بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

12 - بحث حجية توثيقات المتأخرين

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

04

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 بحث حجية توثيقات المتأخرين

انتهينا إلى أن توثيقات المتقدمين وخاتمتهم الشيخ الطوسي المتوفى سنة أربعمائة وستين هجرية هي حجة وأنها مبنية على الحس لا الحدس، ويقع الكلام في توثيقات من تأخر عن الشيخ الطوسي رحمه الله كالسيد جمال الدين بن طاووس صاحب كتاب حل الإشكال، والعلامة الحلي جمال الدين يوسف بني المطهر صاحب كتاب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ومن تقدمهما ككتاب معالم العلماء لابن شهر آشوب المتوفى سنة خمس مائة وثمانية وثمانين، وكتاب ابن شهر آشوب ومن سبقه كما سيأتي إن شاء الله، وهكذا بالنسبة إلى المعاصرين، سبقه الشيخ منتجب الدين بن نما المولود سنة خمسمائة وأربعة، وهكذا بالنسبة إلى ابن داوود المعاصر للعلامة الحلي.

فهل توثيقات المتأخرين عن الشيخ الطوسي رحمه الله تشملهم حجية خبر الثقة ونبني على أن إخباراتهم إخبارات حسية أو لا؟

ولعل أهم من تعرض إلى هذا البحث هو سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله في مقدمة معجم رجال الحديث، الجزء الأول، صفحة اثنين وأربعين، بحيث أن الكثير من المعاصرين علقوا في هذا البحث عليه.

ولنذكر زبدة ما قاله رحمه الله فقد تعرض في بداية كلامه إلى أن توثيقات الشيخ منتجب الدين وابن شهر آشوب وابن طاووس والعلامة رحمهم الله وغيرهم ممن تأخر عنهم لا شكّ في حجيتها بالنسبة إلى من عاصروهم أو كانوا قريبي العصر لهم، هذا واضح لأن هؤلاء الأعلام إنما وثقوا من عاصروهم أو ممن قرب من عصرهم بناء على الحس ولا أقل من الشك فتجري أصالة الحس العقلائي بالنسبة إلى توثيقات المتأخرين في خصوص الرجال المعاصرين لهم أو القريبين من عصرهم.

خصوصاً أن من ذكروا في هذه الطبقات هم من علماء الطائفة وأعلامها وفضلائها الذين وصفهم الشهيد الثاني في شرح الدراية بأنهم لا طريق إلى الغمز في أحد منهم.

يراجع الرعاية في علم الدراية للشهيد الشيخ زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني صفحة مائة واثنين وتسعين.

لكن لا تترتب ثمرة مهمة على ذلك فإن أعلام الطائفة القريبين من هؤلاء لم يقعوا في الطرق إلى الروايات، بل إن قسماً معتداً به منهم لم يردوا حتى في طريق الإجازات، فمن يراجع فهرست الشيخ منتجب الدين بن نما، وكتاب معالم العلماء لابن شهر آشوب، وإجازات البحار المذكورة في المجلدات الأخيرة من بحار الأنوار من مائة وواحد إلى مائة وعشرة تقريباً يجد أن هذه الأسماء قل ما وردت في طرق الإجازة.

إذاً الأمر الأول هو توثيقات المتأخرين بالنسبة إلى من عاصروهم، وقد اتضح أنها حجة، ولكن لا توجد عملية لها بالنسبة إلى الروايات الشريفة.

المقطع الثاني توثيق المتأخرين لمن بعد عن عصرهم كما لو وثق ابن طاووس أو ابن شهر آشوب الرواة من أصحاب الإمام الباقر أو الصادق عليهما السلام، وقد أنكر السيد الخوئي أشد الإنكار حجية توثيقات المتأخرين بالنسبة إلى من بعد عن عصرهم.

وعمدة ما استشكل به في المقام هو دعوى الجزم بابتناء هذه التوثيقات على الحدس والاجتهاد، وقد استدل على ذلك بأن السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ الطوسي رحمه الله حيث أصبح عامة الناس إلا قليلاً منهم مقلدين للشيخ الطوسي وأخذوا يستدلون بكلامه كاستدلالهم بالرواية كما صرح ابن إدريس، قرابة قرن من بعد وفاة الشيخ الطوسي أصبح الفقهاء يقلدون الشيخ الطوسي.

وقد استشهد السيد الخوئي رحمه الله على مدعاه بأن الأصحاب حينما يذكرون طرقهم إلى أرباب الأصول والكتب المعاصرين للمعصومين فهم ينهونها إلى الشيخ ويحيلونها إلى طرقه، بل هذا إلى يومنا هذا، إذا أردت أن تأخذ إجازة من أي مرجع في الرواية فجميع أو أغلب إجازات الرواية في عصرنا هذا تنتهي إلى بحيرة الشيخ الطوسي، يقول لك: أروي عني عن شيخي عن عن عن إلى أن يصل إلى الشيخ الطوسي، ثم يقول: خذ بأسانيد الشيخ الطوسي في الفهرست إلى النبي صلى الله عليه وآله فأغلب الإجازات والطرق إلى الكتب والروايات تمر عبرة الشيخ الطوسي رضوان الله.

ثم ذكر السيد الخوئي قرينة على ذلك في بعض إجازات العلامة لبني زهرة، هذه تقريباً أكبر إجازة وهي إجازة العلامة الحلي جمال الدين يوسف بن المطهر المتوفى سنة سبعمائة وستة وعشرين إلى السيد أبي المكارم بني زهرة وهم من سادات وفقهاء حلب الشهباء، إلى الآن السادة موجودين في الفوعة على أطراف حلب وإدلب حالياً.

وأيضاً استدل السيد الخوئي بما ذكره الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي في إجازته الكبيرة لوالد الشيخ البهائي وهو الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي مولداً والبحراني مدفناً، وقبره مشهود في مقبرة أبي عنبرة بالبلاد القديم.

ثم ذكر السيد الخوئي كلاماً حول رجال ابن الغضائر، ثم خلص إلى أن ابن طاووس ومن يليه إنما يعتمدون في توثيقاتهم وترجيحاتهم على آرائهم واستنباطاتهم أو على ما استفادوه من كلام النجاشي أو الشيخ في كتبهم، وقليلاً ما يعتمدون على كلام غيرهما.

هذه خلاصة ما أفاده السيد الخوئي رحمه الله في المقام.

وفيه: من أين لنا أن نجزم أن توثيقات المتأخرين مبنية على الجزم والحدس والاجتهاد والاستنباط وليست مبنية على الحس، هذا أول الكلام. نعم إثبات كونها مبنية على الحس يحتاج إلى دليل، وكذلك إثبات كونها مبنية على الحدس أيضاً يحتاج إلى دليل، وتوجد حالة ثالثة وهي الشك نشك هل توثيقات المتأخرين مبنية على الحس أو على الحدس، فإذا فقدنا الدليل على كل منهما، فما العمل؟ هل تجري أصالة الحس العقلائي كما أجريناها في توثيقات المتقدمين أو لا تجري؟

والصحيح عدم جريان أصالة الحس العقلائية في توثيقات المتأخرين.

والسر في ذلك:

إن أكثر الكتب والمصنفات كانت عند الشيخ الطوسي رحمه الله ونحن لا ندعي أنه نقل كل شيء ولكنه نقل بعض الشيء مما اطلع عليه، لكن هذه الكتب قد تلفت في زمانه رضوان الله عليه، ولنقرأ ذكره صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة الشيخ آقا بزرگ الطهراني، ويوجد خلاصة كلامه في مقدمة كتاب النهاية للشيخ الطوسي طبعة جماعة المدرسين، الجزء الأول، صفحة تسعة، ولنقرأ هذا المقطع الذي يشير إلى الحوادث التي وقعت آنذاك، ويمكن مراجعتها أيضاً في كتاب شيخنا الأستاذ تنقيح المباني الرجالية، الشيخ حسان سويدان، الجزء الأول، الحاشية الأولى، صفحة سبعة وسبعين وثمانية وسبعين.

وقد جاء فيها ما نصّه:

«لم يزل الشيخ الطوسي رحمه الله في بغداد مأوى للإفادة ومرجعاً للطائفة، حتى ثارت القلاقل، وحدثت الفتن بين جهلة الشيعة والسنة، ولم تزل تنجم وتخبو بين الفينة والأخرى حتى اتسع نطاقها، وأحرقت مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن آردشير وزير بهاء الدولة البويهي، وكانت من دور العلم المهمة في بغداد، بناها الوزير الجليل في محلة بين السورين في الكرخ، سنة ثلاثمائة وواحد وثمانين هجرية» يعني سنة وفاة الشيخ الصدوق.

«على أمثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد العباسي، وكانت هذه المكتبة مهمة للغاية، وقد جمع فيها هذا الوزير ما تفرق من كتب فارس والعراق واستكتب تآليف أهل الهند والصين والروم كما قاله الأستاذ محمد كرد علي في كتاب خطط الشام، ونافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار ومهام الأسفار، وأكثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلفين.

وحيث كان الوزير المذكور سابور بن آردشير من أهل الفضل والأدب أخذ العلماء يهدونه مؤلفاتهم فأصبحت مكتبة من أغنى دور الكتب ببغداد.

ويحدثنا بن الأثير الجزري في التاريخ الكامل في حوادث سنة أربعمائة وتسعة وأربعين هجرية، فيقول: فيها نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ، وهو فقيه الإمامية، وأخذ ما فيها، وكان قد فارقها إلى المشهد الغروي، ومثله ما ذكره ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، وما ذكره ابن كثير في كتاب البداية والنهاية، وما ذكره ابن الجوزي في المنتظم» هذه كلها كتب تاريخية أرخت لسنة أربعمائة وتسعة وأربعين هجرية.

«وغير هؤلاء من المؤرخين وأرباب المعاجم».

إذا الشيخ الطوسي فر بجلده من هذه الفتنة في بغداد التي أحرقت الأخضر واليابس، ولاذ بجوار ضريح أمير المؤمنين، وأسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

الشيخ الطوسي توفي سنة أربعمائة وستين هجرية، وهذا الحوادث صارت سنة أربعمائة وتسعة وأربعين، آخر أحد عشر سنة من حياته أسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فأغلب هذه الكتب قد تلفت، وأغلبها كانت قد وصلت إلى الشيخ الطوسي.

وقد يشكل بأن بعض الإجازات إلى غير الشيخ الطوسي رحمه الله.

فنقول: هذه موارد نادرة جداً جداً وأغلب إلى إلى يومنا هذا إنما تنتهي إلى الشيخ الطوسي أعلى الله في الخلد مقامه.

وإن ادعى الكثير من متأخر المتأخرين أو بعض المعاصرين، أنه وجد بعض هذه الأصول كالمحدث النوري في مستدرك الوسائل، فقد أتعب نفسه الشريفة في خاتمة المستدرك، وبين بعض الأصول التي وجدها، وهكذا طبع المرحوم السيد حجة الكوهكمري رحمه الله كتاباً تحت عنوان «الأصول الستة عشر»، ولكن يرد على ذلك هذه الكتب إنما وصلت إلينا بالوجادة، ولم تصل إلينا كابراً عن كابر أو بالطرق الصحيحة، فمن أفضل الطرق القراءة على الشيخ أو إملاء الشيخ أو مناولة الشيخ الرواية ثم بعد ذلك يأتي دور الإجازة في الزمن القديم لا الزمن الحاضر، ففي الزمن الحاضر الإجازات تبركية يجيزك الرواية عن كتب هو نفس المجيز لم يرها، ولكن طريقه صحيح إليها وأنت أيها المجاز أيضاً لم ترها ولن ترها إذا الكثير من هذه الكتب لم تصل إلينا، وكانت عند الشيخ الطوسي رضوان الله عليه.

يبقى الكلام في أن السيد الخوئي رحمه الله استشكل في توثيقات العلامة الحلي وذكر أنها مبنية على أصالة العدالة، وأن العلامة يعتمد مبنى أصالة العدالة، وهو أن الأصل في كل إمامي لم يثبت توثيقه أنه عدل، ونفي العدالة يحتاج إلى دليل، واستشهد على ذلك بما ذكره العلامة الحلي في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

وسيتضح إن شاء الله أن هذه النسبة غير صحيحة، فإن العلامة الحلي لا يعتمد على أصالة العدالة، فكما يوجد في بعض كلماته ما يفهم منه اعتماده على أصالة العدالة، يوجد في كلماته الأخرى ما يفهم منه أنه لا يعتمد على أصالة العدالة.

وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى، هذا تمام الكلام في بحث حجية توثيقات المتأخرين بشكل مجمل، وقد اتضح أن توثيقات المتأخرين لا تجري فيها أصالة الحس العقلائية فلا يمكن الاعتماد عليها.

نعم، يمكن أن نلحظها فلربما نستخرج منها قرائن تفيدنا في البحث، وذلك فيما إذا جزمنا أو دلت القرائن على أن مثل هذه التوثيقات إنما بنيت على حسٍ لا على حدس، والله العالم.

وأما بحث توثيقات المتأخرين بشكل مفصل فهو ما سيأتي في البحث القادم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

04

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 49 الجلسة

04

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
49 الجلسة