التفسير الترتيبي
شیخ الدقاق

30 - بحث روائي في سورة الحمد

التفسير الترتيبي

  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • الصفحة  

    -

26

2024 | نوفمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 بحث روائي في سورة الحمد

جاء في كتاب عيون أخبار الرضا للصدوق عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله عز وجل: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله جل جلاله: بدأ عبدي باسمي، وحق علي أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله.

فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله جل جلاله: حمدني عبدي، وعلم أن النعم التي له من عندي، وأن البلايا التي دفعت عنه بتطولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.

وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه.

فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك يوم الدين، لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته، ولأتجاوزن عن سيئاته.

فإذا قال: إياك نعبد، قال الله عز وجل: صدق علي إياي يعبد، أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادته.

فإذا قال: وإياك نستعين، قال الله تعالى: بي استعان عبدي وإلي يلتجأ، أشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده، ولأخذن بيده يوم نوائبه.

فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة، قال الله عز وجل: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل، وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وآمنته مما منه وجل».

هذه الرواية كما رواها الصدوق في عيون أخبار الرضا رواها، وروا قريباً منها في كتاب علل الشرائع، وكلتا الروايتين مروية عن الإمام الرضا عالم آل محمد.

وهذه الرواية تفسر سورة الفاتحة في الصلاة، وهي تؤيد أن سورة الفاتحة كلام الله تبارك وتعالى بالنيابة عن عبده، فتمتاز سورة الفاتحة بأنها كلام الله على لسان عبده، والله عز وجل يعلم عبده ويؤدب عبده ويذكره بما ينبغي أن يقوله في مقام العبودية ويعلمه كيفية إظهار العبودية لله من الثناء على الله وإظهار العبادة والاستعانة بالله، فسورة الفاتحة موضوع للعبادة، وليس في القرآن الكريم سورة تناظر سورة الفاتحة في شأنها، وذلك لثلاثة أمور ذكرها المحقق المدقق السيد محمد حسين الطباطبائي في كتابه الميزان في تفسير القرآن، الجزء الأول، صفحة أربعين وواحد وأربعين.

الأمر الأول: سورة الفاتحة بتمامها كلام الله، وقد تكلم به الله عز وجل في مقام النيابة عن عبده، فهي تعلم العبد ما ينبغي أن يقوله إذا وجه وجهه لربه الكريم ونصب نفسه في مقام العبودية.

الأمر الثاني: سورة الفاتحة مقسمة قسمين: نصف منها لله ونصف منها للعبد.

الأمر الثالث: سورة الفاتحة مشتملة على جميع المعارف القرآنية، فعلى الرغم من إيجازها واختصارها، فإن القرآن على سعته العجيبة في معارفه الأصيلة والأصلية وما يتفرع عليها من الفروع من أخلاق وأحكام في العبادات والمعاملات والسياسات والاجتماعيات ووعد ووعيد وقصاص وعبر، نلحظ أن جميع بيانات القرآن ترجع إلى أصول ثلاثة رئيسية وهي: «التوحيد والنبوة والمعاد» وما يتفرع عليهما، فالعدل يتفرع عن التوحيد، والإمامة تتفرع عن النبوة، وما يتفرع على أصول الدين الخمسة هذه من أحكام وأخلاق.

فهذه السورة، سورة الحمد، ذكرت الأصول العقائدية الثلاثة، وأشارت إلى هداية العباد وما يصلح به أولادهم وعقباهم، فهي تشتمل على المعارف العقائدية والأخلاقية في أوجز لفظ وأوضح معنى.

يمكن أن تقيس ما جاء في سورة الحمد مع ما جاء في الديانات الأخرى، فسورة الفاتحة، بهذه المضامين العالية والراقية، تقرأ في كل صلاة، ولو رجعنا إلى إنجيل «متا» سنجد ما يقرأه النصارى في صلواتهم من كلام، وهذا هو نص:

«أَبَان الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأتي ملكوتك، لتكن مشيتك كما في السماء، كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة، ولكن نجنا من الشرير. آمين».

فمقارنة بين الكلامين، بين سبك عبارة سورة الحمد ومضامينها، وبين سبك عبارة ومضامين الكلام الذي جاء في إنجيل متى (ستة وتسعة أو ثلاثة عشر)، وهو يقرأ في الصلاة، من الواضح أن المعارف السماوية والإلهية موجودة في سورة الحمد، تعلم الإنسان أدب العبودية، لكن لنتأمل في تفاصيل ما جاء في إنجيل متى والذي يقرأ هذا المقطع في الصلاة، فيتذكر أولاً أن أباهم، وهو الله تقدس اسمه، في السماوات، فحصرته في السماوات، ثم تدعو بحق الأب بتقدس اسمه وإتيان ملكوته ونفوذ مشيئته في الأرض كما هي نافذة في السماء، ولكن من الذي يستجيب هذا الدعاء الذي هو بشعارات الأحزاب السياسية أشباه؟!

ثم تسأل الله إعطاء خبز اليوم ومقابلة المغفرة بالمغفرة وجعل الإغماض عن الحق في مقابل الإغماض، وماذا هو حقهم لو لم يجعل الله لهم حقاً؟! وتسأله أن لا يمتحنهم، وهذا يستفاد من قولهم: «ولا تدخلنا في تجربة»، بل يطلبون النجاة من الشرير، وهذا من المحالات، لأن دار الدنيا هي دار امتحان واستكمالK وما معنى النجاة لولا الابتلاء والامتحان؟!

إذاً، كلام الوحي عليه مسحة من نور، ولنقرأ الروايات التي فصلت في العبادة، لأن سورة الحمد ركزت على العبادة وأدب العبودية.

فقد جاء في الكافي الشريف عن الصادق عليه السلام في معنى العبادة: «قال العبادة ثلاثة: قوم عبد الله خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبد الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبد الله عز وجل حباً، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة».

وفي نهج البلاغة: «إن قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار».

وفي كتاب علل الشرائع، وأمالي الصدوق، والخصال للصدوق عن الصادق عليه السلام: «إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه، فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء، وهو الطمع. وآخرون يعبدونه خوفاً من النار، فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة. ولكني أعبده حباً له عز وجل، فتلك عبادة الأكرام، لقوله عز وجل: (وهم من فزع يومئذ آمنون)، ولقوله عز وجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فمن أحب الله عز وجل أحبه، ومن أحبه الله كان من الآمنين، وهذا مقام مكنون لا يمسه إلا المطهرون».

والغرض من إيراد هذه الروايات المتعددة هو اختلاف التوصيف في عبادة الأحرار وعبادة الله حق عبادته، فبعض الروايات عبرت عن من يعبد الله لأنه أهل للعبادة بأن هذه العبادة عبادة الأحرار، وبعض الروايات عبرت عنها بالشكر، وبعض الروايات عبرت عنها بالحب.

فما هو السر في هذا التعدد: أحرار، وشكر، وحب؟

والجواب: إن مرجع الشكر والحب واحد، فإن الشكر وضع الشيء المنعم به في محله، والعبادة شكرها أن تكون لله الذي يستحقها لذاته، فيعبد الله لأنه الله، أي لأنه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته، المحبوب لذاته، فليس الحب إلا الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا في الله تعالى: هو معبود لأنه هو أي المستحق للعبادة، وهو معبود لأنه جميل محبوب، وهو معبود لأنه منعم مشكور بالعبادة. فيرجع الجميع إلى معنى واحد.

هذا تمام الكلام فيما أفادته الروايات الشريفة في فضل سورة الحمد وأنها كلام الله على لسان عبده، وهو في مقام تأديبه وتعليمه أدب العبودية مع الله تبارك وتعالى.

هذا مسك الختام الروايات الشريفة في تفسير سورة الحمد، ونشرع إن شاء الله في الدرس القادم إن بقينا أحياء في فضل وتفسير سورة البقرة، وهو أطول سورة في القرآن الكريم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

26

2024
| نوفمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 37 الجلسة

26

نوفمبر | 2024
  • الكتاب: تفسير القرآن الكريم
  • الجزء

    01

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
37 الجلسة