بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أسماء وأوصاف سورة البقرة

أطلقت عدة أسماء وأوصاف على سورة البقرة، نذكرها كما يلي:

الأول البقرة.

وشهرة السورة بهذا الاسم نابعة من احتوائها على قصة بقرة بني إسرائيل التي وردت في الآيات 67 إلى 73. واسم البقرة علم بالغلبة، أي لغلبة استعمال لفظ سورة البقرة اشتهر اسمها بهذا الاسم، وقد ورد استعمال البقرة في أحاديث الأئمة المعصومين من باب التماشي مع المصطلح المتعارف عليه بين الناس، لا من باب التسمية.

لأمرين:

الأول: تسمية السور ليست أمراً توقيفياً، فلا يتوقف على وضع الشارع المقدس كالنبي أو الأئمة لاسم السورة، ولا يوجد دليل بشكل مطلق يدل على أن المعصومين هم من سموا سورة البقرة بهذا الاسم.

الأمر الثاني: من المستبعد أن مثل هذه السورة العظيمة، التي هي أكبر سورة وأطول سورة في القرآن الكريم وأطول سورة فيها، تحتوي على أطول آية في القرآن الكريم وهي آية الدين، وأعظم آية وهي آية الكرسي، وقد تضمنت معارف عالية، حتى نصت بعض الروايات على أنها أفضل سورة في القرآن الكريم، فمثل هذه السورة فمن المستبعد أن يسميها الشارع باسم حيوان وهو البقرة.

وهكذا بقية السور، إذ أن تسمية السور القرآن الكريم إما لورود لفظة أو قصة متميزة في أول السورة أو آخر السورة أو وسط السورة، أو لأنها قد تضمنت موضوعاً مهماً أوجب تسمية السورة.

فأسماء السور ليست توقيفية بل تم التعارف عليها وعلى اسمها، فمثلاً:

سورة الأنعام: تضم أربعين احتجاجاً توحيدياً ومن البعيد أن يسميها الشارع بسورة الأنعام. وهكذا سورة النمل تحتوي على معارف عميقة وقصص كثيرة من الأنبياء، ومن البعيد أن تسمى باسم النمل. وكذلك سورة المائدة، التي أحرى أن تسمى بسورة الولاية لاحتوائها على آية الولاية، لكنها سميت بالمائدة لاحتوائها على قصة مائدة بني إسرائيل.

لهذا السبب نجد أن بعض مفسري الشيعة والسنة لم يطلقوا لفظ سورة البقرة عليها، مفضلين عنوان السورة التي يذكر فيها البقرة، من أمثال الشريف الرضي في كتابه "حقائق التأويل في متشابه التنزيل" صفحة 1، والطبرسي في "جامع البيان" الجزء الأول صفحة 102.

ولا بأس أن نشير إلى هذه القضية والخاطرة:

أحد المحققين كان يتصفح المخطوطات في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام، رزقنا الله وإياكم الوصول، ففي مكتبة المخطوطات بحرم الإمام الرضا (ع) توجد مخطوطات للقرآن الكريم، وأخذ يحقق ويدقق في هذه المخطوطات، فوجد مخطوطتين مرقمتين، مخطوطة مرقمة في بداية المخطوطات القرآنية، ومخطوطة مرقمة في نهاية المخطوطات القرآنية، فجمع بينهما وحقق فيهما واكتشف أنهما نسخة واحدة للقرآن الكريم.

وقد اكتشف أنها كتبت في النصف الثاني من القرن الأول الهجري بالخط الحجازي لا بالخط الكوفي، أي بخط أهل المدينة، وقد ادعى أنها بخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

بعد تحقيقه فيها أرسلها إلى أوروبا وقد فحصوها بالأجهزة الدقيقة فثبت أنها كتبت في القرن الأول الهجري.

يبقى أنها هل كتبت بخط أمير المؤمنين علي أم لا؟ هذا يحتاج إلى إثبات ولكن هذه دعوى موجودة.

وقد حقق النسخة وأكملها وهي تقريباً عبارة عن قرائن كامل، ومطابق للقرآن المطبوع المتداول اليوم، وهذه النسخة تعتبر شاهداً عملياً على عدم تحريف القرآن الكريم، والاختلاف بينها وبين النسخة المتداولة اليوم هو شيء واحد فقط، في أسماء السور، وهذا ليس بتوقيفي.

وقد قام سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني الوكيل المطلق للمرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسين السيستاني، بطباعة هذه النسخة بما يزيد على خمسين مليون تومان، بحيث  في كل صفحة توجد نسخة من المصحف المتداول اليوم ونسخة من هذا القرآن القديم المكتوب في القرن الهجري، طبعة ملونة ومحققة ومرتبة، وقد طبع عدة نسخ وأهداها فقط إلى مراجع الدين، كل مرجع من المراجع أعطي هديه من هذه النسخة.

الشاهد هنا من إيراد هذه الخاطرة والقصة أن أسماء السور كما هي مئة وأربعة عشر سورة، لكن التسمية مختلفة في بعض السور.

الثاني: ذورة القرآن.

الثالث: سنام القرآن.

الذورة والسنام بمعنى النقطة البارزة والممتازة والظاهرة من الشيء، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله هذه السورة بهذين الاسمين: البقرة سنام القرآن وذروته.

يراجع هذا البحث في تسنيم في تفسير القرآن الكريم للشيخ عبد الله جوادي آملي المرجع الديني، الجزء الثاني، صفحة سبعة وعشرين إلى تسعة وعشرين.

الرابع: فسطاط القرآن، وقد وصفت سورة البقرة بفسطاط القرآن أي خيمة القرآن لاشتمالها على أصول اعتقادية، وفروع عمليه كثيرة.

الخامس: سيد القرآن، والسر في ذلك أن التوحيد يحتل المرتبة الأسمى من بين المعارف الإلهية، وسورة البقرة انطوت على درر آيات التوحيد كآية الكرسي، هذا أولاً.

وثانياً سيد القوم خادمهم، وهذه السورة الجليلة خدمت جميع سور القرآن بما انطوت عليه من معارف عقائدية وأخلاقية وأحكام فقهية.

وثالثاً إن سيد أي مجتمع يتحمل مؤونة الناس ونفقاتهم، ومنصبه يحتم عليه معونتهم ومساعدتهم، وسورة البقرة تساعد جميع سور القرآن فاستحقت لفظ سيد سور القرآن.

السادس الزهراء، ذكرت سورة البقرة وآل عمران في بعض الأحاديث باسم الزهراوان، أي السورتان الساطعتان المتلألئتان.

[عدد آيات سورة البقرة]

سورة البقرة وهي أطول سورة من سور القرآن وهي أول السور الطوال السبعة في مقدمة القرآن الكريم، فيها أطول آية وهي آية الدين، وفيها أعظم آية وهي آية الكرسي، وقد تضمنت مائتين وستة وثمانين آية وفقاً للعدد الكوفي. لكن هناك أقوال أخرى في عدد آيات سورة البقرة وهي مائتين وأربعة وثمانين، ومائتين وخمسة وثمانين، ومائتين وسبعة وثمانين.

هذا تمام الكلام في الاسم الأول سورة البقرة.

الآن إذا تراجعنا تفسير البرهان، نجد أن عدد آياتها مائتين وسبعة وثمانين آية، لكن نأخذ بالمشهور، القرآن المتداول اليوم هو القرآن الكوفي برواية عاصم الكوفي وعدد آياته مائتين وستة وثمانين آية.

غرر الآيات

سورة البقرة تمتاز بآية الكرسي والثلاث آيات الأخيرة منها: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إذ إن كل مؤمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولا نفرق بين أحد منهم". لذلك تذكر في ختم القرآن الكريم، عند تختم القرآن الكريم، تذكر آية الكرسي وتذكر آمن الرسول. هذه من غرر آيات القرآن، إذ أن سورة البقرة تضمنت أن عبودية الله تقتضي الإيمان بجميع كتب الله ورسله من دون تفريق بينها أبدًا.

الآيات المميزة

أيضًا من الآيات التي تميزت بها سورة البقرة، الآيات التي تبين المقام المنيع للخلافة الإلهية وخلق آدم وتعليم الأسماء وحقائق الأشياء للإنسان الكامل، فهي السورة الوحيدة التي بحثت فيها خلافة الإنسان الكامل وتعليم الأسماء.

[الخطوط العامة لمعارف سورة البقرة]

سؤال يطرح نفسه: كيف نحدد الخطوط والضوابط العامة لأي سورة؟

طرق تحديد الخطوط العامة:

الأول تحديد كون السورة مكية أو مدنية ودراسة أجواء النزول، فالسور المكية يغلب عليها الأمور العقائدية مثل الإيمان بالله ونبذ الشرك، بينما السور المدنية يغلب عليها الأحكام الفقهية والتشريعات الإلهية.

الثاني دراسة صدر السورة وعجزها: إذ إن رد عجز السورة إلى صدرها يكون بمثابة تبويب لمضامين السورة، وسميت السورة سورة لانسجامها وتحديدها بإطار هذا الإطار هو السور الذي يضم تمام مفردات السورة وآياتها.

الثالث الانسجام والارتباط بين أبحاث السورة وآياتها.

الرابع تكرار بعض المواضيع في مضامين السورة، بعض المضامين قد تتكرر للتأكيد عليها، وهذا يشير إلى خطوط عامة أشارت إليها السورة الكريمة.

الخامس دراسة الغرر من آيات السورة: فكل سورة لها آيات غرر، وهذه الغرر من الآيات توضح المعالم العامة والخطوط الرئيسية بالسورة.

السادس دراسة شأن نزول بعض الآيات وأجواء نزول السورة ككل وفرق بين أسباب النزول وبين شأن النزول، فسبب النزول هو السبب الذي دعا إلى نزول الآية، بينما شأن النزول هو الأمر الذي أرادت أن توضحه وتشير إليه الآية الكريمة.

السابع ملاحظة الروايات الشريفة وتوجيهات الأحاديث التي جاءت للتوعية والتنبيه على المسير الأصلي لمعارف السورة.

هذه سبعة أمور مهمة تلحظ الخطوط العامة لمعارف سورة البقرة.

الخطوط العامة لمعارف سورة البقرة، يمكن ذكر عدة أمور:

الأول النبوة العامة وتحريف الكتب السماوية السابقة وبيان عظمة القرآن وتحديه للناس أن يأتوا بمثله وإعجاز القرآن الكريم، هذا كله يأتي بعد الإشارة إلى المبدأ والمعاد.

الثاني تاريخ أنبياء الله العظام، وخصوصًا سيرة نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء وموسى نبي اليهود، لذلك يسعى الإسرائيليون اليوم إلى حذف سورة البقرة من القرآن الكريم، لأنها تسمى سورة بني إسرائيل وسورة البقرة وفيها الكثير من قضايا اليهود وبني إسرائيل.

الثالث خلافة الإنسان لله وخضوع الملائكة أمام الإنسان الكامل.

الرابع أوصاف المتقين والكفار والمنافقين، فذكرت ثلاثة أصناف: المؤمنين والكفار والمنافقين، وركزت على اليهود والعراقيل التي وضعوها أمام الإسلام.

الخامس قيمة الشهيد والشهادة ومنزلتهما.

السادس الأحكام العبادية: كالصلاة وتحويل القبلة والصوم.

السابع أحكام الأسرة: كالرضا والطلاق والوصية والإرث.

الثامن الأحكام الاقتصادية: كالإنفاق والتجارة والدين والربا وتنظيم الوثائق المالية.

التاسع الأحكام الاجتماعية: كالجهاد والدفاع ونفي الإكراه في الدين.

العاشر الأحكام الجزائية: كالقصاص.

الحادي عشر الأحكام المتعلقة بالأطعمة والأشربة: كتحريم اللحم المحرم والخمر وغير ذلك.

[الهدف من السورة]

سورة البقرة التي هي طويلة وفيها أغراض متعددة يمكن تلخيصها في غرض واحد، وهو أن مقتضى عبودية العبد لله تبارك وتعالى أن يخضع لجميع الأنبياء والمرسلين وجميع الكتب السماوية من دون أن يفرق بين كتاب وكتاب أو نبي ونبي. لذلك يجب على الكفار والمنافقين بمقتضى هذا الإيمان والتسليم العمل بالأحكام الشرعية كالصلاة وغيرها من أحكام الأحوال الشخصية والاقتصادية.

تتمت الكلام تأتي، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين