خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

24 - طريقتنا في دراسة الأدلة على مشروعية الجهاد الابتدائي

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

11

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 طريقتنا في دراسة الأدلة على مشروعية الجهاد الابتدائي

 

تطرقنا إلى القسم الأول وهو الأدلة القرآنية، ثم شرعناه في القسم الثاني وهو الأدلة الروائية، وكانت طريقتنا كما يلي:

تطرقنا إلى ما طرحه المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين من عشر آيات قد يستدل بها على وجوب ومشروعية الجهاد الابتدائي، وقررنا ما ذكره، واستظهره منها مع مناقشة إجمالية بسيطة عبر إشارات أو إشعارات، وبعد أن انتهينا من تمام ما ذكره رحمه الله تطرقنا إلى أربعة أدلة قد تدل على وجوب الجهاد الابتدائي من الآيات الكريمة.

ونفس هذه المنهجية والطريقة سلكناها في دراسة الروايات الشريفة التي قد يستدل بها على مشروعية الجهاد الابتدائي، فقد تطرق المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى اثنين وثلاثين رواية وناقشها بأجمعها وردها كما ردّ دلالة الآيات العشر على مشروعية الجهاد الابتدائي، ونحن قمنا بتقرير كلامه رحمه الله ومناقشته للروايات سنداً ودلالة مع الاكتفاء بمناقشات بسيطة وعابرة تحت عنوان أقول، فالجواب النهائي سيكون بعد دراسة الروايات الاثنتين والثلاثين، لذلك هذا الذي ذكرناه ليس هو الجواب النهائي بالنسبة إلى الروايات.

بعض الإخوة والأحبة من مشايخ الكويت ارسل لي مناقشة لدليل الرابع عشر وهو حديث أبو حفص الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عزّ وجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا أن يقبلوا حتى القتال فالخير في السيف وتحت السيف والأمر يعود كما بدأ»[1].

وجاء بمناقشة مشكورة، وقد أجبته إن هذا سيأتي بعد الانتهاء من تمام هذه الروايات التي أوردها المرحوم شمس الدين، ولكن لا بأس بالتطرق إلى ما أفاده هذا الشيخ الكريم لدفع توهم من أنه جميع هذا هذه الروايات أننا نقبل أنها غير دالة، وهذا غير صحيح سيأتي الاستدراك فيما بعد، ولنقدم الاستدراك على الرواية الرابعة عشر.

تطرق الشيخ الكريم من الكويت إلى سؤالين:

السؤال الأول: قال: تعرضتم لسند الرواية، وحكمتم عليه بالضعف، وذكرتم أن الوجه فيه هو جهالة أبي حفص الكلبي، لكن ألا يمكن القول بأن أبا حفص الكلبي هو عمر بن أبان الكلبي الذي وثقه النجاشي صريحاً وكناه بأبي حفص، فتكون الرواية حينئذ صحيحة السند.

قال النجاشي: «عمر بن أبان الكلبي أبو حفص مولى كوفي ثقة، روى عن أبي عبدالله عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة منهم عباس بن عامر القصباني أخبرنا بن شاذان عن علي بن حاتم عن محمد بن أحمد بن ثابت، قال: حدثنا محمد بن زيد بن بزيع، قال: حدثنا عباس بن عامر عن عمر بن أبان بكتابه»، وقد ذكر في معجم رجال الحديث رواية علي بن الحكم عنه[2].

السؤال الثاني ألا يمكن تقريباً دلالة الرواية على مشروعية الجهاد الابتدائي بأن قوله عليه السلام: «حتى أمره بالقتال» غاية متعلقة برفضهم للإسلام المدلول عليه بقوله: «فأبوا أن يقبلوا»، وهذا ظاهر عرفاً في كفاية رفضهم للإسلام لتشريع الجهاد، ويكون الأمر بالقتال غايته قبولهم للإسلام لا دفع اعتدائهم، فيكون مورد الرواية خاصاً بالجهاد الابتدائي ولا يشمل الدفاعي، فلا تكون الدلالة على مشروعية الجهاد الابتدائي بالإطلاق، بل هي أشبه بالنص.

وقد أجبته بأن هذا ما ذهب إليه سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري[3] حفظه الله ورعاه إذ قال ما نصّه: «ولا يبعد ظهور هذه الرواية في أنه صلى الله عليه وآله أمر بالقتال الابتدائي لمن يدعون إلى الإسلام فلا يقبلوا، إلا أن أبا حفص الكلبي لم يعرف حاله».

فسيدنا الأستاذ الحائري حفظه الله يقبل ظهور الرواية في خصوص الجهاد الابتدائي، لكنه يتأمل بالنسبة إلى السند.

أقول ما أفاده الشيخ الكريم تامٌ بالنسبة إلى السند وبالنسبة إلى الدلالة.

أما بالنسبة إلى السند فقد يقال إن مجرد ذكر الرجاليين كون أبو حفص كنيه لهذا الشخص لا يدل على أن المراد من أبي حفص إذا أطلق هو خصوص هذا الرجل وهو عمر بن أبان الكلبي، إذ أن العنوان المشترك لا ينصرف إلى رجلين إلا إذا كان هو المشهور بهذه الكنية والعنوان المشترك، ومجرد ذكر السيد الخوئي رحمه الله لعمر بن أبا عن الحفصي وأن كنيته أبو حفص، وأنه قد روى عنه علي بن الحكام، وأنه قد روى عن الإمام الصادق عليه السلام لا يعين أن المراد بأبي حفص هو خصوص عمر بن أبان الكلبي، ولعله لهذا قال سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري حفظه الله: «إلا أن أبا حفص الكلبي لم يعرف حال».

ولكن بمراجعة كتب الرجال كرجال النجاشي وغيره وما جمعه السيد الخوئي رحمه الله في معجمه تكاد تطمئن أو تستظهر أن المراد بأبي حفص الكلبي هو عمر بن أبان الكلبي، وقد نصّ السيد الخوئي على أنه روى رواية في الجهاد، ونصّ على هذه الرواية فكأنما السيد الخوئي أيضاً استظهر أن المراد بأبي حفص هو عمر بن أبان الكلبي فتكون الرواية صحيحة هذا من جهة السند.

ومن جهة المتن فالاستظهار تامٌ لا غبار عليه، ونحن في مناقشتنا السابقة ذكرنا ثلاث مرات «أقول»، وفي أول واحدة حصل التشكيك في ما أفاده المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين حينما شكك في كونها في الأعم من الابتدائي والدفاعي واستظهر أنها في الجهاد الدفاعي، وقمنا ببعض التشكيكات والإشارات، والصحيح أنها ظاهرة كل الظهور في أن المسلمين إذا عرضوا على المشركين ودعوهم وأبوا الدعوة فإنه يشرع قتالهم فتكون هذه الرواية ظاهرة في مشروعية جهاد الدعوة وهو الجهاد الابتدائي، فتكون هذه الرواية الرابعة عشر يمكن الاستدلال بها على مشروعية الجهاد الابتدائي، وهي تامة سنداً ودلالةً، والله العالم.

ويكفي لإثبات مشروعية الجهاد الابتدائي رواية واحدة، فضلاً عن الآيات، وستأتي بقية الأدلة بعد الانتهاء من تمام هذه الروايات الاثنتين والثلاثة.

جيد هذا كان في الحديث الرابع عشر، وصلنا إلى الحديث السابع عشر ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أبا دجانة الأنصاري، طبعاً هذا حرز معروف حرز أبو دجانة الآن ليس الكلام في الأحراز، معروف هذا حرز خاصة عند العامة.

كلامنا في الجهاد، «إن أبا دجانة الأنصاري اعتم يوم أُحد بعمامة، وأرخى عذبة العمامة بين كتفيه حتى جعل يتبختر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذه لمشية يبغضها الله عزّ وجل إلا عند القتال في سبيل الله»[4].

الإسناد نفس سند الرواية السابقة الحديث السادس عشر وهو محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن صدقة، والحديث ضعيف بمسعدة بن صدقة.

الدلالة لا يدل هذا الحديث إلا على رجحان التبختر في ساحة الحرب أمام العدو، وعلى رجحان القتال في سبيل الله، وليس في مقام البيان من جهة الحكم وهو وجوب الجهة أو من جهة بيان سنخ الجهاد وأنه ابتدائي أو دفاعي، هذا ومعركة أحد كانت دفاعية، وكلام المرحوم شمس الدين تامة، فهذه الرواية لا يمكن الاستدلال بها على مشروعية الجهاد الابتدائي.

الحديث الثامن عشر ما رواه عمار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «الخير كله في السيف وتحت السيف وفي ظل السيف، قال: وسمعته يقول: إن الخير كل الخير معقود في نواصي الخيل يوم القيامة»[5].

الإسناد محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة عن معمر، السند صحيح.

الدلالة هذا الحديث فيه شطران:

الشطر الأول يدل على أن الخير كله في السيف وتحت السيف وفي ظل السيف، فهو يشير إلى دور السيف في الإسلام وفي سبيل الله.

والمقطع الثاني يشير إلى أن الخير كل الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة فهو يشير إلى أهمية هذا السلاح وهو الدابة والسيف فالشطر الأول ناظر إلى أهمية السيف والثاني ناظر إلى أهمية الخيل فهو يشير إلى أهمية القتال في سبيل الله.

ولكن هذا الحديث ليس ناظراً إلى وجوب القتال في سبيل الله وليس ناظراً إلى سنخ هذا القتال وأنه ابتدائي أو دفاعي فهذه لا تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي.

الحديث التاسع عشر ما رواه أبو بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: من قتل في سبيل الله لم يعرف الله شيئاً من سيئاته»[6].

الإسناد محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان عن أبي بصير، وهو ضعيف بسعدان، ولكن يمكن تصحيح السند والقول باعتباره وتصحيح سعدان.

تفصيل السند كما يلي:

الحسين بن محمد هو بن عامر أو عمران شيخ الكليني ثقة، أحمد بن إسحاق مشترك بين اثنين أحمد بن إسحاق الرازي وهو ثقة وأحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعر القمي وثقة العلامة الحلي في كتابه خلاصة الأقوال، وقد كان رافد القميين وشيخهم وخاصة أبي محمد عليه السلام، والظاهر أنه الثاني منهما، يعني المراد بأحمد بن إسحاق هو الأشعر القمي، بتمييز رواية الحسين بن محمد بن عامر عنه.

سعدان مشترك والظاهر هنا سعدان بن عبد الرحمن بن مسلم الكوفي لرواية أحمد بن إسحاق عنه، فإن أحد طرق الشيخ الطوسي إلى أصل سعدان هذا هو هذا الطريق عن شيخه ابن أبي جيد شيخ الشيخ الطوسي، عن ابن الوليد عن الصفاء عن العباس بن معروف وأبي طالب عبد الله بن الصلت القمي وأحمد بن إسحاق كلهم عنه، وسعدان لم يوثق.

ولكن في بعض طرق الشيخ الطوسي إلى سعدان التي أوردها في الفهرست نجد أن صفوان بن يحيى بياع السابري هو أحد رواة أصل سعدان، ونحن نبني على وثاقة مشايخ ثقات وفاقاً للشهيد السيد محمد باقر الصدر، وخلافاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي.

فبناء على وثاقة جميع الرجال الذين رووا عنهم مباشرة أحد المشايخ الثلاثة: محمد بن زياد بن أبي عمير، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي، وصفوان بن يحيى بياع السابري، فمن روى عنه أحد الثلاثة مباشرةً من دون واسطة فهو ثقة، فنقبل كلام الشيخ الطوسي في العدة من أن الطائفة سوت بين مراسيل هؤلاء الثلاثة ومسانيد غيرهم فهذه الضابطة الكلية تامة عندنا، فيمكن تصحيح سعدان، أبو بصير ثقة فتكون الرواية صحيحة السند.

الدلالة الحديث واردٌ في مقام مدح المجاهد وبيان ثوابه، ويدل بالملازمة على رجحان الجهاد ومحبوبيته، لكن الرواية ليس ناظرة إلى أصل تشريع وجوب الجهاد، وليست ناظرة إلى سنخ الجهاد وأنه جهاد ابتدائي أو جهاد دفاعي، فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على مشروعية الجهاد الابتدائي، والله العالم.

الحديث العشرون يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الباب 1، الحديث 14.

[2]  معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج 22، ص 41.

[3]  كتاب الكفاح المسلح في الإسلام، ص 72.

[4]  الوسائل، باب جهاد العدو وما يناسبه، الباب 1، الحديث 17.

[5]  الحديث 18 من الباب 1 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، من وسائل الشيعة.

[6]  وسائل الشيعة، الباب 1 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 19.

00:00

11

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

11

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة