بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء

شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: "وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء".

استهل أمير المؤمنين عليه السلام الدعاء بطلب الرحمة من الله عز وجل: "اللهم أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء" فأقسم على الله برحمته، ثم أقسم عليه بقوته، ثم أقسم عليه بعدة أشياء إلى أن أقسم عليه بسلطانه، ثم أقسم عليه بوجهه.

الوجه في اللغة هو أول ما يبدو للناظر من البدن، وفيه العينان، والأنف، والفم، ووجه كل شيء هو مستقبل كل شيء، فمستقبل كل شيء هو وجهه، أول ما يستقبل بالوجه. وقد تكلم أهل اللغة والمفسرون كثيراً في تفسير معنى وجه الله عز وجل ولهم آراء كثيرة.

وقد جاء في القرآن الكريم أيضاً "الوجه"، وهناك كلام بين المفسرين.

والمهم ما هو المراد بلفظ الوجه في قوله عليه السلام: "وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء"، فبقرينة الصفة الباقي يُفهم ويُعلم أن المراد بالوجه هنا ذات الله المقدسة ونفسه الشريفة، فأقسم عليه أمير المؤمنين بذاته التي تبقى ويفنى كل شيء.

الفناء غير الفناء، والسلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، يعني بساحتك، تسلم على الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفنائه، أي بساحته، ولا تقول بفنائك، ففناءك يعني موتك، وأما الفناء فهو خلاف البقاء، أي والزوال، والجملة صفة لذات الله المقدسة: "فيا من توحد بالعز والبقاء، وقهر بالموت والفناء" كما في دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه السلام.

هذا إشارة إلى قوله تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه" (سورة القصص، آية 88) أي إن أمير المؤمنين عليه السلام يقسم على الله ببقائه الذي تميز به عن سائر الموجودات الممكنة، فالمعنى هكذا: أقسم عليك يا الله بذاتك التي تبقى ويفنى كل شيء.

والآية الكريمة تؤيد أن المراد من وجه الله هو ذاته المقدسة، قال تعالى: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" (سورة البقرة، آية 255) وهي آية الكرسي، وهي أعظم آية في القرآن الكريم.

وبعد أن أقسم أمير المؤمنين على الله بذاته، بعد الذات تأتي الأسماء، فأقسم عليه بأسمائه، وقال: "وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء".

الأسماء جمع اسم، والاسم إما مأخوذ من السمة بمعنى العلامة، وإما مأخوذ من السمو بمعنى الرفعة، وقد رجحنا في درس التفسير تبعاً للإمام الخوئي في البيان في تفسير القرآن أن أسماء الله مأخوذة من السمو وليست من السمة.

فأسماء الله هي عبارة عن صفاته، وصفاته عين ذاته، وليست الزائدة على الذات، يعني: عليم، قدير، غني، حي، رزاق، محيي، مميت، فكلها ثابتة لله تبارك وتعالى.

سؤال: كم عدد أسماء الله عز وجل؟

الجواب: أسماء الله الحسنى هي تسعة وتسعين اسم، والأسماء الحسنى التي نوه عنها القرآن الكريم وأشار إليها في أكثر آية هي مئة وسبعة وعشرين اسماً، يراجع الميزان في تفسير القرآن، الجزء الثامن، صفحة 366.

قال عليه السلام: "وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء".

الركن هو الأساس، فأسماء الله التي ملأت كل شيء، يعني أسست أساس كل شيء، وهذا قد تقدم عند شرح قوله عليه السلام: "وبعظمتك التي ملأت كل شيء".

وهنا لا بأس بالإشارة إلى معنى الأسماء وقد ذكرناها في درس التفسير وفي درس الصحيفة السجادية.

عندنا أسماء عظيمة يقال لها الأسماء الحسنى، وعندنا اسم أعظم، والأسماء الحسنى هي صفة لاسم الأسماء العظيمة، والحسنى هي صفة للاسم الأعظم.

والاسم على نحوين: الأول الاسم الأعظم اللفظي، الثاني الاسم الأعظم التكويني.

النحو الأول: الاسم الأعظم اللفظي هو لفظ "الله" ولفظ "الرحمة"، قال تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فله الأسماء الحسنى". هنا الضمير في لفظ "فله" إذا رجع إلى خصوص لفظ "الله" تصير الأسماء الحسنى هي للفظ "الله" فقط دون لفظ "الرحمة".

وأما إذا أرجعنا الضمير إلى "أيا ما تدعو فله.." هذه الهاء لا "أيا ما تدعو"، و"أيا ما تدعو" هو أمران: قل: "ادعوا الله" أو "ادعوا الرحمن"، فيصير الاسم الأعظم لفظان: لفظ "الله" ولفظ "الرحمن".

لذلك سائر الأسماء الحسنى مثل: الرحيم، العلي، القدير، الرزاق، المنان، الفتاح، تُذكر كصفات لا كعلم للذات، بينما لفظ "الله" يُطلق علم للذات الإلهية، وكذلك لفظ "الرحمن" يُطلق كعلم للذات الإلهية.

هذا تمام الكلام في الاسم الأعظم اللفظي.

إذاً: عندنا أسماء عظيمة هي أسماء الله الحسنى، وعندنا اسم الله الأعظم.

النحو الثاني: الاسم الأعظم التكوني يعني المؤثر في عالم التكوين وعالم الخلق، حينما يقال: كان بلعم بن باعورة عنده حرف أو حرفين من اسم الله الأعظم، وكان يشفي المرضى، هنا ليس المراد بلفظتين واسم الله الأعظم اللفظي، لأن الشفاء أمر تكويني، أمر خلقي، واللفظ أمر اعتباري، فكيف يؤثر الأمر الاعتباري في الأمرين اللفظي؟ المراد هو الأمر التكويني الذي يؤثر، يعني الإرادة، الإرادة الفعلية التكوينية هي التي تؤثر.

من هنا يقال في علم المعرفة أن أسماء الحسنى، وهذه هي الألفاظ، هي اسم الاسم. بل قيل: هي اسم الاسم الاسم، فعندنا ثلاثة أشياء:

الأمر الأول: الذات الإلهية المقدسة التي هي عين الأسماء الحسنى، يطلق عليها اسم، وهي ذات. 

الأمر الثاني: الصورة الذهنية التي تنشأ عن الذات الإلهية، هذه الصورة الذهنية اسم للذات، يعني علامة الاسم بمعنى العلامة، علامة تشير إلى الذات.

ثم اللفظ الذي وُضع لتلك الصور الذهنية.

فيصير الاسم اللفظي، اسم وعلامة على الصورة الذهنية، والصورة الذهنية اسم وعلامة على الذات الإلهية التي هي عين الأسماء، فيصير الاسم اللفظي اسم اسم الاسم، أي لفظ هو اسم للصورة الذهنية التي هي اسم وعلامة للذات الإلهية التي هي عين الأسماء الإلهية.

فيقال: الاسم اللفظي هو اسم اسم الاسم، والذي يؤثر في الأشياء ليس اللفظ، الاسم الأول الذي هو أمر اعتباري، جعلي يخضع لاعتبار المعتبر، وجعل الجاعل، ووضع الوضع، وليس الصورة الذهنية أيضاً، هي أمر اعتباري، بل المؤثر هو الأمر الحقيقي في الخارج، وهو الذات الإلهية.

فمن يرتبط بالذات الإلهية، ويتعبد ويتهجد كالسيد رضي الدين بن طاووس، صاحب إقبال الأعمال وصاحب الكرامات، الله عز وجل يفيض عليه ويعطيه سمة ومظهراً من مظاهر القدرة الإلهية، يجعله قديرًا في هذا الشأن، ويطوي له الأرض، يجعله فتاحًا، فيصير مظهر اسم "فتاح"، تنفتح الأبواب على يديه.

فهذا الرجل الصالح لمن يكون لديه طي الأرض، أو يمشي على البحر، ويمشي على الماء دون أن يغرق، أو يطير في الهواء، يصعد إلى السماء كعيسى عليه السلام، هذا ليس بمجرد الألفاظ. نعم، هو يتلفظ، ولكن المتلفظ له دور.

لذلك الإمام الصادق عليه السلام يقول: "لو قرأت الفاتحة على مجنون سبعين مرة لأفاق"، الكلام فيمن يقرأ الفاتحة عليه؟ من الذي يقرأ شيئًا مرة ينجح وقد يموت المجنون؟ لكن إذا قرأ عليه النبي محمد، الإمام الصادق، إذاً هذا التأثير، الآن أمير المؤمنين عندما يتضرع إلى الله بأسمائه، وتتجلى الأسماء الإلهية فيه بتعبده وتهجده، يكون له تأثير.

الشاهد هنا: لماذا ذكرنا الاسم التكويني؟

لاحظوا معي، قال عليه السلام: "وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء".

سؤال: الاسم الله الذي يملأ كل شيء، هل هو الاسم اللفظي أو الاسم التكويني؟

الجواب: الاسم التكويني، فكل شيء يعني مخلوق من عالم الخلق والتكوين، الأمر التكويني من الخلق إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: "كن فيكون"، عالم التكوين يعني عالم الخلق، التصرف في عالم التكوين وعالم الخلق، هذا من شأن الاسم الله التكويني.

الإمام علي يقول: "وبأسمائك" يعني أسماء الله التي ملأت أركان كل شيء، والأسماء التي ملأت أركان هي أسماء الله التكوينية. نعم، أسماء الله التدوينية تشير إلى الاسم التكويني، العليم القدير يشير إلى ماذا؟ الاسم التكويني.

قال تعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوا بها" (سورة الأعراف، آية 180)، قال تعالى: "وادعوه مخلصين له الدين" (سورة الأعراف، آية 29)، قال تعالى: "وادعوه خوفًا وطمعًا" (سورة الأعراف، آية 56)، وقال: "ربكم ادعوني أستجب لكم" (سورة المؤمن، آية 60).

سؤال: "ادعوني"، هل أدعو اسم اللفظي، أم أدعو ذاتي؟ وأدعوه خوفًا وطمعًا، يعني: أدعو اسمه، أم ذات الواحد الأحد الفرد الصمد؟ وادعوه مخلصين له الدين، يعني: أدعوه اسمه، أم المراد أدعوا ذاته؟ يعني: أدعوا الله الذي أنت بالوجدان تستشعر أنه خلقك ودبر شؤونك.

فهذا حشد من الآيات الكريمة تأمر بالدعاء: "ادعوني أستجب لكم"، هذا ضمان شرط ومشروط، ما هو الشرط؟ "ادعوني"، ما هو المشروط؟ "أستجب لكم" يعني الاستجابة مشروطة بالدعاء.

ومن أهم الأشياء هو الطمع في رحمة الله عز وجل، وأكبر الكبائر: الشرك بالله، وثاني أكبر الكبائر هو اليأس من روح الله، فاليأس من روح الله ورحمته ضلال، قال تعالى: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون".

ثم عليه السلام لاحظ الترتيب المنطقي والدقيق، أول شيء أقسم على الله بوجهه، أي بذاته، ثم أقسم عليه بأسمائه التي هي عين ذاته، ثم أقسم عليه بعلمه، قال: "وبعلمك الذي أحاط بكل شيء".

سؤال: من أسماء الله العليم، فهل مضى ذكر العليم حينما قال: "وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء"؟ فلماذا كررها مرة ثانية بقوله: "وبعلمك الذي أحاط بكل شيء"؟

الجواب: هذا من عطف الخاص على العام لخصوصية. مثل أن تقول: "أكرم أولادي، أكرم زيدًا منهم"، وزيد من الأولاد، هذا عطف الخاص على العام لخصوصية في زيد، وهنا توجد خصوصية في العلم.

سؤال: ما هي أهم صفة في الصفات الإلهية؟ الصفات الإلهية صفات ذاتية وفعلية. مثل: رزاق، منتقم، هذه صفات فعلية. وتوجد صفات ذاتية مثل: الحياة، القدرة، العلم، السميع، البصير، بعضهم يذكر خمس، وبعضهم يذكر سبع صفات ذاتية.

أهم الصفات الذاتية والفعلية هي العلم، والسر في ذلك: أن جميع الصفات والأسماء ترجع إليها. الله قادر لأنه عليم، لله رزاق لأنه عليم، الله حي لأنه عليم، كل الصفات ترجع إلى ماذا؟ صفة العلم.

إذًا، أهم صفة في الصفات الإلهية هي صفة العلم.

سؤال آخر: ما الذي ميز جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين؟ أهم صفة فيهم جميعًا.

الجواب: العلم. النبي لو لم يوحَ إليه، ويعلم، ما صار نبيًا، الإمام لو ما يلهم وعنده مواريث الأنبياء، ويعلم بها، ما صار إمامًا. إذًا، العلم صفة مهمة في الله والأنبياء والمرسلين والأئمة والعلماء، القيادة بيد العلاء علمهم، لذلك لخصوصية هذه الصفة أفردها عليه السلام بقوله: "وبعلمك الذي أحاط بكل شيء".

السر في أهمية العلم أنه يعطي إحاطة بالأشياء.

العلم بالكسر: إدراك الشيء بحقيقته. وقيل: العلم هو اليقين. وقيل هو المعرفة. وفرق بين العلم والمعرفة بأن العلم إدراك للكليات، والمعرفة إدراك للجزئيات، تقول: "عرفت الله"، ولا تقول: "علمت الله".

"وبعلمك الذي أحاط بكل شيء" إشارة إلى قوله: "والله من ورائهم محيط"، وإحاطة الله بواسطة علمه، وعلمه عين ذاته.

ثم قال: "وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء"، يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآل الطيبين الطاهرين