بحوث في علم الرجال
شیخ الدقاق

24 - ألفاظ المدح والذم

بحوث في علم الرجال

  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • الصفحة  

    -

11

2024 | ديسمبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 ألفاظ المدح والذم

تطرقنا إلى ستة طرق من طرق التوثيقات الخاصة، ويبقى الكلام في ألفاظ المدح والذم المذكورة في كلمات علماء الرجال، فلهم اصطلاحات خاصة في الكتب الرجالية، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول ما لا يرتبط بالمدح والذنب والتوثيق والتضعيف.

القسم الثاني ما لا يرتبط بالمدح والذنب والتوثيق والتضعيف، كما لو ذُكر تاريخ الرجل ومكان مولده وغير ذلك.

القسم الثالث ألفاظ واصطلاحات؛ قد وقع الخلاف بين العلماء في تفسير مدلولها وبيان المراد منها، كقول الشيخ الطوسي رحمه الله في الرجال في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام: "أسند عنه". فما هو معنى "أسند عنه"؟

وكلامنا فعلاً في القسم الأول، وهو الكلمات والعبارات التي يستفاد منها الجرح أو التعديل، فلابد من البحث فيها وتحقيق وتدقيق مداليلها، وأهمها هذه المصطلحات وهي كما يلي: "ثقة، ثقة ثقة، ثقة في الحديث، ثقة في روايته، ثقة في حديثه، صحيح الحديث، صحيح الرواية، مسكون إلى روايته، مسكون إلى حديثه، لا يطعن عليه، عين، وجه، ثبت، لا بأس به".

فلا بد من بحث هذه المصطلحات والتدقيق فيها كما يلي:

المصطلح الأول: كلمة "ثقة".

وقد ادعي في كلمات المتأخرين أن لفظ "ثقة" تفيد معنى مركباً من أربعة أمور:

الأول: صدق اللهجة وعدم تعمد الكذب، فمن الواضح أنه أول ما يتبادر في توثيق الرجال هو أنهم في صدد بيان أن هذا الرجل أمين في الرواية، فهو يتحرز ويتجنب الكذب فيما يروي، فهو ثقة أي صادق اللهجة ولا يتعمد الكذب.

الثاني: الضبط، فالرجل الثقة هو الذي يكون ضابطاً في الرواية، فلا يغلب عليه النسيان أو السهو، ولا تكون روايته كثيرة الإعلال، فلا يوجد في حديثه إعلال في المتن أو السند، لأن من يروي روايات معلولة فيها علة لا يكون مأموناً في الحديث ولا يكون موثوقاً به حتى لو كان صادق اللهجة فيما يخبر به ويرويه.

هذان الأمران، وهما صدق اللهجة وعدم تعمد الكذب من جهة، والضبط من جهة أخرى، يتبادران إلى الذهن من لفظ "الثقة" ومشتقاته.

وهذا ما نص عليه اللغوييون إذ نصوا على صدق اللهجة والتحرز عن الكذب والضبط، وتشهد له قرائن الأحوال، فلا حاجة لإطالة الكلام والاستدلال على أن لفظ "ثقة" يدل أولاً على عدم تعمد الكذب وثانياً على الضبط.

ومن أراد التوسع والاستدلال على دلالة لفظ "ثقة" على صدق اللهجة والضبط، يمكنه مراجعة "مفاتيح الأصول" للسيد محمد الطباطبائي الملقب بالمجاهد، صفحة 376 من الطبعة الحجري.

ولعله نظراً لأن لفظ "الثقة" تتضمن الضبط، أهمل الرجاليون كلمة "عادل" أو "عادل" في مقام المدح والتعذيب، واستبدلوا كلمة "عادل" بكلمة "ثقة" نظراً لأن كلمة "عادل" لا تفيد الضبط بخلاف كلمة "ثقة"، إذ أن العدالة هي عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة الحقة، فاستقامة الرجل في إطاعة أحكام الشريعة الحق لا تعني أنه يضبط نقل الكلام، فقد يغلب عليه النسيان أو السهو أو الغفلة، وعلى الرغم من ذلك هو عادل، لكن الوثاقة لا تثبت له نظراً لعدم ضبطه.

وقد تنبه الشيخ البهائي إلى أن كلمة "عادل" لا تستبطن الوثاقة، لذلك نص العلماء على لفظ "ثقة" واستبدلوا كلمة "عادل" بكلمة "ثقة"، يُراجع "مشرق الشمسين وإكسير السعادتين" للشيخ محمد بن الحسين بن عبدالصمد البهائي، صفحة 39.

الثالث: أن يكون الراوي إمامياً، أي أن يكون يعتقد بالمذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري الإمامي، فلا يطلق لفظ "الثقة" على غير الإمامي، كما لو كان شيعياً فطحياً أو زيدياً أو إسماعيلياً، فضلاً عما لو كان مخالفاً كما لو كان الراوي من أبناء العامة.

الرابع: أن يكون الراوي عادلاً، والمراد بالعدالة الاستقامة في جادة الشريعة الحقة.

هذه أربعة قيود ذكر بعض المتأخرين أنها تشترط في الراوي لكي يصدق عليه أنه ثقة، واشترط بعضهم ثلاثة شروط، فاكتفى بقيد العدل ولم يذكر قيد الإمامية، لأن قيد العدالة يستبطن قيد الإمامية، إذ أن المراد بالعدالة هو الاستقامة في جادة الشريعة الحقة، والمراد بالشريعة الحقة المذهب الشيعي الإمامي الجعفري الاثنا عشري، فالعدالة تستبطن الإمامية.

فإذا قيل: "هذا الراوي عادل" أو "عدل"، فهذا يعني أنه إمامي أولاً، وسلوكه مستقيم ومتطابق مع جادة الشريعة الحقة التي هي المذهب الإمامي.

ولعل أول من صرح بهذه القيود الثلاثة وأن قيد العدالة هو الشهيد الثاني في درايته، فيراجع الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني الشيخ زين الدين الجبعي بن علي العاملي، صفحة 290.

وتبعه على ذلك جل المحققين المتأخرين. نعم، خالف قليل منهم كالحر العاملي في خاتمة وسائل الشيعة في تفصيل مسائل الشريعة، والصحيح هو عدم استفادة هذه القيود الأربعة أو الثلاثة، بل يكفي القيدان الأوليان، فالرجل الثقة هو أولاً من يكون صادق اللهجة ولا يتعمد الكذب، وثانياً يكون ضابطاً، ولا يشترط القيد الثالث أن يكون إمامياً، فضلاً عن القيد الرابع وهو أن يكون عدلاً، وفاقاً لصاحب الوسائل والكثير من المعاصرين رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الباقي.

ومن هنا، فلا بد من بحث معنى العدالة أولاً ومعنى الإمامية ثانياً، لنرى هل معنى العدالة ومعنى الإمامية يستبطن في مصطلح الثقة أم لا؟

فنحن نبني على أن مصطلح الثقة لا يستبطن العدالة ولا يستبطن الإمامية، فلابد من تنقيح وتحقيق هذين المصطلحين ودراسة الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على أن لفظ "ثقة" يستبطن معنى العدالة ومعنى الإمامية، وهذا ما سنبحثه إن شاء الله في الدرس القادم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

00:00

11

2024
| ديسمبر
جلسات أخرى من هذه الدورة 33 الجلسة

11

ديسمبر | 2024
  • الكتاب: بحوث في علم الرجال
  • الجزء

    -

  • -

    الصفحة
جلسات أخرى من هذه الدورة
33 الجلسة