شرح الزيارة الجامعة الكبيرة
شیخ الدقاق

04 - ومعدن الرحمة وخزان العلم

شرح الزيارة الجامعة الكبيرة

  • الكتاب: شرح الزيارة الجامعة الكبيرة
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

09

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحأفضا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 ومعدن الرحمة وخزان العلم

 

قال الإمام الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة: «ومعدن الرحمة وخزان العلم» يأتي هذا المقطع بعد قوله عليه السلام في بداية الزيارة الجامعة: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة، وخزان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم».

قوله عليه السلام : «ومعدن الرحمة» المعدن بكسر الدال في الأصل في اللغة العربية بمعنى محل استقرار الجواهر وإفاضتها، والرحمة في اللغة العربية هي الإحسان والإنعام والإفضال على الغير، فما هو وجه معدنية أهل البيت عليهم السلام للرحمة الإلهية؟

يمكن أن تذكر ثلاثة وجوه:

الوجه الأول إن أهل البيت عليهم السلام مظاهر رحمة الله على الخالق والشفقة على الرعية، قال تعالى واصفاً بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»[1]، وقد وصف الله عزّ وجل نبيه قائلاً: «بالمؤمنين رؤوف رحيم»[2].

إذاً بعث رسول الله صلى الله عليه وآله لإسعاد الخلق والرحمة بهم، لذلك يقول الله عزّ وجل: «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا» فإذا أول وجه من وجوه كون الأئمة معدن الرحمة الإلهية أنهم مظهر لرحمة الله تبارك وتعالى.

الوجه الثاني إن الرحمة الربانية العامة والخاصة في هذا الكون إنما تنزل بسببهم وواسطتهم فقد جاء في حديث الكساء الشريف ما نصّه: «فقال الله عزّ وجل: يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء» وهم محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام.

الله عزّ وجل خلق الكون من أجل محمد وآل محمد كرامة لمحمد وآل محمد فهم سبب نزول هذه الرحمة هبوط هذه الرحمة حتى الأمطار والأرزاق إلى غير ذلك مما دلت عليه الروايات الشريفة.

الوجه الثالث لو لم يكن أهل البيت على الأرض لساخت الأرض وانخسفت بأهلها وماجت كما تموج البحار كما ورد في حديث أبي حمزة قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت».

وهذه من عقائد الإمامية إذا تراجعون كتاب عقائد للمرحوم الشيخ محمد رضا المظفر يذكر عقيدتنا في أهل البيت يذكر عدة أمور:

الأول المودة مودة أهل البيت واجبة، وليس المراد بمودتهم مجرد حبهم، بل المراد بمودة أهل البيت السير على نهجهم وإتباع خطاهم، ومن الأمور التي نعتقدها في الإمام أن بقاء الأرض بوجود الإمام، وأنه إذا مات الإمام ولا يوجد إمام غيره فإن هذه الأرض لا تبقى، فلولاهم لساخت الأرض بمن عليها.

هذه ثلاثة وجوه لكونهم معدن الرحمة:

أولاً هم مظهر الرحمة الإلهية.

ثانياً هم سبب نزول الرحمة الإله.

ثالثاً ببركتهم تبقى الأرض وتبقى الرحمة الإلهية.

فالوجه الأول ناظر إلى أنهم مظهر الرحمة الإلهية، والوجه الثاني ناظر إلى كونهم سبب الرحمة أي علة الحدوث، والوجه الثالث ناظر إلى حيثية البقاء بقاء الرحمة الإلهية، كما تعلمون العلة إما محدثة وإما مبقية، تلحظ حيثية الابتداء أو حيثية الاستمرار.

فالوجه الثاني ناظر إلى حيثية الابتداء والحدوث، والوجه الثالث ناظر إلى حيثية الاستمرار والبقاء، والوجه الأول ناظر إلى ما بين الحدوث والبقاء، وهو كونهم مظهر للرحمة الإلهية.

قال عليه السلام : «وخزان العلم» الخزان والخزانة جمع خازن من الخازن بسكون الزاء وهو حفظ الشيء في الخزانة، وأهل البيت عليهم السلام خزانة العلم وحفظة العلوم الإلهية والأسرار الربانية والمعارف الحقيقية وعندهم كل ما جرى على ألسنة الأنبياء وما اشتملت عليه الكتب المقدسة وما أفاضه الله على جدهم الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله فعندهم علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

سؤال: من أين يستقي الإمام علمه؟

الجواب: من الإلهام ولا نقول الوحي فالوحي مختص بالأنبياء، بل نقول: الإلهام الله عزّ وجل يلهمهم هذا أولاً، وثانياً من الإمام أو النبي الذي كان قبله، ولا يستقي العلم من غيره من المخلوقين.

الإمام هذا مصدر علمه، الإلهام الرباني والعلوم التي ورثها من الأنبياء والأئمة عليهم السلام، قال تعالى: «وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم»[3].

وقد دلت الروايات الشريفة على أن الأئمة عليهم السلام عندهم عدة مصادر وعدة كتب نذكر منها:

الأول مصحف الإمام علي عليه السلام وهو المصحف الذي جمع فيه القرآن الكريم وحشاه بحاشية ذكر فيها تفسير القرآن الكريم، وذكر فيها سبعين من أسماء المنافقين، ولذلك حجب هذا القرآن، والقرآن الذي كتبه الإمام علي بن أبي طالب لا يختلف عن القرآن المتداول اليوم فنصّ القرآن الذي جمعه الإمام علي كنصّ القرآن المتداول اليوم، والقرآن المتداول اليوم هو مروي عن علي عليه السلام برواية عاصم الكوفي عن أبي عبد الرحمن أبو السلمي عن عاصم عن علي عليه السلام هذا القرآن الذي تطبعه المملكة العربية السعودية وهو المتداول اليوم هذه تصل روايته إلى أمير المؤمنين.

لكن القرآن الذي جمعه الإمام علي كان على ترتيب النزول، وأما هذا القرآن المتداول اليوم فنصّه كنصّ قرآن الإمام علي ولكن رتب من حيث الحجم فبدأ بالسور الطوال السابع ثم الأواسط واختتم بصغار السور.

فالفارق الأول بين مصحف الإمام علي والمصحف المتداول اليوم هو ترتيب السور والإمام علي كتبه على ترتيب النزول، والمصحف المتداول اليوم مرتب على حجم السور، فيبدأ بالكبرى وينتهى بالصغرى.

الفارق الثاني مصحف الإمام علي عليه السلام فيه تفسير وبيان سبب النزول وشيء من النزول، والمصحف المتداول اليوم هو مجرد قرآن من دون إضافات تفسيرية ومصحف الإمام علي تداوله الأئمة وسيخرج مع الإمام الحجة عليه السلام تفصيل هذا البحث بحثناه في كتاب حقيقة مصحف الإمام عند الفريقين، وطبع في بيروت حقيقة مصحف الإمام علي عند السنة والشيعة.

المصدر الثاني كتاب علي عليه السلام وهو كتاب أحكام كتبه الإمام علي عليه السلام وهو مورث عند الأئمة.

الكتاب الثالث مصحف فاطمة عليها السلام، وليس المراد بمصحفها أنه قرآن آخر، فتقول الرواية: «إن فاطمة الزهراء عليها السلام دخلها هم وغم بعد شهادة رسول الله فنزل عليها ملك يحدثها فكانت تملي وعلي يكتب».

إذا إلى الآن أخذنا كم كتاب؟ كتب الإمام علي ثلاثة:

الأول مصحف الإمام علي وهو القرآن.

الثاني كتاب علي وهو كتاب أحكام كتاب فقه.

الثالث مصحف فاطمة، وهذا مصحف فاطمة ليس قرآن ولا كتاب أحكام، وإنما أمور سلاها الملك فكتبها علي عليه السلام.

المصدر الرابع الجامعة وهي التي تحتوي على كل شيء وما يحتاج إليه الخلق إلى يوم القيامة وهذه الجامعة نصّ عليها على أنها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاجه الناس.

المصدر الخامس الجفر الأبيض والجفر الأحمر، ومن أراد المزيد من البحث والتوسع يراجع كتاب الشيخ أكرم بركات حقيقة الجفر عند الشيعة وله كتاب آخر حقيقة مصحف فاطمة عليها السلام عند الشيعة.

بعد الأئمة عليهم السلام المصدر الخامس ألواح موسى.

 السادس تابوت بني إسرائيل الذي فيه الحكمة والعلم وأنه ينقر في أسماعهم ويبين لهم في آذانهم.

بعد الثامن أمامهم عمود النور الذي يرون فيه جميع الأعمال في جميع البلاد.

التاسع عندهم علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب والمواليد.

العاشرة ينزل عليهم من العلم في ليلة القدر وليلة الجمعة وفي كل يوم وليلة ويعلمون متى يموتون ولا يخفى عليهم ذلك، ولكن يخيرون من قبل الله تعالى فيختارون لقاء الله.

ولا بأس أن نقرأ لكم رواية في هذا المجال ما رواه أبو بصير قال: «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ها هنا أحدٌ يسمع كلامي، قال: فرفع أبو عبد الله ­ ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك» يعني يريد يسأله سؤال خاص، ولا يريد أن يسأله أحد، أبو بصير من خواص الإمام الصادق.

قال ـ أبو بصير ـ : «قلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم علياً عليه السلام بابا يفتح له منه ألف باب، فقال: يا أبا محمد علم رسول الله صلى الله عليه وآله علياً ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، قلت: هذا والله العلم» هذا الآن مصدر واحد النبي علم علي ألف باب من العلم من كل باب ينفتح ألف باب، تعجب أبو بصير قال: فقط هذا العلم.

قال: «فنكت ساعة في العرض، ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك، ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟! قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملاءه من فلق فيه» أي من شق فمه المبارك، «وخط علي بيمنه» بعد الجامعة خط الإمام علي.

كم مصدر صار للإمام علي عليه السلام؟

مصحف الإمام علي، وكتاب الإمام علي، مصحف فاطمة، والجامعة، كلها بخط الإمام علي سلام الله عليه وارث علم النبيين.

«وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل ما يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليه» يعني حتى هذه الخدشة البسيطة مكتوبة في الجامعة.

«فقال: أتأذن لي يا أبا محمد، قلت: جعلت فداك، إنما أنا لك، فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده، حتى أرش هذا» كأنه مغضب، يعني أنا الآن إذا أجرحك حتى أرش هذا البسيط موجود في الجامعة.

«قلت: والله إن هذا العلم، قال: إنه لعلمٌ وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: وعندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟! قلت: وما الجفر؟ قال: وعاءٌ من أدم فيه علم النبيين» أدم أي جلد «والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قلت: إن هذا هو العلم، قال: إن هذا لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليه السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحفٌ فيه مثل قرآنكم هذا» ثلاث مرات، إشارة إلى المصحف المتداول.

«قال: والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحد، قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلمٌ وما هو بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: إنه لعلمٌ وليس بذاك، قال: جعلت فداك فأي شيء العلم» تعب أبو بصير دائماً ليس بذلك.

«قال: ما يحدث في الليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة» هذا الذي ذكرناه عمود النور، ينظر في عمود النور، فيريه الله تبارك وتعالى هذه الأمور.

هذه رواية واحدة، المصدر: الكافي لثقة الإسلام الكليني، ج 1، ص 288، الحديث 1.

من يقرأ هذه الروايات الشريفة فليتأمل وليتدبر في نفسه، هل عرف إمام زمانه أم لا؟!، من يقرأ هذه الروايات الشريفة لا يتعجب مما ورد من كلمات عظيمة في الزيارة الجامعة، ولنقرأ رواية أخرى، وهي ما رواه أبو عبيدة قال: «سأل أبا عبد الله بعض أصحابنا عن الجعفر، فقال: هو جلد ثورٍ مملوء علماً، قال له: فالجامعة، قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم، مثل فخذ الفالج» الفالج هو الجمل العظيم ذو السنامين.

«فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش، قال: فمصحف فاطمة؟ قال: فسكت طويلاً، ثم قال: إنكم لتجثون عما تريدون» في مرآة العقول للمجلسي «لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون» يعني عندكم فضول ما تحتاجون هذه المعلومات لكن نعطيكم.

«إن فاطمة ما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة»[4].

درس اليوم خصصناه للعلم لأن أهم صفة هي العلم أهم صفة في الذات الإلهية هي العلم، الذات الإلهية تقول هناك صفات ذاتية هناك صفات فعلية أهم الصفات الذاتية «العلم، الحياة، القدرة» يذكرون أربع أو سبع صفات يقولون: مرجع بقية الصفات إلى العلم، هو قادر لأنه عالم، حي لأنه عالم يعلم كيفية الحياة، فأهم صفة في الذات الإلهية العلم.

بعد أهم صفة في جميع الأنبياء والمرسلين هو العلم من دون علمهم لا يكونوا أنبياء ولا يكونوا رسلاً ولا يكونوا أئمة، وهكذا في الفقهاء والعلماء أهم صفة العلم، إذا علم خشي الله «إنما يخشى الله من عباده العلماء».

لذلك في بداية الزيارة الجامعة ذكرت هذه الصفة والخصوصية أن أهل البيت عليهم السلام بعد أن ذكر أنهم معدن الرحمة نصّ على علمهم وكمالهم.

فإذاً لاحظ الترتيب في ذكر صفات أهل البيت عليهم السلام أول ما ذكر أنهم رحمة من الله، بعد أن ذكر الرحمة الله عزّ وجل أراد أن يرحمنا فخزن علمه عندهم، فلما صار عندهم صاروا منتهى الحلم، لاحظوا الترتيب قوله عليه السلام : «ومنتهى الحلم» يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  سورة الأنبياء، الآية 5.

[2]  سورة التوبة، الآية 128.

[3]  سورة آل عمران، الآية 7.

[4]  الكافي، الكليني، ج 1، ص 241، الحديث 5.

00:00

09

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 5 الجلسة

09

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: شرح الزيارة الجامعة الكبيرة
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
5 الجلسة