بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الحديث العشرون من الأدلة الروائية

تطرقنا إلى الحديث العشرون من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي ما رواه زيد بن علي بن الحسين عن أبيه _{عليه السلام} عن آبائه قال: «قال رسول الله _{صلى الله عليه وآله} : للشهيد سبع خصال من الله، أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان: مرحباً بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يكسى من كسوة الجنة، والرابعة تبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه، والخامسة يرى منزلته، والسادسة يقال لروحه اسرح في الجنة حيث شئت، والسابعة أن ينظر في وجه الله، وإنها لراحة لكل نبي وشهيد»[1].

الإسناد روى هذا الحديث الشيخ محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن المنبه عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي.

هذا السند مليء بالزيدية المحبين للشيعة، لكنه ضعيف بعبد الله بن المنبه وعمرو بن خالد البتري.

تفصيل الرواة:

عبد الله بن المنبه زيدي لم يوثق.

الحسين بن علوان زيدي على الظاهر لم يوثق، نعم جاء في نسخ رجال النجاشي المطبوعة حديثاً أنه ثقة ولكن في النسخ الخطية وجميع كتب الرجاليين نجد أنها خالية عن نسب توثيق الحسين بن علوان إلى النجاشي، وهذا ربما يعد وهن في النسخة المطبوعة من رجال النجاشي.

وأما ما قيل من نقل العلامة الحلي توثيق بن علوان عن ابن عقدة، فالموجود في الخلاصة العلامة الحلي ما نصّه: «وقال ابن عقدة: إن الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا» يعني الحسن بن علوان أوثق من أخيه الحسين بن علوان.

عمرو بن خالد هو الواسطي زيدي بتري لم يوثق، زيد بن علي هو ابن الإمام علي بن الحسين السجاد ثقة جليل.

هذا السند تكرر كثيراً في الروايات معروف السند الزيدي رواته من رجال الزيدية المحبين للشيعة، ومن هنا فقد يذهب البعض إلى اعتبارهم، وقد حصل لغط في عبد الله بن المنبه، فتارة ذكر في هذه السلسلة عبيد الله بن المنبه، وأخرى بالعكس أي المنبه بن عبيد الله أو المنبه بن عبد الله، وهذا الأخير المنبه بن عبد الله قال عنه النجاشي: «صحيح السند»، واحتمل البعض حصول التقديم والتأخير بين عبد الله أو عبيد الله والمنبه من النساخ، ويحتمل قوياً اتحاد الجميع.

عموماً هذا الحديث ضعيف السند والأمر سهل حتى لو قيل باعتباره فالدلالة ليست تامة على المدعى.

الدلالة من الواضح أن الحديث واردٌ في بيان فضل الشهيد وثوابه والشهيد أعم ممن يقتل في جهاد الكفار أو يقتل في جهاد البغاة، بل قد يطلق الشهيد على معنى أعم من المعنى الاصطلاحي المعنى الاصطلاحي للشهيد هو الذي يقتل في المعركة ولا يدركه المسلمون وبه رمق، هذا الشهيد الاصطلاحي الذي لا يغسل ولا يكفن فإذا أدركه المسلمون وبه رمق فإنه يغسل ويكفن.

لكن بعض الروايات نصت على أنه من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرضه فهو شهيد، فأطلقت عنوان الشهيد على الأعم من هؤلاء المظلومين المقتولين، كما جاء في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله _{عليه السلام} قال: «قال رسول الله _{صلى الله عليه وآله}: من قتل دون مظلمته فهو شهيد»[2].

وعدة أحاديث موجودة، فهي تنص على أن من يقتل دون مظلمته كالدفاع عن ماله أو عرضه أو نفسه فهو شهيد.

وكيف كان فالحديث ليس في مقام بيان حكم الجهاد وأنه واجب، وليس في مقام بيان سنخ الجهاد وأنه جهاد ابتدائي أو دفاعي، فلا دلالة فيه ولا إطلاق، نعم هذا الحديث يدل بالملازمة على محبوبية الاستشهاد في سبيل الله ورجحانه.

وقد يقال إنما ورد في ذيل الحديث ينافي عقائد الإمامية الحقة في مسألة الرؤية إذ جاء فيه «والسابعة أن ينظر في وجه الله وانها لراحة لكل نبي وشهيد»، ومن الواضح عدم ثبوت تجسيم وأن الله عزّ وجل لا يرى بالعين المجردة ولا يحد.

وقد يشكل بأنه ورد نظير في القرآن الكريم في قوله تعالى: «وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة»[3] لكن الآية الكريم لها ظهور تصديقي معقول ينعقد معه المعنى في غير ظاهره الإفرادي الممنوع عقلاً، فيمكن التقدير وتقول: «وجوه ناظرة إلى رحمة ربها ناظرة» بخلاف العبارة الواردة في هذا الحديث، فتكون منافية من هذا الوجه، فيها نظرة إفرادية والآية فيها نظرة جمعية.

على كل يمكن تأويل هذه الرواية ما المانع من ذلك؟! أن ينظر في وجه الله أعني أن ينظر في وجه رحمة الله، ويصير المعنى معنى كنائي لا مانع من ذلك بقرينة «وانها لراحة لكل نبي وشهيد» وموجبة الراحة النظر إلى رحمة الله تبارك وتعالى، فلا يحمل النظر على النظر البصري بل على النظر المعنوي لوجود قرينة عقلية.

فإذا تعارض ظاهر اللفظ مع قضية عقلية ضرورية مسلمة وهي استحالة رؤية الله تبارك وتعالى، والنظر إليه نظرة بصرية حسية، فما المانع من حمل هذه الرواية أن ينظر في وجه الله إلى النظر المعنوي إلى رحمة الله تبارك وتعالى؟

وكيف كان هذه الرواية لا تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي.

الحديث الحادي والعشرون ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه _{عليهم السلام} أن النبي _{صلى الله عليه وآله} قال: «فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر وفوق كل ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه فإذا قتل أحد والديه فليس فوقه عقوق»[4].

روي الحديث بأسانيد ثلاثة، وقد يتوهم أنها أربعة، وسنشير إلى ذلك، فيمكن مراجعة الوسائل.

السند الأول محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف، عن أبي همام، في نسخة الوسائل وعن أبي همام، فقد يتوهم حينئذ وجود سندين:

السند الأول محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف.

والسند الثاني محمد بن الحسن عن أبي همام لأن هنا واو وعن أبي همام.

لكن الصحيح هو هذا السند، السند الأول محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفاء عن العباس بن معروف، هذه الواو من غلط النساخ عن أبي همام وليس وعن أبي همام، عن محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني، وهذا السند ضعيف بابن غزوان والسكوني، ابن غزوان مجهول والسكوني لم يوثق.

وقد تقدم هذا السند بعينه في الحديث الثالث، إذا نراجع الحديث الثالث نجد نفس هذا السند ذكره الشيخ شمس الدين[5] لكن عن علي بن الحسين، محمد بن علي بن الحسين الصدوق في ثواب الأعمال، عن محمد بن الحسين عن الصفاء عن العباس بن معروف عن أبي همام عن محمد بن غزوان عن السكوني.

السند الثاني محمد بن علي بن الحسين في الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار إلى آخر السند، نفس السند فيكون ضعيفاً بن غزوان والسكوني.

السند الثالث محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني، والسند ضعيفٌ بالنوفلي والسكوني، ولكن يمكن تصحيح السند الثالث بناءً على قبول شهادة الشيخ الطوسي في العدة من أن الطائفة المحقة عملت بروايات بعض العامة لوثاقتهم ومنهم السكوني، وأكثر روايات السكوني رواها النوفلي فيمكن تصحيح هذه الرواية أو بناء على توثيق وتصحيح جميع روايات الكافي للكليني.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى واتضح أنه ضعيف لكن يمكن تصحيحه بناءً على بعض المباني الخاصة.

الدلالة هذا الحديث يدل على أن فضل الشهيد وبر الشهيد هو أعلى بر فالرواية في مقام بيان فضل المجاهد الشهيد ومنزلته عند الله، وليست في مقام بيان أصل وجوب الجهاد وليست في مقام بيان سنخ وجوب الجهاد وأنه جهاد ابتدائي أو دفاعي، فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على مشروع الجهاد الابتدائي.

الحديث الثاني والعشرون ما رواه عثمان بن مظعون قال: «قلت لرسول الله _{صلى الله عليه وآله} : إن نفسي تحدثني بالسياحة وأن ألحق بالجبال، فقال: يا عثمان لا تفعل فإن سياحة أمتي الغزو»[6].

الإسناد رواه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن الصفار عن عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن ضرار بن عمرو الساطي، عن سعد بن مسعود الكناني، وفي نسخة الكندي، عن عثمان بن مظعون، والسند ضعيف.

تفصيل ذلك: ضرار بن عمرو السميساطي مهملٌ، سعد بن مسعود الكناني أو الكندي صحابي مجهول، عثمان بن مظعون هو أبو السائب ثقة، البقية تقدم الكلام عنهم، إذاً هذا السند ضعيف.

الدلالة هذا الحديث يدل على أهمية الغزو والجهاد في سبيل الله، فالجهاد سياحة أمة النبي _{صلى الله عليه وآله} لكن ليس فيه دلالة على أصل الحكم وهو وجوب الجهاد، ولا جهة سنخ الحكم وأن هذا الجهاد ابتدائي أو دفاعي فغاية ما يدل عليه الحديث هو مشروعية الجهاد ورجحانه.

نعم، لو استظهرنا من كلمة الغزو أنها ظاهرة في الابتداء بالقتال من دون عدوان مسبق، فإنها ستدل على مشروعية الجهاد الابتدائي، لكننا ذكرنا أن المراد بالغزو هو السير لقتال العدو في أرضه، وهذا كما يشمل الجهاد الابتدائي يشمل أيضاً الجهاد الدفاعي، وبالتالي لا تدل هذه الرواية على مشروعية خصوص الجهاد الابتدائي.

الحديث الثالث والعشرون ما رواه سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا _{عليه السلام} قال: «سألته عن قول أمير المؤمنين _{عليه السلام}: لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش، فقال: في سبيل الله»[7].

الإسناد روي الحديث بسندين:

السند الأول محمد بن الحسن بإسناده عن البرقي عن سعد بن سعد الأشعري، وهذا السند ضعيفٌ بالبرقي الأب محمد بن خالد البرقي، ولكن يمكن تصحيحه ويمكن توثيق البرقي الأب، ولا بأس ببيان البرقيين، فالبرقيون أربعة:

الأب هو محمد بن خالد البرقي، وابنه أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن، أيضاً اختلف لهل المحاسن للبرقي الأب محمد بن خالد أو للبرقي الابن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، والصحيح أنه للابن.

أحياناً يعبر عن الابن أحمد بن أبي عبد الله، فأبو عبد الله البرقي هو محمد بن خالد البرقي.

بعد حفيد محمد بن خالد البرقي هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن البرقي، وبعد ابن الحفيد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن خالد.

والمراد في السند هو الأول وهو البرقي الأب محمد بن خالد البرقي أبو عبد الله بقرينة روايته عن سعد بن سعد الأشعري، وقد ذكر النجاشي أنه كان يروي كتاب سعد غير المبواب عن الصفار، عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد، ويروي مسائله للرضا عن محمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي، فيكشف عن أن البرقي الراوي عن سعد بن سعد هو تلميذه محمد بن خالد البرقي.

تقدم الكلام في السند بعض الأسانيد ووثقنا محمد بن خالد البرقي، فيمكن تصحيح هذا السند.

سعد بن سعد هو ابن الأحوص بن سعد بن مالك الأشعري القمي ثقة.

طبعاً البرقي الابن أشهر هذا في الأسانيد لا بد تعرفون عمدنا أربعة، عندنا أحمدان وعندنا محمدان غير هذيلين أيضاً.

عندنا محمد بن الحسن بن الوليد هذا أستاذ الصدوق، وعندنا محمد بن يحيى العطار هذا أستاذ الكليني، واثنينهم عندهم أحمد، أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيى العطاء، في هؤلاء الأربعة المحمدان أوثق، يعني الآباء محمد بن الحسن بن الوليد ومحمد بن يحيى العطار أشهر من أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد هذا شيخ إجازة لم يوثق، يمكن توثيقه على أنه شيخ إجازة.

عموماً هؤلاء الأربعة كلهم معتبرون.

هنا بالعكس أحمد بن محمد بن خالد البرقي وعندنا الثاني أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، هنا الأحمدان في هذين الموردين أشهر من المحمدين الآباء، يعني أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي هو شيخ القميين ووجههم أبوه محمد بن عيسى لم يرد فيه توثيق المعروف ببنان، وهكذا أحمد بن محمد بن خالد البرقي ثقة جليل صاحب المحاسن أبوه محمد بن خالد البرقي لم يرد فيه توثيق، لكن كلهم ثقاة كلهم أجلاء، فلا يوجد عندنا إشكال في كل هذه الأسماء الأحمد والمحمد.

السند الثاني محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن سعد بن سعد هذا نفس السند السابق، المشكلة من جهة محمد بن خالد البرقي، والصحيح توثيقه.

الدلالة هذا الحديث أجنبي عن موطن بحثنا فهو يدل عن فضل الشهادة وأن أمير المؤمنين يتمنى ألف ضربة بالسيف وأن يقتل في سبيل الله على أن يموت ميتة عادية على الفراش، فالحديث ليس ناظراً إلى أصل وجوب الجهاد وليس ناظراً إلى سنخ وجوب الجهاد وأنه ابتدائي أو دفاعي، فلا يدل هذا الحديث على المطلوب.

الحديث الرابع والعشرون يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين