التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

24 - بحث روائي في تفسير سورة الحمد

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

20

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 بحث روائي في تفسير سورة الحمد

قد ذكر البحاثة الخبير العلامة السيد هاشم البحراني رحمه الله تسعة وثلاثين رواية في تفسير الحمد في كتابه[1] فحري بالطالب أن يقرأ جميع هذه الروايات، وكما ذكرنا في منهجنا في تفسير القرآن الكريم فإننا نمر بأربع مراحل:

المرحلة الأولى التأمل في المفردات اللغوية والأساليب البلاغية والمحاورات العرفية، لاستنطاق الآية الكريمة.

الخطوة الثانية مقارنة الآية بمثيلاتها من آيات القرآن الكريم، وهو تفسير القرآن بالقرآن.

الخطوة الثالثة النظر في الروايات الشريفة المفسرة للآيات القرآنية لكي نحظى بالعمل بالثقلين كما في الرواية الشريفة.

الخطوة الرابعة التأمل والتدبر في آيات القرآن الكريم بعد فهم اللغة أولاً، والآيات الأخرى من القرآن ثانياً، والروايات ثالثاً، فيأتي التدبر نحن الآن في الخطوة الثالثة الروايات الشريفة.

الرواية الأولى[2] مروية في الكافي الشريف للكليني، محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابنا عن محمد بن هشام عن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرجل: «الحمد لله ربّ العالمين»».

هذه الرواية تطرقت إلى الشكر لفظي والشكر العملي، الشكر العملي كما في الآية (اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور)، فبينت الرواية أن الشكر العملي للنعمة هو عبارة عن اجتناب محارم الله واجتناب المعاصي، وتمام الشكر اللفظي هو قول الرجل: «الحمد لله ربّ العالمين».

الرواية الثانية ما رواه الشيخ الفاضل علي بن عيسى في كشف الغمة للآربلي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «قال الصادق عليه السلام : فقد لأبي بغلة فقال: لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث أن أوتي بها بسرجها ولجامها، فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء، وقال: «الحمد لله» ولم يزد، ثم قال: ما تركت ولا أبقيت شيئاً، جعلت جميع أنواع المحامد لله عزّ وجل، فما من حمدٍ إلا وهو داخلٌ فيما قلت».

ثم قال علي بن عيسى: «صدق وبر عليه السلام فإن الألف واللام في قوله: «الحمد لله» يستغرق الجنس وتفرده تعالى بالحمد» أي أن صاحب كشف الغمة استفاد من هذه الرواية أن الإمام عليه السلام أشار إلى أن الألف واللام في الحمد هي للجنس فجميع جنس الحمد مختص بالله تبارك وتعالى.

الرواية الثالثة علي بن إبراهيم القمي قال حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن النظر بن سويد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «في قوله (الحمد لله)، قال: الشكر لله، وفي قوله: (الحمد لله ربّ العالمين)، قال: خالق الخلق، الرحمن بجميع، خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصة، (مالك يوم الدين)، قال: يوم الحساب، والدليل على ذلك قوله: (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين)» يعني يوم الحساب.

الإمام عليه السلام يطبق تفسير القرآن بالقرآن، فسر يوم الدين في سورة الحمد بيوم الدين الذي ورد في الآية العشرين من سورة الصافات.

ثم قال: «(إياك نعبد)  مخاطبة لله عزّ وجل، (وإياك نستعين) مثله، (اهدنا الصراط المستقيم)، قال: الطريق هو أمير المؤمنين، ومعرفة الإمام» هذا من باب الجري تطبيق، ما هو الطريق المستقيم؟ أي الطريق الواضح الذي لا عوج فيه والذي يوصل إلى الله، هذا هو المعنى اللغوي للطريق المستقيم، ما هو المصداق الأبرز للطريق المستقيم؟ معرفة الإمام المعصوم، ما هو الطريق الأبرز للطريق المستقيم؟ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فهذا من باب الجري والتطبيق.

لذلك سيأتي في الروايات الأخرى تارة يفسر الطريق المستقيم بمعرفة الإمام، تارة بأمير المؤمنين، تارة بالأئمة هذه كلها مصاديق بارزة للصراط المستقيم.

الرواية الرابعة قال: «وحدثني أبي عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (الصراط المستقيم) قال: هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته، والدليل على أنه أمير المؤمنين قوله: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)، وهو أمير المؤمنين في أم الكتاب في قوله: (الصراط المستقيم) ».

الرواية الخامسة وعنه وحدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داوود المنقري عن حفص بن غياث قال: «وصف أبو عبد الله عليه السلام الصراط فقال: ألف سنة صعود، وألف سنة هبوط، وألف سنة حدال» والمراد بالحدال الميلان، لأنه في الصعود النزول يوجد ميلان.

الرواية السادسة وعنه عن سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الصراط، قال: هو أدق من الشعر وأحد من السيف، ومنهم من يمر عليه مثل البرق، ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر عليهم ماشياً، ومنهم من يمر عليه حبواً متعلقاً، فتأخذ النار منه شيئاً وتترك بعضه» هذه الرواية إلى أن الصراط طريق مستقيم موجود يمر على النار وهو أدق من الشعر وأحد من السيف.

الحديث السابع وعنه أيضاً وحدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه قرأ: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، قال: المغضوب عليهم النصاب، والضالين اليهود والنصارى» هذا أيضاً من الجري والتطبيق.

القرآن الكريم أشار إلى طريقين: طريق الله وطريق غير الله، طريق الله هو طريق الذين أنعم الله عليهم، طريق غير الله على نحوين: إما بوعي فهذا هم المغضوب عليهم، وإما بغير وعي فهؤلاء هم الضالون، فهناك من يضل الطريق لا عن وعي لا عن جحود، وهناك من يضل الطريق عن وعي وجحود، فهذا من الضالين.

فهناك مصاديق للضالين الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، وهناك طريق الذين لم يجحدوا، يعني ضلوا الطريق بدون وعي، فهذه الرواية تقول: «المغضوب عليهم النصاب» يعني من نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام والضالين يعني من ضل الطريق اليهود والنصارى.

الرواية الثامنة وعن ابن أبي عمير عن بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام «في قوله: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) المغضوب عليهم النصاب، والضالين الشكاك الذين لا يعرفون الإمام» هذا أيضاً من الجري والتطبيق، يعني من مصاديق المغضوب عليهم الجاحدين هم النصاب من نصب العداوة لأهل البيت، ومن مصاديق من ضل الطريق كثير التشكيك الذي يشكك وبالتالي لا يعرف الإمام عليه السلام.

الرواية التاسعة سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسين عن علي بن الريان عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «سمعته يقول: إن لله خلف هذا النطاق زبرجده خضراء منها اخضرت السماء، قلت: وما النطاق؟ قال: الحجاب، ولله عزّ وجل وراء ذلك سبعون ألف عالم، أكثر من عدة الجن والإنس وكلهم يلعنوا فلاناً وفلاناً» أشار إلى الأول والثاني.

الرواية العاشرة عن فلفلة عن أبي جعفر نحذف كل السند قال: «إن الله عزّ وجل خلق جبلاً محيطاً بالدنيا من زبرجده خضراء وإنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل، وخلق خلفه خلقاً لم يفترض عليهم شيئاً مما افترض على خلقه من صلاة وزكاة، وكلهم يلعن رجلين من هذه الأمة، وسماهما».

هذا تفسير سورة الفاتحة المصاديق المغضوب لأن اللعنة هي عبارة عن الدعاء بإبعاد الشخص عن الرحمة فاللعنة تكون للمغضوب عليه فهذا من مصاديق المغضوب عليهم.

ننتقل إلى الرواية الثالثة عشر بعض الروايات طويلة بعض الروايات.

الرواية ثالثة عشر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن لله عزّ وجل ألف عالم كل عالم منهم أكثر من سبع سماوات وسبع أراضين ما يرى كل عالم منهم أن لله عالماً غير عالمهم، وأنا حجة الله عليهم».

هذا توضحه الرواية رقم أربعة عشر رواية طويلة، هذه الرواية تشير إلى «وجود مدينة بالمشرق ومدينة بالمغرب فيهما قوم لا يعرفون إبليس ولا يعلمون بخلق إبليس نلقاهم كل حين فيسألوننا عما يحتاجون إليه ويسألوننا عن الدعاء فنعلمهم ويسألوننا عن قائمنا متى يظهر فيهم عبادة واجتهاد شديد لمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلى المصراع مئة فرسخ» الرواية طويلة عن الإمام الصادق عليه السلام.

خلاصتها في الرواية خمسة عشر عن أبي عبد الله عليه السلام رفعه إلى الحسن بن علي عليه السلام قال: «إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب عليهما سور من حديد وعلى كل مدينة ألف ألف باب لكل باب مصرعان من ذهب، وفيها ألف الف لغة تتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبتها، وأنا اعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهم حجة غيري وغير أخي الحسين سلام الله عليهم».

(الحمد لله ربّ العالمين) ما المراد بالعالم؟..

ليلة الجمعة أنا عندي كل ليلة جمعة برنامج مباشر على الهواء مباشرة في قناة الولاية للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، البرنامج على الهواء مباشرة، كان موضوعنا عن التفكر، اتصل شخص من العراق قال: أنا تفكرت في الآيات تجمع السماوات، تقول: السماوات، لكن الأرض تذكرها بلفظ المفرد، وتوصلت إلى هذه النتيجة أن محور الكون هو الأرض.

قلت: أولاً ما المراد بالأرض؟ هل المراد بالأرض خصوص هذه الأرض التي هي كوكب من تسعة كواكب من المجموعة الشمسية «عطارد زهر ومريخ يشتري زحلاً وأورانوس وبلوتو ونبتون جاءا في المؤخر»، تسعة كواكب في مجموعة الشمسية واحدة؟

وهناك ملايين بل بلايين المجموعات الشمسية في مجرة التبانة مجرتنا، ومجرة التبانة جزء من ملايين المجرات في العالم، أنت كيف تحصر الآن الكون في خصوص هذه الأرض؟!

(الأرضين السبع) أولاً ما هو المراد بالأرض؟ ما هو المراد بالأرضين السبع؟ ومن قال أن الأرضين السبع هي محور الكون؟! هذه الرواية (الحمد لله ربّ العالمين) يعني هناك عوالم أخرى أنت غير مطلع عليها وفيها سكنة، الإمام يقول: «يرجعون إلينا»، الرواية هي طويلة حلوة بس أنا ما أخذتها لأنها طويلة، اقرؤوها هذه رواية أربعة عشر في تفسير البرهان.

الرواية الثامنة عشر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: «جاء رجل إلى الرضا فقال له: يا بن رسول الله أخبرني عن قول الله سبحانه (الحمد الحمد لله ربّ العالمين) ما تفسيره؟ فقال: لقد حدثني أبي عن جدي عن الباقر عليه السلام عن زين العابدين عن أبيه أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين فقال أخبرني عن قول الله تعالى: (الحمد لله ربّ العالمين) ما هو تفسيره؟

فقال: (الحمد لله) هو أن عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعد، فقال لهم: قولوا: الحمد لله على ما أنعم به علينا ربنا ربّ العالمين، وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات فأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغزوها من رزقه يحوطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته، وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته يمسك المتصل منها أن يتهافت ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق» إلى آخر الرواية، الرواية طويل.

الرواية التاسعة عشر عن الرضا عليه السلام أنه قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة لأن لا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً، وليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحل ولا يجهل، وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد.

وذلك أن قوله عزّ وجل: (الحمد لله) إنما هو أداء لما اوجب الله عزّ وجل على خلقه من الشكر والشكر لما وفق عبده من الخير، (ربّ العالمين) توحيد وتحميد له وإقرار بأنه هو الخالق المالك لا غيره، (الرحمن الرحيم) استعطافه وذكر آلائه ونعمائه على جميع خلقه، (مالك يوم الدين) إقرار له بالبعث والحساب والمجازات وايجاب ملك الآخرة له كايجاب ملك الدنيا، (إياك نعبد) رغبةً وتقرب إلى الله تعالى ذكره وإخلاص له بالعمل دون غيره (وإياك نستعين) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم الله عليه ونصره، (اهدنا الصراط المستقيم) استرشاد لدينه واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة لربه عزّ وجل وكبريائه وعظمته، (صراط الذين أنعمت عليهم) تأكيد في السؤال والرغبة وذكر لما قد تقدم من نعمه على أوليائه ورغبة في مثل تلك النعم، (غير المغضوب عليهم) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره وبنهيه، (ولا الضآلين) اعتصاماً من أن يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد اجتمع فيها من جوامع الخير والحكمة من أمر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الأشياء».

أقول لاحظوا هذه الرواية تفسير كامل لسورة الفاتحة، وصلنا إلى الحديث العشرين، إن شاء الله تراجعون هذه الرواية من الحديث العشرين إلى الحديث التاسع والثلاثين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 110 إلى 122.

[2]  البرهان، ج 1، ص 110.

00:00

20

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 25 الجلسة

20

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
25 الجلسة