خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

30 - التحقيق ثبوت مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي بالأدلة الروائية

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

19

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 التحقيق ثبوت مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي بالأدلة الروائية

تحقيق ثبوت مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي بالأدلة الروائية، ولإثبات مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي يكفي الاستدلال برواية واحدة تامة سنداً ودلالةً لإثبات المدعى والحال أنه يمكن إقامة عدة أدلة روائية تامة سنداً ودلالة على مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي.

فقد تطرقنا إلى عشر آيات تطرق لها المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وناقش دلالتها على مشروعية الجهاد الابتدائي، وانتهى إلى أنها لا تدل، وبعد ذلك أقمنا أربعة أدلة من الآيات الكريمة على مشروعية الجهاد الابتدائي.

وهكذا بالنسبة إلى الأدلة الروائية فقد ذكر المرحوم شمس الدين اثنتين وثلاثين رواية وانتهى إلى أنها لا تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي، وأضفنا إليها رواية فذكرنا ثلاثة وثلاثين رواية، واليوم أن شاء الله سنذكر أيضاً أربعة أدلة على الأقل من الروايات الشريفة التامة سنداً ودلالة على مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي، وتكفي رواية واحدة، لكن بحسب ما يسعه الوقت نذكر أربع روايات، ويمكن إقامة الكثير من المؤيدات الروائية إذ أن الكثير من الروايات من ناحية دلالتها تدل على مشروعية الجهاد الابتدائي، لكن يمكن المناقشة في سندها.

والأدلة الروائية على مشروعية الجهاد الابتدائي كما يلي:

الدليل الأول خبر قتال بني مدلج.

روى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بسند صحيح عن علي بن إبراهيم القمي عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبان عن أبي الفضل العباس عن أبي عبد الله عليه السلام «في قول الله عزّ وجل (أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) قال عليه السلام: نزلت في بني مدلج لأنهم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا: إنا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنك رسول الله فلسنا معك ولا مع قومنا عليك، قلت: كيف صنع بهم رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: واعدهم» وفي نسخة: «وادعهم إلى أن يفرغ من العرب، فيدعوهم، فإن أجابوا وإلا قاتلهم»[1].

[الإسناد]

هذه الرواية صحيحة السند، ويمكن أن يقال أنها حسنة لأن فيها إبراهيم بن هاشم، فقد مدح وقيل في حقه أنه أول من نشر حديث الكوفيين في قم، لكننا نرى توثيقه لإكثار الجليل عنه وهو الكليني، بل إننا نبني على وثاقة جميع مشايخ الكليني والنجاشي، فكل من روى عنه الكليني والنجاشي بشكل مباشر.

فهذا المبنى إكثار الكليني يعني مجرد رواية الكليني والنجاشي عن شخص فهو ثقة، وإننا نوثق إبراهيم بن هاشم لرواية ابنه عنه وهو علي بن إبراهيم خلافاً لشيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري الذي وثق إبراهيم بن هاشم استناداً إلى كلام السيد رضي الدين بن طاووس في فلاح السائل، فقد نقل اتفاق الأصحاب على وثاقة إبراهيم بن هاشم.

وفيه إن ناقل الاتفاق والإجماع من المتأخرين وهو ابن طاووس ونحن لا نعتمد توثيقات.

والخلاصة: هذه الرواية من جهة السند إما صحيحة وإما حسنة.

[الدلالة]

تقريب الاستدلال: مورد الرواية بنو مدلج، وقد نصت الرواية على أنهم لم يسلموا، وصرحوا للنبي أنهم ليسوا معه، وصرحوا أيضاً للنبي أنهم ليسوا عليه، فهم لم يعادوا رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى الرغم من عدم عدوانهم ومعاداتهم للرسول وادعهم إلى أن يفرغ من العرب.

ثم يدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا واسلموا وإلا قاتلهم، فالرواية واضحة فالجهاد والقتال الابتدائي من أجل الإسلام والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وتكفي هذه الرواية لإثبات المدعى وهو مشروعية الجهاج الابتدائي.

الدليل الثاني حديث الخير في السيف.

روى ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي عن علي بن الحكام عن أبي حفص الكلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إن الله عزّ وجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال فالخير في السيف وتحت السيف والأمر يعود كما بدا»[2].

[الإسناد]

قد يناقش في السند بجهالة أبي حفص كما ذكر ذلك المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في جهاد الأمة[3]، وقد تطرقنا إلى هذا الحديث ضمن الأحاديث الثلاثة والثلاثين واستدركنا عليه، ومن الواضح أنه إذا رجعنا إلى كتب الرجال نجد أنه في هذه الطبقة ينصرف أبو حفص إلى عمر بن أبان الكلبي فهو المشهور والمعروف، وقد وثقه النجاشي وبذلك تصبح الرواية صحيحة السند، وليست ضعيفة.

وأما من ناحية الدلالة فهي ظاهرة في الوجوب إذ جاء فيها «فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال» أي إلى أن أمره بالقتال، والأمر يدل على الوجوب ومن الواضح أن الأمر بالقتال من أجل قبول الإسلام إذ صدر الرواية يقول: «إن الله عزّ وجل بعث رسوله بالإسلام» ثم قال: «فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال» يعني هناك جهاد التبيين، فلما لم يقبلوا بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وصلت النوبة إلى الجهاد الابتدائي بالسيف، ثم عقبت الرواية «فالخير في السيف وتحت السيف» فنسبة جنس الخير إلى السيف إشارة إلى أهمية ومشروعية السيف والقتال من أجل الدعوة إلى الله.

وقد يناقش في هذا الحديث بعدة مناقشات كعشر سنين وغير ذلك وقد تطرقنا إليها في الأحاديث الثلاثة وثلاثين فلا نعيد، فهذا الحديث تام سنداً ودلالة على مشروعية الجهاد الابتدائي.

الدليل الثالث ما رواه البرقي أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن بسند جيد عن أبيه عن ابن عمير عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس إني أمرت أن أقاتلكم حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، فإذا فعلتم ذلك حقنت بها أموالكم ودمائكم إلا بحقها، وكان حسابكم على الله»[4]، وروي هذا الحديث في مصادر الإمامية بطرق أخرى، والرواية مرسلة على النبي.

ورواه الصدوق في ثواب الأعمال[5] بسند آخر، ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا[6]، ورواه الشيخ الطوسي في الأمالي[7]، ورواه القاضي النعمان[8]، هذا الحديث من طرقنا.

وقد روي نص هذا الحديث من طرق العامة في جميع الصحاح الستة، فقد ذكر مسلم بن الحجاج النيسابوري في المسند الصحيح المختصر الحديث واحد وعشرين عن النبي صلى عليه وآله أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» وقد تطرقنا إلى هذه الرواية العامية عند دراستنا للحديث الثاني والثلاثين، وذكرنا هذه الرواية عن اثنين وهما: أبو هريرة وعبد الله بن عمر.

ولكن لو رجعنا إلى تراث العامة وأهل السنة نجد أن هذا الخبر قد روي عن عدة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وأبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن العباس، وأبو هريرة، وسهل بن سعد الساعدي، وسمر بن جندب، والنعمان بن بشير، وجرير بن عبد الله البجلي، وأوس بن أوس، وابو بكرة، وطارق بن أشيم، وأبو مالك الأشعري ورجل من بلقين.

يمكن مراجعة هذه الرواية في كتاب النظم المتناثر في الحديث للحديث المتواتر لمحمد بن جعفر الكتاني الحديث التاسع، ويمكن مراجعة كتاب أحمد بن الصديق الغماري واسم كتابه تعريف الساهي اللاه بتواتر حديث «أمرت أن أقاتل الناس».

فهذا الحديث من ناحية الإسناد عند العامة صحيح أعلائي إذ رواه كبار الصحابة، أما من جهة الشيعة الإمامية فأفضل سندٍ هو ما رواه البرقي، والمشكل فيه أب البرقي محمد بن خالد البرقي أبو عبد الله، فإذا تم تصحيح البرقي الأب وهو كذلك أصبحت الرواية صحيحة السند فيكم الاستدلال بها.

تقريب الاستدلال:

هذه الرواية تدل على الوجوب إذ جاء فيها «أمرت أن أقاتل الناس» كما في رواية العامة، وفي رواية المحاسن «أيها الناس إني أمرت أن أقاتلكم» فجاء في هذا النص لفظ الأمر والأمر تعلق بالقتال بصيغة أقاتلكم أقاتل أفاعل من المفاعلة، كما أن هذه الروايات ذكرت هذا الحكم عام.

وقد ناقش فيها من ناقش ويمكن ذكر مناقشتين:

المناقشة الأولى أنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله وهذا حكم خاص برسول الله ولا يتعدى إلى غيره.

ويمكن الإجابة باختصار هو أن المرتكز هو التشريك في الأحكام، ولكم في رسول الله أسوة حسنة، فالأصل اشتراك النبي مع عموم المسلمين في الأحكام إلا ما خرج بالدليل ونص على أنه من مختصات النبي كجواز الجمع بين تسع نساء، وأنه إذا لبس لامة حربه وجب عليه الجهاد، وأن صلاة الليل واجبة عليه، وغيرها من مختصات النبي التي تذكر في كتاب النكاح من شرائع الإسلام وغيره للمحقق الحلي.

ولم يقم الدليل على اختصاص البدء بالقتال بخصوص النبي صلى الله عليه وآله فالرواية عامة خصوصاً أقاتل الناس.

المناقشة الثانية أنه قد ورد فيها مفردات «أقاتل» من قاتل مقاتلة، والمقاتلة تدل على التقوم باثنين بخلاف «اقتل» فإنه قائم بخصوص القاتل، فقد استفاد منها المرحوم شمس الدين رحمه الله في كتابه جهاد الأمة[9] أنها ظاهرة في الجهاد الدفاعي.

وقد ناقشنا حينما تطرقنا إلى الحديث الثاني والثلاثين، وقلنا أنها لو سلمنا أنها على وزن فاعل مفاعلة وهو صحيح، وسلمنا أنها تدل على التقوم باثنين لكنها لا تدل على أن البادئ هو الطرف الآخر، فالمدافعة دافع مدافعة، المقاتلة قاتلة مقاتلة، تتقوم بدافع ومدفوع قاتل ومقتول، والذي يبدأ بالقتل قد يكون النبي والمسلمين وقد يكون الكفار، فهذه الرواية ليست ظاهرة في الجهاد الدفاعي، بل هي ظاهرة في الجهاد الابتدائي لأنها مغياة حتى يقولوا لا إله إلا الله.

الدليل الرابع خبر الأمر بقتال المشركين حيث وجدوا.

روى الكليني سند معتبر عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحب فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجودهم ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار»[10].

الإسناد صحيح قد يناقش في طلحة بن زيد فمن يناقش في طلحة بن زيد يرى أن هذه الرواية ضعيفة ومن يوثق طلحة بن زيد تكون هذه الرواية صحيحة ومعتبرة.

تقريب الاستدلال: ظاهر قوله عليه السلام: «ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم»، ظاهرها وجوب قتال المشركين، بل الاستمرار يقاتلون، وأن هذا الجهاد الابتدائي مشروعٌ ومستمر، فهذه الرواية تامة الدلالة على وجوب الجهاد الابتدائي، هذا بحسب ما وسع الوقت.

بقية الروايات ضعيفة السند، ويمكن تصحيحها على بعض المباني الرجالية، لكنها من ناحية الدلالة تامة فيمكن أن تكون مؤيدة لهذه الأدلة الأربعة.

النتيجة النهائية: تمامية الدليل القرآني والروائي على مشروعية الجهاد الابتدائي بل وجوبه والله العالم.

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1] الكافي، الكليني، النسخة المحققة 15 مجلد، ج 15، ص 726، الحديث 15319.

[2]  الكافي، الكليني، ج 9، من النسخة المحققة، ص 366، الحديث 8206.

ورواه الكليني من دون الصدر، ج 9، ص 355، الحديث 8200.

ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب، ج 6، ص 122.

ورواه الشيخ الصدوق في الأمالي، المجلس 85، ح 11.

وفي ثواب الأعمال، ص 190.

[3]  ص 155.

[4]  المحاسن، أحمد بن محمد بن البرقي، كتاب مصابيح الظلم، باب الإسلام والإيمان، ج 1، ص 284، الحديث 421.

تفسير القمي، ج 1، ص 171.

[5]  294.

[6]  ج 2، ص 64، الباب 31، الحديث 280.

[7]  المجلس 13، الحديث 68.

[8]  دعائم الإسلام، ج 2، ص 402.

[9]  جهاد الأمة، ص 197 و 199.

[10]  الكافي، الكليني، ج 4، ص 38، الحديث 2608.

00:00

19

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

19

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة