خارج الفقه (الجهاد)
شیخ الدقاق

31 - الاستدلال بالسيرة والإجماع على مشروعية الجهاد الابتدائي

خارج الفقه (الجهاد)

  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

21

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الاستدلال بالسيرة والإجماع على مشروعية الجهاد الابتدائي

العمدة في الاستدلال على وجوب ومشروعية الجهاد الابتدائي هو آيات الكتاب الكريم كآية السيف والروايات، فقد تطرقنا إلى أربعة أدلة من القرآن الكريم وأربعة أدلة من الروايات الشريفة، ولكن قد يستدل على مشروعية الجهاد الابتدائي بسيرة المتشرعة والإجماع، ولا بأس ببحثهما كما بحثهما المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه[1].

 

 

[الاستدلال بسيرة المتشرعة]

لو بحثنا في كتب الفقهاء فلعلنا لا نجد من استدل على الجهاد الابتدائي بسيرة المتشرعة، ولكن يمكن تقريب الاستدلال بما ذكره شمس الدين رحمه الله كوجهٍ من وجوه الاستدلال على مشروعية الجهاد الابتدائي قال رحمه الله ما نصّه:

«إن جميع الحروب والغزوات التي خاضها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله سواء التي شارك فيها بنفسه أو ارسل لقيادتها نواباً عنه ابتداء من السنة الثانية للهجرة حيث وقعت معركة بدر الكبرى إلى آخر أيام حياته الشريفة عند عقد اللواء لأسامة بن زيد على غزو البلقاء وما إليها من أعمال الشام إن جميع حروبه صلى الله عليه وآله كانت ابتدائية هجومية ما عدا واقعتي أحد والخندق التي كانت ظروفهما دفاعية محضة إزاء هجوم قريش وحلفائها على المدينة، فيكون على مشروعية الجهاد الابتدائي دلالة لا ريب فيها بعد كون فعله صلى الله عليه وآله كقوله حجة تشريعية على الأمة.

والجواب: إن شيئاً من تلك الحروب والغزوات لم يكن ابتدائياً بالمعنى المصطلح والمبحوث عنه للجهاد الابتدائي وهو قتال الكفار لمقتضى كفرهم لا غير، ببيان أن أي من تلك الوقائع لم يكن دافعها كفر الجانب الآخر كما لم يكن محاربون فيها مسالمين مأموني الجانب مطاوعين في السياسة، أو متآلفين في العيش الاجتماعي، وإنما الأمر على خلاف ذلك فإن المسلمين كانوا قد عانوا الويلات من المشركين في قريش قبل الهجرة حتى هاجرت جماعات منهم إلى الحبشة فراراً من وطأة الاضطهاد وعذب بعض آخر وقتل بعض ثالث إلى أن أذن الله تعالى لهم بالخروج إلى يثرب» إلى آخر كلامه رحمه الله.

ثم قال: «هذا هو السيرة من الأدلة اللبية التي لا إطلاق ولا عموم فيها كما لا تفسر نفسها فيكفي مجرد الشك في دلالتها لتسقط عن الاعتبار الدلالي من دون مندوحة لمعالجة هذا الشك على الإطلاق».

أقول: ما ما أفاده رحمه الله تامٌ وفي محله إلا إذا ارجعنا السيرة إلى الارتكاز المتشرعي، وسيأتي إن شاء الله عند بحث الإجماع أنه يمكن إرجاع الإجماع إلى الارتكاز المستحكم عند من مشروعية الجهاد الابتدائي فيكون الإجماع وسيرة المتشرعة كاشفين عن الارتكاز المتشرعي من باب الكشف الآني والبرهان الآني حيث إن المعلول وهو السيرة والإجماع يكشف عن العلة وهو الارتكاز المتشرعي إن قلنا بثبوت واستحكام هكذا ارتكاز متشرعي فإنه يمكن التأمل فيه أيضاً.

إذاً النتيجة لا يمكن الاستدلال بسيرة المتشرعة على مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي إلا إذا اِدعينا وقلنا أن سيرة المتشرعة تكشف عن ارتكاز متشرعي مستحكم عند المسلمين مفاده مشروعية ووجوب الجهاد الابتدائي وهذا يحتاج إلى إثبات ودليل.

[الاستدلال بالإجماع على مشروعية الجهاد الابتدائي]

يرسل دليل الإجماع على وجوب الجهاد في كلام الفقهاء إرسال المسلمات ولا ريب في هذا الإجماع وثبوته فلا يمكن الطعن فيه بأنه منقول، لكن المرحوم الشيخ شمس الدين رحمه الله ناقش في هذا الإجماع بمناقشتين يمكن دفعهما:

المناقشة الأولى قال رحمه الله: «نعم يتوجه الطعن على دليليته على المدعى بملاحظة معقده فإنه عنوان الجهاد بلا تفصيل، وهذا غايته إثبات أصل مشروعية لا سنخة، ولا يزيد الإجماع في هذه الحالة عن أي آية أو رواية من الروايات الصحيحة المتقدمة».

المناقشة الثانية قال رحمه الله[2]: «أضف إلى ذلك أن هذا الإجماع مدركي بلا ريب فإن كل من ذكره إنما استند إلى الآيات والروايات، وقد ظهر لك الحال فيها، فهو لا يرى دلالة الآيات على مشروعية الجهاد الابتدائي» انتهى كلامه رحمه الله.

ولكن يمكن الجواب على كلتا المناقشتين:

أما المناقشة الأولى الناظرة إلى معقد الإجماع وأن معقد الإجماع هو عنوان الجهاد من دون تفصيل بينما المدعى هو الجهاد الابتدائي فكلام المرحوم الشيخ شمس الدين ليس بتام، فصحيح لو راجعنا كلمات الفقهاء وجدنا أن لفظ الجهاد مطلق ولم يقيد بالجهاد الابتدائي، لكننا لو راجعنا كلماتهم لوجدنا أنهم يجعلون الجهاد في مقابل الدفاع مما يعني أنهم يقصدون بالجهاد خصوص الجهاد الابتدائي وليس مطلق الجهاد سواء كان دفاعياً أو ابتدائياً، فبقرينة المقابلة يمكن فهم أن نظرهم هو الجهاد الابتدائي.

ونضم إلى ذلك تصريحاتهم وسياق كلامهم فلنقرأ جملة من كلمات السنة والشيعة في وجوب الجهاد وسنرى أن وجوب الجهاد في الإسلام عليه إجماع المسلمين من السنة والشيعة، ولنذكر أقوال القدماء لتحرير إجماع الإمامية.

فقد أجمع الأصحاب والقدماء على وجوب الجهاد، فيمكن مراجعة:

كلام الصدوق في الهداية المتوفى سنة ثلاثمائة وثمانين، صفحة سبعة وخمسين.

وأبو الصلاح الحلبي المتوفى سنة أربعمائة وسبعة وأربعين، في الكافي في الفقه صفحة مئتين وستة وأربعين.

والشيخ الطوسي المتوفى سنة أربعمائة وستين، يراجع كلامه في:

المبسوط، الجزء الثاني، صفحة اثنين.

وفي الخلاف، الجزء الخامس، صفحة خمسمائة وخمسة عشر.

وفي الاقتصاد، صفحة ثلاثمائة واثنا عشر.

وفي النهاية، صفحة مئتين وتسعة وثمانين.

وفي الجمل والعقول، صفحة مائة وأربعة وخمسين.

ويلاحظ كلام القاضي ابن البراج المتوفى سنة أربعمائة واحد وثمانين، في المهذب الجزء الأول، صفحة مئتين واثنين وتسعين.

جواهر الفقه صفحة تسعة وأربعين.

أمين الإسلام الطبرسي صاحب المجمع المتوفى خمسمائة وثمانية وأربعين، يلاحظ:

المؤتلف من المختلف للفضل بن الحسن الطبرسي، الجزء الثاني، صفحة أربعمائة وثلاثة وثلاثين.

قطب الدين الراوندي المتوفى وسنة خمسمائة وثلاث، فقه القرآن، الجزء الأول، صفحة ثلاثمائة وسبعة وعشرين.

ابن حمزة الطوسي المتوفى سنة خمسمائة وثمانين هجرية، الوسيلة إلى نيل الفضيلة، صفحة مائة وتسعة وتسعين.

ابن زهرة الحلبي المتوفى سنة خمسمائة وخمسة وثمانين، يراجع: غنية النزوع، الجزء الأول، صفحة مائة وتسعة وتسعين.

ابن أبي المجد الحلبي من أعلام القرن السادس، يلاحظ إشارة السبق صفحة مائة واثنين وأربعين.

ابن إدريس الحلي المتوفى سنة خمسمائة وثمانية وتسعين، يلاحظ السرائر، الجزء الثاني، صفحة اثنين.

قطب الدين الكيدري من أعلام القرن السابع، إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، صفحة مائة وسبعة وثمانين.

المحقق نجم الدين الحلي المتوفى سنة ستمائة وستة وسبعين، شرائع الإسلام، الجزء الأول، صفحة مئتين وثمانية وسبعين.

يحيى بن سعيد الحلي المتوفى سنة ستمائة وتسعين، الجامع للشرائع صفحة مئتين وثلاثة وثمانين.

وهكذا جرى على قولهم كل من تأخر عنهم.

ولكن قد قال حينما نرجع إلى كلامهم أنهم ناظرون إلى مطلق الجهاد وليس إلى خصوص الجهاد الابتدائي، ولكن إذا رجعنا إلى نصّ كلماتهم سنجدهم يشترطون حضور الإمام المعصوم مما يعني أنهم ناظرين إلى الجهاد ابتدائي دون الجهاد الدفاعي لأن الجهاد الدفاعي لا يشترط فيه إذن الإمام المعصوم أو حضور الإمام المعصوم.

ولنذكر بعض الكلمات:

قال الشيخ الطوسي رحمه الله: «ومن وجب عليه الجهاد إنما يجب عليه عند شروط وهي أن يكون الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره، ولا يسوغ لهم الجهاد من دونه ظاهراً، أو يكون من نصبه الإمام للقيام بأمر المسلمين حاضراً، ثم يدعوهم إلى الجهاد فيجب عليهم حينئذ القيام به، ومتى لم يكن الإمام ظاهراً ولا من نصبه الإمام حاضراً لم يجز مجاهدة العدو.

والجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يؤجر عليه، وإن أصيب كان مأثوماً»[3].

مما يظهر منه أنه يقصد الجهاد الابتدائي، أصلاً في كلمات القدماء إذا تراجع الجهاد يذكرون الجهاد في مقابل الدفاع يقولون أحكام الجهاد وأحكام الدفاع، فيطلقون لفظ الجهاد على الجهاد الابتدائي فيتم معقد إجماع، فإذا قالوا: أجمع الفقهاء على وجوب الجهاد يعني المقصود بالجهاد الابتدائي.

فإذا قال مثلاً يحيى بن سعيد: «أما وجوبه فمن الكتاب ومما علم من دين النبي صلى الله عليه وآله ضرورة»[4].

وقال العلامة الحلي: «الجهاد واجب بالنصّ والإجماع»[5].

قال: «وقد أجمع المسلمون كافة على وجوب الجهاد»[6].  

فهنا لا يراد بالجهاد أصل الجهاد ومطلق الجهاد، يفهم منه الجهاد الابتدائي بقرينة سياق كلامهم أنهم يفرقون بين أحكام الجهاد وبين أحكام الدفاع، فلا يتم هذا الإشكال من أن معقد الإجماع هو مطلق الجهاد أو أصل الجهاد دون خصوص سنخ الجهاد المبحوث وهو الجهاد الابتدائي.

قال المحقق القمي الميرزا القمي صاحب القوانين ما نصّه:

«وأما الحقيقة الفقهية فالذي هو موضوع كتاب الجهاد في أكثر الكتب الفقهية هو الجهاد مع الكفار حال حضور الإمام وبإذنه، وكذا مع البغاة كذلك، وقد ذكروا حكم قتال من دهم من الكفار بحيث يخاف منه على بيضة الإسلام والمسلمين من الاصطدام والاستئصال فيه استطراداً، وأما».

لاحظ الشاهد هنا: «وأما الدفاع عن النفس والمال ونحوه من الأهل والذرية فهو مذكور في كتاب الحدود»[7].

إذاً بناء على هذا يمكن استظهار أن معقد الإجماع هو الجهاد الابتدائي.

وإن تنزلنا وقلنا إن عبارة الجهاد لا يفهم منها الجهاد الابتدائي، فيمكن التمسك بالإطلاق، فيقال: إن لفظ الجهاد كما يشمل الجهاد الابتدائي يشمل الجهاد الدفاعي، لكنه حينئذ لا يمكن التمسك بالإطلاق لأن المتكلم لم يكن في مقام البيان من جهة سنخ الجهاد وأنه ابتدائي أو دفاعي أو يشملهما بل هو في مقام بيان أصل تشريع الجهاد فلا يمكن التمسك حينئذ بالإطلاق.

وأما المناقشة الثانية من أن الإجماع هذا الإجماع منقول وأنه محتمل المدركية ومجرد احتمال مدركيته يسقطه عن الحجية.

وهذا الكلام تام ولكن يمكن الإجابة عنه وتخريج المسألة ببيان أن كشف الإجماع في المقام إما أن يكون عن ارتكاز متشرعة وإما أن يكون كشف إجماع الفقهاء عن إجماع أصحاب الأئمة الممضى، وإما أن يكون هذا الإجماع يكشف عن تقرير الإمام المعصوم لما ارتكز عند العامة.

وبناءً على هذا التقريب الثالث لا يأتي إشكال أنه محتمل المدركية.

بيان التقريب الثالث:

إن مسألة وجوب الجهاد الابتدائي واضحة عند العامة، وعليها إجماعهم، فقامت الدولة الأموية والعباسية بالفتوحات، فلو كان الجهاد الابتدائي غير مشروع لردع الإمام عنه، ولوجه الإمام بذلك، فسكوت الإمام يدل على الإمضاء.

وقد يشكل بأن سكوت الإمام راجع إلى التقية، لكن هذا مردود إذ أن الأئمة عليهم السلام بينوا بعض أحكام الجهاد وخطأوا ما جرى عليه المسلمون ونهوا عن معونة الظالمين والدخول في أعمال السلطة، فلو كان الجهاد الابتدائي غير مشروع لردعوا عنه، وحيث لم يردعوا عنه إذا قد أمضوا فيكون إجماع المسلمين من فقهاء السنة والشيعة على الجهاد الابتدائي كاشفاً عن تقر الإمام عليه السلام لما ارتكز عند المتشرعة.

فيكون المدار على ماذا؟ على التقرير، وليس المدار على الآيات أو الروايات التي قد يناقش فيها، وقد ناقش في دلالتها المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

على كل حال هذه تخريجة وترجع إلى الفقيه، هل وجداناً يصل هذه النتيجة أو يتأمل فيها.

وكيف كان فالأمر سهل فالاستدلال بالسيرة والإجماع على مشروعية الجهاد الابتدائي فيه إشكال وتأمل، والعمدة في الاستدلال على مشروعية وجوب الجهاد الابتدائي هو آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الاستدلال على مشروعية الجهاد الابتدائي، واتضح أنه ثابت وتام، يبقى الكلام في مشروعية الجهاد الدفاعي، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  جهاد الأمة، ص 200 إلى 202.

[2]  جهاد الأمة، ص 202.

[3]  النهاية، الشيخ الطوسي، ص 289 و 290.

[4]  جامع الشرائع، ص 233.

[5]  تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 7.

[6]  منتهى المطلب في تحقيق المذهب، ج 14، ص 11.

[7]  أبو القاسم القمي، جامع الشتات، ج 1، ص 368.

00:00

21

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 31 الجلسة

21

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: كتاب الجهاد
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
31 الجلسة