بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحأفضا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومنتهى الحلم وأصول الكرم
شرح قول الإمام الهادي عليه السلام في الصحيفة في الزيارة الجامعة الكبيرة: «ومنتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم».
قوله عليه السلام: «ومنتهى الحلم».
«المنتهى» على وزن منتدى اسم مكان بمعنى محل الشيء، والمراد هنا محل نهاية الحلم ومنتهى درجته.
«والحلم» بكسر الحاء وسكون اللام، هي الصفة النفسانية الكريمة التي حقيقتها ضبط النفس عند هيجان الغضب، وهو يلازم الصبر، ويكون بمعنى الآناة وكظم الغيظ، والحليم هو الذي لا يستنفره الغضب، والحلم عن الشيء يكون فيما إذا صفح عنه وستر عليه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ليس الشديد الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب»، ويقال في علم النفس والسلوك: إذ أردت أن تعرف شخصية شخص فانظر إلى عينيه عند غضبه، وحقيقة المرء تعرف عند الغضب، وأهل البيت عليهم السلام قد بلغوا الغاية والنهاية في صفة الحلم.
قال الشاعر:
يخاطبني بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهتا فيزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيبا
مرة الإمام السجاد عليه السلام ومشى في طريقه فسبه أحدهم فمشى، ثم سبه فمشى، ثم سبه فمشى، فأوقفه وقال: إياك أعني، فقال الإمام السجاد: «وعنك أعرض».
وفي يوم من الأيام رأى أحدهم الإمام الباقر عليه السلام فقال له كلاماً يستثقل الإنسان عن أن يتفوه به، قال له: يا ابن الطباخة، قال: تلكه حرفتها، ثم جاء بكلمات أوجل نفسي أن اذكرها ويراجع التاريخ فيها.
ويحدثنا التاريخ أن الإمام علي بن الحس زين العابدين حلم عن جاريته التي جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشج رأسه فرفع عليه السلام رأسه إليها، فقالت له الجارية: إن الله يقول: (والكاظمين الغيظ)، فقال لها: «كظمت غيظي»، قالت: (والعافين عن الناس)، قال: «عفا الله عنك»، قالت: (والله يحب المحسنين)، قال: «اذهبي فأنت حرة لوجه الله».
ومن الروائع ما ذكر في حق الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليه ويضرب به المثل في الحلم والكرم حتى لقب بكريم أهل البيت، ففي حديث المبرد وابن عائشة: «إن شامياً رأى الإمام الحسن عليه السلام راكباً فجعل يلعنه، والحسن عليه السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ! أظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا اعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريقاً ومالاً كثيراً.
فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي وحول رحله إليه»[1].
قال تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
إذا الحلم يحتاج إلى صابر، يحتاج إلى ممارسة يحتاج إلى تأني وتريث.
في نسخة البلد الأمين للكفعمي يوجد بعد قوله عليه السلام: «ومنتهى الحلم»، قوله: «ومأوى السكينة» أي أنهم عليهم السلام تأوي السكينة إليهم وتنزل عليهم وهي الطمأنينة والوقار والأمانات، تقول في زيارة أمير المؤمنين الطويلة والتي في البداية تسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فتقول مسلماً: «السلام على صاحب السكينة السلام على المدفون بالمدينة».
قال عليه السلام: «وأصول الكرم» الأصول جمع الأصل وهو أساس الشيء وما يكون منه الشيء، فأصل الشيء أساسه، والكرم ضد اللؤم وهو في اللغة صفة لكل ما يرذى ويحمد ويحسن، ولذلك يعبر عن الصفات الحسنة جميعها بمكارم الأخلاق.
قال المتنبي: «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا» فجاء بمقابلة بين الكريم وبين اللئيم، وبين تملكه وبين تمرده.
أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم هم الأصل والأساس لسجية الكرم، وصفة الكرم موجودة عند جميع أنبياء الله والمرسلين والأئمة الطاهرين، ومن أبرز صفات المؤمن الكرم لا البخل، بل من صفات الدولة «اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة» يعيش فيها الإنسان بكرامته، فما هو المقصود بالكرام في قوله: «أصول الكرام»؟ ونحن نذكر المعاني وفقاً للروايات الشريفة، وقد فسر كرم أهل البيت الأصيل بثلاثة تفاسير، وكلها مجتمعة فيهم وكاملة لديهم، وهي:
الأول الجود في العطاء وعدم البخل، فيكون الكريم بمعنى الجواد المعطي، والمراد بأصالة كرمهم أنهم هم الأساس في الجود والعطاء، فعندهم تفوق في هذا الجود.
وكل واحد من أهل البيت آية في الكرم، وثلاثة يضرب بهم المثل في الكرام، وهم متعاصرون: الأول الحسن بن علي والثاني الحسين بن علي والثالث عبد الله بن جعفر زوج زينب سلام الله عليها، يعني لاحظ ذرية أمير المؤمنين كرماء عظماء.
في حديث المناقب أنه وفد أعرابي إلى المدينة المنورة فسأل عن أكرم الناس بها، فدل على الحسين بن علي عليه السلام دخل المسجد فوجده مصلياً فوقف بإزائه وأنشأ:
لم يخب الآن من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة
أنت جواد وأنت معتمد أبوك قد كان قاتلا الفسقة
لولا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة
فسلم الحسين عليه السلام أي أكمل صلاته وأنهاها بالتسليم، وقال: يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟
قال: نعم أربعة آلاف دينار، فقال: هاتها قد جاء من هو أحق بها منا، ثم نزع برديه ولف الدنانير فيها وأخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي وأنشأ:
خذها فإني إليك معتذرٌ واعلم بأني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سماعنا عليك مندفقة
لكن ريب الزمان ذو غير والكف مني قليلة النفقة
قال فأخذها الأعرابي وبكى، فقال له الحسين عليه السلام: لعلك استقللت ما أعطيناك.
قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك.
وهذا أيضاً مروي عن الحسن بن علي عليه السلام غاية الجود والكرم.
والحسين عليه السلام معروفٌ بكثرة السجود وطول العبادة، يقول ابنه الإمام السجاد عليه السلام: «أتعجب كيف أنجبنا لكثرة اشتغاله في الليالي بالعبادة والتهجد والدعاء».
هكذا كان الحسين عليه السلام رزقنا الله في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته، ووفقنا للاهتداء بهديه والسير بسنته.
إذاً تفسير الأول للكرم هو الجود في العطاء وعدم البخل.
المؤمن كريم وليس بخيلاً، يا إخوة يا أحبة الله يبلغنا تصيرون علماء كبار وكلاء قادة كونوا كرماء، القيادة لا تصلح أن تكون بخيلة، المرجعية كريمة، القيادة كريمة ترعى خلق الله تبارك وتعالى.
المعنى الثاني المراد بالكرام جميع أنواع الخير والشرف والفضائل الحسنة، فيكون معنى الكريم هو الشريف ذو الخير والفضيلة، وهذا معنى متداول حتى في القبائل، يقال: فلان كريم أي شريف أو فلان شريف لا يأتيه أحد ويرده.
ويدل عليه حديث عبد العزيز بن مسلم في صفة الإمام عليه السلام قال: «مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب»[2].
المعنى الثالث ما احتمله العلامة المجلسي[3]، ووالده الشيخ محمد تقي المجلسي في كتابه[4] من أن المراد كونهم أسباب ووسائل كرم الله تعالى في الدنيا والآخرة، أي أن الله أكرمنا بهم فهم أصول الكرم يعني أساس الكرم أساس وأصل إكرامنا هو وجود الأئمة عليهم السلام «فبيمنيهم رزق الورى وببركتهم تكون الدرجات العلى».
ويتمسك بهذا المعنى الثالث بحديث الإمام العسكري عليه السلام قال: «فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وطعان العداء» إلى أن يقول: «ومفاتيح الكرم» فالمفتاح هو المبدأ والأساس.
إذا هذه معاني ثلاثة لقوله عليه السلام: «أصول الكرم»، وهذه المعاني الثلاثة عليها شواهد من الروايات وتنطبق على أهل البيت.
المعنى الأول بمعنى الجود في العطاء وعدم البخل.
المعنى الثاني بمعنى الشريف.
المعنى الثالث بمعنى أنه سبب كرام الله لنا في الدنيا والآخرة.
هذا تمام الكلام في قوله في شرح قوله عليه السلام: «وأصول الكرم».
قال عليه السلام: «وقادة الأمم».
«القادة» جمع قائد وهو الأمير والرئيس ومن يقود، يقال: قواد أهل الجنة أي الذين يسبقونهم ويجرونهم إلى الجنة، والناقة لها قائد وسائق وراكب، فالراكب من يركب على ظهرها، والسائق من يكون خلفها يضربها بالعصا ويدفعها، والقائد من يكون أمامها ويمسك بزمامها، فالقائد هو الرئيس والأمير الذي يكون في المقدمة.
«والأمم» جمع الأمة بمعنى الخلق، وأمة كل نبي أتباعه، ويطلق لفظ الأمة على الجماعة، بل قد يطلق لفظ الأمة على الشخص الواحد الجامع للخير الذي يقتدي به الناس، ومنه قوله تعالى: «إن ابراهيم كان أمة قانتاً لله»[5]، وأهل البيت عليهم السلام قادة الأمم بكل معنى الكلمة، وقد فسر بتفسيرين:
التفسير الأول أنهم الرؤساء الحقيقيون المحقون في العالم لجميع الأنام أي أن الرئاسة حقيقية والقيادة الحقيقية تكون للأئمة، لذلك تعرف الإمامة في علم الكلام بأنها رئاسة في الدين والدنيا، فالرئاسة الدنيوية والدينية والأخروية هي للأئمة عليهم السلام، لذلك جاء في دعاء الاستئذان قوله: «الذين اصطفيتهم ملوكاً لحفظ النظام واخترتهم رؤساء لجميع الأنام وبعثتهم لقيام القسط في ابتداء الوجود إلى يوم القيامة»[6].
التفسير الثاني أن الأئمة عليهم السلام يقودون في الآخر جميع الأمم حتى الأمم السابقة، وذلك بشفاعتهم الكبرى والقيادة إلى الجنان العليا، وهذا يستفاد من حديث المفضل الجعفي حيث جاء فيه قال أبو عبد الله عليه السلام: «ما من نبي من ولد آدم إلى محمد صلوات الله عليهك إلا وهم تحت لواء محمد صلى الله عليه وآله»[7].
إذا كلا التفسيرين أيضاً ينطبق على الأئمة: التفسير الأول أنهم هم القادة الحقيقيون لجميع الأمم، والتفسير الثاني أنهم جميع الأمم في عالم الآخرة ويقودونهم إلى الجنة، فكلا التفسيرين ينطبق على الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ثم قال الإمام الهادي عليه السلام: «وأولياء النعم»، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الجلسة
05
|
05 - شرح ومنتهى الحلم وأصول الكرمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:28:11 دقيقه
|
16 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
04
|
04 - ومعدن الرحمة وخزان العلمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:06 دقيقه
|
09 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
03
|
03 - معنى السلام والمراد منهشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:29:35 دقيقه
|
02 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
02
|
02 - فضل الزيارة وآدابهاشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:55 دقيقه
|
26 2024 | أكتوبر |
|
الجلسة
01
|
01 - مقدمة تمهيدية سند ومتن الزيارةشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:31:20 دقيقه
|
12 2024 | أكتوبر |
الجلسة
05
|
05 - شرح ومنتهى الحلم وأصول الكرمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:28:11 دقيقه
|
16 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
04
|
04 - ومعدن الرحمة وخزان العلمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:06 دقيقه
|
09 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
03
|
03 - معنى السلام والمراد منهشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:29:35 دقيقه
|
02 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
02
|
02 - فضل الزيارة وآدابهاشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:55 دقيقه
|
26 2024 | أكتوبر |
|
الجلسة
01
|
01 - مقدمة تمهيدية سند ومتن الزيارةشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:31:20 دقيقه
|
12 2024 | أكتوبر |
16
الجلسة
05
|
05 - شرح ومنتهى الحلم وأصول الكرمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة
|
الجلسة
05
|
05 - شرح ومنتهى الحلم وأصول الكرمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:28:11 دقيقه
|
16 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
04
|
04 - ومعدن الرحمة وخزان العلمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:06 دقيقه
|
09 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
03
|
03 - معنى السلام والمراد منهشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:29:35 دقيقه
|
02 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
02
|
02 - فضل الزيارة وآدابهاشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:55 دقيقه
|
26 2024 | أكتوبر |
|
الجلسة
01
|
01 - مقدمة تمهيدية سند ومتن الزيارةشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:31:20 دقيقه
|
12 2024 | أكتوبر |
16
نوفمبر | 2024- الكتاب: شرح الزيارة الجامعة الكبيرة
- الجزء
01
-
-
الصفحة
الجلسة
05
|
05 - شرح ومنتهى الحلم وأصول الكرمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:28:11 دقيقه
|
16 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
04
|
04 - ومعدن الرحمة وخزان العلمشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:06 دقيقه
|
09 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
03
|
03 - معنى السلام والمراد منهشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:29:35 دقيقه
|
02 2024 | نوفمبر |
|
الجلسة
02
|
02 - فضل الزيارة وآدابهاشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:30:55 دقيقه
|
26 2024 | أكتوبر |
|
الجلسة
01
|
01 - مقدمة تمهيدية سند ومتن الزيارةشرح الزيارة الجامعة الكبيرة |
الجزء 01
|
الصفحة - |
00:31:20 دقيقه
|
12 2024 | أكتوبر |
تعليق