بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

17 - حجية توثيقات أصحاب المباني الخاصة

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

18

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 حجية توثيقات أصحاب المباني الخاصة

 

إذا رجعنا إلى كلمات علماء الرجال فسنلاحظ أن بعض أعلام المتقدمين أو بعض المتأخرين قد اعتمدوا على مسالك ونظريات خاصة بهم، ولربما خالفوا فيها المشهور أو لم تساعد الأدلة على اعتبار تلك المسالك، فلا بد من التأمل في توثيقاتهم وتضعيفاتهم.

ومن أبرز مصاديق ذلك دعوة الغلو من قبل القميين فإن مدرسة قم عرفت بالتشدد في ذلك حتى قال الشيخ الصدوق رحمه الله تبعاً لأستاذه الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد أدنى درجات الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله والحال أنه في زماننا هذا نفي السهو عن النبي من أوضح الواضحات ومن لوازم العصمة لرسول الله صلى الله عليه وآله.

فنجد أن بعض القميين يرمون بعض الأصحاب بالغلو ويطردونهم من قم أو يمنعوا نشر أحاديثهم، ومن أبرز مصاديق ذلك ما كثر نسبته إلى الشيخ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي في باب الجرح والتضعيف، فإذا راجعنا الكثير من التراجم نجد ما نسب إليه من وهو شيخ القميين من رمي بعض الرواة والطعن عليهم بالغلو والارتفاع والطيران، وكلها عبارات تدل على الغلو، وكذلك ما نسب إلى الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد شيخ الشيخ الصدوق الذي لا يخالفه في شيء إذا جزم بالتوثيق وغيرهما من أعلام قم.

المثالث الثالث تضعيف العلامة الحلي لأصحاب المذاهب الفاسدة وإن كانوا ثقة فلم يعلم وجهه إلا إذا كان يبني على اشتراط العدالة في خبر الواحد.

والمهم في هذا البحث وهو المباني الخاصة تحقيق ما نسب إلى القميين وجملة منهم من التسرع في القدح في الرواة لأسباب لا تقتضي ذلك، بل ربما عد هذا قدحاً فيهم، وهناك كتاب خاص تحت عنوان الغلو عند القميين قرابة خمسمائة صفحة دراسة كاملة، وهذا بحث جدير بالاهتمام وهو دعوى الغلو في كلمات النجاشي والقميين وهل تأثر الشيخ النجاشي رحمه الله بالقميين أو لا.

ولا بأس أن نتطرق إلى المدارس في الحديث والفقه الإمامي، ولنذكر مدرستين بل ثلاث:

المدرسة الأولى هي مدرسة قم والري، والتي ركز على الحديث كثيراً، فكانت عبارة عن مدرسة المحدثين والرمز الأكبر هو ثقة المحدثين الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق الابن، وعرفت هذه المدرسة بالتشدد في الروايات.

المدرسة الثانية مدرسة بغداد ورائدها الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، واتسمت بالبعد العقلي حيث كانت المعتزلة قد سادت ذلك الوقت في بغداد فانبرى لها الشيخ المفيد رضوان الله عليه وكتب كتاب تصحيح اعتقادات الصدوق.

إذاً نحن أمام اتجاهين:

الأول اتجاه نقلي متشدد يتمثل في مدرسة قم والري.

الاتجاه الثاني اتجاه عقلي يتمثل في مدرسة بغداد الشيخ المفيد والسيد المرتضى.

الاتجاه الثالث هو الاتجاه الوسط الذي أرسى دعائمه شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله عليه المتوفى سنة أربعمائة وستين هجرية، وهو الذي حفظ التشيع، ولذلك سمي شيخ الطائفة إذ كتب في مختلف العلوم والفنون وجمع بين المدرستين بين مدرسة قم ومدرسة بغداد، فدرس عند المرتضى وعند المفيد واطلع على ما طرحه الصدوق ومدرسة قم.

إذاً بحثنا الأن حول المدرسة الأولى مدرسة قم وتشددها في خصوص مفردة الغلو، فمن الواضح أن مشايخ قم طبعاً قم كان لها نشاط في زمن الأئمة المتأخرين الإمام الجواد والهادي والعسكري، فالحجاج بن يوسف الثقفي هجر قبيلة كاملة من الكوفة إلى خراسان فجاؤوا واستوطنوا قم وهم قبيلة الأشاعرة.

إذاً الأشاعرة تارة يشار به إلى قبيلة شيعية وشيخهم الشيخ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي وتارة يشار به إلى مذهب وهو مذهب أبو الحسن الأشعري صاحب كتاب مقالات الإسلاميين وهو من نسل أبي موسى الأشعري صاحب التحكيم في صفين، إذاً هؤلاء الأشاعرة ومشايخهم في قم كانت لهم اعتقادات خاصة في الأنبياء والأئمة خلافاً لما عليه غيرهم من أعلام المذهب، فتراهم من يتجاوز هذه العقائد إلى الطيران والارتفاع والغلو أو يهملون رواية بعض الكتب لنقلها مضامين عالية في حق الأئمة كما صنع محمد بن الحسن بن الوليد حيث روى جميع روايات الشيخ الجليل محمد بن الحسن الصفار عدا كتاب بصائر الدرجات لأنه روى مقامات الأئمة عليهم السلام في هذا الكتاب، وقد صرح بذلك النجاشي والطوسي في فهرستيهما[1].

ونظراً لهذا المسلك والاتجاه الخاص نجد أن بعض المحقق المتأخرين كالتقي المجلسي قد تنبه إلى هذه الحقيقة وأشار إليها[2]، أشار إلى أنهم رموا بالغلو لاتجاه خاص عندهم.

وكذلك تنبه إلى هذه الحقيقة السيد مهدي بحر العلوم، فقال ما نصّه في ترجمة زيد النرسي عندما تعرض لأصله قال:

«وأما الطعن على هذا الأصل والقدح فيه بما ذكر فإنما الأصل فيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي وتبعه على ذلك ابن بابويه على ما هو دأبه في الجرح والتعديل والتضعيف والتصحيح، ولا موافق له فيما اعلم، وفي الاعتماد على تضعيف القميين وقدحهم في الأصول والرجال كلامٌ معروف، فإن طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقاد، وتسرعهم إلى الطعن بلا سبب ظاهر مما يريب اللبيب الماهر، ولم يلتفت أحد من أئمة الحديث والرجال إلى ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم تخطئتهما في ذلك المقام»[3].

ولعل أفضل عبارة في بيان حال القميين ومسلكهم الخاص في الطعن بالغلو والارتفاع والطيران ما ذكره المحقق الوحيد البهبهاني في فوائده الرجالية، وحاشية وفوائد الوحيد البهبهاني هي الأصل المعتمد عليه في كل الكتب الرجالية، فهو ككفاية الأصول بالنسبة إلى علم الأصول، كذلك في علم الرجال الأساس هو فوائد الوحيد البهبهاني المطبوعة كملحق بكتاب رجال الخاقاني، يراجع صفحة ثمانية وثلاثين.

وللنقل كلامه بطوله لأهميته، عند عده مصطلحات لأهل الرجال، فقد ذكر ما نصّه:

«ومنها قولهم: كان من أهل الطيارة ومن أهل الارتفاع وأمثالها، والمراد أنه كان غالياً، اعلم أن الظاهر أن كثيراً من القدماء سيما القميين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للأئمة عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وكانوا لا يجوزون التعدي عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعاً وغلواً حسب معتقدهم.

حتى إنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلواً، بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض الذي اختلف فيه كما سنذكر أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به، سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين.

وبالجملة الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضاً، فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً غلواً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غير ذلك وكان عند الآخر مما يجب اعتقاده أو لا هذا ولا ذاك؟

وربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم كما أشرنا آنفاً وإدعاء أرباب المذاهب كونه منهم أو روايته عنه أو روايتهم عنه.

وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه إلى غير ذلك.

فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة، ومما ينسبه على ما ذكرناه ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة.

مثل ترجمة إبراهيم بن هاشم، وأحمد بن نوح، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومحمد بن عوف، وهشام بن الحكم، والحسين بن شاذويه، والحسين بن يزيد، وسهل بن زياد، وداوود بن كثير، ومحمد بن أورمة، ونصر بن الصباح، وإبراهيم بن عمر، وداوود بن القاسم، محمد بن عيسى بن عبيد، ومحمد بن سنان، ومحمد بن علي الصيرفي، ومفضل بن عمر، وصالح بن عقبة، ومعلا بن خنيس، وجعفر بن محمد بن مالك، وإسحاق بن محمد البصري، وإسحاق بن الحسين وجعفر بن عيسى ويونس بن عبد الرحمن وعبد الكريم بن عمر وغير ذلك.

وسيجيء في إبراهيم بن عمر وغيره ضعف تضعيفات الغضائر فلاحظ، وفي إبراهيم بن إسحاق وسهل بن زياد ضعف وتضعيف أحمد بن محمد بن عيسى، مضافاً إلى غيرهما من التراجم، فتأمل.

ثم اعلم أنه والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعدما نسباه إلى الغلو، وكأن لروايته ما يدل عليه ولا يخفى ما فيه، وربما كان غيرهما أيضاً كذلك فتأمل».

فوائد الرجالية للشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني، يراجع رجال الخاقاني في الملحق صفحة ثمانية وثلاثين.

ذكرنا كلام الوحيد بطوله لبيان أن بعض التوثيقات تضعيفات منشؤها الرؤية الاعتقادية الخاصة للغضائري ولأهل قم، وهناك من يدعي ويرى أن النجاشي قد تأثر بمدرسة قم، فلا يؤخذ بتوثيقاتهم وتضعيفاتهم فيما يرجع إلى رؤيتهم الخاصة، وهي الغلو وما شابه ذلك، وما يترتب عليها فما دام يعتقد أن هذا الراوي مغالٍ، إذاً ما يذكره من عقائده كذبٌ فهو يستحل الكذب لإثبات معتقد، فهل هذه الدعوة صحيحة أم لا؟

هل القميون خصوصاً شيخهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي الذي طرد سهل بن زياد الآدمي لروايته روايات فيها شائبة الغلو، وطرد أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن لأنه يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء.

فشيخهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، وكذلك أحمد بن الحسين الغضائري صاحب كتاب الضعفاء أي من ضعفهم، حتى قيل السليم من سلم عن تضعيفات ابن الغضائري، فهل لا يؤخذ بتضعيفات ابن الغضائر، وكذلك الشيخ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، وكذلك الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد أستاذ الصدوق، لكونها مبنية على آراء عقائدية خاصة أم لا؟

سيأتي إن شاء الله أنه ثبت أن لديهم آراء عقائدية خاصة بالأئمة ومقاماتهم، ولابدّ من التأمل في تضعيفاتهم.

تحقيق هذه المسألة نتناول فيه إن شاء الله كلام المحقق التستري في قاموس الرجال وتوجيهه لكلامهم ورده، وسيتضح أن الصحيح ثبوت آراء ومعتقدات خاصة لهم، فلا بد من التريث في مسالكهم في التوثيق والتضعيف.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  فهرست النجاشي، ص 453، رقم الترجمة 948.

فهرست الطوسي، ص 408، رقم الترجمة 422.

[2]  روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، الشيخ محمد تقي المجلسي، ج 14، ص 84، 332، 430، 431.

[3]  رجال السيد مهدي بحر العلوم، ج 2، ص 368.

00:00

18

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 19 الجلسة

18

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
19 الجلسة