بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

15 - عدم الاعتماد على توثيقات ابن داوود الحلي وغيره من المتأخرين

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

12

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 عدم الاعتماد على توثيقات ابن داوود الحلي وغيره من المتأخرين

 

ذكرنا أنه يمكن تقسيم المتأخرين إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول توثيقات الشيخ منتجب الدين وابن شهر آشوب، وقلنا لو تنزلنا جدلاً، وقلنا أنها عن حس لكن لا جدوى منها ولا ثمرة ولا فائدة، إذ أن الشيخ منتجب الدين رحمه الله قد ترجم لمن تأخر عن الشيخ الطوسي ولم يقع في الروايات، كما أن ابن شهر آشوب قد وثق للرواة عن الأئمة، لكنه ذكر ما ذكره الشيخ الطوسي والنجاشي، فلا توجد ثمرة ولا فائدة من توثيق القسم الأول من المتأخرين.

القسم الثاني ذكرنا ثلاث رجالات:

الأول السيد جمال الدين بن طاووس ولم يصلنا كتابه، فلا جدوى من توثيقاته.

الثاني العلامة الحلي وقد استظهرنا أن توثيقاته مبنية على الحدس لا الحس فلا عبرة بتوثيقاته فهي حجة عليه وليست بحجة علينا.

الثالث هو ابن داوود الحلي المعاصر للعلامة الحلي وكلاهما تلميذ السيد جمال الدين بن طاووس رضوان الله عليه إذا رجال ابن داوود وخلاصة العلامة الحلي هما فرسا رهان، وكل ما ذكرناه بالنسبة إلى توثيقات العلامة في خلاصته أيضاً يجري ما يشبهه في رجال ابن داوود وكل منهما مقسم إلى قسمين، وسيأتي الحديث عن هذين الكتابين حينما نتطرق إلى الأصول الرجالية المعتمدة وغير المعتمدة.

ويكفي للتدليل على عدم اعتمادنا لتوثيقات ابن داوود أن نقرأ تصريحه في مقدمة كتابه[1] حيث ذكر تمام مصادر كتابه، وذكر طرقه إلى الكتب وقال ما نصّه:

«وقبل الخوض في المقصود في هذا الكتاب يجب أن أقدم مقدمة تبين بها طريقي إلى المشايخ الآتي ذكرهم» فذكر طرقه ولم يذكر أن له طريقاً إلى ابن الغضائري والعقيقي وابن عقدة والبرقي، وقد يستظهر من كلامه أنه لم يكن له طريق إليهم، نعم له طريق بل طرقٌ إلى الشيخ الطوسي فالعلامة الحلي كما يظهر من الإجازات، إجازات الكتب.

هذه هي الملاحظة الأولى أنه لم يذكر طرقه إلى غير كتاب الشيخ الطوسي والثمرة تكمن هنا.

النقطة الثانية رجال ابن داوود كثير الأخطاء مما يوجب الإرتباك والذي قد يسلب الوثوق به والاعتماد عليه خصوصاً فيما يرتبط بالرموز التي ابتكرها لأصحاب الكتب والأئمة عليهم السلام كثير من الرموز، مثلاً جش يعني رجال النجاشي رموز كثيرة مختصرات وبعضها لم نعرف ما هو مقصوده منها، وهذا يظهر لكل من الكتاب ويتتبع فيه، وقد أشار المحقق التفرشي إلى كثير من هذه الأخطاء والموارد وإن لم يستقصي جميع هذه الأخطاء كما صرح بها.

النتيجة: لا يمكن الاعتماد على توثيقات وتضعيفات القسم الثاني وهم في جمال بن طاووس، والحسن بن علي بن داود، الحسن بن يوسف الحلي والعلامة الحلة، وابن داوود الحسن بن علي بن داود.

قد قال: نحن لا نعتمد على توثيقات العلامة الحلي وابن داوود من جهة الحس، لكن لنرجع إلى حدسهم ونرجع إليهما من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، فمن باب رجوع جاهل إلى العالم نرجع إلى توثيقات وتضعيفات العلامة الحلي وابن داوود الحلي.

وفيه: لا يمكن الاعتماد عليهما من جهة كونهما من أهل الخبرة لأمرين:

الأول اتخذ أصحاب هذا القسم مباني غير مسلمة وطرق غير مقبولة، وسيأتي التعرض إلى بعضها، بل نسب السيد الخوئي رحمه الله إلى العلامة الحلي القول بأصالة العدالة، أي أن الأصل في كل إمامي لم يثبت قدحه أن يكون عدلاً.

وهذه النسبة ليست تامة وإن كانت تستفاد من بعض عبائر العلامة الحلي رحمه الله.

الأمر الثاني نحن نسلم أخبرية العلامة الحلي وابن داوود الحلي عن المتأخرين عنهم، بل عمن عاصرناهم نظراً لتوفر القرائن وطباعة المصادر وتوفر الإمكانات في زماننا واجتماع العقول، وهذا واضح لمن ألم بشيء من كتب المتأخرين في هذا العلم.

إذاً القسم الثاني من المتأخرين لا يمكن الاعتماد على توثيقاتهم وتضعيفاتهم.

القسم الثالث يتمثل بالعلامة المحقق الشيخ عبد الله التستري المعروف بالمولى التستري أستاذ أساتذة فن الرجال المتوفى سنة ألف وواحد وعشرين هجرية، فإنه وإن لم يلقى له كتاب في هذا الفن إلا أن بعض تلامذته قد نقلوا بعض إفاضاته.

فقد صرح تلميذه الوفي المحقق التفرشي في ترجمة أستاذه التستري بأن أكثر فوائد وتحقيقات كتاب التفرشي وهو نقد الرجال قد أخذها من أستاذه المولى عبد الله التستري، وقد تبعه من تلامذته، تلامذة التستري ثلاثة بارزين، وهم:

الأول المحقق التفرشي صاحب كتاب نقد الرجال وكان حياً إلى سنة ألف وأربعة هجرية ولم يعلم تاريخ وفاته.

الثاني المحقق القهبائي المتوفى سنة ألف وواحد وثلاثين هجرية وكتابه معروف وهو مجمع الرجال.

الثالث المجلسي الأب الشيخ محمد تقي المجلسي صاحب روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه المتوفى سنة ألف وسبعين هجرية.

وغيرهم هذا يجي لما نبحث رجال ابن الغضائر لأنه حصل على نسخة بالوجادة المحقق التستري، ونقل عنها مجمع الرجال القهبائي.

لو تأملنا في تاريخ وفاة هؤلاء سنجد أنه من الواضح أنه لو شككنا في حسيته توثيقاتهم فإنه لا تجري أصالة الحس العقلائية، بل إن كتبهم مبنية على ما في الأصول الرجالية المعتمدة رجال الشيخ الطوسي وفهرست الشيخ الطوسي واختيار معرفة الرجال للطوسي مما اختاره من كتاب الكشي ورجال النجاشي وقد يضاف إليها الخامس وهو كتاب الضعفاء لابن الغضائري والبعض قد يضيف السادس وهو المحاسن للبرقي، خمسة أو ستة كتب رجالية متقدمة.

فكتبهم مبنية على ما في هذه الأصول وما وصلوا إليه من قرائن واجتهادات، فبناءً على أن مدرك حجية قول الرجالي هو حجية خبر الواحد الثقة لا يمكن الاعتماد على توثيقات القسم الثالث برجالاته الثلاثة والأربعة، يعني المولى عبد الله التستري وتلامذته الثلاثة التفرشي والقهبائي والمجلسي، هذا بناءً على أن مدرك حجية قول الرجالي حجية خبر الواحد الثقة.

وأما بناء على أن مدرك حجية قول الرجالي هو حجية قول أهل الخبرة فيرجع إليهم من باب رجوع العالم إلى الجاهل فهذا أيضاً غير تام في حقهم لأن الأصول التي اعتمدوا عليها قد وصلت إلينا، وقد تجمعت الكثير من التحقيقات والقرائن فيمكن لنا أن نحصل ما حصلوه وزيادة، فلا معنى للاحتجاج بكلماتهم، وهناك الكثير من الكتب التي ألفت بعدهم.

مثلاً: منهج المقال للآستر آبادي، وكتب كثيرة اقتصر على بيان أربع موسوعات مهمة للمعاصرين:

المصدر الأول تنقيح المقال في علم الرجال، للمحقق الشيخ عبد الله المامقاني رحمه الله وهو صاحب أكبر موسوعة رجالية عند الشيعة وصاحب أكبر موسوعة دراية عند الشيعة في الدراية ألف مقباس الهداية في علم الدراية حقق في سبعة مجلدات.

وفي الرجال كتب تنقيح المقال في ثلاثة مجلدات حجرية حققها حفيده الشيخ محي الدين المامقاني وطبعتها مؤسسة آل البيت لإحياء التراث إلى الآن طبعوا قرابة أربعين مجلد، قد تصل إلى ستين أو ثمانين مجلة وهي أكبر موسوعة لأن السيد الخوئي رحمه الله في معجم الرجال أرخ لمعجم رجال الكتب الأربعة، يعني اقتصر على ترجمة خصوص الرجال الواردين في أسانيد الكتب الأربعة.

بينما المحقق المامقاني أعم مثلاً في ترجمة مكحول، مكحول هذا ورد في خصال الصدوق، ولم يرد في الكتب الأربعة ترجم له المامقاني لم يترجم له السيد الخوئي.

المصدر الثاني قاموس الرجال للمحقق المدقق الشيخ محمد تقي التستري اثنا عشر مجلد وهو عبارة عن حاشية على تنقيح المقال للمامقاني، وقد أبدع في التحقيق والتدقيق، وغلبت عليه الإشكالات فهو قوي في الهدم، ولكن البناء يحتاج إلى بانٍ متصلت.

الكتاب الثالث معجم رجال الحديث، وتفصيل طبقات الرواة، أربعة وعشرين مجلد، لسيدي أساتذتنا مرجع الطائفة السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله في الخلد مقامه.

المصدر الرابع مستدركات علم الرجال ثمانية مجلدات، للمحقق البحاثة الشيخ عبد النبي النمازي رحمه الله عنده مستدرك سفينة البحار ثمانية مجلدات، وعنده كتاب مستطرفات المعالي، ثم طلب منه فأخذ الفوائد الرجالية من مستدركات سفينة البحار ومستطرفات المعالي وألف مستدركات علم الرجال، فلا تتوهم أن هذا مستدركات معجم رجال الحديث للسيد الخوئي لا هذا مستدركات علم الرجال ثمانية أجزاء.

هذه مصادر أربعة مهمة للمعاصرين، وهناك كتب كثيرة مثلاً:

خذ المصدر الخامس تهذيب المقال للمرحوم السيد محمد علي الأبطحي الأصفهاني طبع منه في النجف قديماً قبل معجم الرجال أربعة إلى خمسة مجلدات، ولم يطبع الباقي عنده كامل هو، وعنده شرح الوسائل طبع كم مجلد، توفي رحمه الله.

السادس معجم رجال الوسائل أو الموسوعة الرجالية للمرجع الكبير الشيخ جعفر السبحاني، وهذا هو ماذا؟ السيد الخوئي معجم رجال حديث الكتب الأربعة، أضيف عليه معجم رجال الوسائل لأن الوسائل هو ماذا؟ وسائل الشيعة الحر العاملي، جمع الكتب الأربعة وأضاف عليها من حوالي سبعين مصدر، هذا السبعين مصدر أكثر الرواة وردوا في الكتب الأربعة: «الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي» أضعف العناوين.

على كل حال هو كتاب مختصر مجلدين، وكتب كثيرة، هذه الكتب مليئة بالقرائن.

ولا بأس أن أشير في الخاتمة إلى كتاب مهم لجبل عامل، وهو كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، للمحقق المدقق السيد محمد العاملي سبط الشهيد الثاني صاحب كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام.

فالكثير من التحقيقات الدقيقة والعميقة موجودة في هذا الكتاب، ولكنه كان مخطوطاً طبع قبل عدة سنوات بتحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

هذا تمام الكلام في التوثيقات، واتضح أن توثيقات المتقدمين وخاتمتهم الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة أربعمائة وستين هجرية حجة، ولو لا أقل من الشك فتجري توثيقاتهم أصالة الحس العقلائي، والقدر المتيقن منها أربعة كتب: «رجال الكشي ورجال الشيخ الطوسي وفهرست الشيخ الطوسي وفهرست النجاشي»، وأما رجال البرقي فهو كتاب طبقات ولم يوثق إلا ثلاثة اشخاص، وأما كتاب الضعفاء لابن الغضائر فلم يصل إلينا بطريق صحيح، فالعمدة على الأصول الرجالية الأربعة، ثلاثة منهها للشيخ الطوسي وواحد للنجاشي.

وأما توثيقات المتأخرين فلا جدوى من القسم الأول منها ولا حجية للقسم الثاني والثالث منها، فتكون النتيجة عدم قبول توثيقات المتأخرين وعدم الاعتماد عليها.

يبقى الكلام في بحث أصالة العدالة الذي نسب إلى العلامة الحلي وبعض العلماء أنه يعمل به، تحقيقه والتدقيق فيه يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  كتاب الرجال، الحسن بن علي بن داوود الحلي، ص 25.

00:00

12

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 20 الجلسة

12

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
20 الجلسة