التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

26 - تأملات في بسملة سورة الحمد

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

21

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تأملات في بسملة سورة الحمد

تم الكلام في تفسير البسملة ومضى التأمل في البسملة، لكن البحث الآن في التأمل في خصوص بسملة سورة الحمد، فهناك معنى عام للبسملة وعندنا مائة وأربعة عشر بسملة في القرآن الكريم، وهناك معنى خاص للبسملة في كل سورة، فإن دخول البسملة على السورة وافتتاح السورة بالبسملة يعطي معنى خاصاً لهذه البسملة.

ومن هنا نجد أن بعض الفقهاء قد ذهب إلى لزوم تعيين البسملة عند قراءة السورة فالبسملة ليست مجرد افتتاح، بل هي جزء من كل سورة كما أن لها معنى عام لجميع السور، ومعنى خاص يختص بخصوص السورة التي تبدأ بالبسملة.

فما هو المعنى الخاص من البسملة التي افتتح بها فاتحة الكتاب وسورة الحمد؟

الجواب: تعلمنا سورة الحمد والفاتحة كيفية التعامل مع الله، فذكر تمجيده أولاً، وعبادته ثانياً، والاستعانة به ثالثاً، وطلب الهداية منه والدعاء رابعاً.

وبما أن البسملة متعلقها الابتداء فحينئذ تعلمناه البسملة من سورة الحمد أن نبتدئ بتمجيد الله وحمده في جميع أمورنا وأن نبتدأ بعبادة الله والتوجه إلى الله والتقرب إليه في جميع أعمالنا، وأن نبدأ بالله ونستعين به في كافة أمورنا، وإذا أردنا أن نبدأ بشيء فلا بد من البدء بطلب الهداية من الله، وطلب الدعاء من الله بالتسديد والتوفيق.

هذا هو المعنى الخاص للبسملة بشكل موجز، ومن أراد التفصيل فعليه بالمطولات، ولنقرأ هذا المطلب، وهذه المضامين مما سطره ذراع العالم الكبير العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي[1] ولنشرع في بيان تفسير البسملة من سورة الحمد.

«قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) الناس ربما يعملون عملا أو يبتدئون في عمل، ويقرنونه باسم عزيز من عزتهم أو كبير من كبرائهم ليكون عملهم ذاك مباركا بذلك متشرفاً أو ليكون ذكرى يذكرهم به ومثل ذلك موجود أيضا في باب التسمية، فربما يسمون المولود الجديد من الإنسان أو شيئا مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه ليبقى الاسم ببقاء المسمى الجديد، ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن يسمي ولده باسم والده ليحيي بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى.

وقد جرى كلام الله تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام باسمه عز اسمه ليكون ما يتضمنه من المعنى باسمه مرتبطاً به وليكون أدبا يؤدب به العباد في الأعمال والأقوال والأفعال فيبتدأ باسمه ويعمل به، فيكون ما يعملونه معلماً باسمه منعوتاً بنعته تعالى مقصودا لأجله -سبحانه- فلا يكون العمل هالكاً باطلاً مبطلاً لأنه بسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه».

إذاً البسملة وسورة الفاتحة هي كلام الله على لسان الله، لكن في مقام تعليم وتأديب العبد.

أيها ألعاب الفقير المسكين إذا أردت أن تلجأ إلى ركن وثيق وحصن حصين فأبدأ باسم ربّ العالمين، وإن بدأت بغيره فعملك ناقصٌ مقطوع أبتر، ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وآله «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بسم الله، فهو أبتر» والأبتر هو المقطوع الأثر.

وقد علمنا الله -تبارك وتعالى- أن نبدأ سوراً بالبسملة، وقد وسم كتابه بأنه نور ولا بد أن يبدأ هذا النور بالبسملة، فكيف بغير؟! قال تعالى: (قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين يهدي به الله) فالغاية من القرآن الكريم وكلام الله هداية العباد، وتحصل الهداية دفعة واحدة وجملة واحدة إذا ابتدأت (بسم الله الرحمن الرحيم) فالله إليه يرجع العباد وهو الرحمن يبين لعباده سبيل رحمته العامة للمؤمن والكافر مما فيه خيرهم في وجودهم وحياتهم، وهو الرحيم بالمؤمنين رحمة خاصة وهي سعادتهم في الآخرة عند لقاء ربهم.

إذا البسملة في سورة الحمد راجعه إلى غرض سورة الحمد والمعنى المحصل من سورة الحمد، والغرض الذي يدل عليه سبك سورة الحمد هو حمد بإظهار العبودية له، والإفصاح عن العبادة وحصرها بالله وحصر الاستعانة بالله وسؤال الهداية من الله، ففي بداية سورة الحمد وفي نهايتها في البداية كلام الله، لكن يتكلم نيابة عن العبد هذا في نصف السورة والنصف الآخر العبد يخاطب الله -عز وجل- مباشرة.

فإظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد وهو الأمر ذو البال الذي يقدم عليه، فيصير المعنى هكذا لاحظ: باسمك يا الله أظهر لك العبودية، باسمك يا الله أمجدك وأثنى عليك، باسمك يا الله أستعين بك باسمك يا الله اطلب الهداية منك، باسمك يا الله أدعوك وأطلب منك أن تجعلني من الذين أنعمت عليهم، باسمك يا الله لا تجعلني من الضالين، باسمك يا الله لا تجعلني من المغضوب عليهم.

وقد ذكرنا أن لفظ الاسم إما من السمو وإما مشتق من السمة بمعنى العلامة، واستظهرنا أنه مشتقٌ من الاسم بمعنى السمو والرفعة تعالى الله عن جميع مخلوقاته علواً كبيرا.

وقد وقع نزاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الإسلام في أن الاسم هل هو غير المسمى؟ أو أن الاسم هو عين المسمى؟

فذهب أهل اللغة إلى أن الاسم غير المسمى، وذهب العرفاء إلى أن الاسم هو عين مسمى، وتفصيل هذه الأبحاث خارج عنه البحث التفسيري، فيرجع فيه إلى مظانه، هذا بالنسبة للاسم.

وأما لفظ الجلالة ذكرنا أنه إما من ألِهَ فهو مألوه أو ألَه فهو مألوه، ألِه بمعنى تحير أو ألَه بمعنى عبد أي يصير على وزن كتب مكتوب أله مألوه على وزن مكتوب، فأله بمعنى تحير، فيراد الذات المتحير فيها أو أله بمعنى عبد بمعنى معبود، وقد استظهرنا أنه مأخوذ من لاه بمعنى ارتفع.

ووقع الكلام في أن لفظ الجلالة هل هو علم جامد أم أنه مشتق؟

وقد استظهرنا أنه جامد، وكان هذا الاسم متداولاً في الجاهلية، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) (وقول هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) فلفظ الجلالة جامد.

ولكن لو تنزل وقلنا إنه مشتق فهو اسم جنس مشتق من لاه.

والدليل على أن لفظ الجلالة جامد، وليس بمشتق أنه لا يقع صفة، بل تقع الصفة بعده، فتقول: الله الرحمن الرحيم، وتنسب الصفات والأفعال إليه، فتقول: رحم الله، رزق الله، علم الله، ولا تجعل لفظ الجلالة كصفة من الصفات.

وأما الوصفان (الرحمن والرحيم) فهما من الرحمة، والرحمة أما عامة وإما خاصة، فلفظ الرحمن اسم خاص بصفة عامة فهو على وزن فعلان صيغة مبالغة تدل على الكثرة، ولفظ الرحيم اسمٌ عام لصفة خاصة فالرحيم على وزن فعيل صفة مشبهة تدل على الثبات والبقاء.

لذلك ناسب لفظ الرحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة التي تفرض على المؤمن والكافر، وهذه هي الرحمة العامة، وناسب لفظ الرحيم النعمة والرحمة الخاصة، وهي تدل على الثبات أي ثبات واستمرار الرحمة التي تفرض على المؤمن، قال تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما)، وقال تعالى: (إنه بهم رؤوف رحيم).

ولو راجعنا الروايات الشريفة نجد أنها نصت على عموم الرحمة في لفظ الرحمن وتخصيص الرحمة في الرحيم بالمؤمن، فالرحمن اسم خاص بصورة عامة والرحيم اسم عام بصفة خاصة، ولعل هذا أكثر ما ينظر إلى الدنيا والآخرة.

فكأن الرحمة في الرحمن يراد بها الرحمة التكوينية في عالم الدنيا التي تعم المؤمن والكافر، فالرحمن يختص بالإفاضة التكوينية التي تعم المؤمن والكافر، بخلاف الرحيم فإنه يشمل الرحمة التكوينية والرحمة التشريعية في باب الهداية والسعادة، وتختص بالمؤمنين لأن هذه الرحمة ثابتة ودائمة، وهي تعم المؤمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة أيضاً.

هذا تمام الكلام في التأمل في البسملة، فلعله يحتاج أن نتأمل في مفردات أخرى كمفردة «الصراط والسبيل» يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

[1]  الميزان، في تفسير القرآن، ج 1، ص 15 إلى 19.

00:00

21

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 26 الجلسة

21

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
26 الجلسة