شرح دعاء الكميل
شیخ الدقاق

03 - هل دعاء كميل مضموناً ولفظاً للخضر (ع)؟

شرح دعاء الكميل

  • الكتاب: شرح دعاء الكميل
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

02

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

هل دعاء كميل مضموناً ولفظاً للخضر (ع) ؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم..

«اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ،وبقوتك التي قهرت بها كل شيء ،وخضع لها كل شيء، وذللها كل شيء، وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء، وبعزتك التي لا يقوم لها شيء».

 سؤال يطرح نفسه: دعاء كميل هو دعاء الخضر عليه السلام الذي علمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لتلميذه الوفي كميل بن زياد النخعي، ولكن هل متن ألفاظ هذا الدعاء هي للخضر عليه السلام؟ أم أن هذه كان يدعو بها الخضر عليه السلام والصياغة لأمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.

وبعبارة أخرى: هل تمام اللفظ والمعنى هو للخضر فقط ودور الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو دور الناقل فقط لهذا الدعاء؟ أم أن المضمون والمعنى هو للخضر فقط، وإما اللفظ والصياغة فهو لأمير المؤمنين عليه السلام؟

هذا السؤال يحتاج إلى بحث ويحتاج إلى تنقيح.

يذهب شارح الكتاب الشهيد عزّ الدين بحر العلوم إلى استظهار أن المعنى للخضر عليه السلام وأن الصياغة اللفظية فهي من إبداعات أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين، وما أفاده الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم ليس ببعيد، ويحتاج إلى شواهد كثيرة ليس هذا محل بحثها، ولكن سبك الدعاء دعاء كميل المنسوب إلى أمير المؤمنين والخضر مقاربٌ لسبك أدعية أمير المؤمنين الأخرى، كالمناجاة الشعبانية وخطب وكلمات نهج البلاغة.

 وقد سأل ولي أمر الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي حفظه الله الإمام الخميني رضوان الله عليه ذات يوم فقال له: أي الأدعية إليك حبيبة؟

قال: كلها إلي حبيبة.

قال: صحيح ولكن أيها اقرب إلى نفسك.

فقال دعاء كميل والمناجاة الشعبانية؟

ثم قال الإمام القائد الخامنئي: والملفت أن كلاً من دعاء كميل والمناجاة الشعبانية مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كما أن المناجاة الشعبانية ورد أن جميع الأئمة عليهم السلام كانوا يقرؤونها.

فلنشرع في بيان مفردات الدعاء:

من أدب الدعاء أن يتوجه الداعي إلى ربّه، ويطلب منه العفو والمغفرة، وأن يتذلل بين يديه، فهناك عدة آداب للدعاء، كالابتداء بالاستعاذة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ثم البسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» ثم الحمد والثناء على الله تبارك وتعالى، والتذلل بين يديه.

لذلك نجد أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين أول ما بدأ الدعاء قال: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء» فبدأ بالتذلل إلى الله طالباً منه رحمته الواسعة.

 لفظ «اللهم» اتفق علماء اللغة العربية على أن أصل كلمة «اللهم» هو لفظ «يا الله»، ولكنهم اختلفوا في كيفية تركيبها الخارجي، أي أنه كيف صارت كلمة «يا الله» وتحولت إلى لفظ «اللهم» ذكرت أقوال، واحدة منها إن لفظ «اللهم» هو أصله «يا الله»، لكن لكثرة دوران كلمة «يا الله» على الألسن حذف حرف النداء وهو لفظ ياء فصار لفظ الله وعوض عن حذف ياء النداء بحرف ميم مشددة في آخر الكلمة فأصبح الترك الخارجي للكلمة «اللهم»[1].

إذا اتفق علماء العربية أن أصل اللفظ «اللهم» هو «يا الله»، اختلفوا في كيفية تحول يا النداء إلى ميم مشددة في آخر الكلمة.

«اللهم إني أسألك» إني، فيها توكيد، لم يقل اللهم أنا أسألك، أكد طلبه، والطلب على ثلاثة أقسام:

الأول الطلب من العالي إلى الداني، وهو الأمر.

الثاني الطلب من المساوي إلى المساوي، وهو الالتماس.

والثالث الطلب من الداني إلى العالي، وهو السؤال والدعاء.

فقال: «اللهم إني أسألك» أي أنا عبد الداني اطلب منك يا ربّ العالي.

«برحمتك التي وسعت كل شيء» الباء للقسم، يعني إني أسألك وأقسم عليك برحمتك التي وسعت كل شيء، فالداعي يسأل الله ويطلب من مقسماً عليه برحمته، والرحمة عند البشر تلازمها رقة القلب، ولكن نفس معنى الرحمة لا تستلزم رقة القلب، ورحمة الله عزّ وجل وسعت كل شيء، قال تعالى: «ورحمتي وسعت كل شيء»[2] قال تعالى: «فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة»[3].

والله عزّ وجل رحمته تشمل جميع الموجودات الممكنة في مختلف مراحلها، فالإنسان والجمال والنبات يحتاج إلى رحمة الله في أصل وجوده، كما يحتاج إلى رحمة الله في نموه وكمال وجوده.

لذلك يحتاج الإنسان أن يلجأ دائماً إلى الله قال تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على قل يا عبادي الذين أسرفوا لا تقنطوا من رحمة الله»[4]، والسرف هو التجاوز والقنوط أي الياء من رحمة الله كتب ربكم كتب على نفسه الرحمة الله عزّ وجل.

وهناك معنى فلسفي لا بأس بإيراده هنا وهو عبارة عن الحضور التعلقي للممكن، ولا نريد نستغرق في مباحث فلسفية، ولكن لا بأس بذكره لتقريب المطلب.

الله عزّ وجل والذات الإلهية واجبة الوجود، الله غني، لا متناهي ولا محدود، وسائر الموجودات تحتاج إلى الله في أصل وجودها وحدوثها أولاً، وفي بقائها ثانياً، ومن هنا ذكر في الفلسفة والمنطق أن لعلة تنقسم إلى قسمين: علة محدثة، وعلة مبقية.

 وهذا التقسيم بلحاظ الحيثية وإلا فالعلة واحدة، لكن إما أن تلحظ فيها حيثية البدء والحدوث فتكون علة محدثة، وإما أن تلحظ فيها حيثية البقاء والاستمرار.

مثال ذلك: يقولون: علة حدوث الإحراق والاحتراق هو عود الثقاب، لكن هذه النار قد تخمد، فلا بد من علة البقاء والاستمرار وهي توفر عنصر الأكسجين والمادة القابلة للاشتعال.

وهكذا في الحياة الدنيا تحتاج إلى محدث لها، والثورة بحاجة إلى مؤسس لها فهو العلة المحدثة والمؤسس للثورة الإمام الخميني رضوان الله عليه لكن الثورة والدولة تحتاج إلى علة مبقية تبعث على استمرارها فلابد من قيادة تعمل على المحافظة.

إذا اتضح هذا وهو أن العلة إما محدثة وإما مبقية نقول: سائر الممكنات كالإنسان والحيوان والجماد والنبات تحتاج إلى الله في أصل وجودها وحدوثها فالله عزّ وجل علة محدث لها، وأيضاً لكي تبقى تحتاج إلى استمرار إفاضة الوجود من الله عليها فالله عزّ وجل هو العلة المحدثة والمبقية للكون بما فيه، ولو انقطع فيض الله عزّ وجل في لحظة واحدة عن مخلوق أو ممكن من الممكنات لمات.

فإذا سائر الممكنات وسيدها الإنسان محتاج إلى الله في أصل وجوده وفي استمرار بقائه، لذلك جاء في الدعاء دعاء الجوشن الكبير: «يا خالق الأشياء من العدم» هذا ناظر إلى ماذا؟ ناظر إلى العلة المحدثة، ناظرة إلى أصل الوجود.

وبعض الأدعية ناظرة إلى البقاء يقول الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: «إلهي ربيتني في نعمك صغيرا ونوهت باسمي كبيرا، فلك» إلى آخر الدعاء، يقول: «أنت الذي أوجدت، أنت الذي أعطيت، أنت الذي أنت الذي.. أنت الذي..» فإفاضة الوجود والنعم على الإنسان هذه بمقتضى رحمة الله.

خلاصة الكلام:

الغرض من طرح هذه الفكرة أن وجود الممكن عين التعلق بالواجب، الممكن في وجوده قائم بالواجب ابتداءً واستمراراً، حدوثاً وبقاءً، هذا التعلق إذا انقطع في لحظة واحدة وانقطع الفيض انعدم المنكر، فوجود الإنسان وسائر الممكنات هو عبارة عين التعلق بذات الواجب تبارك وتعالى، ولكي يبقى هذا التعلق بحاجة إلى رحمة إفاضة الرحمة من الله يعني الإنسان وسائر الموجودات تحتاج إلى رحمة الله من أول نشأتها إلى مماتها هي بحاجة إلى ماذا؟ إلى رحمة الله الذي يفيض الوجود.

قال عليه السلام : «وبقوتك التي قهرت بها كل شيء» متعلق الباء أيضاً القسم يعني أقسم عليك بقوتك التي بها كل شيء.

الباء للقسم والقوة ضد الضعف، وهذا المقطع فيه بحث طويل لا يسعه الوقت نرجئه إلى الدرس القادم، تأملوا لماذا عطف القوة على الرحمة؟ أولاً بدأ بالرحمة أي أقسم على الله برحمته، ثم أقسم عليه بقوته لأن الإنسان لا قوام له ولا قدرة ولا طاقة له بدون قوة الله تبارك وتعالى.

تفصيل شرح «وبقوتك التي قهرت بها كل شيء» يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  لسان العرب، مادة إله، ج 1، ص 146.

[2]  سورة الأعراف، الآية 156.

[3]  سورة الأنعام، الآية 147.

[4]  سورة الزمر، الآية 53.

00:00

02

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 3 الجلسة

02

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: شرح دعاء الكميل
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
3 الجلسة