بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 العبادة والتأله بحوث حول الآيات التي تم تفسيرها

العبادة والتأله، نتطرق إلى بحوث حول آية الحمد والآيات التي تم تفسيرها، تقول «إياك نعبد وإياك  نستعين» فجاءت مفردة العبودية إذ ينص المسلم على حصر عبادته بالله تبارك وتعالى، ولفظ العبادة إذا جيء به من دون قرينة فيراد به التأله، قال الله تبارك وتعالى: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله» أي ألا نتخذه إلهاً إلا الله إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله، فعبادة الله وتأليه الله لا يجتمع مع عبادة وتأليه غيره.

وهنا يوجد منشأن للعبادة والتعدد:

المنشأ الأول اعتقاد التعدد في الخالق وإنكار التوحيد وأن الذات الإلهية واحدة.

فبعض الأديان ترى التعدد في الخالق، فهناك إله الخير يزدان عند المجوس، وهناك إله الشر أهريما عند المجوس، وفي بعض الديانات هناك إله الرياح وهناك إله الأمطار، فإذا اِعتقد المعتقد تعدد الخالق فيكون منشأ الشرك ومنشأ التعدد في العبادة هو التعدد في الذات الإلهية التي يعتقدها، أي تعدد ذات الخالق هذا المنشأ الأول.

المنشأ الثاني ذات الخالق واحد والذات الإلهية واحدة، لكن لا يمكن الوصول إليها، فلا بد من وجود وسائط تؤله للوصول إلى ذات الإله، فشأن إله شأن الملوك الذين هم بعيدون عن الرعية، ولا يمكن الوصول إليهم واحتجبوا عن شعبهم، ولكي يصل الناس إليهم لقضاء حوائجهم لابد من وجود وسائط، وهم الوزراء والأعيان.

إذاً يوجد شرك وتعدد ولكن ما نشأ الشرك والتعدد يوجد فيه احتمالان:

الاحتمال الأول تعدد الخالق.

الاحتمال الثاني وحدة الخالق وتعدد الوسائط.

فيكون منشأ الشرك هو تعدد الوسائط، وقد أبطل تبارك وتعالى في قرآنه الكريم كلا هذين الاعتقادين.

أما إبطال الاعتقاد الأول وهو تعد الآلهة، فقد في عدة آيات كقوله تعالى: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا»، وقوله تعالى: «وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون».

فهذه الآيات ناظرة إلى إبطال الاعتقاد الأول وهو تعدد الآلهة، وأما الاعتقاد الثاني وهو وحدة الآلهة وتعدد الوسائط، ومنشأه مقايسة الخالق على الملوك المخلوقين، وقد أبطله الله عزّ وجل في كتابه الكريم بثلاثة وجوه من البيان، يعني أسلوب القرآن الكريم في مواجهة الشرك الذي من تعدد الوسائط كان على ثلاثة أساليب:

الأسلوب الأول طلب البرهان على دعوى التعدد، وأن تعدد الوسائط بالنسبة إلى الذات الإلهية لم يدل عليه دليل، كقوله تعالى: «أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم»، وكقوله تعالى: «قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجد آباءنا كذلك يفعلون».

إذا الأسلوب الأول للقرآن الكريم في مواجهة دعوة الشرك وتعدد الوسائط هو المطالبة بالدليل والبرهان والتأمل في هذا الشق.

الأسلوب الثاني إرشاد الكافرين إلى ما يدركونه بحواسهم من أن ما يعبدونه من أصنام وأوثان لا يملك لهم نفعاً ولا ضراً، والذي لا يملك النفع والضر والقبض والبسط لا يكون إلا مخلوقاً ضعيفاً ولا ينبغي أن يتخذ إلهاً معبوداً.

سبحان الله هذا جو اليوم المغيم في قم ذكرني بجو في الهند في منطقة بونا كنت في شقة ذاك اليوم يوم غائم عند باب شقتي توجد شجرة هذا يأتي هذا الهندوسي ويشعل البخور ويعكف على عبادة صنم.

أنا خرجت قلت سبحان الله رأيت هذا الصنم الصغير، قلت: سبحان الله ما ينفع يسقط عليه المطر تذروه، ولكن اعتاد على ذلك.

لاحظ الآيات الكريمة قال: «أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم»، بل دخلت معابد الهنود يأتون بالحليب ويسكبون على رأس الصنم، رأس الصنم المعروف عندهم باقوان، باقوان هذا الذي هو رأس الفيل وله عدة أيدي، يضعون عليه هذا ماء مائل النارجيل هو القحوف، ماء النارجيل يضعونه عليه يتقدمون إلى هذا الصنم بالتقرب.

قال: «أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم ولا يضركم أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون»، «قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين» وهذا حكم عقلي وفطري شاءت الحكمة أن تنبه العباد عليه في هذه الآية، وهذا القانون سارٍ في كل مخلوق ممكن ضعيف، فإذا هو ضعيف وفاقد الشيء لا يعطيه، حتى لو كان نبياً.

لذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم».

إذا الأسلوب الثاني هو الإرشاد إلى أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن هذه الوسائط مخلوقة ممكنة تفتقر إلى الغني المطلق والواجب.

الأسلوب الثالث إثبات أن الله قريب من عباده يسمع نجواهم ويجيب دعواهم وأنه القائم بتدبيرهم وبتربيتهم أي أن ربّ العالمين هو الله وليس هذه المخلوقات الضعيفة.

في الهند كان يوم من الأيام ازدحام، قلت: سبحان الله لم هذا الازدحام؟ فترجلت ماشياً ومشيت فوجدت أن البقرة قد نامت في الشارع فتوقفت السيارة لأنهم يقدسون البقرة ويهلكون الثورة، ووجدت شخصاً الثراء عليه واضح جاء بصينية فيها الكثير من الأطعمة مما لذ وطاب وقدمه لتلك البقرة، مشيت خطوات رأيت فقيراً متقعاً وفيه العفن ويأكل خبزاً متعفن مع كلبه، قلت: سبحان الله أين العقول؟!

هذا يؤكد أن الإنسان الله عزّ وجل أعطاه حجة باطنة وهي العقل، وأعطاه حجة ظاهرة وهم الأنبياء والأوصياء والأئمة والعلماء بحاجة إلى حجة ظاهرة، لذلك ورد في الرواية «إن الله عزّ وجل بعث الأنبياء لكي يثيروا في الناس دفائن عقولهم» يعني هذا بجهله وبعادته يدفن عقله، فدور القرآن الكريم دور المنبه ودور النبي ودور المرشد الذي يزيل التراب الذي دفن تلك العقول.

قال تعالى: «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» «أليس الله كافٍ عبده» «ادعوني استجب لكم» «وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير» «قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير» «وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله» «وإن يمسسك بخيرٍ فهو على كل شيء قدير» «الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين» «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» «ألا إنه بكل شيء محيط».

فالله عزّ وجل ليس معزولاً عن خلقه وأمورهم كلها بيده ولا يفتقر العباد إلى وسائط تبلغه حوائجهم ليكونوا شركاء له في العبادة بل الناس كلهم شرع سواء، وهذا عظمة الإسلام تريد تخاطب الله أو الله يخاطبك؟ إن أردت أن تخاطب الله فعليك بالدعاء، وإن أردت أن تسمع كلام الله فعليك بقراءة القرآن، والحديث القدسي وكلها تشير إلى أن الله عزّ وجل هو القائم بشؤون العباد، قال تعالى: «ما يكون نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا كذلك الله يفعل ما يشاء إن الله يحكم ما يريد» إذا لا يشك أي مسلم بأن الله حاضر.

يقول الامام الخميني _{رضوان الله عليه} : «العالم محضر الله فلا تعصوا الله في محضره» المشكلة أن الله ليس بحاضر عندنا، الله هو حاضر لكن قلوبنا لا تستحضر وجود الله، ولو تستحضر وجود الله وتحب الله لرقيناه إلى مراقٍ، أحياناً قد يقال يا ريت المسلمين عندهم إخلاص إلى الله ربّ العالمين كإخلاص الهندوسي إلى باقوان ومعبودهم.

يوم من الأيام صعدت قطار في الهند جنبي هندوسي، يبين من الطبعة الحمرة في جبهته، أصحابي أعطوني بسكويت أنا من باب الاحترام أعطيته بسكويت وهو جالس إلى جنبي، أخذ البسكويت وجعله في قطعة محارم ورقية، وقال: أنا هذه الهدية أوصلها إلى ربي الصنم باقوان.

قلت: سبحان الله هذا ما نسى إله وهو في القطار مع أن الصنم ما يأكل بسكويت لكن ما نسى خالقه وربّه الذي يعتقد به ما نساه حتى في البسكويتة.

يعني هكذا في عقيدتهم أن الصنم يريد الإنسان المستقيم الإنسان الجيد هكذا ما ينسى الصنم، يا ريت أهل الإيمان وأهل الإسلام أن لا ينسوا ربهم، وإن شاء الله نكون جميعاً كذلك.

[العبادة والطاعة]

في النقطة الأولى تكلمنا عن العبادة والتأله، وقلنا أن الإله واحد، إذا ثبت أن الإله واحد وهو المنعم تأتي النقطة الثانية يجب شكر المنعم وعبادة وطاعة المنعم، لذلك يقولون: لا شك بحكم العقل أن طاعة الله توجب الثواب ومخالفة أمر الله توجب استحقاق العقاب.

فيقع الكلام في طاعة غير الله لأن طاعة الله امتثال توجب حصول الثواب ودخول الجنة، وأما طاعة غير الله فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول أن تكون طاعة غير الله بأمر الله وإذنه كطاعة الرسول وأوصياء الرسول الطاهرين _{عليهم السلام} وهذا في الحقيقة طاعة لله أي أن طاعة الإمام في طول طاعة النبي وطاعة النبي في طول طاعة الله يعني فرع طاعة الله.

لذلك فرع عليها في القرآن الكريم وقرنت طاعة النبي بطاعة الله، قال تعالى: «ومن يطع الرسول فقد أطاع الله وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله»، قال تعالى: «ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً»، «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم».

القسم الثاني أن تكون طاعة غير الله منهياً عنها كطاعة الشيطان وطاعة كل من يأمر بالمعصية فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، كقوله تعالى: «يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفورا»، وبالنسبة إلى الوالدين «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما».

القسم الثالث طاعة غير الله لا توجب الطاعة ولا توجب المعصية، فليس مأموراً بها وليس منهياً عنها، مثل: واحد يطاوع رئيس القبيلة أو وجيه من الوجهاء أو شخص من الأشخاص، فهنا أصل هذه الطاعة ليس مأموراً بها ولا منهياً عنها، فتكون جائزة لكنها ليست واجبة ولا محرمة إلا بعنوان ثانوي.

فإذا أمرك شيخ العشيرة بالطاعة وبإقامة الواجبات فهنا هذا الطاعة راجحة والإطاعة راجحة، وإذا أمرك بمعصية فهي منهي عنها، فإذاً أصل الطاعة هنا لا مأمور بها ولا منهي عنها، ومن الأمر الثانوي يتحقق الأمر أو النهي هذا تمام الكلام في العبادة والطاعة.

العبادة والخضوع يأتي عليه الكلام، صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين