بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 تفسير سورة البقرة

تفسير سورة البقرة، وعدد آياتها مائتان وستة وثمانون آية، وهي أول سورة نزلت بالمدينة المنورة، وجميع آياتها مدنية عدا آيات مائتين وواحد وثمانين، فقد نزلت بمنى في حجة الوداع إذ أنها نزلت يوم النحر أي يوم العيد، وهي قوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله".

فضل سورة البقرة

ولنقرأ بعض الروايات الواردة في فضلها، ونقتصر على ثلاث روايات ذكرها السيد هاشم البحراني في "البرهان في تفسير القرآن" الجزء الأول، صفحة 123.

الرواية الأولى: ما رواه العياشي عن سعد الإسكاف، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أعطيت الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل سبعة وستين سورة"، تفسير العياشي الجزء الأول صفحة 43، رقم واحد.

ولبيان هذه المصطلحات، نقرأ ما ذكره الفيض الكاشاني في "تفسير الصافي"، الجزء الأول، صفحة 18، فإنه قال: "اختلفت الأقوال في تفسير هذه الألفاظ، أقربها إلى الصواب وأحوطها لسور القرآن أن الطول كصرد هي السبع الأول بعد الفاتحة، على أن يعد الأنفال والبراءة واحدة لنزولهما جميعاً في المغازي وتسميتهما بالقرينتين، يعني الأنفال وبراءة.

والمئين من بني إسرائيل إلى سبع سور سميت بها لأن كلا منها على نحو مئة آية.

والمفصل من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى آخر القرآن، سميت بذلك لكثرة الفواصل بينها.

والمثاني بقية السور، وهي التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل، كأن الطول جعلت مبادئ تارة، والتي تلتها مثانية لها لأنها ثنّت الطول أي تلتها، والمئين جعلت مبادئ أخرى والتي تلتها مثانية لها".

إذن الطوال أول سبع سور طويلة بعد الفاتحة، يعني تبدأ بسورة البقرة وتنتهي ببراءة، والمئين التي هي مقام الإنجيل ما تزيد على مئة آية، والمثانية التي هي مكان الزبور لأنها ثنيت، والمفصل لكثرة الفواصل، يعني الآيات ليست طويلة قصيرة وصغيرة.

الرواية الثانية: ما رواه ابن بابويه والعياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "من قرأ البقرة وآل عمران جاء يوم القيامة تظلانه على رأسه مثل الغمامتين أو العباءتين."

الرواية الثالثة: ما رواه العياشي عن عمرو بن جميع، رفعه إلى علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من قرأ أربع آيات من أول البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها"، يعني يكمل آية الكرسي إلى قوله: هم فيها خالدون، "وثلاث آيات من آخرها لم ير في نفسه وآله ومعاله شيئاً يكرهه، ولم يقربه الشيطان ولم ينس القرآن."

إذن يعني سبع آيات: أول أربع آيات من سورة البقرة، ثم آية الكرسي إلى قوله: هم فيها خالدون، ثم آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، هذه تفيد في دفع السحر والجن والشياطين، ولها أثر كبير بالغ.

وسميت سورة البقرة بالبقرة لأنها تتضمن قصة بقرة بني إسرائيل، وسيأتي إن شاء الله أن أسماء السور ليست توقيفية بل مضى المسلمون على تسمية السور إما لوجود لفظ في بداية السورة أو لفظ في نهاية السورة أو موضوع بارز ومتميز في داخل السورة، ومن الواضح أن قصة البقرة لم تذكر إلا في سورة البقرة، فأطلق عليها سورة البقرة لذكر قصتها في السورة، وهي من أهم السور القرآنية بل أفضلها كما جاء في بعض الروايات.

فما هي الخطوط الرئيسية لسورة البقرة؟

يمكن على نحو الإجمال ذكر ستة أقسام رئيسية لسورة البقرة:

القسم الأول يركز على سلوك المنافقين، فالسورة تقسم الناس إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين، وتركز على بيان القسم الثالث وهم المنافقون.

القسم الثاني يذكر قصة خلق آدم وخلافة آدم، فهذا لم يذكر إلا في سورة البقرة.

القسم الثالث يركز على سلوك بني إسرائيل وماذا يفعل اليهود بالأنبياء والمرسلين وما هو سلوكهم.

القسم الرابع يركز على شخصية إبراهيم أب الأنبياء.

القسم الخامس يركز على سمات المؤمنين.

القسم السادس يركز على الأحكام الشرعية.

من أراد التفصيل يراجع "التفسير البنائي للقرآن الكريم"، الجزء الأول، صفحة 21 للدكتور محمود البستاني رحمه الله.

إذن سورة البقرة نزلت نجومًا متفرقة أي منذ الهجرة إلى المدينة إلى حجة الوداع أي خلال عشر سنوات، لذلك قد يقال إنه لم يجمعها غرض واحد كما يقول صاحب الميزان في "الميزان" الجزء الأول، صفحة 43، لكن معظم سورة البقرة ينبئ عن غاية واحدة محصلة، وهي أن من حق عبادة الله أن يؤمن عبده بكل ما أنزله الله بلسان رسله من دون تفرقة بين وحي ووحي، ورسول ورسول، ثم تقريع الكافرين والمنافقين ولوم أهل الكتاب بما اقترفوه من التفرق في دين الله والتفريق بين رسله.

وفي ختام السورة بيان لعدة أحكام شرعية كتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وأحكام الحج والإرث والصوم وغير ذلك.

إذن سورة البقرة سورة جامعة، لذلك وصفت بعدة صفات في الروايات الشريفة، فقد عبرت عنها الرواية بسنام القرآن أي قمته العالية، ففي الرواية "إن لكل شيء سناماً وسنام القرآن سورة البقرة".

وتارة بسيد القرآن أو فسطاط القرآن بمعنى خيمة القرآن وسراذقه، قال النبي صلى الله عليه وآله: "أعطيت الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل سبعة وستين سورة."

وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله: أي سور القرآن أفضل؟ قال: "البقرة." وأي آية القرآن أفضل؟ فقال: "آية الكرسي."

إشكال: نصت بعض الروايات على أن سورة الحمد أفضل سور القرآن، وهذا قد يتعارض مع الرواية التي تدل على أن سورة البقرة هي أفضل سور القرآن.

الجواب: لا تنافي في ذلك، لأن الأفضلية ليست مطلقة بل نسبية، فأفضلية كل منهما ينظر إليها من زاوية، فالأفضلية نسبية وليست مطلقة، ولا نفسية. فأفضلية سورة الحمد من باب انطوائها على عصارة معارف القرآن مع إيجازها واختصارها، ولهذا سميت بأم الكتاب، وأفضلية سورة البقرة من باب جامعيتها، فهي سورة موسعة جامعة لأصول المعارف والأخلاق والحقوق والأحكام الفقهية، فهي فريدة من نوعها من بين سور القرآن، لذا أطلق عليها أنها سنام القرآن.

إذن السورة الجامعة الموجزة هي الحمد، والسورة الجامعة المفصلة هي سورة البقرة.

لذلك جاء في الرواية: "إن لكل شيء ذروة وذروة القرآن آية الكرسي."

والنبي صلى الله عليه وآله قدم بعض الشباب لقيادة المعركة لأنه حفظ سورة البقرة، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله بعث بعثاً ثم تتبعهم يستقرئهم، فجاء إنسان منهم فقال: "ماذا معك من القرآن؟" حتى أتى على أحدثهم سناً، فقال له: "ماذا معك من القرآن؟" قال: "كذا وكذا وسورة البقرة"، فقال: "اخرجوا، وهذا عليكم أمير"، قالوا: "يا رسول الله، هو أحدثنا سناً"، قال: "معه سورة البقرة"، مجمع البيان، الجزء الأول، صفحة 111، ويُراجع هذا البحث في تفسير تسنيم الشيخ عبد الله جوادي آملي، الجزء الأول، صفحة 27.

أسماء سورة البقرة وأوصافها

الاسم الأول والمشهور هو سورة البقرة، وشهرة هذا الاسم نابعة من اشتمال السورة على قصة بقرة بني إسرائيل التي وردت في الآيات 67 إلى 73، وهذا علم بالغلبة، وقد ورد استعمال ذلك في أحاديث المعصومين، وإن شاء الله تفصيل أسماء السور نبحثه في الدرس القادم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين