بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

19 - حجية الجرح والتعديل دون ذكر السبب

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

20

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 حجية الجرح والتعديل دون ذكر السبب

هذه المسألة لم يتعرض لها المتقدمون من أصحابنا، نعم كثر التعرض لها من قبل المحققين المتأخرين، وهي أن الجرح والتعديل أو التوثيق والتضعيف أيقبلان مطلقين، أم لا بدّ من ذكر سبب التوثيق والتضعيف؟

ولو رجعنا إلى كلمات علمائنا المتقدمين، فإننا لن نجد لهذه المسألة عيناً ولا أثراً، ولعل أول من تعرض لها في علم الرجال والدراية هو الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي، في كتابه الدراية، ثم انفتح البحث فيها بعده وتوسع في هذا البحث جملة من المحققين المتأخرين.

نعم هذا البحث من الأبحاث المهمة والعريقة في علم الرجال عند العامة، فإذا رجعت إلى كلماتهم تجد أن مشاربهم مختلفة في معالجة هذه المسألة، فقد تشبثوا بوجوه ضعيفة في قبول الرواة أو ردهم، وكثرة التدليس وغير ذلك.

ويكفي للإشارة إلى ما بحثوه ما قاله الشهيد الثاني رحمه الله من أن بعضهم سئل: لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون، وسئل آخر عن رجل من الرواة فقال: ما أصنع بحديثه ذكر يوماً عند حماد فامتخط حماد[1].

أيها الإخوة والأحبة الشهيد الثاني عنده كتابان في الدراية، وهو أول من كتب في الدراية من الشيعة الإمامية، عنده «البداية في علم الدراية» وعند «الرعاية لحال البداية في علم الدراية» وهو أوسع من البداية، هذا الكتاب قد اعتمد على كتاب مشهور عند العامة، وهو مقدمة ابن الصلاح.

ففي كل العلوم يوجد كتاب أساسي ومحوري، مثلاً: في علم الرجال عند الإمامية، كل كتب الرجال يعني كليات في علم الرجال تعتمد على فوائد الوحيد البهبهاني، المطبوعة كملحق لرجال الخاقاني، وربما الطالب يدرس الرجال بالكامل، ولا يلتفت إلى أن الأصل في كليات علم الرجال هو فوائد الوحيد البهبهاني.

وفي الدراية جميع كتب الإمامية في الدراية أصلها كتاب الرعاية للشهيد الثاني، وكتاب الشهيد الثاني أصله من كتاب مقدمة ابن الصلاح.

لذلك الدراية أخذناها من العامة هي مجرد ولم يعتني علماؤنا بعلم الدراية لأننا قد تلقينا الأحاديث من مصادر موثوقة فلا حاجة لإطالة الأمور في هذه الأبحاث، كذلك موطن بحثنا موطن بحثنا ذكر العلة للتعديل والعلة للتضعيف، نحن لا نقوم بالاستحسان والتشهي في التوثيق والتضعيف، بل التوثيق والتضعيف إنما كان وفق ضوابط، وكانوا يوثقون أو يضعفون وفق ضوابط حسية، لذلك نحن لا نحتاج إلى معرفة سبب التوثيق ومعرفة سبب التضعيف.

عموماً نذكر جملة من المصادر وهذا كل علم له كتاب محوري، ففي علم الكلام المحور كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، كشف المراد للعلامة الحلي، شرح تجريد الخواجة نصير الدين الطوسي.

في الفقه المحور شرائع الإسلام للمحقق الحلي، عند المعاصرين العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي، وهكذا مثلاً علم الأصول الآن المحور كفاية الأصول للآخوند الخراساني، مثلاً في الأخلاق كتاب تهذيب الأخلاق وطهارة الأعراق لابن مسكويه أو مسكويه.

كل علم تدخل فيه إسأل عن الكتاب والمتن الأساسي الذي هو محور الأبحاث.

يراجع الرعاية في علم الدراية، للشهيد الثاني، صفحة مئة وخمسة وتسعين.

الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي، صفحة أحد عشر.

معرفة أنواع علوم الحديث، لعثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح، صفحة مائتين وواحد وعشرين.

الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، لابن كثير، صفحة أربعة وتسعين.

المجروحين من المحدث من المحدثين محمد بن حبان، الجزء الأول، صفحة ثلاثين.

بل إن الشهيد الثاني في بعض الموارد ينقل نصوص عبارات ابن الصلاح، وقد وضحها المحقق البقال الذي حقق كتاب الرعاية للشهيد الثاني.

والخلاصة: لو راجعنا تعديلات وتجريحات العامة، فسنجد أن الكثير منها لا يخضع لضابطة، بل ربما يرجع إلى الاستحسان أو التشبث بوجوه ضعيفة في قبول الراوي أو رده أو كثرة التدليس، وهذا لا يوجد في كتب رجال أصحابنا وتوثيقات وتضعيفات علمائنا، لكن هذا البحث سرى من كتب العامة إلى كتبنا وعلمائنا كما أشار إلى ذلك المقدس السيد محسن الأعرجي في كتابه عدة الرجال، ج 1، ص 176.

نعم اهتم فقهائنا منذ القديم ببحث الجرح والتعديل وتزكية الشهود في كتاب القضاء والشهادات، وقد حاول بعض المتأخرين وهو السيد محمد المجاهد في كتابه[2] أن يستفيد من كلام الفقهاء في الفقه وهو كتاب القضاء والشهادات هنا أي في علم الرجال مع أنه يوجد فرق بين البابين والمقامين، فإنه في باب الخصومة والحكومة توجد خصوصيات وشرائط دلت الأدلة عليها، والتعدي إلى غيرها يحتاج دليل، وهو مفقود في المقام.

بخلاف ما نحن فيه من تعديل أو تضعيف من أجل قبول رواية الراوي، فلا نحتاج فيه إلى بيان سبب التعديل أو سبب التضعيف، بخلاف باب القضاء والشهادات الذي فيه خصومة وقضاء وحكومة، فقد يقال هناك نحتاج إلى معرفة سبب التضعيف وسبب التعديل.

ولو رجعنا إلى كلمات فقهائنا وسيرة علمائنا فإننا سنجد أن السيرة بين الفقهاء والرجاليين قائمة على قبول الإطلاق في البابين، في باب القضاء والشهادة من جهة، وباب الجرح والتعديل من جهة أخرى، فلا نجد في كتب الفقهاء والرجاليين وكلماتهم اعتناء بذكر الأسباب أو اشتراط ذكر السبب في التعديل أو التجريح، فنراهم يقبلون توثيقات وتضعيفات الشيخ الطوسي والنجاشي من دون أن يتوقفوا في وجه وسبب التوثيق أو التضعيف.

ولنقرأ قاله المحقق الأعرجي الكاظمي رحمه الله ولنعم ما قال فقد قال ما نصّه:

«وأما أصحابنا فالذي يظهر من تتبع طريقتهم في الرواة إنما هو الأخذ بالإطلاق، ما زالوا يستندون في تعديل من يعدلون إلى الشيخ أو النجاشي أو من ابن الغضائر أو غيرهم من علماء الرجال، فإذا رجعنا إلى أصولهم لم نجد في كلامهم غالباً إلا الإطلاق غير أنهم لا يعولون إلا على أرباب البصائر التامة في هذا كالمذكورين دون من ضعف مقامه أو كثر خطؤه إلا أن يذكر السبب، فيستنهضون السبب ويجعلونه راوياً ويجتهدون»[3] هذه سيرة الفقهاء وسيرة الرجاليين من قديم الزمان وما زالوا عليها.

نعم هناك جملة من أرباب التعديل والتوثيق قد توقفوا في بعض تضعيفاتهم لأنها أوجبت الريب عندهم لبعض المباني، كما صنع المتأخرون في تضعيفات أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي شيخ القميين إذ أكثر من رمي الرواة بالغلو، فلهذا المسلك تأملوا في تضعيفاته.

وهكذا شيخ الصدوق محمد بن الحسن بن الوليد إذ أن له مبنى خاص في الغلو، فقد قال: «إن أدنى درجات الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله» فنظراً لمسلكهما الخاص تأملوا في تضعيفاتهم، وهكذا فالأصل هو قبل الإطلاق إلا إذا ثبت أن للرجال مسلكٌ خاص فحينئذ ينظر ويتأمل في توثيقاته وتضعيفات فلعلها مبنية على أساس ذلك المسلك الخاص.

الخلاصة: الضابط هو أن المعدل أو الجارح إذا كانا يبنيان على المباني المشهورة والمعروفة والمحققة عند الطائفة، وكان مبناه موافقاً للمستعلم والفاحص عن حال الرواة فحينئذ يقبل كلامه بشكل مطلق، لكن إذا كان للمعدل أو المضعف مبنى ومسلك خاص في التعديل أو التضعيف، فحينئذ لابدّ أن يتأمل في توثيقاته وتضعيفاته.

مثال ذلك: ما بنى عليه السيد الخوئي رحمه الله من أن العلامة الحلي يبني على أصالة العدالة فالأصل في كل راوٍ إمامي لم يثبت ضعفه أنه ثقة، فحينئذ تأمل السيد الخوئي رحمه الله في تعديلات العلامة الحلي، وهكذا لو كان المسلك في التضعيف مسلك خاص كمسلك القميين، في الرمي بالغلو، وهكذا ما ينسب للعلامة الحلي من أنه يضعف كل من لم يكن إمامياً بالمعنى الأخص إلا من قام الإجماع على تصحيح ما يصح عنه كأبان وابن فضال فإن التوثيق والتضعيف في مثل ذلك من الواضح عدم إمكان قبوله مجرداً من السبب، هذا ما ينسب إلى العلامة الحلي من القول بحجية قول العدل، وينسب إلى صاحب المدارك، وإلى صاحب المعالم.

فبالتالي إذا هو ليس بإمامي فهو ليس بعادل، لابد إمامي اثنا عشري جعفري، إذا لم يثبت أنه إمامي فالعلامة الحلي لا يقبل روايته إلا إذا هناك إجماع على قبول روايته.

أبان بن عثمان الأحمر هو أحد أصحاب الإجماع، طبعاً وفق تحقيقنا هو إمامي ذكرناه لما درسنا كليات في علم الرجال قبل خمسة وعشرين سنة، قبل ربع قرن، موجود في رجال السبحاني وكان من النواوسية فهل هم أتباع الناووس أحد الفرق الضالة، أو من منطقة الناووس، وقد استظهرنا أنه من منطقة الناووس فهو إمامي، وهو أحد أصحاب الإجماع الثمانية عشر.

والخلاصة الذي يهون الخطب: أن مدار التوثيق والتضعيف عند الإمامية هو ما قاله الشيخان: «النجاشي والطوسي» عمدة توثيقاتنا نحن ماذا عندنا؟ كتاب كتاب الكشي وهذا مجموعة روايات، وعندنا رجال الطوسي، وفهرست الطوسي، ورجال النجاشي، وأما كتاب البرقي طبقات، كتاب الضعفاء لابن الغضائري لم يصلنا بطريق صحيح.

إذا العمدة تضعيفات وتوثيقات الشيخ الطوسي والنجاشي وهما قد صرحا أنهما ينقلان عن الأصحاب ولا يعملان نظرهما.

فقد صرح الشيخ الطوسي والنجاشي بأنهما يذكران ما ذكرته الطائفة في مقام تمييز الرجال ناقلي الأخبار، الشيخ الطوسي يقول: «إنا وجدنا الطائفة قد ميزت الرجال» إلى أخر كلامه «في العدة»، ولذلك تجد إذا استراب الشيخ الطوسي أو النجاشي في توثيق أو تضعيف نسبه إلى قائله أو نبه على توقفه فيه، وقد وقع في عدة مواضع من كلامهما.

ونحن نذهب إلى وثاقة جميع مشايخ النجاشي المباشرين، إذا قال في ترجمة أحدهم: «رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعت منه كثيراً، فلما رأيت أصحابناً يغمزونه تجنبت الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه» هذا يدل على تحرزه في الرواية مباشرة عن شخصٍ يكون موضعاً للغمز.

يراجع:

الرعاية في علم الدراية، صفحة مائة وأربعة وتسعين، للشهيد الثاني.

الفصول الغروية، الشيخ محمد الأصفهاني، صفحة ثلاثمائة.

معالم الدين، الشيخ حسن صاحب المعالم، صفحة مائتين وستة.

نهاية الدراية في شرح الرسالة، الموسومة بالوجيزة، السيد حسن الصدر، صفحة ثلاثة وثمانين.

حاوي الأقوال في معرفة الرجال، الشيخ عبد النبي الجزائري، الجزء الأول، صفحة مائة وستة.

مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقاني، الجزء الثاني، صفحة ثلاثة وثمانين.

مستدركات مقباس الهداية، الشيخ محمد رضا المامقاني، الجزء السادس، صفحة خمسة وتسعين.

عدة الرجال، للسيد محسن الأعرجي، الجزء الأول، صفحة مئة وخمسة وسبعين.

القوانين المحكمة في الأصول، للميرز أبو القاسم القمي، الجزء الأول، صفحة أربعمائة وثلاثة وسبعين.

وجيزة في علم الرجال، للميرزا أبو الحسن المشكيني، صفحة خمسة وثمانين.

مفاتيح الأصول، للسيد محمد الطباطبائي المجاهد، صفحة ثلاثمائة وتسعين.

 

الزبدة خلاصة المطلب:

لا يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل، فيقبل الجرح والتعديل مطلقاً لأن العمدة هو توثيقات وتضعيفات الشيخ الطوسي في الرجال وهما قد نقلا هذه التوثيقات والتضعيفات كابراً عن كابر، فهذا نقل حسي وليس حدسياً حتى نشترط إعمال السبب، ولا أقل من الشك أنه توثيق أو تضعيف عن حس أو حدس فتجري أصالة الحس العقلائية، فنكتفي بالتوثيق أو التضعيف المطلق، والله العالم.

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  الرعاية في علم الدراية، الشيخ زين الدين بن علي الجبعي العاملي، المعروف بالشهيد الثاني، ص 195.

[2]  مفاتيح الأصول، ص 390.

[3]  عدة الرجال، السيد محسن الأعرجي الكاظمي، ج 1، ص 176.

00:00

20

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 19 الجلسة

20

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
19 الجلسة