خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

22 - الحديث التاسع من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي

خارج فقه (کتاب جهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

07

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحديث التاسع من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي

 

الحديث التاسع من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي ما رواه حيدرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض»[1].

الإسناد روي الحديث بسندين:

السند الأول محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابه عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن حيدرة، والحديث ضعيف بالإرسال، وبعبد الله بن عبد الرحمن الأصم وبحيدرة.

عبد الله بن عبد الرحمن الأصم هو المسمعي ضعيف، حيدرة مهمل وسماه المامقاني حيدر بن عبد الرحمن الأصم، وقال: لم أقف فيه إلا على رواية الكافي والتهذيب في باب فضل الجهاد بسندهما عنه عن أبي عبد الله عليه السلام وهي هذه الرواية.

لكن إذا نرجع إلى الكافي فيها لفظ حيدرة وليس لفظ حيدر، فالحديث ضعيف بهذين الراويين: عبد الله بن عبد الرحمن الأصم وحيدر، وبالإرسال.

السند الثاني ما رواه الشيخ الطوبسي محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن محمد عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، وهو أيضاً هذا السند ضعيف بالإرسال وبالأصم.

فهذه الرواية بطريق الكليني وطريق الشيخ الطوسي كل منهما مرسل فهي ضعيفة السند.

الدلالة هذه الرواية لا تدل على سنخ الجهاد الواجب وأنه ابتدائي أو دفاعي، كما أن هذه الرواية ليست في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد حتى يتمسك بالإطلاق لكي يشمل الجهاد الابتدائي، بل ربما يستظهر من هذه الرواية استحباب الجهاد وليس وجوبه، لأن الرواية تقول: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض» أي بعد الواجبات، مما يعني أن الجهاد ليس بواجب فالفرائض والواجبات أولاً ويليها الجهاد فهو أول المستحبات بعد الواجبات والفرائض.

إلا إذا أريد من فرائض الفرائض الخمس أي الصلوات الخمس لا مطلق الواجبات فيكون الجهاد من أوجب الواجبات لأن أوجب الواجبات الصلوات اليومية ويليها الجهاد في سبيل الله.

لكن هذا الاحتمال مرجوح ويدفعه أن التعبير بالفريضة والفرائض لم يختص بخصوص الصلوات اليومية، بل جرى في القرآن الكريم وأطلق الفريضة على واجبات أخرى غير الصلوات الخمس.

ويوجد احتمال آخر وهو أن المقصود بالفرائض الواجبات العينية، فيكون الجهاد أول واجب كفائي بعد الواجبات العينية.

وهذه احتمالات بعيدة فالظهور البدوي للرواية «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض» يعني الجهاد أفضل الأشياء بعد الواجبات، فلا يدل الحديث لا على وجوب الجهاد ولا على هذا الواجب، ولو تنزلنا وقلنا أنه يدل على وجوب الجهاد فهو غير ناظر إلى سنخ الواجب، فلا تدل هذه الرواية على الجهاد الابتدائي.

الحديث العاشر ما رواه أبو حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن علي بن الحسين عليه السلام كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «ما من قطرة أحب إلى الله عزّ وجل من قطرة دم في سبيل الله»[2].

الرواية عن أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إن جبريل عليه السلام أخبرني بأمر قرّت به عيني وفرح به قلبي، قال: يا محمد! من غزا غزوةً في سبيل الله من أمتك فما أصابه قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة».

هذا الحديث العاشر فيه من غزا فيشمله ما تقدم في الغزو، والمراد بالغزو هو السير لقتال العدو في أرضه، والسير لقتال العدو في أرضه لا يختص بخصوص الجهاد الابتداء، بل يعم أيضاً الجهاد الدفاعي، فهو ليس ظاهر، يعني مفردة الغزو ليست ظاهرتاً في خصوص الجهاد الابتدائي، فلا يتم الاستدلال، هذه الرواية ناظرة إلى فضل الغزو في سبيل الله أي فضل السير لقتال العدو في أرضه من أجل دين الله وفي سبيله.

الحديث العاشر هنا وهو الحادي عشر في الوسائل.

الإسناد محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن ابن خالد عن عثمان بن عيسى عن عنبسه عن أبي حمزة، وهذا الحديث موثق بعنبسة، عنبسة مشترك بين عدة، الثقة منهم هو ابن بجاد العابد، ولا مميز في المقام فالراوي مجهول، كما أن عثمان بن عيسى لم يوثقه أحد وهو عثمان بن عيسى الرواسي، نعم في بعض النقولات هو أحد أصحاب الإجماع، لكن لم يثبت ذلك وهو أحد أعمدة الوقف الثلاثة: «علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي».

وقد بعث إليه الإمام الرضا طالبه بأموال وجوار كانت تحت يده، فأنكر إمامة الإمام الرضا ورفض تسليم الأموال، قال: «أما الأموال فأكلتها وأما الجواري فقد تزوجتها» البعض يمكن أن يوثقه باعتباره وكيلاً للإمام الكاظم عليه السلام أو كونه أحد أصحاب الإجماع، ولم يثبت لدينا أن مجرد الوكالة تفيد التوثيق ولم يثبت أنه من أصحاب الإجماع، فتكون الرواية ضعيفة بعثمان بن عيسى وعنبسه.

الدلالة ليس في الحديث ما يدل على سنخ وجوب الجهاد لأن الجراح والقتل في سبيل الله قد يكون في حالة الحرب وقد لا يكون في حالة الحرب، ومن الواضح أن هذه الرواية ناظرة إلى فضل بذل الدم في سبيل الله عزّ وجل.

وهنا ناقش المرحوم شمس الدين رحمه الله بأن الجراح والقتل في سبيل الله قد لا يكون في حالة الحرب الجهادية، بل قد يكون في قتال البغاة أو دفع ظالم عن مظلوم أو غير ذلك.

وهذه المناقشة غريبة عجيبة إذ واضح أنه بمقتضى الظهور العرفي واساليب اللغة وسياقات الروايات أن هذه الرواية في مقام بيان فضل الجهاد وليس مجرد سيلان الدم وقطرة الدم، فالرواية تقول: «ما من قطرتين أحب إلى الله عزّ وجل من قطرة دم في سبيل الله»، وهنا مفردة قطرة دم في سبيل الله ظاهرة في الجهاد ولا تطلق على أنه مثلاً من دافع عن عرضه فسال دمه أو من دافع عن ماله فسال دمه لا يقال هذه قطرة دم في سبيل الله، فمن الواضح أن الرواية في مقام بيان فضل الجهاد، وفضل بذل الدم في سبيل الله، لكنها لا تدل على وجوب الجهاد أولاً، وثانياً لا تدل على سنخ هذا الجهاد الواجب أنه ابتدائي أو دفاعي، فلا يتم الاستدلال.

الحديث الحادي عشر ما رواه الحسن بن محبوب رفعه أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب يوم الجمل إلى أن قال: «أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيص ومن لم يمت لم يقتل وأن أفضل الموت القتل، والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على فراش»[3].

الإسناد محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب رفعه، والرواية ضعيفة بالرفع يعني هناك وسائط مقطوعة فهي مرسلة.

لكن يمكن تصحيح هذه الرواية نظراً لأن الحسن بن محبوب أحد أصحاب الإجماع، فإذا التزمنا بمبنى أصحاب الإجماع وأن كل من روى عنه أصحاب الإجماع فهو ثقة، فإذاً هو رفع عن ثقات، فتصح الرواية.

لكننا لا نبني على مبنى أصحاب الإجماع، وتفصيل ذلك في علم الرجال، وخلاصة ما نستفيده أن العصابة والطائفة قد أجمعت على وثاقة أصحاب الإجماع وجلالة قدرهم لا أن كل من يروي عنه أصحاب الإجماع فهو ثقة، فهذه الرواية ضعيفة بالرفع.

الدلالة هذا الحديث أجنبي عن موطن بحثنا وهو إثبات وجوب الجهاد الابتدائي، بل هناك خصوصيات وقرائن ربما توجب حمل هذا الكلام على الجهاد الدفاعي، فهذا الكلام من أمير المؤمنين وهذه الخطبة قد صدرت يوم الجمل فلربما يقتضي حمله على قتال البغاة الخارجين المحاربين لإمام الحق.

الحديث الثاني عشر ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي وهو أحد الرواة للقرآن الكريم في حديث عاصم هذا النسخة المعروفة للقرآن الكريم عن أبي عبد الرحمن السلمي وعاصم، ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي قال: قال أمير المؤمنين: «أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه» إلى أن قال: «ولباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف».

هذا إلى هنا رواية الكافي ومعاني الأخبار للصدوق، وتوجد زيادة موجودة في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي هذه الزيادة هكذا: «وأديل الحق بتضييع الجهاد، وغضب الله عليه بتركه نصرته، وقد قال الله عزّ وجل في محكم كتابه: «إن تنصر الله ينصركم ويثبت أقدامكم»»[4].

الإسناد روي هذا الحديث بأربعة أسانيد:

السندان الأول والثاني محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن محمد بن سعيد عن جعفر بن عبد الله العلوي.

السند الثاني محمد بن يعقوب عن أحمد بن محمد الكوفي عن علي بن العباس عن إسماعيل بن إسحاق جميعاً يعني جعفر بن عبد الله العلوي وإسماعيل بن إسحاق رويا عن أبي روح بن قرة وفي نسخة فرح بن فروة، عن مسعد بن صدقة عن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي.

رواة الحديث أحمد بن محمد بن سعيد هو المعروف بابن عقدة الحافظ الرجالي موثوق زيدي جارودي، توفي عام ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين بالكوفة.

جعفر بن عبد الله العلوي ثقة، أحمد بن محمد الكوفي مجهول، علي بن العباس هو الخرازيني ضعيف جداً، إسماعيل بن إسحاق مهمل، أبو روح فرح بن قرة أو فروة مهمل، مسعد بن صدقة عاميٌ أو بتري لم يوثق، ومن قال بوثاقة مسعدة بن صدقة استفادها من متانة رواياته وموافقتها لما يرويه الثقات من الأصحاب، نعم عدة ابن داوود في رجاله في باب المعتمدين، ثم أعاد ذكره في باب الضعفاء لكونه عامياً أو بترياً، كما أنه قد ورد في أسانيد ابن قولويه في كامل الزيارات، فلا يوجد ما يدل على توثيقه، فلا نقبل توثيقات ابن داوود لأنه من المتأخرين، ولا نرى أن كامل الزيارات يوجب توثيق مشايخه المباشرين فضلاً عن غير المباشرين.

ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري القاضي المعروف ضعيف توفي عام مائة وثمانية وأربعين.

أبو عبد الرحمن السلمي هو عبد الله بن حبيب لم يوثق، ولكن عده البرقي من خواص أمير المؤمنين وهذه الخصوصية مدح وحسن فيه.

السند الثالث محمد بن الحسن بإسناده أحمد بن سعيد يعني عن ابن عقدة.

السند الرابع محمد بن علي بن الحسين الصدوق في معاني الأخبار عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي عن هشام بن علي ومحمد بن زكريا الجوهري عن ابن عائشة بإسناد ذكره.

محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني لم يوثق لكنه من مشايخ الصدوق وقد ترضى عليه وترحم عليه.

عبد العزيز بن يحيى الجلودي ثقة، هشام بن علي مهمل، محمد بن زكريا الجوهري حسن ممدوح مدحاً معتداً به، قال النجاشي: «كان هذا الرجل وجهاً من وجوه أصحابنا بالبصرة، وكان أخبارياً» يعني المراد ليس إخباري مقابل أصولي، يعني عارفاً بالأخبار، «وكان أخبارياً واسع العلم وصنف كتباً كثيرة»، قال ابن النديم: كان ثقة صادقاً.

ابن عائشة عبد الرحمن بن عبيد الله التميمي وهو مهمل، وإنما قيل له ابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة التميمية توفي سنة مئتين وسبعة وعشرين.

هذه الطرق الأربعة فيها الكثير من المجاهيل، فالحديث ضعيف بالمجاهيل، ورواه الشريف الرضي في نهج البلاغة مرسلاً الخطبة سبعة وعشرين، وفي نهج البلاغة ما نصّه: «فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالإسهاب، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف ومنع النصف».

الشرح:

ديث يعني ذلل، القماءة الصغار والذلة، والفعل منه قمؤ، الإسهاب ذهاب العقل أو كثرة الكلام بمعنى أنه يحال بينه وبين الخير بكثرة الكلام بلا فائدة.

في رواية الكليني ضرب على قلبه بالأسداد جمع سد أي الحجاب، فالأسداد أي الحجب، أديل الحق منه أي صارت الدولة للحق بدله لأن الحق «وتلك الأيام نداولها بين الناس».

سيم الخسف أي أولي الخسف وكلفه، والخسف الذل والمشقة، يقع في المشقة.

النصف هو العدل أي حرم العدل بأن يسلط الله عليهم من يغلبه على أمره فيظلمه.

الدلالة هذا الحديث يدل بالنسبة إلى الزيادة التي وردت في سند الشيخ الطوسي على حرمة ترك الجهاد فإن غضب الله على تارك الجهاد لا يكون إلا على فعل الحرام، ويدل بالملازمة على وجوب الجهاد، فالمدلول للمطابقي هو حرمة ترك الجهاد والمدلول الالتزامي وجوب الجهاد.

لكن هذه الرواية قد يستظهر منها أنها ناظرة إلى سنخ الجهاد الدفاعي، بمناسبة كونه درعاً وجنتاً وبمناسبة كون تركه مستلزماً للذل والبلاء والصغار والقماء والخسف وغير ذلك من الآثار الوضعية التي تترتب على ترك دفاع الأمم عن بلادها، ولا تترتب هذه الآثار على عدم ابتداء الكفار بالحرب من دون تهديدهم بالعدوان أو عدوانهم الفعلي.

فهذه الرواية قد يستظهر منها أنها ناظرة إلى خصوص الجهاد الدفاعي دون الجهاد الابتدائي، ولا أقل من أنها ليس فيها إطلاق يشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي معاً، فلا يتم الاستدلال.

الحديث الثالث عشر ما رواه أبو حفص الكلبي يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  الوسائل، ج 11، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسب، الباب 1، الحديث 9.

[2]  وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، الباب 1 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 11.

[3] الوسائل، الحديث 12، من نفس الباب.

[4]  وسائل الشيعة، الحديث 13 و 25.

00:00

07

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

07

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة