بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

20 - حجية التوثيق والفحص عن المعارض

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

21

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 حجية التوثيق والفحص عن المعارض

من المسائل المهمة هي علم الرجال وتتفرع عليها مطالب مفيدة هي أن توثيقات الرجاليين وتضعيفاتهم هل تقبل من دون الفحص عن المعارض؟ أم لابد من الفحص المعارض؟

وبعبارة أخرى: هل توثيقات الرجاليين هي من قبيل ونظير ما يقال في المطلقات والعمومات وظواهر الكتاب؟ فقد قيل ما من عام إلا وقد خص فلا يكفي مجرد النظر إلى العام والمطلق بل لابد من الفحص عن المقيد والمخصص، فلا يكون العام حجة إلا بعد الفحص عن المخصص وإثبات انتفاعه، فهل توثيقات الرجاليين هكذا أو لا؟

ولو رجعنا لأكثر كلمات الرجاليين سنرى أنهم يعقدون البحث في خصوص التوثيقات، ولعل ذلك لما هو المعروف بينهم من إطلاق تقديم الجرح على التعديل فإذا عثر المستعلم على جرح لم يعد هناك داع إلى البحث عن الرجل في كلمات الآخرين لوضوح أن هذا الرجل حتى لو كان معدلاً فإن الجرح والتضعيف يقدم على التعديل والتوثيق.

لكن هذا الكلام ليس بصحيح لسببين:

الأول إن الذي عثر على الجرح ربما عثر بعد الفحص على تعديل أقوى منه، فينقلب الرجل عنده موثقاً.

وبعبارة أخرى: قاعدة تقديم الجرح على التعديل والتضعيف على التوثيق ليست على إطلاقها، وقد أشار إلى ذلك السيد صدر الدين الصدر رحمه الله في شرحه على الوافية، وهو مخطوط لم يطبع بعد، وقد نقل عنه المرحوم السيد حسن الصدر في نهاية الدراية، صفحة ثلاثمائة وستة وسبعين.

الأمر الثاني أن كلامنا في الرجال لا ينحصر في خصوص التوثيق والتضعيف والجرح والتعديل، بل يشمل كل مدح أو ذم صدر في حق الرواة كالتعارض الوارد في كلمات الرجاليين بأن فلان إمامي أو فطحي أو واقفي أو من الغلاة أو غير ذلك، ومن الواضح في مثل هذا عدم صحة القول بالتقديم.

إذاً نحتاج إلى ضم الجرح إلى التعديل، فنقول: تعديلات أو تجريحات الرجاليين هل تحتاج إلى فحص؟ توثيقات وتضعيفات الرجاليين هل تحتاج إلى فحص أو يؤخذ بها بإطلاقها؟

وقع الخلاف في ذلك على أقوال:

القول الأول لزوم البحث مطلقاً، ذهب إليه جماعة منهم العلامة الحلي في نهاية الأصول، نسبه إليه السيد المجاهد في مفاتيح الأصول[1]، والشيخ المامقاني[2]، والشهيد الثاني[3]، وصاحب المعالم[4]، والمقدس الأعرجي[5].

وممن ذهب إلى لزوم الفحص صاحب القوانين الميرزا أبو القاسم القمي[6]، هذا القول الأول لزوم الفحص مطلقاً.

القول الثاني في مقابله عدم لزوم الفحص مطلقاً أي يؤخذ بمجرد التوثيق أو التضعيف من دون فحص عن الأقوال الأخرى، ولم يعلم قائل بهذا القول صريحاً غير المحقق الحلي صاحب الشرائع[7]، ولكن يمكن استظهار هذا القول من كلام كل من جعل التزكية حجة من باب الظن، وادعى حصول الظن منها من دون فحص[8].

فالقول الثاني وهو عدم لزوم الفحص مطلقاً ينسجم مع من قال بدليل الانسداد وأن باب العلم والعلمي منسد والتزم بحجية مطلق الظن، فقال بحجية الظنون الرجالية، ومن الواضح أن قول الرجالي وتوثيقه أو تضعيفه يوجب الظن فلا حاجة إلى الفحص عن الكلمات الأخرى المعارضة.

هذا تخريج وإن أمكن القول أنه لو فحص عن الكلمات الأخرى لربما يزول هذا الظن فيصبح وهماً.

القول الثالث التفصيل بين موراد إمكان الفحص وعدمه، ومثال إمكان الفحص توثيق شخص بعينه، ومثال عدم إمكان الفحص توثيق مجهول العين، وقد ذهب إلى القول بالتفصيل صريحاً المحقق الشيخ عبد الله المامقاني[9].

ويمكن نسبة هذا القول بنحو الاحتمال إلى جماعة كصاحب الرياض، السيد علي الطباطبائي، وولد صاحب المناهل السيد محمد المجاهد[10]، كما يمكن نسبته بنحو إلى صاحب الفصول الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي[11].

وأما القائلين بالقول الأول وهو لزوم الفحص مطلقاً فمنهم المقدس الأعرجي[12] لكنه قيد إطلاق كلام صاحب المعالم، بما إذا كان الراوي مظنة الاختلاف، ووافقه عليه في نهاية الدراية أي أنه يجب الفحص إذا كان الراوي مظنة الاختلاف.

وهذا قد يقال أنه ليس بتقييد للقول الأول لأن إطلاق كلام الشهيد الثاني وصاحب المعالم من لزوم الفحص مطلقاً منزلٌ على هذا الكلام أي إذا كان الراوي مظنة الاختلاف لوضوح عدم لزوم الفحص إذا لم يكن الراوي مظنة الاختلاف.

ويظهر ذلك من قياس الشيخ حسن صاحب المعالم رحمه الله محل الكلام بباب العام والخاص في الروايات، ومن هنا يمكن جعل الشيخ الطوسي صاحب كتاب العدة في الأصول من جملة أصحاب القول الأول وهذا يذكر أيضاً في باب الاجتهاد والتقليد وغيره عمدة السيرة العقلائية أنه عند احتمال الخلاف فيقولون يجب تقليد الأعلم عند احتمال الخلاف بينهما أما إذا ما كان هناك اختلاف فالعقلاء لا يرجحون تقليد الأعلام يكون سوا.

على كلٍ هذه أقوال ثلاثة فما هو الصحيح منها؟

وقبل بيان الصحيح منها لا بد من تقديم مقدمة، وهي أن الكلام مبني على المسلك الأول في مدرك حجية قول الرجالي وهو الأخذ بقول الرجالي من باب حجية خبر الثقة، فيقال بحجية قول الرجالي من باب حجية الخبر، وعمدة الدليل على حجية خبر الواحد الثقة هو السيرة العقلائية، وسيرة العقلاء قائمة على أنه إذا كان الخبر مظنة الخلاف يجب الفحص بخلاف ما إذا لم يكن الخبر مظنة الخلاف.

وبناءً على المسلك الأول حجية قول الرجالي من باب حجية خبر الواحد الثقة ينتفي القول الثاني الذي يرى عدم لزوم الفحص مطلقاً لأنه يبتني على حجية مطلق الظن، وهذه الكبرى غير مسلمة، بل يمكن أن يناقش صغروياً في إفادة التوثيق للظن قبل الفحص عن المعارض، فمن قال إن مجرد التوثيق يوجب حصول الظن من دون الفحص عن المعارض؟! فلو فحصناه فلربما ينقلب هذا الظن إلى وهم خصوصاً إذا قوي احتمال الخلاف.

فيبقى القول الأول والقول الثالث هل نلتزم بحجية التوثيق مع لزوم الفحص؟ أو نلتزم بالتفصيل؟ يجب الفحص مع إمكان الفحص، وأما إذا لم يمكن الفحص كما لو كان الراوي مجهولاً فلا يجب الفحص.

نقول لا بد من عرض القول الأول والثالث على الدليل.

والصحيح إن العقلاء لا يتفرقون في المورد الذي يكون محتملاً للخلاف بين موارد إمكان الفحص وموارد عدم إمكان الفحص، فترى العقلاء يتوقفون في الخبر حتى يتجلى لهم الواقع والحال سواء كان الشخص معلوماً أو مبهماً.

فإذا كان المبهم معاصراً طالبوه بالتبيين للشخص الموثق حتى ينظروا في أمره حيث إن هذا البحث مظنة للخلاف.

النتيجة الصحيح من الأقوال هو القول الأول وهو لزوم الفحص مطلقاً سواء أمكن الفحص أو لم يمكن، لأن العمدة في ذلك هو سيرة العقلاء.

هذا كله بناء على مسلك مشهور وهو ماذا؟ الأخذ بقول الرجالي من باب حجية خبر الواحد ثقة.

وأما لو بنينا على مسلكنا وهو حجية الوثوق وهو مبنى القدماء في حجية الخبر، فقالوا: بحجية الخبر الموثوق، فحينئذ نقول: لابد من الفحص إذ بدون الفحص لا يحصل الوثوق والاطمئنان النوعي، والمدار كل المدار على الوثوق والاطمئنان النوعي، فلابد من الفحص.

النتيجة النهائية: على مسلكنا وهو الوثوق وعلى مسلك حجية خبر الواحد الثقة لا يعمل بتوثيقات أو تضعيفات الرجاليين إلا بعد الفحص، ويتفرع على هذا المبنى مسائل مهمة تعرض لها الأصحاب وسيأتي التعرض لها، ونذكر مسألتين:

المسألة الأولى: ما لو وثق شخص مجهول العين ولم يعلم شخصه أفيقبل توثيقه أو لا؟ وقد اتضح أنه لا يقبل توثيقه بل لابد من الفحص وتلمس القرائن الدالة على التوثيق.

المسألة الثانية: هي مسألة مهمة ومعروف بمراسيل الثلاثة صفوان والبزنطي ومحمد بن أبي عمير الذين ادعي في حقهم أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة، وبعد الفحص في مروياتهم وجدنا أنهم يروون في بعض الحالات عن غير الثقات، لكنها موارد نادرة، أو يرون عمن وقع الاختلاف فيهم، وهي موارد قليلة.

وقد يقال إن روايتهم وإسنادهم عن هؤلاء الذين ثبت ضعفهم أو وقع الاختلاف فيهم قد يوجب التشكيك، فيقال: لعلهم قد ارسلوا أيضاً عن هؤلاء، ويحتمل أنهم قد ارسلوا عن غير الثقة، أو عمن ضعف أو وقع فيه الاختلاف ولا دافع لهذا الاحتمال، فقد يقال بالتوقف في مراسيلهم مع عدم وجود قرينه خاصة موجبة للقبول.

لذلك كما سيأتي يمكن إقامة القرينة وهي التمسك بحساب الاحتمالات إذ أنهم رووا عن قرابة أربعمائة راوٍ ثلاثمائة وخمسة وتسعين منهم ثقات، وخمسة ضعاف وليسوا مسلمي الضعف، بل يمكن الاختلاف في توثيقهم وتضعيفهم، فبحسب حساب الاحتمالات، إذا ارسل أحد الثلاثة عن شخص فمن البعيد جداً أن يكون قد ارسل عن شخص ضعيف، وهذا الاحتمال أنه ارسل عن شخص ضعيف احتمال عقلي لا يعتني به العقلاء كما سيأتي إن شاء الله في بحث مشايخ الثقات.

اشتراط الوثاقة عند الأداء دون التحمل يأتي عليه، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  ص 373.

[2]  مقباس الهداية، ج 2، ص 122.

[3]  الرعاية في علم الدراية، ص 200.

[4]  معالم الدين وملاذ المجتهدين، ص 280.

[5]  عدة الرجال، ص 280.

[6]  القوانين المحكمة في الأصول، ص 477.

[7]  معارج الأصول، ص 151.

[8]  مفاتيح الأصول، السيد محمد المجاهد، ص 373.

الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الشيخ محمد حسين الأصفهاني، ص 304.

مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقاني، ج 2، ص 122.

[9]  مقباس الهداية في علم الدراية، ج 2، ص 222.

[10]  مفاتيح الأصول، السيد محمد المجاهد، ص 373.

[11]  الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص 304.

[12]  عدة الرجال، ص 180.

00:00

21

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 23 الجلسة

21

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
23 الجلسة