون على الدعاء في كل شيء، ولا يتحركون، ولا هم يعملون فقط ويتركون الدعاء.

فمثلاً: يذهبون إلى الطبيب ويطلبون من الله الشفاء.

اللطيف أحد الأطباء في طهران، يقول: أنا إذا أجري العملية، قبل ما أجري الموس على بدن المريض، اقرأ البسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» وأتوسل بالإمام الرضا وأجري العملية.

وهكذا إذا طلبت الناس عليك بالقتال وإعداد العدة، قال تعالى: «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، والآية الأخرى تقول: «وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم»[16]، وقوله تعالى: «ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم»[17]، وقوله تعالى: «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين».

إذاً لابد من الدعاء لتعجيل الفرج والنصر، ولابد أيضاً من إعداد العدة المادية.

إذاً الاتجاه الصحيح هو الاتجاه الثالث، ومن أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة.

تاريخ الدعاء

سؤال من هو أول من دعا؟

والجواب: بدأ الدعاء ببدء البشرية، وأول من دعاه هو أبونا آدم أبو البشر، فلو راجعنا القرآن الكريم لوجدنا أن أول من دعاه هو أبونا آدم وأمنا حواء حينما أغواهما إبليس فأكلا من الشجرة فأخرجهما الله من الجنة، قال فاهبط منها الله عزّ وجل يخاطب إبليس، هذه الآية «قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين»[18].

بالنسبة إلى أبينا آدم وأمنا حواء، قال تعالى: «فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين»[19].

لما أخرج من الجنة دعوا الله بهذا الدعاء قال تعالى: «قال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»[20]، قال تعالى: «فتلقى آدم من ربه فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم»[21].

في بعض الروايات الكلمات أنها «اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم» مجمع البيان في تفسير القرآن، أمين الإسلام الطبرسي.

بعض الروايات أنه توسل بأهل الكساء بمحمد وآل محمد هذا أول دعاء أبو البشر.

بعد ثاني أبرز دعاء أبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن، قال تعالى: «رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لأبي إنه كان من الضآلين، ولا تخزني يوم يبعثون»[22].

سؤال ما هو الدعاء المشترك بين جميع الأنبياء في القرآن الكريم؟

الجواب: أن يكون من الصالحين.

يوسف عليه السلام أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين.

سليمان عليه السلام فتبسم ضاحكاً من قولها لما سمع النملة وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

كل الأنبياء يركزون على الصلاح، لذلك بعض المراجع كالسيد الخوئي عنوان رسالته منهاج الصالحين، السيد المرعشي عنوان رسالته منهاج المؤمنين.

فجميع الأديان السماوية وجميع الأنبياء دعوا إلى الله عزّ وجل كل الأنبياء والأئمة من أبرز سماتهم في التضرع إلى الله وتعالى والدعاء.

يبقى الكلام في آداب الدعاء، وقد ذكرت عدة أمور كآداب للدعاء، نذكر جملة منها باختصار:

الأول أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآل محمد.

الثاني أن يستقبل القبلة ويرفع يديه كهيئة السائل الذليل.

الثالث خفض الصوت حتى يكون بين المخافته والجهر.

الرابع الترسل في الدعاء، فقد جاء في الرواية «أفضل الدعاء ما جرى على لسانك» يعني أن يكون عفوي.

الخامس أن يختار الأوقات المناسبة للدعاء، كالسحر ووقت نزول المطار وعند التقاء الصفين المسلمين والكفار، وغير ذلك من الأوقات، الأماكن المقدسة، المشاهد المشرفة.

السادس أن لا يدعو على مؤمن ولا يدعو بقطيعة رحم.

وهناك العديد من الآداب يرجع فيها إلى كتاب الدعاء لسماحة آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله فقد تكلم وأسهب في آداب الدعاء وشروطه.

هذا تمام الكلام في هذه المقدمة في معنى الدعاء وتاريخه وآدابه.

شرح دعاء كميل نشرع فيه إن شاء الله إن أطال الله في أعمارنا ووفقنا في الدرس القادم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1] المعنى الأول يشمل الثلاثة الأخر.

[2]  سورة غافر، الآية 60.

[3]  سورة الطلاق، الآية 3.

[4]  سورة البقرة، آية 212.

[5]  سورة الطلاق، الآية 3.

[6]  سورة الشعراء، الآية 80.

[7]  وسائل الشيعة، باب 50 من أبواب الدعاء، الحديث 4.

[8]  سورة آل عمران، آية 85.

[9]  سورة البقرة، آية 202.

[10]  سورة آل عمران، الآية 195.

[11]  سورة النجم، الآية 39 و 40.

[12]  سورة غافر، الآية 60.

[13]  سورة الأعراف، آية 53.

[14]  سورة البقرة، آية 186.

[15]  سورة النساء، الآية 32.

[16]  سورة آل عمران، آية 126.

[17]  سورة الروم، الآية 5.

[18]  سورة الأعراف، الآية 13 و 14.

[19]  سورة البقرة، الآية 36.

[20]  سورة الأعراف، الآيى 23.

[21]  سورة البقرة، الآية 37.

[22]  سورة الشعراء، الآيات 83 و 87.

00:00

26

2024
| أكتوبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 3 الجلسة

26

أكتوبر | 2024
  • الكتاب: شرح دعاء الكميل
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
3 الجلسة