التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

21 - بحث-الشفاعة

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

12

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الشفاعة

 

بحث الشفاعة، هذا البحث يبحث عادة في الكتب العقائدية والكلام، ولكن من باب الاستطراد فبعد أن ذكرنا حصر الاستعانة بالله تبارك وتعالى، وأن المراد بالاستعانة المحصورة هي استمداد القدرة على العبادة من الله تبارك وتعالى، وأما أن يستعين العبد لغير الله في مقاصده من المخلوقات أو الأفعال فهذا لا مانع له، فالممنوع هو الاستعانة بمعنى طلب القدرة، وهذا خاص بالله تبارك وتعالى، وأما طلب القدرة من الله ثم طلب المعونة من غيره من المخلوقات فهذا لا مانع منه.

هذا الكلام بالنسبة إلى الحياة الدنيا، يبقى الكلام بالنسبة إلى الحياة الآخرة، وهو ما يقودنا إلى بحث الشفاعة تدل الآيات الكريمة على أن الله هو الكافل والمتكفل بأمور عبيده، وأن الله بيده الأمر ويدبر شؤون العباد ويوجه العبد إلى كماله برحمته، والله قريب من الإنسان يسمع نداءه ويجيب دعاءه، قال تعالى: «أليس الله بكافٍ عبده»، وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون».

بناءً على هذا ليس لمخلوق أن يستشفع بمخلوق مثله فكيف يجعله واسطة بينه وبين ربه؟ ففي ذلك تبعيد للمسافة بل وفيه إذلال للنفس وإظهار للحاجة إلى غير الله، وماذا يصنع المحتاج بمحتاج مثله؟! وماذا ينتفع العاصي بشفاعة من لا ولاية له ولا سلطان؟!

قال تعالى: «لله الأمر من قبل ومن بعد»، وقال تعالى: «قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والأرض».

إذاً الأصل في الشفاعة أن لا تكون إلا لله تبارك وتعالى إلا ما خرج بالدليل، فإذا لم تكن الشفاعة بإذن الله فإنها شفاعة غير مقبولة، لكن أصل الشفاعة لله فإذا أذن صاحب الشفاعة، وقال لمخلوق: «اشفع تشفع» ثبتت له الشفاعة، فإذا أذن الله لأحد بالشفاعة فإن الاستشفاء بهذا المخلوق يكون نحواً من الخضوع لله تبارك وتعالى والتعبد له تماما كما في السجود لا يجوز السجود لغير الله ورد النهي عن السجود والخضوع بنحو السجود لغير الله، وخرجنا عنه في موارد خاصة كسجود ملائكة لآدم، وسجود يعقوب وإخوانه وأولاده ليوسف عليه السلام كذلك الشفاعة صاحب الشفاعة هو الله وحده ولا تجوز الشفاعة لغيره إلا بإذنه.

وقد أذن الله عزّ وجل بالشفاعة لغيره وهم محمد وآل محمد، ولكن لم ينوه ولم يذكر في القرآن الكريم إلا شفاعة النبي واستغفار النبي، قال تعالى: «ولا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا» فهذه الآية تدل على الاستثناء، الشفاعة لا تصح لأي أحد ولا يملكها أحد إلا إذا الله عزّ وجل عهد إلى أحد بالشفاعة، قال تعالى: «يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمة» «ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له»، وفي آية أخرى: «ولو أنهم إذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً» إذا بمقتضى النصّ القرآني ثبت أولاً أن من يملك الشفاعة هو الله وحده، وثبت ثانياً أن استغفار الرسول صلى الله عليه وآله وشفاعته في أمته قد عهد بها الله تبارك وتعالى إليه.

يبقى الكلام في شفاعة غير الرسول من طرق الفريقين الشيعة والسنة، أحاديث الشفاعة عند الإمامية، روايات الشفاعة من طريق الإمامية أكثر من أن تحصى، وأمر الشفاعة في عقائد الشيعة الإمامية أوضح من أن يخفى، والروايات كثيرة نذكر منها رواية، وهي ما رواه البرقي في المحاسن بإسناده عن معاوية بن وهب، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام ـ الإمام الصادق ـ عن قول الله تبارك وتعالى: «لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا» قال عليه السلام : نحن والله المأذونون لهم في ذلك، والقائلون صوابا، قلت: جعلت فداك وما تقولون إذا تكلمتم؟ قال عليه السلام : نمجد ربنا ونصلي على نبينا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا»، وفي المصدر «فلا يردنا ربنا في ذلك اليوم»[1] أي نظر إلى الشفاعة في يوم القيامة.

وروى الشيخ الكليني[2] نفس هذا الحديث بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي الإمام كاظم عليه السلام.

هذا تمام الكلام في الشفاعة بالنسبة إلى الإمامية لم نطل فيه لأن رواياته موفورة، يراجع علم الكلام بحث الإمامة لما يصلوا إلى بحث الشفاعة.

أحاديث الشفاعة عند العامة، الروايات من طرق أهل السنة أيضاً كثيرة متواترة، يمكن مراجعة كنز العمال للمتقي الهندي أكبر موسوعة حديثية عند العامة[3] فقد ذكر ما يزيد على ثمانين رواية من روايات الشفاعة، وقد ذكر السيد الخوئي رحمه الله ست روايات منها نقل ست روايات:

الرواية الأولى[4] ما رواه يزيد الفقير قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال: «أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم ولا تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة»[5].

رواية ثانية ما رواه أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: «أنا أول شفيع في الجنة»[6].

الشاهد هنا: «أنا أول شفيع» يعني يوجد شفعاء غير النبي غاية ما في الأمر أن النبي هو أول الشفعاء.

الرواية الثالثة ما رواه أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «لكل نبي دعوة» يعني دعوة مستجابة «وأردت إن شاء الله أن اختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» يعني النبي آخر دعوته المستجابة، وجعلها شفاعة لأمته يوم القيامة.

هذه الرواية فيها مصادر كثيرة ذكرها السيد الخوئي في التعليق ستة وعشرين، صفحة خمسمائة وخمسة وأربعين مصادر رواية الشفاعة، موجودة في صحيح البخاري كتاب الدعوات، الباب الأول، الجزء السابع، صفحة خمسة وأربعين، الحديث ثمانية وخمسين ألف ومائة وتسعة وعشرين، وذكرت في صحيح مسلم، وأخرجها مالك في الموطأ، وأخرجها ابن ماجه في سننه إلى آخره المصادر.

الرواية الرابعة قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «أنا سيد ولد آدم عليه السلام يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع»[7].

الحديث الخامس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «الشفعاء خمسة القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بيته»[8] هذه من طرق العامة، في أن أهل البيت يشفعون.

الرواية السادسة روى عبد الله بن أبي الجدعاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «يدخل بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم» والتنصيص على بني تميم كناية عن كثرتهم، إلى الآن ما شاء الله بنو تميم موجودون في العراق وإيران والسعودية وقطر كثير من الدول عشيرة كبيرة فيهم سنة وشيعة بنو تميم، رواه الترمذي[9] والحاكم.

من هذه الروايات يستكشف أن الاستشفاء بالنبي صلى الله عليه وآله وبأهل بيته الكرام أمر ندب إليه الشارع، فكيف يعد ذلك من الشرك؟! عصمنا الله من متابعة الهوى وزلل الأقدام والأقلام كما يقول سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله.

وفي الختام هذا البحث من خلال تجربتي في الحياة أي واحد إذا ينصحني أنصحه بنصيحتين، وهي نصيحة واحدة في كل أمورك عليك بأمرين:

أولاً اللجأ إلى الله.

الثاني التوسل بأولياء الله.

«وعليك في كل الأمور توكلي» علم نفسك تتوكل على الله لا تنظر في رزقك إلى أنه من مسؤولك، ولا تنظر في علمك على أنه من أستاذك أو منك، توكل على الله العلم من الله، المال من الله، الرزق من الله، قضاء الحاجة من الله، وتوسل بأولياء الله لأن التوسل وطلب الشفاعة يقرب المسافة.

كنا بالأمس في مؤتمر في طهران حول أربعينية الشهيد السعيد السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله لبنان رحمه الله، ونقل عنه سماحة العلامة الشيخ حسين المعتوق من الكويت نقلاً مباشراً، يقول:

زرته في حرب تموز عام ألفين وستة، يقول: فقال لي الشهيد السيد حسن نصر الله: نحن دائماً نقيس النتائج بالنسبة إلى المقدمات فنتفاجأ، ونكتشف أن النتائج أكبر من المقدمات، مما يعني أن هذه النتائج ليست هي عبارة عن المقدمات التي خططنا لها، بل هناك عناية خاصة.

وهكذا طالب العلم.

أقول: طالب العلم ينبغي أن ينظر إلى عناية صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء إمام زماننا المهدي بن الحسن عجل الله فرجه الشريف.

هذا تمام الكلام في الأبحاث المرتبطة بقوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين».

تفسير آية «اهدنا الصراط المستقيم» يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  المحاسن، البرقي، ج 1، ص 292.

[2]  الكافي، الكليني، ج 1، ص 435، الحديث 91.

[3]  ج 1، ص 215 إلى 270.

[4] البيان في تفسير القرآن، ص 483 إلى 486.

[5]  صحيح البخاري، كتاب التيمم، رقم الحديث 323، كتاب الصلاة، الحديث 419، الرواية 2.

[6]  صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث 291.

[7]  صحيح مسلم، كتاب الفضائل، رقم الحديث 4223.

[8]  كنز العمال، للمتقي الهندي، ج 7، ص 217.

[9]  سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، قم الحديث 1362.

00:00

12

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 26 الجلسة

12

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
26 الجلسة