خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

23 - الحديث الثالث عشر من الأدلة الروائية

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

07

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحديث الثالث عشر من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي

 

الحديث الثالث عشر من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد ابتدائي ما رواه أبو البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن جبرائيل عليه السلام أخبرني بأمر قرت به عيني وفرح به قلبي، قال: يا محمد من غزا غزاةً» وفي التهذيب: «من غزا غزوة في سبيل الله من أمتك، فما أصابه قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة»[1].

هذا الحديث العاشر لم يذكره المرحوم الشيخ شمس الدين، بالأمس سماحة الشيخ ذكرنا به، قلنا نأخذه فنجعل الثالث عشر فيصبح الحديث القادم الرابع عشر هو نفس الرابع عشر من الوسائل، فيصبح كل روايات الباب الأول وهي ثمانية وعشرين رواية سنأخذها بالكامل حسب ترتيب الوسائل.

[الإسناد]

هذه الرواية رويت بسندين:

السند الأول محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه محمد بن خالد البرقي عن أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام، وجميع من في السند ثقات أجلاء عدا أبو البختري، فالعدة وعدد الكليني الثلاث أو الأربع التي في بداية السنة، الكليني ذكر قرابة عشرين عدة، عدة في بداية السند في وسط السند وآخر السند، أشهر العدد العدة التي يبدأ بها وأشهرها عن أربعة: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، سهل بن زي الآدمي، هذه أشهر ثلاث عدد.

والعدة يعني أكثر من راوٍ بحيث بلغوا درجة الوثاقة بحيث لا يحتاج الكليني أن يصرح بأسمائهم.

أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ثقة جليل، أبوه محمد بن خالد البرقي ثقة جليل، نعم ذكر النجاشي أنه ضعيف في الحديث، فالضعف ليس في نفسه بل في الحديث، والسر في ذلك: أنه كان يروي عن الضعفاء وهذا لا يقدح في وثاقته، تبقى المشكلة في أبي البختري وهو وهب بن وهب الضعيف الكذاب، إذا السند الأول ضعيف بأبي البختري وهب بن وهب.

السند الثاني ما رواه الشيخ الطوسي محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبيه عن وهب عن جعفر عن أبيه مثله، والسند الثاني أيضاً ضعيف بوهب، فسند هذه الرواية ضعيف في كلا الإسنادين.

[الدلالة]

هذه الرواية في مقام بيان فضل الغزو في سبيل الله وأن من يغزو في سبيل الله فإن ما أصابه من قطرة في السماء أو صداع أي ما يعتريه أثناء الغزو له شهادة في سبيل الله، فإن حملنا الغزو ولفظ الغزو على الابتداء بالقتال كانت الرواية ظاهرةً في مشروع الجهاد الابتدائي.

لكن هذا ليس بتام فإذا رجعنا إلى كتب اللغة نجد أن اللغويين قد عرفوا الغزو بأنه السير لقتال العدو في أرضه في سبيل الله أي من أجل إعلاء كلمة الدين، فالسير لقتال العدو في أرضه كما يصح في الجهاد الابتدائي يصح أيضاً في الجهاد الدفاعي، والرواية ليست في مقام بيان سنخ الجهاد حتى نتمسك بإطلاق الغزو بل الرواية في مقام بيان فضل الغزو أي مشروعية وفضل السير لقتال العدو في أرضه، فلا تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي بالخصوص، ولا يمكن التمسك بإطلاقها لإثبات مشروعية الجهاد الابتدائي إذ أن التمسك بالإطلاق فرع ثبوت مقدمات الحكمة، وأنى لنا أن نثبت أن الإمام عليه السلام والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كان في مقام بيان سنخ الجهة الجهاد، بل ظاهر الرواية أن النبي صلى الله عليه وآله في مقام بيان فضيلة وثواب الغزو في سبيل الله، فلا يتم الاستدلال بالحديث الثالث عشر سنداً ودلالة.

الحديث الرابع عشر ما رواه أبو حفص الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عزّ وجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فابوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال فالخير في السيف وتحت السيف والأمر يعود كما بدأ»[2].

[الإسناد]

روى هذه الرواية ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى العطاء عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي عن علي بن الحكم وكلهم ثقات أجلاء عظام في سماء الجلالة والوثاقة.

عن أبي حفص الكلبي وهو ضعيف فإن أبا حفص الكلبي مجهولٌ أو مهمل فتكون الرواية ضعيفة السند إلا إذا بنينا على صحة جميع أحاديث الكافي فيكون الخلاف مبنائي، كما يقول الميرزا النائيني المناقشة في أسانيد الكافي حرفة العاجز، والمراد بهذا الكلام أن روايات الكافي قد احتفت بقرائن توجب الوثوق والاطمئنان بصحتها أو صدورها، فلا معنى للمناقشة في الأفراد الواردين في سلسلة السند فهم وإن كانوا من المهملين أو الضعفاء، لكن هذه الروايات قد اعتضدت واحتفت بقرائن توجب الاطمئنان بصحتها.

لذلك ذكر المرحوم ثقة الإسلام الكليني إجابةً إلى من سأله كتابة كتاب كافٍ يرجع إليه من أراد العمل بالآثار الصحيحة، هذا نصّ تعبير الكليني بالآثار الصحيحة، فهو يصرح بصحتها، وهو من المتقدمين فيحمل كلامه على الصحة عند المتقدمين، وهي عبارة عن اعتضاد الخبر بقرائن توجب صحته وحجيته، لا على الصحة عند المتأخرين وهو أن يكون جميع أفراد السند عدولاً إمامية.

إذاً الخلاصة السند ضعيف إلا على من يبني على وثاقة وصحة جميع روايات الكافي.

[الدليل]

لا دلالة في الحديث على وجوب خصوص الجهاد الابتدائي، وإن كان يفيد ووجوب مطلق الجهاد كما في قوله عليه السلام حتى أمره بالقتال، فإن الأمر بالقتال أعم من الابتدائي والدفاعي، ومع ذلك لا يمكن التمسك بالإطلاق لأن الإمام عليه السلام ليس في صدد بيان الجهاد وحكمه، وإنما بيان ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله.

هكذا أفاد المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وكلامه طويل يحتاج إلى تعليقات في كل مقطع.

أقول: قد يستفاد من هذه الرواية ويستظهر الإطلاق، ولا أقل من الإشعار إذ أن الرواية دلت على أن الله عزّ وجل قد بعث الرسول وقام بالدعوة ولم يقبلوا أمره، وبعد ذلك أمره بالقتال، والقتال من أجل الدعوة والبعثة أعم من القتال الابتدائي والقتال الدفاعي، فكيف يقول الشيخ شمس الدين أنه لا يمكن التمسك بالإطلاق لأن الإمام الصادق عليه السلام ليس في صدد بيان الجهاد وحكمه، وإنما هو في مقام بيان ما جرى لرسول الله والحال إنه عليه السلام عقب كلامه قائلاً «فالخير في السيف وتحت السيف» فمن كلامه وتعليله من أنه بهذا القتال بالسيف يحصل الخير، وتحت هذا السيف يتحقق الخير وهو الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الإسلام والقتال في سبيل الله كما يشمل الجهاد الدفاعي يشمل أيضاً الجهاد الدفاعي.

فيمكن التمسك بالإطلاق أو لا أقل التمسك بعموم التعليل في الرواية فنستشعر إن لم نستظهر دلالتها على الجهاد الابتدائي فلا أقل من الاستشعار.

ثم قال الشيخ شمس الدين رحمه الله : «بل يمكن دعوة كون المراد بالقتال هو خصوص الدفاعي لأن الظاهر أن المعني بها هم مشركوا مكة الذين أبوا أن يقبلوا دعوته، وهم بلا ريب معتدون على النبي الأكرم والمسلمين فإنهم من حين إعلانه دعوته ما انفكوا يضيقون عليه، ويؤذونه وأتباعه ويعرضونهم لشتى أنواع العذاب الجسدي والنفسي والاقتصادي حتى طردوهم من أرضهم وديارهم وتتبعوهم إلى المدينة المنورة فأمره الله بالقتال دفعاً عن كيان الإسلام والمسلمين من عدوانهم الفعلي والمستقبلي.

وهكذا كانت جميع حروب النبي الأكرم ومعاركه داخل الجزيرة وعلى تخومها دفاعية ووقائية، فالحديث من أخبار الجهاد الدفاعي، ومع المناقشة في دلالتها فلا أقل من احتمال ذلك فتكون مجملة وتسقط عن صلاحية الاستدلال بها على الابتدائي.

أقول: لو تمسكنا بخصوص إخبار الإمام الصادق عليه السلام عن بعثة النبي لكان ما أراد، لكننا نتمسك بتعقيب الإمام الصادق عليه السلام حينما قال: «فالخير في السيف وتحت السيف»، فظاهر الرواية أن الإمام الصادق عليه السلام في مقام بيان مشروعية الدعوة باللسان واليد، وأن الله عزّ وجل بعث النبي بالدعوة باللسان لعشر سنوات، فلما لم يقبلوا دعوته أمره بالقتال، ثم عقب الإمام الصادق فالخير في السيف وتحت السيف، والمورد لا يخصص الوارد، فالإمام الصادق وإن ذكر هذا المورد، لكن عقب عليه بما يفيد التعميم، فلا تكون الرواية ظاهرة في خصوص الجهاد الدفاعي، ولا تكون مجملةً، بل تكون واضحة كل الوضوح في مشروع الدعوة إلى الله بالسيف، وهذا كما يشمل الجهاد الابتدائي يشمل أيضاً الجهاد الدفاعي.

ثم قال المرحوم شمس الدين في المقطع الثالث هذا مع أن في الحديث خطأ مادياً فإن ظاهره تشريع القتال بعد عشر سنين من البعثة، وهذا يقتضي أن يكون القتال قد شرع في مكة قبل الهجرة بسنتين، مع أن القتال إنما نزل تشريعه في الكتاب الكريم بعد البعثة بأربعة عشر عاماً، وكان ذلك بعد الهجرة بسنتين.

أقول: هذه الملاحظة ليست تامة فمن معروف أن النبي محمد صلى الله عليه وآله قد عاش ثلاث وستين عاماً، وقد بعث في سن الأربعين، وقام بالدعوة الإسلامية في مكة ثلاث سنوات سرية، وعشر سنوات علنية، فأقام في مكة ثلاثة عشر سنة للدعوة إلى الله، وبعد الثلاثة عشر سنة هاجر إلى المدينة وبقي فيها عشر سنوات.

كما أنه من الواضح أن تشريع القتال والجهاد في سبيل الله إنما كان في المدينة وليس في مكة، فإذا رجعنا إلى السنوات الثلاثة عشر في مكة فإن أول ثلاث سنوات كانت دعوة سرية وليست دعوة علنية فهي ليست دعوة إلى عموم الناس بل إلى أناس خاصين، ثم بعد الثلاث سنوات قام بدعوة علنية عشر سنوات يصدق عليها ما جاء في الرواية «إن الله عزّ وجل بعث بالإسلام إلى الناس عشر سنوات» إلى الناس عشر سنوات أي سنوات الدعوة العلنية في مكة.

وبعد هذه السنوات العشر العلنية في مكة لما هاجر إلى المدينة شرع القتال والجهاد في سبيل الله، فلا يوجد إشكال في هذه الرواية، والله العالم.

الحديث الحادي عشر ما رواه بن محبوب رفعه قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله فرض الجهاد وعظمه وجعله نصره وناصره والله ما صلحت دنيا ولا دين إلا به»[3].

[الإسناد]

محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب كلهم ثقة أجلاء رفعه، والحديث ضعيف بالرفع، ويمكن تصحيحه إذا قبلنا برواية أصحاب الإجماع، وأنهم إذا رووا عن شخص فهو ثقة، لكننا لا نبني على هذا المبنى، فالرواية ضعيفة.

[الدلالة]

الحديث دال على وجوب الجهاد بظاهر قوله عليه السلام : «إن الله فرض الجهاد» ولكن دلالته في الحديث على سنخ الوجوب من الجهاد ولا إطلاق في الرواية يشمل الجهاد الابتدائي والدفاعي معاً لأن الرواية ليست في مقام البيان من جهة سنخ وجوب الجهاد، وإنما هي في مقام بيان أن الجهاد فرض وواجب أولاً وأنه فرض عظيم وبه يحصل النصر ولا تصلح الدنيا والدين إلا بالجهاد.

الحديث السادس عشر ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله اغزوا تورثوا أبناءكم مجدا»[4].

[الإسناد]

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، الحديث ضعيف بمسعدة بن صدقة ولا اعتبار بوروده في أسانيد كامل الزيارة، يوجد فيه ثلاث مباني:

المبنى الأول وثاقة كل من ورد في كامل الزيارات، بناءً على هذا المبنى الأول يمكن توثيق مسعدة بن صدقة، هذا رأي السيد الخوئي الوسط.

المبنى الثاني وثاقة خصوص مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة، يعني المشايخ المباشرين دون غير المباشرين، وهذا المبنى الذي عدل إليه من قوله الوسط إلى قوله الأخير أواخر حياته.

المبنى الثالث عدم وثاقة عدم استفادة توثيق أي رجل ورد في كامل الزيارات لا المشايخ المباشرين ولا غير المباشرين، فعبارة ابن قولويه لا تفيد التوثيق لا المباشر ولا غير المباشر، وهذا الرأي الأقدم للسيد الخوئي.

ونحن نبني عليه فلا نستفيد توثيق مسعدة بن صدقة ولا يوثق إلا على المبنى الأول توثيق جميع الرواة.

[الدلالة]

الأمر الوارد في الحديث بقوله: «اغزو» يدل على الوجوب، إذا حملنا صيغة الفعل «اغزو» على الأمر المولوي، ففي الرواية هكذا «اغزو تورثوا أبناءكم مجداً» فإذا حملنا اغزو على الأمر المولوي استفدنا الوجوب، فتكون الرواية ظاهرة في الوجوب وليست ظاهرة في سنخ الوجوب، ولا يمكن استفادة الجهاد الابتدائي من الغزو لأن الغزو هو عبارة عن ماذا؟ السير للقتال في أرض العدو لإعلاء كلمة الدين.

نعم من يستظهر من مفردة الغزو الجهاد الابتدائي ويحمل الغزو اغزو على الأمر المولوي يستفيد وجوب الجهاد الابتدائي.

ولكن قد لا يحمل لفظ «اغزو» على الأمر المولوي بل يحمل على الأمر إرشادي وذلك لقرينة وهي الثمرة الدنيوية حينما يقول النبي «تورثوا أبناءكم مجدا» فلأن هذه الثمرة دنيوية يحمل اغزو على الأمر الإرشادي، فلا تدل هذه الرواية لا على الوجوب، فضلاً عن سنخ الوجوب.

فعلى كلا الحملين: «الأمر المولوي أو الإرشادي» لا تدل الرواية على وجوب أو مشروعية الجهاد الابتدائي، والله العالم.

الحديث السابع عشر يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  وسائل الشيعة، الباب 1 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 10.

[2]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الباب 1، الحديث 14.

[3]  وسائل الشيعة، الحديث 15.

[4]  الوسائل، الحديث 16.

00:00

07

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

07

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة