التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

22 - تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة الحمد

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

13

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة الحمد

 

تفسير قوله تعالى: «اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين».

[القراءة القرآنية]

المعروف بين القراء هو قراءة «غيرِ» بالجر، ونقل الزمخشري في تفسيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وعمر قرآ بالنصب «غيرَ المغضوب عليهم»، والصحيح هو الأول أي بالكسر «غيرِ المغضوب عليهم» فإن قراءة النصب عن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تثبت، وكذلك لم تثبت عن عمر بن الخطاب، ولو ثبتت عن عمر بن الخطاب فهي ليست بحجة، فقراءة غير المعصوم لا يعبأ بها، إذا كانت من القراءات غير المشهورة، متى يعبأ بها قراءة غير المعصوم؟ إذا كانت من القراءات المشهورة استناداً لقول الصادق عليه السلام : «اقرأ كما يقرأ الناس»، وأما إذا كانت هذه القراءة شاذة وغير مشهورة ولم يقرأ بها المعصوم فهي لا تجزئ ولا يتحقق بها الامتثال.

والمعروف أيضاً قراءة «الذينَ أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضآلين»، ونسب إلى علي عليه السلام وإلى عمر قراءة «من أنعمت عليهم غير الضآلين»، أما قراءة الإمام علي عليه السلام بهذا النحو فلم تثبت بل الثابت عدمها وهو ما هو موجود في القرآن المتداول «الذين أنعمت عليهم» فلو كانت قراءته «من أنعمت عليهم وغير الضآلين» لشاعة خبر هذه القراءة بين شيعته ولأقرها الأئمة من بعده مع أنها لم تنقل حتى بخبر رجل واحد يعتمد عليه.

ومثل هذا يقال في نسبة قراءة «غيرَ» بالنصب إلى الرسول صلى الله عليه وآله فلم تثبت، وأما قراءة عمر على ما نسب إليه فليست بحجة لأنها قراءة غير معصوم أولاً وشاذة وغير مشهورة ثانياً.

[بيان المفردات في اللغة العربية]

«الهداية» هي الإرشاد والدلالة، والهدى ضد الضلال.

«الصراط» هو الطريق وهو ما يتوصل بالسير فيه إلى المقصود، والصراط على نحوين:

الأول حسي.

والثاني معنوي.

لذلك تقول: الاحتياط طريق النجاة، والاحتياط طريق معنوي وليس طريقا حسياً، وهكذا تقول: «طاعة الله طريق الجنة» فليس المراد الطريق المادي المعبد، بل المراد السبيل المعنوي، فإطلاق الصراط على الطريق المعنوي وغير الحسي يكون بأحد نحوين ووجهين:

الوجه الأول عموم المعنى اللغوي، فنقول: «الصراط» يدل في اللغة على مطلق الطريق الأعم من الطريق الحسي أو الطريق المعنوي.

الوجه الثاني من باب التشبيه والاستعارة، فنقول: الطريق في الأصل يطلق على الطريق الحسي ثم عدي إلى الطريق المعنوي من باب التشبيه والاستعارة.

«الاستقامة» هي الاعتدال وهي ضد الانحراف إلى اليمين، والصراط المستقيم هو الصراط الذي يصل بسالكه إلى النعيم الأبدي وإلى رضوان الله وهو أن يطيع المخلوق ولا يعصيه في شيء وأن يعبده ولا يعبد غيره.

وهنا نكتة لابد من الإشارة إليها، وهي: إن لفظ الصراط قد جاء في القرآن الكريم مفرداً، ولم يأت جمعاً، فلم يأت بمعنى طرق، بل صراط واحد فقط، بخلاف مفردة السبيل، فقد جاءت مجموعة سبل.

إذاً بالنسبة صراط الله قد جاء بالمفرد فقط بخلاف طرق الشيطان فقد جاءت بنحو الجمع وليست بنحو المفرد.

وهذه نكات والتفاتات قرآنية من قبيل «إن الدين عند الله الإسلام» فالدين واحد وليس متعدداً لكن الشرائع السماوية متعددة ومختلفة، فلا تعبر ولا تقل الأديان السماوية، فالدين واحد إن الدين عند الله الإسلام، يقول يوسف: «توفني مسلماً وألحقني بالصالحين» «ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» إذاً جميع الأنبياء كانوا مسلمين، الدين واحد من الإسلام أي التسليم لله وتعالى.

ولكن الشرائع مختلفة، فشريعة موسى وكتابه التوراة، وشريعة عيسى وكتابه الإنجيل، وشريعة وكتابه القرآن الكريم، فالقرآن عبر عن الشرائع على شريعة، ولكن بالنسبة إلى الدين ذكر دين واحد ولم يذكر أديان.

وهكذا بالنسبة إلى طريق الله وجنود الرحمن، وإلى طريق الشيطان، فقد عبر عن طريق الله بأنه صراط واحد ولم يعبر عن شروط بخلاف طريق الشيطان «اتبعوا الشهوات» هناك عدة طرق إلى الشيطان وإبليس.

والسر في ذكر الصراط بلفظ المفرد: هو أن أفعال الإنسان كثيرة، منها جوارح ومنها جوانح، والمراد بالجوارح الأعضاء الظاهرية الحسية الخارجية كالرؤية بالعين والتلفظ باللسان وتحريك اليد، قال أمير المؤمنين في دعاء كميل: «قو على خدمتك جوارحي واشدد على العزيمة جوانحي».

والمراد بالجوانح الأعضاء الداخلية كالقلب وغير ذلك، فعبادة الله تبارك وتعالى كما تشمل الجوارح الخارجية تشمل أيضاً الجوانح الداخلية، لكن على كثرتها يلحظ فيها معنى عام شامل يشملها كلها، هذا المعنى العام الشامل الكامل هو الطريق الواحد المعبر عنه بالصراط المستقيم.

لكن إذا لوحظ كل نوعٍ بمفرده، فما يوجب النجاة، الإيمان بالله يوجب النجاة، الإيمان بالرسول يوجب النجاة، الإيمان بالمعاد يوجب النجاة، الصلاة توجب النجاة، وكذلك الصوم والحج وغير ذلك فإذا لوحظت الأنواع على كثرتها عبر عنها بالسبل، فيقال: الجهاد سبيل إلى الله والصلاة سبيل إلى الله والإيمان بالمعاد سبيل إلى الله.

إذا إذا لوحظ المعنى الواحد عبر بالصراط، وإذا لوحظت الأنواع الكثير المتكثرة التي تقود إلى الله تبارك وتعالى عبر بالسبل.

إذا في التعبير بالصراط المستقيم إشارة إلى نكتة معنوية وهي أن الله واحد وله طريق واحد، وهذا الطريق الواحد أمر معنوي كلي وعام يشمل جميع الأنواع والأشياء التي تقود إلى الله تبارك وتعالى.

ولنقرأ الآيات التي عبرت بالمفرد، قال تعالى: «وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم» يعني طريق واحد مستقيم يؤدي إلى الله، قال تعالى: «صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض»، وقال تعالى: «وهذا صراط ربك مستقيما» «إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم» «وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم» «وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون» عهد الله لم يقل عهود، عهد واحد.

«وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» إذا ذكر الصراط واحد في مقابل السبل.

السبل التي لا تقود إلى الله، هناك صراط واحد يقود إلى الله، وهناك سبل وطرق لا تقود إلى الله تقود إلى الشيطان، فإذا اتبعتم السبل فإنها ستفرق بكم عن سبيله، يعني عندنا سبيل الله، عندنا طريق الله، صراط الله، سبيل الله، في مقابله السبل.

إذاً هذه الآيات التي نصت على الصراط الواحد، وعلى السبيل الواحد لاحظ الآية «ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» عن سبيل الله واحد وليس متعدداً، دائماً نحن نقول: الجهاد في سبيل الله، ولا نقول: الجهاد في سبل الله، تقول: فلان مجاهد في سبيل الله، ففي الغالب يطلق بلحاظ الأمر الواحد المعنوي، ومفردة الصراط جاءت مفردة فقط، ولم تأتي متعددة، لكن مفردة السبيل جاءت مفردة عن سبيله، وجاءت متعددة بلحاظ اختلاف الأسباب والأنواع التي تقود إلى الله عزّ وجل.

قال تعالى: «قد جاءكم الله نور وكتاب مبين» نور واحد لم يقل أنوار نور واحد «يهدي به الله من إتبع رضوانه سبل» فسبل السلام متفرعة على النور الواحد أي النور الواحد الذي هو الصراط المستقيم له سبل يعني له أنواع تؤدي إليه.

قال تعالى: «وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا».

قال تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» يعني هناك طرق للوصول إلى الله عزّ وجل وأنواع متعددة، لكن كل هذه السبل لها طريق واحد معنوي وهو الصراط المستقيم.

مفردة الإنعام المراد بالإنعام الإفضال بالنعمة وزيادتها، ومن أنعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم ولم يمل بهم الهوى إلى طاعة الشيطان.

قال تعالى: «وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم».

«الغضب» هو السخط وتقابله الرحمة، «والمغضوب عليهم» هم الذين توغلوا في الكفر وعاندوا الحق ونبذوا آيات الله وراء ظهورهم، ولا يراد بالمغضوب عليهم مطلق الكافرين بل خصوص قسم خاص من الكفار الذين استحقوا غضب الله.

قال تعالى: «ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذاب عظيم».

«الضلال» التيه ويقابله الهدى، «والضالون» هم الذين سلكوا غير طريق الهدى فأفضى بهم إلى الهلاك الأبدي والعذاب الدائم ولكنهم دون المغضوب عليهم في شدة الكفر.

الآية الكريمة قسمت الناس إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول الذين أنعم الله عليهم، وهم المسلمون الذين عقيدتهم صحيحة وأعمالهم تامة أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فتوفر فيهم الركنان: الأول العقيدة الصحيحة وهي الإيمان بالله وكتبه ورسله، وثانياً العمل الصالح.

القسم الثاني المغضوب عليهم، وهم الذين استحقوا غضب الله كمن علم بآيات الله وجحد بها.

قال تعالى: «وجحدوا بها واستقنتها أنفسهم» فهؤلاء لعلوهم استحقوا غضب الله كاليهود.

القسم الثالث الضالون، وهم الذين ضلوا الطريق وانحرفوا عن الصراط المستقيم، ولو رجعنا إلى الروايات الشريفة لوجدنا أنها تنص على أن المراد بالمغضوب عليهم هم اليهود، وأن المراد بالضآلين هم النصارى، فيكون المراد بالقسم الأول وهم الذين أنعم الله عليهم هم المسلمون.

وهذا من باب الجري والتطبيق أي أن الآية الكريمة تذكر مفهوماً فيأتي المعصوم عليه السلام ويطبقه على مصاديق متعددة ومختلفة، كقوله تعالى: «إنا أعطيناك الكوثر»، فتقول الرواية الأولى «الكوثر» هو الخير الكثير، وهذا هو المعنى اللغوي للكوثر، فمفهوم الكوثر لغتةً هو الخير الكثير، وتأتي الرواية الثانية وتقول: «الكوثر نهرٌ في الجنة» وهذا مصداق من مصاديق الكوثر أي الخير الكثير، وتأتي الرواية الثالثة وتقول الكوثر هي فاطمة أن الله عزّ وجل كثر نسل النبي محمد صلى الله عليه وآله من ابنته فاطمة، فتكون فاطمة مصداق للخير الكثير.

فهنا نهر في الجنة أو فاطمة هذا تفسير من باب الجري والتطبيق أي جرى على المعنى اللغوي وهو الخير الكثير وطبقه النهر في الجنة وعلى فاطمة.

وهكذا في موطن بحثنا المراد بالضال من ضيع الطريق لكن لا عن جحود لكنه ضل الطريق، ومن مصاديق من ضل الطريق النصارى والمسيحيين فهم لم يتعمدوا ولكن عقيدتهم منحرفة وضلوا الطريق لا عن جحود وإنكار، بخلاف المغضوب عليهم فهم لم يضلوا الطريق فقط بل عرفوا الحق وجحدوه، وعرفوا النبي محمد صلى الله عليه وآله، وأنكروه وعرفوا المبادئ الحقة وأنكروها بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا، فيكون مصداق الضآلين هم اليهود، فهذا من باب الجري والتطبيق.

تتمة الحديث تأتي، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

13

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 26 الجلسة

13

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
26 الجلسة