بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الإطار العام لسورة الحمد

سورة الحمد تضمنت ثلاثة أمور:

الأول البدء بتمجيد الله تبارك وتعالى والثناء عليه بما هو أهله، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين» هذا المقطع الأول.

المقطع الثاني هو نتيجة للمقطع الأول وتوطئة.

المقطع الثالث وقد أشار قوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين» فحصر العبودية لله وحصر الاستعانة بالله هي نتيجة للمقطع الأول وهو يفيد حصر الثناء على الله عزّ وجل كما أنه توطئ وتمهيد للمقطع الثالث الذي هو دعاء فيكون حصر العبودية والاستعانة بالله مقدمة وتمهيد للدعاء والطلب من الله عزّ وجل.

المقطع الثالث دعاء وطلب الهداية من الله، وقد أشار له قوله تعالى: «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين» إذاً في التمجيد السابق وهو المقطع الأول يتضح ملاك حصر العبادة والاستعانة بالله تبارك وتعالى.

وإذا نظرنا إلى المقطع الثاني وهو حصر العبادة والاستعانة بالله نكون قد مهدنا للمقطع الثالث.

وخلاصة إطار سورة الحمد ثلاث كلمات: «تمجيد وتوطئة ودعاء»، وهذا من أدب الداعي مع الله عزّ وجل: أولاً يثني عليه، ثانياً يمهد للدعاء، ثالثاً يطلب ويسأل، وسورة الحمد تقوم بهذا الأمر: أولاً تثنى على الله وتمجده، ثانياً نتيجة تمجيد الله عزّ وجل تطلب الاستعانة به وتحصر العبادة والاستعانة به، وهذا تمهيد وتوطئة للمقطع الثالث والأخير وهو الدعاء وطلب الاستعانة.

إذا الإطار العام لسورة الحمد «تمجيده وتوطئته ودعاء»، وإذا أردنا أن نقسم سورة الحمد فإنه يمكن تقسيمها إلى قسمين: القسم الأول ناظر إلى الخالق والقسم الثاني ناظر إلى المخلوق.

القسم الأول الناظر إلى الخالق «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين» هذا كلام عن الخالق.

القسم الثاني الذي ناظر إلى المخلوق «إياك نعبد وإياك نستعين» هو تمهيد تمهيد وتوطئة «اهدنا الصراط المستقيم» الذي هو دعاء «صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين».

إذا الفقرة الأولى تمثل القسم الأول تمجيد الله عزّ وجل والثناء عليه.

الفقرة الثانية التوطئة «إياك نعبد وإياك نستعين».

والفقرة الثالثة الدعاء «اهدنا الصراط المستقيم» تمثل القسم الثاني المتعلق بالعبد.

لذلك ورد في الرواية من طريق الفريقين ما نصّه: «إن الله تبارك وتعالى قد جعل هذه السورة نصف، نصف له ونصف لعبده، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) يقول الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم)، قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»[1].

ثم بعد الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم)، تطرقت سورة الحمد إلى ثلاث طرق يسلكها البشر:

الطريق الأول صراط الذين أنعمت عليهم.

الطريق الثاني الطريق الذي يسلكه الضالون، ومن ضلوا الطريق وانحرفوا.

الطريق الثالث طريق المغضوب عليهم، وهم الذين جحدوا عن علمٍ فاستحقوا الغضب الإلهي، وبينت سورة الحمد أن الطريق المستقيم هو خصوص الطريق الأول الذين أنعم الله عليهم وهو مغاير لطريق الضآلين وطريق المغضوب عليهم الذين استحقوا العذاب والعقاب الإلهي.

ومن هنا يقع الكلام في إعراب قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم) فهو إما بدل من جملة الذين أنعمت عليهم أو صفة للذين أنعمت عليهم أي أن نعمة الله كرحمته قد وسعت جميع البشر فمنهم من شكر ومنهم من كفر، قال تعالى: (ألم تر أن الله سخر لك ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير).

فإذا قلنا إن قوله: (غير المغضوب عليهم) صفة للذين أنعمت عليهم، فهذا يعني تضييق وتوصيف من أنعم الله عليهم بأنهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين.

فلاحظ التوسعة والتضيق (اهدنا الصراط المستقيم) هذا مطلق، نقيد هذا الصراط (صراط الذين أنعمت عليهم) ثم يقيد من أنعم الله عليهم بأنهم (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فصراط الذين أنعم الله عليهم لا يشمل من جحدوا النعمة فكانوا من المغضوب عليهم أو من ضلوا الطريق.

فهذا التقييد يشبه قولنا في اللغة العربية: «يجوز اقتناء كل كتاب غير كتب الضلال»، فهنا نقول: الصراط المستقيم هو صراط كل الذين أنعم الله عليهم لكن من غير المغضوب عليهم ومن غير الضالين.

سؤال: لماذا عطف الضالين على المغضوب عليهم واُتي بكلمة لا؟

الجواب: قد يحصل توهم وهو أن المنفي خصوص المجموع يعني مجموع الضالين والمغضوب عليهم، والحال إن المنفي ليس هو المجموع بل الجميع، أي المنفي الضالين كفئة، وأيضاً المغضوب عليهم كفئة أخرى، وليس المنفي خصوص مجموع الفئتين الضالتين.

وهذا متداول في اللغة العربية فيؤتى بلفظ غير بمثابة لا النافية، فتقول هكذا: «اعبد الله بغير كسل ولا ملل» يعني اعبد الله لا عن كسل ولا عن ملل، وليس المراد نفي الاثنين معاً مجموع الكسل والملل، وهكذا تقول: «جالس رجلاً غير فاسق ولا سيء الخلق» جالس رجلاً ليس بفاسق وليس بسيء الخلق.

هذا تمام الكلام في الإطار العام سورة الحمد.

يبقى الكلام في بحث حول آية (اهدنا الصراط المستقيم) ذكر المفسرون أن من يطلب الهداية من الله لابد وأن يكون فاقداً لها فكيف يطلبها المسلم الموحد في صلاته؟ فإذا كان واجداً للهداية فكيف يطلبها؟ وإذا كان فاقدا للهداية فهو ضالٌ؟

وقد أجابوا عن هذا الإشكال بوجوه:

الأول أن يراد بالهداية الاستمرار عليها، فبعد ما من الله تعالى على المصلي بهدايته إلى الإيمان، يطلب منه الاستمرار والثبات على هذه النعمة لئن لا تزل له قدم بعد ثبوتها.

الوجه الثاني أن يراد بالهداية الثواب فمعناه اهدنا طريق الجنة ثواباً لنا.

الوجه الثالث يراد بالهداية زيادتها فإن الهداية قابلة للزيادة والنقصان فمن كان واجداً لمرتبة منها جاز أن يطلب مرتبة أكمل منها.

ويعلق سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[2] قائلاً: «وكل هذه الوجوه استحسانية تخالف ما يقتضيه ظاهر الآية المباركة» ظاهر الآية طلب الهداية لفاقدها «والصحيح أن يقال إن الهداية التي يطلبها في صلاته هي هداية غير حاصلة له وإنما يطلب حصولها من ربّه فضلاً منه ورحمة».

بيان ذلك:

توجد هداية عامة وتوجد هداية خاصة، والطالب للهداية هنا يريد الهداية والحظوة الخاصة بعد توفر الهداية العامة.

توضيح ذلك:

إن الهداية من الله تعالى على قسمين: هداية عامة وهداية خاصة، والهداية العامة قد تكون تكوينية وقد تكون تشريعية، أما الهداية العامة التكوينية فهي التي أعدها الله في طبيعة كل موجود سواء أكان جماداً أم نباتاً أو حيواناً، مثلاً: طريق النحل وطريقة النمل وعالم الحيوان وكيف يسير هذا الحيوان إلى غذائه ويأمن معيشته، هذه كلها هدايه تكوينية في عالم تكوين مأخوذ من قوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) هداية تكوينية يعني هداية خلقية عالم التكوين يعني عالم الخلق، وقد أشارت الآية الكريمة إلى الهداية التكوينية في قوله تعالى: (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) هداية هذا الخلق، هذه هداية عامة تكوينية.

وهناك هداية عامة تشريعية حيث ارسل الله الرسل والأنبياء وأنزل الكتب على الناس وأتم الحجة على الخلق بالحجة الباطنة وهي العقل والحجة ظاهرة وهي الأنبياء والمرسلين _{عليهم أفضل صلوات المصلين} قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا) هذا إشارة إلى الهداية العامة، قد يأخذ ويغترف من هذه الهداية العامة وقد يفسق ولا يأخذ بعقله الباطن وبكلام الرسول الظاهر، هذه كلها هداية عامة، إما هداية تكوينية خلقية وإما هداية تشريعية.

وفي مقابل الهداية العامة توجد هداية خاصة، وهذه الهداية الخاصة هي هداية تكوينية وليست هداية تشريعية، أحياناً أنت تقع في مأزق تجد كأن شخص يوجهك إلى المخرج يلقي في روعك، أو تجد أنه أنت تتجه اتجاه تقول: سبحان الله كانت نيتي هكذا، ولو عملت بها لهلكت، هذه هداية تكوينية خاصة وعناية ربانية حسب ما تقتضي حكمة الله عزّ وجل، فيهيء الله للإنسان ما به يهتدي إلى كماله، ويصل إلى مقصوده، وكلما زاد إيمان المرء وتوكل على الله وتوسل بأولياء الله فإنه يهديه، هذه الهداية الخاصة التكوينية.

قال تعالى: (فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة) هذه هداية خاصة.

قال تعالى: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) يعني لو شاء لهداكم هداية خاصة بعد الهداية العامة، (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) يهدي من يشاء إذا كان هذا العبد يريد أن الله يهديه، أحياناً نفس العبد ما يريد الله يهديه، (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) يعني الظلم يمنع الهداية الخاصة، (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) أي العبد الذي هيأ الأمور التي توجب الهداية للصراط المستقيم فإن الله يهديه، (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) إذا الجهاد جهاد النفس يوجب الهداية الخاصة، وظلم النفس يوجب منع الهداية الخاصة.

قال تعالى: (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) أي أن الله جعل أسباب للهداية، وهناك أسباب للضلالة، فهناك جنود الرحمن وجنود العقل وهناك جنود الشيطان وجنود الجهل، وآيات كثيرة يستفاد منها أن هناك هداية خاصة من الله وعناية خاصة بطائفة خاصة من الناس، إذا قاموا بأمور معينة كمجاهدة الناس أو التوسل والاستغفار للنبي _{صلى الله عليه وآله}.

إذاً هناك هداية عامة تكوينية وتشريعية، وهناك هداية خاصة تكوينية، والعبد حينما يقول: (اهدنا الصراط المستقيم) فإنه يطلب الهداية التكوينية الخاصة.

الخلاصة: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) أي أن البشر بطبعه في معرض الهلاك والخسران، ولابد للمسلم أن لا يتكل على نفسه بل يستعين بربّه، وعليه بركنين مهمين، وهما: الإيمان وهذا الاعتقاد، والعمل الصالح فإذا آمن وعمل صالحاً فإن الله سيهديه ولن يكون من المغضوب عليهم ولن يكون من الضالين، وآخر دعوانا أن الحمد ربّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين