المقامات العلية
شیخ الدقاق

19 - الصفة التاسعة الغضب

المقامات العلیة

  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    200

21

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الصفة التاسعة الغضب

 

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، أوصني. فقال: لا تغضب. ثم قال: يا رسول الله، أوصني. فقال: لا تغضب. ثم قال: يا رسول الله، ثم أوصني. فقال: لا تغضب.

أكثر الناس يهلكهم الغضب. انفعالي، ما يستطيع يسيطر على أعصابه. هذه مشكلة. لذلك، إذا أصبحت رب أسرة أو مسؤولاً أو حاكماً أو رئيساً، تحكم بأعصابك وتحكم بغضبك. الذي لا يتحكم بغضبه، يصير الغضب قائداً وهو مقود، فتؤول الأمور إلى الدمار والخراب.

فما هو الغضب؟

الغضب حالة نفسانية تحرك الروح الحيوانية من الداخل إلى الخارج، يتحرك الدم من الباطن إلى الظاهر، تنتفخ الأوداج، ويحمر الوجه.

بخلاف الخوف، ينتقل الدم من الظاهر إلى الباطن فيصفر الوجه، فعلامة الخوف إصفرار الوجه، وعلامة الغضب إحمرار الوجه، تجد القلب ما شاء الله يدق، يضخ الدم، فيصير الوجه أحمر لأن الدم ينبعث من الداخل إلى الخارج.

والناس أمام القوة الغضبية على ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: من يطلق العنان لغضبه بلا حدود وهذا جانب الإفراط.

القسم الثاني: بالعكس، من يقمع الغضب، بحيث يجهز على القوة الغضبية، لا غضب له. وهذا لعله أخطر من الأول؛ لأن الله -عز وجل- أودع القوة الغضبية في الإنسان لفائدة وهي الدفاع عن النفس، عن العرض، عن الأهل، عن الأوطان، عن المال، عن الناموس، ومن لا غيرة له فهو كالحمار. الذي لا عنده قوة غضبية، لا حراك له، ما عنده مشاعر.

لا أقل من عنده طرف أفر وتهور، سيدافع عن بلده أو عرضه أو ماله، وأما الذي يعدم ويقمع القوة الغضبية، فهذا حاله حال البهائم، بل حتى بعض البهائم عندها قوة سبعية وغضبية.

الحالة الثالثة الحل الوسط لا إفراط ولا تفريط وضع القوة الغضبية في موضعها دون زيادة ولا نقيصة، هذه هي الشجاعة، فالشجاع هو الذي يضع القوة الغضبية في موضعها من دون زيادة ولا نقصان.

أرأيت أشجع من أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين؟!

أمير المؤمنين لما جلس على صدر عمرو بن ود العامري، والمسلمون ينتظرون أن يقطع رأسه، وإذا بأمير المؤمنين -عليه السلام- يتنحى جانباً، وبعد مدة يجلس على صدر عمرو بن ود العامري، ويقطع رأسه.

سئل: يا أمير المؤمنين، لما قمت من على صدره؟

فقال: بصق اللعين في وجهه.

والسر في البصق ما هو؟

عمرو بن ود، من صناديد العرب يعد بألف فارس، لما أمير المؤمنين وهو شاب صغير، جلس على صدره، هذا يعد من العار. فقال له: ارحني، ارحني، يعني عجل بقتلي، ما أتحمل هذا الموقف؟ فبصق في وجه أمير المؤمنين، ظناً منه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سيغضب، وسيعجل بقطع رأسه.

لكن أمير المؤمنين سلام الله عليه قال: قمت من على صدره لكي لا أقتله لغضب نفسي، إلى أن هدأت سورة الغضب، فجلست على صدره، فقطعت رأسه لوجه الله ولغضب الله، لا لغضب نفسي عليه.

هذا المقياس، تضع المقياس غضب الله -عز وجل-.

هذا المقياس تضع المقياس غضب الله -عز وجل- لذلك ورد فاطمة بضعة مني من أذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد اغض فاطمة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها يعني جعلت غضبها في طول غضب الله -عز وجل- لا توجد اثنينية ولا يوجد فرق بين غضبها وغضب الله أنها لا تغضب إلا لله، ولا تفرح إلا لله.

إذا الأمر التاسع وهو الغضب مهم جدا أن يوضع في موضعه بحيث لا يزداد عن حده، فسينقلب ضده.

قال المحدث الشيخ عباس القمي:

«الصفة التاسعة الغضب وهي حالة النفسانية تحرك الروح الحيوانية من الداخل إلى الخارج من أجل الغلبة الانتقام، وكلما اشتدت أدت إلى حدوث حركة شديدة، فتحدث حرارة مفرطة، وينبعث منها دخان أسود يملأ الدماغ والشرايين، ويغطي نور العقل، لهذه الجهة لا تنفع صاحبه الموعظة والنصيحة» هو الآن مجنون الإنسان إذا يصل إلى وجه الغضب ضرب من الجنون، بل تزيده النصيحة غلظة وشدة يعاند.

«فإذا كان الانتقام ممكناً يتحرك دم الغضب، ويميل من الباطن إلى الظاهر، فيحمر لونه، وإذا مال الدم إلى يصفر لونه والناس في القوة الغضبية على ثلاثة أقسام بعضهم في طرف الإفراط» يعني يصل إلى درجة التهور «لا يبقى لديهم تفكير ولا واعي ويخرجون عن طاعة العقل وطائفة في طرف التفريط لا يملكون مطلقا قوة غضبية حتى عندما يكون الغضب لازماً عقلاً وشرعاً».

«الطائفة الثالثة هي طائفة مستقيمة على جادة الاعتدال يكون غضبهم في محله ولا يتجاوزون حد الشرع والعقل، ولا شك أن حد الاعتدال مطلوب ليس غضبا، بل هو شجاعة كما أن الطرفين قبيحان ومذمومان وهما طرف الإفراط وهو التهور وطرف التفريط وهو الجبن، بل قد يكون طرف التفريط الجبن أقبح من الإفراط أحيانا أقبح من التهور لأن من لم يكن لديه أي قوة غضبية كان بلا غيرة وخاليا من الحمية، بل قيل إن هذا الشخص هو حمار.

وأما الغضب المفرط فهو من المهلكات العظيمة، وكثيرا ما يرمي الإنسان بنفسه بسبب أمر جزئي إلى الهلاك الأبدي لهذا السبب قالوا إنه جنون يعرض فجأة، وكثيرا ما توجب شدة الغضب الموت فجأة» يدفق الدم مرة واحدة يصير صدمة يموت.

«ففي الحديث عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلل العسل، وفي حديث عن الإمام الصادق: الغضب مفتاح كل شر».

في علم السلوك وعلم النفس، يقولون: إذا أردت أن تتعرف على شخصية شخصه فانظر إلى عينيه، حين يغضب، عند الغضب تتضح معالم الشخصية.

بعد الغضب يلزم منا لوازم إذا واحد غضوب انفعالي يغتاب يقوم بالنميمة يقوم بالسخرية والاستهزاء يهتك حرمة المؤمنين يهتك ستر الله بعد لا قيادة للعقل القيادة للغضب، فيتكلم وفقاً للقوة السبعية القوة السبعية الحيوان مثل الأسد إذا جاء إذا شبعان ما يفترس الأسد النمر الحيوانات المفترسة لا تفترس عند الشبع متى تفترس؟ عند الجوع.

هذا الإنسان الذي أطلق العنان لغضبه فإن القوة السبعية هي الحاكمة كيف هذا الحيوان ما يهدأ إلا إذا شبع؟ إذا حصل الفريسة، كذلك هذا الغضبان ما يهدأ إلا إذا شفى غليلة فيفعل أي شيء لإضاء غليل وإشفاء غليل قوته الغضبية.

يقول: «إضافة لذلك للغضب لوازم وآثار عديدة جميعها من المهلكات والقبائح بأن إظهار مساوئ المسلمين والشماتة بهم وكشف أسرارهم وهتك أستارهم والسخرية والاستهزاء بهم أو سب الحيوانات والجمادات كما يحدث كثيراً وكسر الكأس والإبريق» بعد وكسر الجوال من الأمور كل شي يكسره أمامه.

«وتمزيق اللباس وضرب الرأس والوجه» يحث التراب على رأسه يضرب رأسه بالجدار وغيرها من الأمور «لا تصدر من العقلاء البتة» يعني طبعا بعد.

«ومن لوازم الغضب أن يندم ويحزن الإنسان بعد سكونه، وأنه يؤدي إلى عداوة الأصدقاء وشماتة الأعداء وفرحهم وسخرية واستهزاء الأرذال والأنذال وتألم القلب وتغير المزاج ومرض الجسم» بعد ما يغضب جسمه يمرض لأنه شيء فجائي ما تتحمله الأعضاء.

«والعجب من الذين يتوهمون أن شدة الغضب هي من الرجولة مع أن الأفعال التي تصدر عن الغاضب هي أفعال أطفال ومجانين، وليست أفعال عقلاء ورجال، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عن الغضب.

تعريب شعر فارسي:

نعم الفتى من كان مشهور الحسن لا باطلا يرضى وإن جن الغضب

إذا مفاسد الغضب فاعلم أن علاجه موقوف على عدة أشياء».

ذكر المرحوم المحدث القمي -رحمه الله- سبعة أشياء لإيقاف الغضب أهمها أمران الباقي مو مهم، أمر من حيث المبدأ وأمر من حيث المنتهى هذا بحث مهم، هناك أمر وقائي وهناك أمر علاجي والوقاية خير من العلاج، أفضل حل للغضب أن لا توقع نفسك في الغضب، أي تجتنب الأمور التي تؤدي إلى غضبك، هذا أفضل حل الحل الوقائي.

مثلاً: أنت لست نائم أربعة وعشرين ساعة لست بنائم ثمانية وأربعين ساعة يعني أعصابك تتلف ما تتحمل إذا أنت مو نايم لا تختلط بالناس، أو أنت مزعوج لا تحتك بزوجتك أو أولادك أو إخوانك ترمى عليهم كلام.

هناك رواية عجيبة غريبة أن أنت إذا غضبان اذهب إلى بئر واصرخ فيه فرغ هذه الشحنات الغضبية فرغها في البئر لا تفرغها على زوجتك وأولادك وأطفالك وأحبابك وبعدين تقول سامحوني واعذروني كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

أفضل حل للغضب أن تجتنب الأمور التي تثير الغضب، وتؤدي إلى الغضب، مثلاً: إذا أنت ما تتحمله من يتكلم ينفرزك تجنبه، حتى لا تقع في الغضب.

الخلاصة: اجتنب أي شيء يقودك إلى الغضب مكان شخص كلام أكل نوم إلى آخره، بعض الأكلات تخليك تصير حاراً وبعض الأكلات تخليك تصير بارداً، أفضل حل للغضب هو الحل وقائي تقي نفسك من الوقوع في الغضب.

الحل الثاني حل علاجي الابتعاد عن الموطن الذي غضبت فيه، يعني أنت الآن داخل البيت غضبت على الولد أو على الزوجة أخرج ما تبقى، إذا تبقى تشتعل الشرارة وقد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، أنت واقف اقعد، أنت قاعد استلقي، ضع يدك في الماء البارد استحم بالماء البارد، أفضل الحال علاجي للغضب هو تغيير الكيفية، الابتعاد عن الموطن الذي غضبت فيه.

والله صارت مشكلة في المنطقة في القرية سافر ابتعد عن المكان والموطن الذي فيه غضب يحضر إبليس يصب الزيت على النار ابتعد عنه.

في يوم من الأيام واحد آذاني وغضبت يعني غضبت غضب شديد أيام ما كنت شاباً مثلكم غضباً شديد حسيت بآلام في صدري فتحت كتاب الأربعون للسيد الإمام الخميني وجدت أعالج هذه المشكلة قال: علاج الغضب أن تتحكم فيه في البداية، إذا وصل الغضب إلى الذروة ما تقدر تنهي الغضب يأثر عليك، لا تخلي نفسك تصل إلى الذروة في الغضب. إذا وصلت إلى الذروة في الغضب، تصير لك مشاكل نفسية، تصيدك مشاكل جسدية.

وأما بقية الأمور التي ذكرها المحدث، حدث حدث الشيخ عباس القمي، صاحب مفاتيح الجنان، أن تتأمل في محاسن الحليم، أن تتأمل في مساوئ الغضب، أن تتأمل في مساوئ التهور، أن تتأمل في محاسن الشجاعة، هذه كلها راجعة إلى العقل إلى القوة العقلية، أنت تأمل يعني ماذا؟ أن تدرك.

يا أخي، يا أخي، إذا سيطرت القوة الغضبية، فالقوة العقلية مغيبة، ما يتأمل هنا خلاص انتهى الموضوع، لذلك، أهم شيء البعد الوقائي المتمثل في عدم الوقوع.

الثاني، البعد العلاجي المتمثل في الابتعاد عن موطن الغضب وتغيير الكيفية.

الباقي نقرأه لأن المطالب طويلة والوقت لا يسع، نقرأ، لكن هذه أهم الأمور، والأهم منها الأمر الأول: الذي يتحكم في غضبه ما يغضب، خلاص، يتجنب اللوازم الغضب وتأثيرها على النفس وعلى الجسد.

لو يوم من الأيام وقع، كان مو نايم، وهذا مهم جداً حتى في الإدارة، أنا بعضهم نصحني، بعض المسؤولين نصحني، قال لي: شيخنا، إذا أنت يوم ما نايم أو مو مرتاح، لا تروح اجتماعات ولا تروح، يعني، لا تروح مكان فيه أخذ وعطاء، لأن أنت مزاجك مو زين، فتروح، قد تحتك بواحد، قد ترمي كلمة، الأفضل تجتنب.

قال الشيخ عباس القمي رحمه الله:

«إذا علمت مفاسد الغضب، فاعلم أن علاجه موقوف على عدة أشياء:

الأول: لإزالة أسبابه» هذا مهم ما هي أسباب الغضب؟ مثل «أسباب الفخر والكبر والعجب والغرور واللجاجة والاستهزاء والحرص والعداوة وحب الجاه وحب المال وأمثالها.

ثانياً: ملاحظة الأخبار الواردة في ذمّ الغضب ومدح الحلم  وفي ثواب حماية النفس من الغضب» هذا بعد عقلي.

«الثالث: حماية النفس من القول والفعل الذين هما منشأ الغضب» هذا أمر وقائي، هذا مهم.

«الرابع: اجتناب مرافقة من تغلب عليهم القوة الغضبية ولا بالحلم» هذا أمر وقائي مهم، الوقاية خير من العلاج.

«تعريب شعر فارسي:

حتى متى تغتر يغشاك الغضب؟ الله موجود ليجزيك الأدب».

في بيت شعر حلو بالفارسي:

لا تسحق النملة المسكينة التي تجر وتسحب القشة

افترضنا أنك أقوى منها، يوجد كثيرون هم أقواى منك.

«الخامس: أن يتذكر أن هناك يوم تعطى هذا الضعيف قوة أو تضعف أنت كي ينتصر عليك وينتقم منك» هذه الدنيا: يوم أنت ضعيف، ويوم قوي.

«تعريب شعر فارسي:

لا تظلم اليوم الفقير المعدم، تأتي غداً كالذر تجثو مرغما.

والسادس: أن تعلم أن الحليم والصبور غالب ومنتصر، وهو عزيز ومحترم عند أولي البصائر، بخلاف الغضوب.

تعريب شعر فارسي:

الحلم أمضى من سيوف قاطعة، بل يورث الأبطال نصراً لأدعا» هذا أمر تأمل عقلي.

«السابق: أن تتصور قبح صورتك عند الغضب وتغيرها، وتحرك أعضائك، وخروج عملك عن النظم، عن النظم الطبيعي» طبعاً، ما يلتفت إلى نفسه يكسر كل شيء، بعدها يقال له كسرت، فيقول: أنا كسرت الموبايل؟! يقول: من كسر التلفزيون؟! نقول: أنتَ! يقول: تتهموني؟! أصلاً غاب عقله وسيطر عليه القوة الغضبية السبعية.

«ومن جملة معالجات الغضب أن يستجير الإنسان بالله من شر الشيطان عند الغضب، وإذا كان واقفاً فليقعد، وإذا كان جالساً فلينام. والوضوء والغسل بالماء البارد يفيد في تسكين نار الغضب، وإذا كان الغضب على الرحم، يضع يده على بدنه ليسكن غضبه» مس ذوي الرحم، مس الدم، مس ذوي الرحم يسكن الغضب.

«وضد الغضب الحلم الذي هو عبارة عن اطمئنان النفس، بحيث لا القوة الغضبية بسهولة ولا تزلزلها مكاره الدهر بسرعة بعد وكظم الغيظ».

سؤال: ما الفرق بين الحلم وبين كظم الغيظ؟

أحدهما وقائي والآخر علاجي.

الحليم ما يغضب، يعني ما يسمح للغضب بالتحقق، فعنده جانب وقائي، الحليم عنده جانب وقائي، كاظم الغيظ يعني اغتاظ، لكن كظمه، يعني أوقف غضبه، كبح غضبه.

سؤال: أيهما أفضل الحلم أو كظم الغيظ؟

بلا شك، الحلم أفضل هو في الدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية كظم الغيظ، كلاهما: الحلم وكظم الغيظ ضد الغضب.

قال:

«كظم الغيظ الذي هو عبارة عن إمساك الغضب عند حدوثه، بينما الحلم إمساك الغضب عن حدوثه وتحقيقه. وإن لم يكن كظم الغيظ حلماً، لكنه أيضاً مضاد. فهاتان الصفتان الشريفتان» الحلم وكظم الغيظ، «مضادتان للغضب، وهما من الأخلاق الحسنة».

يا أخي، أخي، هل يوجد أشرف من العلم؟ لا يوجد. ما الذي يقترن به الحلم؟ يلا، خذوا هذه القصة:

أحد العلماء في شبابه خرج إلى الدراسة عشرين سنة. بعد عشرين سنة، رجع إلى البيت وصل ليلاً، ولكن في طريقه خيم عند أحد كبار السن. فقال له كبير السن: يا ولدي، ما شغلك؟

قال: أنا أدرس، أطلب العلم.

قال: عندي سؤال: ما هو نصف العلم؟

فقال: لم يعطونا ما هو نصف الآن.

فقال هذا الختيار والشايب: يا ولدي، خذها مسماراً في لوح: نصف العلم الحلم. كررها: ما هو نصف العلم؟ قال: نصف العلم الحلم.

هذا في نفسه، قال: لعل هذا الختيار خرف. بعد نصف العلم الحلم.

وصل في الليل، طرق الباب، دخل، وجد زوجته نائمة وإلى جنبها شاب تسعة عشر سنة، عشرين سنة. قال: خانتني! أخذ السكين، أراد أن يقتلها.

أتذكر كلام الشيخ الكبير: نصف العلم؟ قال: انتظر حتى ينبلج الصبح.

أصبح الصباح، استيقظت الزوجة، مرحباً، أهلاً بزوجي العزيز. تعال، أعرفك هذا ولدي، أنت حينما خرجت، انعقدت النطفة في رحمي، ووضعت هذا الولد، وربّيته، وكنت انتظر هذه اللحظة التي تراه فيها ولدك.

لو لم يكن حليماً لقتل زوجته وولده، نصف العلم الحلم، والحلم مقرون بالعلم.

قال: «أما شرف العلم فمن المعلوم أن أغلب الأخبار في باب العلم تجعل الحلم توأماً للعلم، وروي أن الخير والصلاح ليس هو كون مال الشخص أو علمه كثيراً، بل هو كون عمله كثيراً وحلمه كبيراً».

ذكروا أن أنوشيران سأل بوزرجمهر، قال: ما الحلم، قال: الحلم ملح مائدة الأخلاق، إذا قلبت حروفة يصير ملحاً، وكما أن لاطعم لطعام من دون ملح، فلا جمال لخلقٍ بدون حلم.

التفاته لطيفة: الملح، اعكسها تصير حلم، كما أن الطعام لا طعم له بدون ميل، كذلك الأخلاق لا طعم لها بدون علم، عكس الملح.

قال أنوشيران: ما هي علامة الحلم؟

قال: ثلاث علامات:

الأولى: إذا ذكره شخص حاد الطبع وفحاش بسوء، أجابه جواباً جميلاً، وإذا آذاه بفعله، قام بإزاء ذلك بالإحسان إليه.

تعريف شعر فارسي:

إن تسأل عن غاية الحلم الجميل: اعف عن سب وسامح، مستقيل، كن ظليلاً مثمراً مثل النبات، من رماها بالحصى، خيراً تهين، من نوى ظلماً، وبالجور اعتدى، أعطه تبراً من اللطف الجميل.

الثانية: هو أن يكون حال اشتعال نار الغضب، ووصول صولته وسطوته إلى غايتها، ساكناً. وهذا دليل اطمئنان القلب وسكون الروح، ما يتأثر بهذه المؤثرات.

الثالثة: إمساك الغضب عن من هو مستحق للغضب في الواقع، وأما كظم الغيظ، فهو وإن كانت فضيلته بقدر الحلم، لكن كلما داوم عليه الشخص، اعتاد عليه، ويحصل على صفة الحلم.

في البداية قد يغضب، يكظم غيظه باستمرار كظم الغيظ، يحصل الحلم بحيث ما يغضب الإنسان.

ولقد ورد مدح هذه الصفة في الكتاب الإلهي: (والكاظمين الغيظ)، وأحاديث الرسالة كثيراً، وروي أنه لا يتجرع عبدٌ جرعة أكثر أجراً من جرعة غضبٍ أمسك لأجل الله.

ثبتا الله وإياكم وخلقنا بأخلاق النبيين.

الصفة العاشرة: الانتقام يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

21

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 19 الجلسة

21

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: المقامات العلية في موجبات السعادة الأبدية
  • الجزء

    -

  • 200

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
19 الجلسة