خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

28 - الحديث التاسع والعشرون من الأدلة الروائية

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

17

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحديث التاسع والعشرون من الأدلة الروائية

 

الحديث التاسع والعشرون من الأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه قال: قال علي عليه السلام : «القتال قتالان: قتال أهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤتوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وقتالٌ لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله أو يقتلوا»[1].

[الإسناد]

روى هذا الحديث الشيخ محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله بإسناده عن الصفار، عن السندي بن الربيع، عن أبي عبد الله محمد بن خالد عن أبي البختري.

وهذا السند ضعيف بثلاثة: الأول السندي بن الربيع وهو مجهول، الثاني أبو البختري وهو وهب بن وهب وقد تقدم ضعف، الثالث أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي وفيه خلاف وهناك من يضعفه وهناك من يوثقه، فهذا السند ضعيف بواسطتين على الأقل، وهما: السندي بن الربيع وأبو البختري وهب بن وهب.

[الدلالة]

ناقش المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في دلالة الحديث بمناقشتين:

المناقشة الأولى قال: ليس الحديث في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد، وإنما الكلام فيه مسوق لبيان أصل التشريع، فلا إطلاق له ليتمسك به على وجوب الجهاد الابتدائي.

أقول: نحن لا نتمسك بإطلاق الحديث لإثبات الجهاد الابتدائي، بل نستظهر أنه في مقام بيان الجهاد الابتدائي، فهو ظاهرٌ في الجهاد الابتدائي، إذ أن الرواية ذكرت موردين للقتال، فهي في مقام بيان موارد القتال، فقال عليه السلام: «القتال قتالان» فبين عليه السلام قتالين: القتال الأول هو قتال أهل الشرك، والقتال الثاني هو قتال أهل الزيغ، وبين الضابطة في قتال أهل الشرك وهو أنه لا ينفر عنهم ولا يتركوا حتى يسلموا أو يؤتوا الجزية، فالحديث تام بالنسبة إلى الجهاد الابتدائي أنه يقاتل أهل الشرك إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية.

المناقشة الثانية قال المرحوم شمس الدين رحمه الله: أضف إلى ذلك أن الحديث منافٍ لما أجمع عليه القائلون بالجهاد الابتدائي وهو عدم أخذ الجزية من أهل الشرك والحديث نصّ في ذلك.

أقول: المشركون إما أهل كتاب أو لا؟ فاليهود والنصارى أشركوا بالله أيضاً، فالنصارى قالوا: بالثالوث الرب والابن والروح القدس فهم أشركوا وإن كانوا أهل الكتاب، والقسم الثاني المشركون ممن ليس لديهم كتاب سماوي، وهذه الرواية ظاهرة في المشركين الذين هم من أهل الكتاب، ومن الواضح أن المشركين الذين هم من أهل الكتاب إما أن يقتلوا وإما أن يسلموا وإما أن يعاهدوا فيدفعوا الجزية بخلاف المشركين الذين ليسوا من أهل الكتاب فإما أن يقتلوا أو يسلموا ولا تؤخذ منهم الجزية.

فهذا الحديث تام الدلالة على قتال المشركين من أهل الكتاب ويمكن أن يستظهر منه مشروعية الجهاد الابتدائي، إلا أنه ضعيف السند.

الحديث الثلاثون ما رواه عمران بن عبد الله عن جعفر بن محمد عليهما السلام في قول الله عزّ وجل: «قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، قال: الديلم»[2].

[الإسناد]

رواه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه عن محمد بن حميد عن يعقوب القمي عن أخيه عمران بن عبد الله؟

الحديث ضعيف بالإرسال في قوله عن بعض أصحابه، وبثلاثة رواة ضعاف، وهم: محمد بن حميد مجهول، يعقوب القمي مجهول، عمران بن عبد الله وهو القمي، قال النجاشي: «فاسد المذهب والرواية» فهذه الرواية ضعيفة السند.

[الدلالة]

ناقش المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس في دلالة الرواية، قائلاً: ليس الحديث في مقام البيان من حيث سنخ الجهاد فلا إطلاق فيه، وتفسير الآية بخصوص الديلم مخالف لما عليه القائلون بوجوب الجهاد الابتدائي، فإنهم كما تقدم يجعلون الكفر بما هو المبرر الوحيد للقتال، فلا فرق بين كافر وكافر، والظاهر أن المراد من كون الديلم في حالة الاعتداء على المسلمين، فيجب قتالهم دفعاً لعدوانهم وكذلك غيرهم إذا اعتدى.

أقول: ليس في الرواية ما يفهم منه أن الديلم كانوا في حالة اعتداء على المسلمين فما استظهره رحمه الله لم نعرف وجهه، ومن الواضح أن رواية في مقام الجري والتطبيق، وهذا كثير في الروايات المفسرة للآيات الكريمة.

فمثلاً: قال تعالى: «إنا أعطيناك الكوثر» فتأتي رواية وتقول: «الكوثر هو الخير الكثير» فهذه الرواية تفسر الكوثر بالمعنى اللغوي، وتأتي رواية وتقول: «الكوثر هو نهر في الجنة» أي أن مصداق وتطبيق لمفهوم الكوثر هو هذا المثال وهو النهر الذي في الجنة، وتأتي رواية ثالثة وتقول: «الكوثر هو فاطمة» لأن ذرية النبي صلى الله عليه وآله من نسل فاطمة، فهذا جري وتطبيق يعني جري على المفهوم وهو مفهوم الكوثر الخير الكثير وإعطاء تطبيق ومصداق له وهو فاطمة أو النهر في الجنة.

وهذه الرواية بنحو الجري والتطبيق قاتلوا الذين يلونكم من الكفار يعني قاتل الكفار الذين يلونكم وبالقرب منكم سئل عليه السلام من هم الذين يلوننا من الكفار؟ قال: الديلم، يعني الديلم مصداق من مصاديق الكفار الذين يلون المسلمين، فالرواية ظاهرة في وجوب الجهاد إذ أن الآية جاء فيها فعل الأمر قاتلوا في الرواية والآية تدل على وجوب قتال الكفار القريبين، ومن مصاديق الكفار القريبين الديلم، وليس في الآية أو الرواية ما يدل على حالة الاعتداء، فالأمر بها مطلق يجب قتال الكفار القريبين مطلقاً سواء كان هناك اعتداء أو لم يكن هناك اعتداء.

فيمكن التمسك بإطلاق الآية والرواية لإثبات مشروعية الجهاد في الابتدائي، فالإمام كان في مقام بيان مصداق من مصاديق الكفار الذين يلون المسلمين، فيمكن استظهار مشروعية الجهاد الابتدائي من هذه الرواية، لكن السند ضعيف، فلا يمكن الاستدلال بها.

الحديث الحادي والثلاثون ما رواه وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: «القتل قتلان: قتل كفارة وقتل درجة، والقتال قتالان: قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا وقتال الفئة الباغية حتى يفيئوا»[3]

[الإسناد]

محمد بن علي بن الحسين الصدوق في كتابه الخصال عن أبيه عن السعد عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن وهب بن وهب، الحديث ضعيف بوهب بن وهب، وأيضاً ورد فيه محمد بن خالد البرقي، وفيه خلاف فالرواية ضعيفة السند.

[الدلالة]

ناقش في الدلالة المرحوم شمس الدين قائلاً: ليس الحديث في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد وإنما هو في مقام أصل التشريع.

أقول: من الواضح أن الحديث في مقام بيان سنخين للقتال: السنخ الأول قتال الفئة الكافرة، السنخ الثاني قتال الفئة الباغية، وبين الملاك والغاية في كلا السنخين، فقتال الفئة الكافرة يستمر حتى يسلموا، وقتال الفئة الباغية يستمر حتى يفيئوا يعني حتى يرجعوا عن بغيهم، فيمكن أن نتمسك بقوله عليه السلام: «قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا» ونستظهر منه قتال الكفار المغير بدخولهم في الإسلام، وهذا هو جهاد الدعوة والجهاد الابتدائي، فتدل الرواية على مشروعيات الجهاد الابتدائي، لكنها ضعيفة السند.

وبهذا اتضح أن ثلاث أو أربع روايات متأخرة تامة الدلالة على مشروعيات الجهاد الابتدائي لكنها ضعيفة السند، هذه روايات الخاصة.

ولنذكر رواية من روايات العامة تدل على ذلك الحديث الثاني والثلاثون ما رواه البخاري ومسلم وصححاه فقد رويا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله».

رواه هذا حديث البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجة وسنن الترمذي فجميع الصحاح الستة روت هذا الحديث عن أبي هريرة والحديث بتمامه هكذا «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، قال السيوطي: حديث متواتر، وقال الألباني: صحيح.

يمكن مراجعة الحديث رقم ألف وثلاث مائة وسبعين في صحيح الجامع بتحقيق الألباني، وروى هذا الحديث أيضاً البخاري ومسلم عن ابن عمر، والنسائي عن أبي بكرة، وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة بزيادة ويؤتوا الزكاة بعد الشهادة.

يراجع صحيح الجامع صفحة مائة، رقم الحديث ألف  وثلاثمائة وسبعين.

ورواه مسلم تارة أخرى عن أبي هريرة بتعبير «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به»، ورواه بصورة ثالثة عن أبي هريرة بتعبير «حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه».

يراجع صحيح الجامع الحديث ألف وثلاثمائة وسبعين، والحديث ألف وثلاثمائة واثنين وسبعين، والحديث ألف وثلاثمائة وثلاثة وسبعين.

[الإسناد]

هذا الحديث تام السند على مبنى العامة وأهل والسنة، فقد روى هذا الحديث جميع الصحاح الستة البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجة والترمذي، لكن ذهب بعض من علماء العامة إلى ضعف هذا الحديث، وقال بعضهم إن الدعوة إلى الإسلام يمكن أن تكون بالحرب وبالإكراه وأن الكفر بنفسه سبب كافٍ لقتل الكافر إذا لم يسلم، وأن الجهاد لا ينحصر في الدفاع فقط بل يوجد الجهاد الأصلي الذي هو جهاد الدعوة.

إذاً هذا السند تامٌ على مبنى العامة.

[الدلالة]

استدل بهذا الحديث على ثبوت جهاد الدعوة في أصل الشرع، وأن الكفر وحده سبب تام لقتال الكفار إذا لم يسلموا، لكن المرحوم شمس الدين رحمه الله ناقش في دلالة هذا الحديث، فقال ما نصّه: نلاحظ أن صيغة «اقاتل» التي وردت في الحديث هي من صيغ المفاعلة، وهي لا تكون إلا بوجود طرفين، فمفاد الحديث والله تعالى اعلم هو أني سأدعو الناس هذا الإسلام، فإذا تركوني وشأني مضيت فيهم على دعوتي، وإذا قاتلوني ومنعوني واعتدوا علي فإني أقاتلهم أن يشهدوا أني رسول الله[4].

ثم قال[5]: وبعبارة أخرى: إن النسبة بين مفاد صيغتي اقتل وأقاتل هي العموم والخصوص المطلق لا المساواة إذ لا شك أن كل من يحل قتله يحل قتاله إذا اعتدى، ولكن ليس كل من يحل قتاله يحل قتله فمن كان مسالماً لم يحل قتله إلا أن يتحول إلى معتد فيحل قتاله، فالحديث إذا لا يتضمن دلالة على مشروعية الجهاد الابتدائي، بل هو أظهر في الجهاد الدفاع ضد من يقفون في وجه الدعوة بالقوة ويمنعونها.

أقول: ما ذكره رحمه الله من أن الكفار إذا اعتدوا فهذا القيد وهو قيد الاعتداء لا يفهم من الرواية، نعم ما أفاده رحمه الله من الفرق بين مفردة القتل ومفردات أقاتل صحيح، فلو جاء في الرواية أمرت أن أقتل الناس فهذا يدل على أنه يبدأ بالقتال، ولكن الرواية قالت: «أمرت أن أقاتل الناس» والمقاتلة من باب المفاعلة التي تتقوم بطرفين ولا تقوم بطرف واحد، تقول: قاتل مقاتلة، دارس مدارسة، فالمدارسة لا تتقوم بطرف واحد بل بطرفين، فكذلك المقاتلة لا تتقوم بطرفين واحد بل بطرفين.

لكن الغريب أن المرحوم شمس الدين استفاد من عبارة «أقاتل» ومن صيغة المقاتلة، أن الكفار هم الذين يعتدون، والنبي هو الذي يدافع وهذا لا يفهم من صيغة مقاتلة، إذ أن الذي يفهم من صيغة مقاتلة تقوم القتال بطرفين، ولا يفهم من صيغة مقاتلة من هو البادي، تقول: تشاجر مشاجرة، المشاجرة قائمة بطرفين لكنها لا تدل على الشخص الذي بدأ بالشجار، فقد يكون هو الذي بدأ بالشجار، وقد يكون الطرف الآخر هو الذي بدأ بالشجار، فتعم كلا الصورتين.

والنبي يقول: «أمرت أن أقاتل الناس» يعني لابد أن تكون هناك مقاتلة بين النبي والكفار حتى يشركوا، سواء بدأ النبي أو بدأ كفار، فالمعركة قوامها طرفان الإسلام والكفر، المسلمون والكافرون من دون ذكر قيد ابتداء النبي أو ابتداء الكفار وعدوانهم، فتكون الرواية ظاهرة في مشروعية الجهاد الابتدائي لأنه هناك مقاتلة مع الكفار حتى يسلموا سواء اعتدى الكفار فيكون جهادنا دفاعياً أو لم يبتدأ الكفار ولم يعتدوا وإنما بدأناهم لكي ندعوهم إلى الإسلام فحصلت المقاتلة.

فالرواية ظاهرة في مشروعية الجهاد الابتدائي، بل وجوبه أي يقول: أمرت، أي أن الله عزّ وجل أمر النبي بمقاتلة الكفار حتى يشهدوا الشهادتين، فهذه الرواية تامة سنداً ودلالة على مبنى العامة، والله العالم.

الحديث الثالث والثلاثون يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الباب 5، الحديث 3.

[2]  وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الباب 5، الحديث 4.

[3]  كتاب الجهاد، وسائل الشيعة، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الباب 5، الحديث 5.

[4]  جهاد الأمة، ص 197.

[5]  جهاد الأمة، ص 198.

00:00

17

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

17

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة