بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

10 - الجواب التفصيلي على مشكلة الإرسال في التوثيقات

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

03

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الجواب التفصيلي على مشكلة الإرسال في التوثيقات

 

ذكرنا الجواب الإجمالي على شبهة الإرسال في التوثيقات التي مفادها: أن توثيقات الشيخ الطوسي والنجاشي في فهرستيهما ليست مسندة فلم يذكروا سلسلة السند في التوثيقات، فكيف نقبل توثيق الشيخ الطوسي المرسل، ولا نقبل روايات الشيخ الطوسي المرسلة؟

فكان الجواب الإجمالي مفاده: وجود فرق بين إيراد الرواية المرسلة في كتب الحديث، وهذا لا يعني اعتمادها، بخلاف إيراد المدح أو القدح التوثيق أو التضعيف في كتب الرجال هذا يعني أن الشيخ الطوسي رحمه الله يعتمده، وذلك لنكتتين:

النكتة الأولى إن الغرض من الجرح والتعديل هو من يعتمد عليه في الرواية ومن لا يعتمد عليه في الرواية، فكيف يوثق الشيخ الطوسي من لا يعتمد عليه في الرواية؟ ويعتمد توثيق عن مقطوع الإسناد لا يمكن الاطمئنان إليه لكي يقبل رواية فلان؟

والنكتة الثانية إن تضعيف وجرح الرواة فيه شبهات التجسس أو كشف عورات المؤمنين أو التشهير بهم، وهذا لا يجوز إلا إذا ترتب عليه أثر شرعي راجح لقبول الرواية أو رفضها، فلكي يخرج الجارح والمعدل من حرمة التشهير وكشف عورات المؤمنين لا بدّ أن يكون قد استند إلى مستند وثيق، وأن تكون هذه الوسائط التي حذفها وجاء بالتوثيق مرسلان، تكون هذه الوسائط معلومة الوثاقه حجة عنده.

هذا تمام الكلام في الجواب الإجمالي.

لكن ربما يشكك مشكك، أو يوسوس وسواس، فيقول: لعل هؤلاء الرجال الذين قد استند إليهم الشيخ الطوسي أو النجاشي في توثيق أحد أو تضعيفه عنده ثقات ولو وصلت إلينا تلك الأدلة والقرائن لما استفدنا منها الوثاقة.

فهنا يحتمل أنه قد استند إلى أمور حدسية واجتهادية في بعض توثيقاته، ونحن لا نقبل تلك الحدسيات أو الاجتهادات هذا لو اعتمد على الحدس، ولربما قد اعتمد على الحس لكن هذا الحس غير قابل للاعتماد عندنا، أو لربما قد اعتمد على قرائن أوجبت عنده الوثوق والاطمئنان لكن هذه القرائن لو نقلت إلينا لما أورثت عندنا اليقين والاطمئنان بوجهٍ، فتبقى مشكلة الإرسال في التوثيقات، فما يراه حجة إنما هو حجة عليه وليس بحجة علينا، فتكون مشكلة الإرسال في التوثيقات كمشكلة الإرسال في الروايات توجب ضعف الرواية وتوجب ضعف التوثيق.

فإذا شكك مشكك بهذا التشكيك، فحينئذ نذكر الجواب التفصيلي على مشكلة الإرسال في التوثيقات.

ومفاد الجواب التفصيلي:

إن الرواة المترجمون في كتب الجرح والتعديل والرجال والفهرستات على أقسام:

القسم الأول فقهاء أصحاب الأئمة وكبار الأجلاء وأعلام الطائفة، ولا شك أنهم مستغنون عن التوثيق والتعديل كأصحاب الإجماع الثمانية عشر وأفضلهم وشيخهم على الإطلاق زرارة بن أعين، منهم محمد بن مسلم الطائفي، وفضالة بن أيوب، وحماد بن عيسى الجحفة، وأبو بصير هؤلاء أعلام فقهاء أصحاب الأئمة هؤلاء لا يحتاجون إلى توثيق لأننا نقطع بعلو شأنهم فضلاً عن وثاقتهم.

القسم الثاني دون من سبق في الاجتهاد وذيوع السيط، لكن اتفقت كلمات الرجاليين على وثاقتهم، مثال: محمد بن إسماعيل بن بذيع ونظرائه.

القسم الثالث رواة قد ثبتت وثاقتهم بتوثيق الأئمة عليهم السلام ، وصحت أسانيد تلك الروايات إلى الأئمة عليهم السلام، وهو منهج الشيخ الكشي في كتابه معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين، والذي هذبه الشيخ الطوسي وأسماه اختيار معرفة الرجال، فقد أورد روايات وهذه الروايات قد وثقت الكثير من الأصحاب، وكانت هذه الروايات صحيحة السند.

القسم الرابع جملة من الرواة قد وثقوا من قبل من عاصرهم أو قارب عصرهم، فيقال: جميع مشايخ النجاشي ثقات، وجميع مشايخ الكليني ثقات، وهكذا من يبني على وثاقة جميع مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه صاحب كامل الزيارات، وهكذا مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري صاحب كتاب نوادر الحكمة، بل جميع الرجال الذين وردوا في إسناد نوادر الحكمة ما لم يستثنوا.

وهكذا ما قيل في حق مشايخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، وهم محمد بن زياد بن أبي عمير، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي، وصفوان بن يحيى بياع السابر، وهذا غير صفوان الجمال وإن كان معاصراً له، وكلاهما في سماء الوثاق، فقد أدعي في حق جميع مشايخ صفوان وابن أبي عمير والبزنطي أنهم ثقات.

وهكذا لو بنينا على أن إكثار الجليل عن رجل أمارة الوثاقة فليس مجرد رواية الجليل عن رجلٍ يوجب التوثيق، لكن إكثار الجليل كما لو أكثر الكليني أو الصدوق أو الشيخ الطوسي عن رجلٍ، كما لو أكثر الكليني عن محمد بن إسماعيل ولم يعرف من هو محمد بن إسماعيل، هل هو البرمكي وهذا بعيد في الطبقة؟ أو هو البندقي؟ أو هو البزوفري؟ فيحصل الاشتراك بين الثقة والضعيف، فنقول: يكفي أن الكليني قد روى عن محمد بن إسماعيل قرابة خمسمائة رواية وإكثار الكليني الجليل عن رجلٍ أمارة الوثاقة.

وتختلف المباني كما سيأتي إن شاء الله فصاحب المستدرك الميرزا حسين النوري يرى أن مجرد رواية الثقة عن رجل أمارة الوثاقة، ونحن لا نلتزم بأن مجرد رواية الجليل عن رجل أمارة الوثاقة، فضلاً عن رواية مجرد الثقة، فمجرد رواية الثقة أو الجليل عن رجل لا يوجب توثيقه. نعم إكثار الجليل عن رجل أمارة الوثاق.

بعد يا أخي يا أخي في هذا القسم الرابع بعض الرواة قد ذكر توثيقهم وأسند توثيقهم وتعديلهم إلى أشخاص بأعيانهم أو عموم الأصحاب مثل: ابن نوح وابن فضال وابن عقدة والصدوق أو أهل قم أو غير ذلك فيذكر فلان ثقة أو ضعيف عند ابن نوح أو العقيقي أو ابن عقدة، وثقة ابن عقدة، ضعفه فلان، ضعيف عند أهل قم، ثقة عند أهل الرأي وهكذا، فهذه موارد كثيرة.

وبهذه الأقسام الأربعة يخرج جل الرجال والرواة المترجمين في كتب الرجال عن مشكلة الإرسال في التوثيقات، يبقى الكلام كل الكلام في القسم الخامس.

القسم الخامس من وثقة بعض الرجاليين، وسكت عنه رجال آخرون، أو تعارضت فيه كلمات الرجاليين، لكن هذا القسم الخامس موارده نادرة، وقليلة وفي هذا القسم يستحكم الإشكال بناءً على بقائه، وفي مثل هذا المورد وهو تعارض الجرح والتعديل بين أئمة الرجال قد يقال أن هذا المورد يكون من صغريات رجوع الجاهل إلى العالم، فلا بد من الرجوع إلى أهل الخبرة إذ أن السيرة قد قامت على ذلك، وعند التعارض يقدم الأخبر، وإن لم يشخص الأخبر تحقق التساقط.

فمن يذهب إلى طبيبين أو أطباء للعلاج ويحصل التعارض طبيب، يقول: لابد من عملية للديسك والثاني يقول تكفي التمارين الطبيعية، فحيئذ يرجع إلى من؟ الأخبر والأحذق، وإن لم يمكن تشخيص الأحذاق والأخبر يحصل ماذا؟ صح يحصل التساقط.

طبعاً هذا لو بنيناه على أن مدرك قول الرجالي هو ماذا؟ حجية قول أهل الخبرة وهذا ناظر إلى الأخبار الحدسية لا الأخبار الحسية، ونحن نتكلم على المبنى الأول وهو قبول قول الرجالي من باب حجية خبر الواحد الثقة، أو يوجد مبنى آخر قريب منه وهو من باب الشهادة، وليس المراد بالشهادة الشهادة الاصطلاحية وهي البينة المتقومة بالتعدد رجلين أو أربعة باختلاف الموارد، بل المراد بالشهادة الشهادة اللغوية، يعني كون الراوي عن حس يشهد بالوثاقة مباشرة، معتمداً على المدارك الحسية التي وصلت إليه.

والفرق بين المبنيين: أن مبنى حجية خبر الواحد الثقة يثبت أن الموثق أو المعدل كالشيخ الطوسي أو النجاشي ينقل التوثيق أو التضعيف عن أئمة الرجال عن طريق الرواية ونقل راوٍ عن راوٍ هذا هو المبنى الأول.

المبنى الثاني لا يرى أن الشيخ الطوسي يقوم برواية ويروي من راوٍ عن راوٍ بل الشيخ الطوسي يشهد بأن القرائن الحسية لا الحدسية يشهد أن القرائن الحسية تفيد توثيق فلان أو تضعيف فلان.

فبناءً على هذين المبنيين، هذا الكتاب ثبت استناده إلى ماذا؟ إلى مؤلفه، أو هذا الكتاب عرض على الإمام عليه السلام وقد أمضاه، أو هؤلاء الرواة طرقهم مشهورة فهي تغني عن البحث عن رجل رجل بالنسبة إلى الراوي الواحد.

هذه مباني ستأتي مثلاً شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري إذا كتاب مشهور يقول: لا نحتاج إلى مراجعة الطريق إليه لأن مراجعة الطريق وإثبات صحة الطريق هي لإثبات صحة استناد الكتاب إلى مؤلفه.

الآن مثلاً كتاب الإرشاد للمفيد أنت تحتاج سند منك إلى المفيد حتى تثبت أن كتاب الإرشاد للمفيد ما يحتاج بخلاف كتاب الاختصاص للمفيد، وقع كلام هل هو للمفيد أو لا؟ فتحتاج إلى مراجعة الطريق.

وفي الختام:

لا بأس بذكر كلام سيد أساتذتنا المحققين السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله إذ ذكر ما يفهم منه جوابه على مشكلة الإرسال في التوثيقات، ويظهر من كلامه أن مبناه في مدرك حجية قول الرجالي هو حجية خبر الواحد الثقة، وأن مشكلة الإرسال في التوثيقات يتغلب عليها باشتهار كتب الرجال والأصول والمصنفات عند أصحابنا وأنها قد نقلت عن حس، وقد نقلها كابر عن كابر، ولنقرأ سطره يراعه المبارك رحمه الله قال وهو في صدد الحديث عن طرق التوثيق الخاصة ما نصّه نقرأ النص كاملاً على طوله لفائدته نصّ أحد الأعلام المتقدمين:

«ومما يثبت الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلك أحد الأعلام كالبرقي وابن قولويه والكشي والصدوق والمفيد والنجاشي والشيخ وأضرابهم وهذا أيضاً لا إشكال فيه وذلك من جهة الشهادة وحجية خبر الثقة، وقد ذكرنا في أبحاثنا الأصولية أن حجية خبر الثقة لا تختص بالأحكام الشرعية، وتعم الموضوعات الخارجية أيضاً، إلا فيما قام دليل على اعتبار التعدد كما في المرافعات، كما ذكرنا أنه لا يعتبر في حجية خبر الثقة العدالة، ولهذا نعتمد على توثيقات أمثال: ابن عقدة وابن فضال وأمثالهم.

فإن قيل: إن إخبارهم عن الوثاقة والحس لعله نشأ من الحدث والاجتهاد وإعمال النظر فلا تشمله أدلة حجية خبر الثقة فإنها لا تشمل الأخبار الحدسية فإن احتمل أن الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية.

قلت: إن هذا الاحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة حجية خبر الثقة فيما لم يعلم أنه نشأ من الحدس، ولا ريب في أن احتمال الحدس» هذا موجود في الطبعة لكن هذا خطأ مطبعي فقد ذكر بدل الحس الحدس، الصحيح: الحدس، هكذا تقرأها على الصحيح:

«ولا ريب في أن احتمال الحدس في أخبارهم ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثق عن ثقة موجود وجداناً».

بدل الحدس المفروض يذكر الحس لأن كلام السيد في مقام بيان التمسك بأصالة الحس العقلائية ولكي تتمسك بأصالة الحس لابد من احتمال وجود نقل حسي من أين ينشأ هذا الاحتمال؟ من نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة، فواضح أن مدرك السيد الخوئي هو حجية خبر الواحد الثقة وأنه ناظر إلى أصالة الحس العقلائية وأنه يلحظ احتمال الحس، كيف نقل كابر عن كابر تتمسك باحتمال الحدس؟! تتمسك باحتمال الحس.

يقول: «ولا ريب في أن احتمال الحدس» الصحيح أن تقول: «لا ريب في أن احتمال الحس في أخبارهم ولو من جهة نقل كابر عن كابر ثقة موجود وجدانا كيف وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمن الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفاً ومائة كتاب على ما يظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما، وقد جمع ذلك البحاثة الشهير المعاصر آقا بزرگ الطهراني في كتابه مصفى المقال».

قال الشيخ في كتاب العدة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد:

«إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ومدح الممدوح منهم وذم المذموم، وقالوا: فلانٌ متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى إن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً طعن في إسناده وضعفه بروايته هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم.

والنجاشي قد يسند ما يذكره إلى أصحاب الرجال ويقول: ذكره أصحاب الرجال، وهذه العبارة كما ترى صريحة صريحة الدلالة على أن التوثيقات التضعيفات والمدح أو القدح كانت من الأمور الشائعة والمتعارفة بين العلماء وكانوا ينصون عليها في كتبهم.

وبهذا يظهر أن مناقشة الشيخ فخر الدين الطريحي في مشتركاته بأن توثيقات النجاشي أو الشيخ يحتمل أنها مبنية على الحدس فلا يعتمد عليها في غير محلها»[1].

هذا تمام الكلام في جواب مشكلة الإرسال في التوثيقات، واتضح أنها ليست صحيحة، وأنه بناءً على المدرك الأول والمبنى الأول حجية خبر الثقة يمكن قبول توثيقات الرجالين.

ويقع الكلام في المبنى الثاني ثبوت الحجية من باب الشهادة الشرعية أي البينة، يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج 1، ص 41، الطبعة الرابعة.

00:00

03

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 20 الجلسة

03

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
20 الجلسة