بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 معنى السلام والمراد منه

شرح متن الزيارة الجامعة ابتدأ الإمام العاشر علي بن محمد الهادي _{صلوات الله وسلامه عليه} الزيارة الجامعة الكبيرة بقوله _{عليه السلام}: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة» إلى آخر الزيارة الشريفة.

المقطع الأول من الزيارة الشريفة يبدأ بالسلام، فما هو معنى السلام؟ حينما تسلم على الإمام تقول: «السلام عليك يا ولي الله» حينما تسلم على النبي «السلام عليك يا رسول الله» ما المراد بالسلام؟

السلام نوع من التحية، بل هو تحية أهل الجنة، قال تعالى: «وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام»[1].

ولكن ما هو معنى السلام؟

اختلف في معنى السلام، وذكرت عدة معاني للسلام:

المعنى الأول أنه دعاء بمعنى سلمت عن المكاره.

المعنى الثاني المقصود به معناه أي السلامة عليكم.

المعنى الثالث يراد من السلام اسم الله تعالى، فالمعنى اسم الله عليكم، يعني أنت في حفظه وأمانه ببركة اسمه، هذا نظير ما يقوله أهل سوريا ولبنان: «الله معك»، وخاصية هذا الاسم وهو السلام هو الرحمة والسلامة، فيكون حاصل المعنى الثالث إن «رحمة الله وسلامته عليكم أهل البيت».

ولعل المعنى الثالث هو الأقرب أي تفسيره بسم الله تعالى، فحينما تقول: «السلام عليكم» أي اسم الله ورحمته عليكم أهل البيت، ولذلك أنت تكمل السلام تقول: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» أي اسم الله عليكم ورحمته وبركاته.

وقد أفاد المرحوم السيد عبد الله شبر[2] _{رحمه الله} أن السلام قد اختاره الشارع المقدس، وجعله تحية الإسلام لما فيه من المعاني الجامعة، أو لأن السلام مطابق لاسم الله تيمناً وتبركاً، وهذا المعنى معنى السلام يجري في بقية التسليمات التي ستأتي في الزيارة الجارية.

والسلام من مختصات الإسلام لذلك في المجتمعات التي فيها مسيح ويهود، وغير ذلك من الطوائف كما في سوريا ولبنان تجدهم يقولون: مرحبا، نعم إذا تيقن أن طرفه مسلم، قال: السلام عليكم، فالسلام من مختصات الإسلام.

بل إذا كان الطرف الآخر منحرفاً أو من طائفة منحرفة، قد تقول: «السلام على من إتبع الهدى» إذا لم يحصل تعريض، ولفظ السلام يأتي معرفاً، فتقول: السلام، ويأتي منكراً، فتقول: «سلام عليكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته»، قال تعالى: «وسلام على عباده الذين اصطفى»[3] هذا بالنسبة إلى التنكير، وأما بالنسبة إلى التعريف قال تعالى: «والسلام على من إتبع الهدى»[4].

ولعل اللفظ المعرف أزين لفظاً وأبلغ معنى، لذلك أكثر الزيارات تبدأ بالتعريف وإذا نكرت أضيفت إلى الذات الإلهية، فتقول: سلام الله هكذا تزور أبو الفضل العباس «سلام الله وملائكته المقربين والأنبياء والمرسلين».

«السلام عليكم يا أهل بيت النبوة» أهل بيت النبي هم الأئمة الطاهرون، وهم: علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب هؤلاء أهل الكساء الخمسة، وأهل البيت يشمل أيضاً الأئمة _{عليهم السلام} الأئمة الاثني عشر، بل المعصومين الأربعة عشر النبي وفاطمة والأئمة الاثني عشر من علي إلى المهدي _{صلوات الله وسلامه عليهم}.

ويستفاد من حديث الاحتجاج عن أمير المؤمنين الوارد في تفسير قوله تعالى: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»[5] أن أهل البيت _{عليهم السلام} هم أهل الكساء فقد جاء في الحديث فأخذ رسول الله _{صلى الله عليه وآله} كساء خيبرياً فضمني فيه وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: «يا رب إن هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»[6].

وروى الصدوق _{رحمه الله} أنه سئل الصادق _{عليه السلام} : «من آل محمد؟ فقال: ذريته، فقيل: ومن أهل بيته؟ قال: الأئمة، قيل: ومن عترته؟ قال: أصحاب العباء، قيل: فمن أمته؟ قال: المؤمنون»[7].

«السلام عليكم يا أهل بيت النبوة» النبوة في الأصل إما مأخوذ من مادة «نبأ» أي ارتفع، ويسمى النبي نبياً لارتفاعه وشرفه على سائر الخلق، أو مأخوذ من مادة النبأ بالهمزة بمعنى الخبر فيكون معنى النبي أنه المنبئ والمخبر عن الله بغير واسطة بشر بينه وبين الله عزّ وجل.

والنبي قد يكون له شريعة وقد لا يكون له شريعة، فموسى وعيسى ومحمد _{صلوات الله عليهم} كانت لهم شريعة ومن الأنبياء من لم تكن لهم شريعة كـ يحيى بن زكريا _{على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام}، ويمكن اجتماع كلا المعنيين في النبي _{صلى الله عليه وآله}.

سؤال: ما الفرق بين النبي والرسول والإمام؟

الآن وضحنا أن النبي قد يكون عنده شريعة وقد ما يكون عنده شريعة، هذا الذي عنده شريعة مو بالضرورة أيضاً يكون رسول، فما الفرق بين النبي والرسول والإمام؟

والجواب: توضحه هذه الرواية من حديث زرارة، قال: سألت أبا جعفر _{عليه السلام} الإمام الباقر عن قول الله عزّ وجل «وكان رسولاً نبيا» ما الرسول؟ وما النبي؟

قال: «النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك».

قلت: الإمام ما منزلته؟

قال: «يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملاك»[8].

إذا الرسول من حاز الثلاث: يسمع صوت الملك إذا حدثه، ويرى في الحلم والمنام الملك والوحي، وإذا جاءه الوحي جاءه الملك يراه، يعني النبي يرى جبرائيل، يرى ميكائيل، يعاين بالملائكة، بخلاف النبي النبي يسمع ويرى في المنام لكن لا يعاين في اليقظة، بينما الإمام يرى بينما الإمام يسمع لكنه لا يرى ولا يعاين.

وهذا لا يثبت الأفضلية هذا بلحاظ المنزلة، وإلا في عقائد الإمامية النبي وأهل بيته أفضل من جميع الأنبياء، وهناك كلام بالنسبة إلى أولي العزم، بل يرى أنهم أفضل من أولي العزم، وأن مقام الإمامة ارفع وأعلى من مقام النبوة.

وأبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن وصل إلى درجة النبوة، ثم درجة الخلة خليل الرحمن، ثم درجة الإمامة.

قال تعالى: «وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمهن، قال: إني جاعلك للناس إماماً، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين» إبراهيم كان نبياً حينما طلب أن تكون الإمامة لذريته، حينما ذاق طعم مقام الإمامة لما أتم الكلمات وارتفعت درجته الله أعطاه هذا المقام، فليس كل نبي إمام وليس كل إمام نبي، وتفصيل ذلك في علم الكلام والعقائد.

«وموضع الرسالة» أي محل أسرار أنبياء الله تبارك وتعالى، ومخزن علوم جميع رسل الله تبارك وتعالى فالأئمة _{عليهم السلام} حملة علوم الرسل، والإمام يتلقى المعارف من الإلهام، ومن الإمام، أو النبي الذي قبله.

هذا هو مصدر علم الإمام يلهمه الله عزّ وجل أو يأخذ العلم من النبي الذي قبله، هذا بالنسبة إلى الإمام علي والحسن والحسين، أو الإمام الذي قبله، كبقية الأئمة _{عليهم السلام}.

وهناك رواية طويلة حديث سليم بن قيس الهلالي، في نهايتها أمير المؤمنين يصف علاقته بالنبي _{صلى الله عليه وآله} : «وكنت ادخل على رسول الله كل يوم دخلة، وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله _{صلى الله عليه وآله} أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيره، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله _{صلى الله عليه وآله} أكثر من ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله اخلني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري.

وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة، ولا أحد من بني، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني.

فما نزلت على رسول الله _{صلى الله عليه وآله} آية من القرآن إلا اقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها.

فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه علي، وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنسى حرفاً واحداً».

ثم هنا الشاهد من إيراد هذه الرواية:

«ثم وضع يده على صدري، ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً، ولم يفتني شيء لم اكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد، فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل»[9].

تذكرني برواية أمير المؤمنين يقول: «بعثني رسول الله إلى اليمن، وقال لي: اقض بينهم، فقلت: يا رسول الله كيف أقضي بينهم ولا اعرف المسائل؟ يقول: فوضع كفه على صدري، وقال: اللهم ثبته، يقول علي _{عليه السلام} : منذ وضع رسول الله كفه على صدري لم احتر في جواب مسألة قطع».

يقول قال _{عليه السلام} : «ومختلف الملائكة» أي محل اختلاف الملائكة، يعني مكان تردد الملائكة ونزولهم وعروجهم، لذلك الحسين يقول: هلا أخبرتكم بمكان زغب جبرائيل في بيوتنا؟!

وهناك عدة روايات تشير إلى أن الأئمة _{عليهم السلام} قد حباهم الله بهبوط وصعود الملائكة خصوصاً في ليلة القدر، فالأئمة محدثون، وهم وسائط معرفة الله.

في الرواية عن أبي الحسن _{عليه السلام} قال: سمعته يقول ـ هذا علي بن أبي حمزة ـ : ما من ملك يهبطه الله في أمره ما يهبطه إلا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه، وإن مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر»[10]. 

وهذا لفظ الاختلاف فسر به حديث اختلاف أمتي رحمة، فليس المراد بالاختلاف اختلافاتهم، بل المراد اختلاف بعضهم إلى بعض، أي سفر بعضهم إلى بعض.

قال _{عليه السلام} : «ومهبط الوحي» المهبط بكسر الباء على وزن مسجد، بمعنى محل الهبوط والنزول، أي أن أهل البيت محل نزول الوحي وهبوطه.

والوحي في اللغة بمعنى ماذا؟ الإلهام «وإذ أوحى ربك إلى النحل» أي أن الله عزّ وجل ألهم النحل أن تأكل من كل الثمرات وتصنع العسل، وهكذا «وأوحينا إلى أم موسى» يعني ألهمنا أم موسى أن تلقيه في اليم.

وأما الوحي بالنسبة إلى النبي _{صلى الله عليه وآله} والأنبياء فقط ذكرت الآية الكريمة طرق الوحي إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً، فكيف يوحي الله إلى النبي؟

إما يرسل إليه رسول وأفضل رسل الله المبعوثين من الملائكة هو جبرائيل، هذا واضح جبرائيل ينزل على النبي ويوحي إليه.

الطريقة الثانية هي ماذا؟ يرى في المنام.

والطريقة الثالثة وهي الأولى في الآية أو إلا وحياً، المراد الوحي المباشر، كما سمع موسى _{عليه السلام}، والوحي المباشر الله عزّ وجل يحرك الحروف في الهواء فيسمع النبي هذا الصوت.

إذا إما الوحي المباشر الله عزّ وجل يحرك الصوت فيسمع النبي من دون هذا يكون في اليقظة، أو يسمع في المنام يرى في المنام، أو يرسل إليه رسولاً.

وكان جبرائيل يأتي إلى النبي في صورة رجلٍ جميل معروف.

وكل تفاصيل هذه الأمور تذكر في أين؟ تذكر في علوم القرآن، بحث علوم القرآن تذكر في بحث الوحي والتنزيل طرق الوحي إلى آخره.

هذا تمام الكلام في قوله: «ومهبط الوحي» أي مكان نزول الواحي.

«ومعدن الرحمة» يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين