بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء

شرح قوله عليه السلام: "اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطّع الرجاء".

هذه الفقرة من دعاء كميل لا توجد في كثير من نسخ كتب الأدعية، لكن تعرض لها بعض الشُّرّاح فأثبتوها في الدعاء، ولعلهم أخذوها من كتاب "المصباح" للكفعمي، وهو كتاب مشهور في الأدعية والزيارات، فكتاب المصباح لتأليف إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي هو من المصادر المهمة في كتب الدعاء عند الإمامية.

ولذلك أكثر النسخ الموجودة لدعاء كميل أثبت فيها في الأخير هذا المقطع: "اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطّع الرجاء"، بعض النسخ إذا لم يثبتوا هذا المقطع، فقد أخذوا دعاء كميل من كتب لم تثبت هذه الفقرة، ولا بأس بالإتيان بها برجاء المطلوبية.

الرجاء هو الأمل، "رجاه، يرجوه، رجواً" أي أمل به.

والذنوب التي تقطّع الرجاء كثيرة، وقد عددها الإمام المعصوم عليه السلام بقوله: "اليأس من روح الله" و"القنوط من رحمة الله" و"الثقة بغير الله" و"التكذيب بوعيد الله"، فهذه الذنوب بطبيعتها تجعل العبد بعيدًا عن ربه وتقطع الاتصال النفسي بين العبد وربه، بين الخالق ومخلوقاته. حينئذ، سيكون هذا العبد مصداقًا لقوله تعالى: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون".

الأول ذنب: اليأس من روح الله، يعني اليأس من رحمة الله.

الثاني ذنب: القنوط من رحمة الله.

الثالث ذنب: الثقة بغير الله.

الرابع ذنب: التكذيب بوعيد الله (الوعد بالجنة والوعيد بالنار)، التكذيب بوعيد الله يعني تكذيب وجود النار، والله عز وجل رحمته تسبق غضبه. قال الحسن البصري: "العجب كل العجب ممن نجا، كيف نجا، يعني أمام عذاب الله، كيف ينجو المسلم؟" فقال الإمام السجاد عليه السلام: "العجب كل العجب ممن هلك، كيف هلك، يعني أمام رحمة الله الواسعة، كيف يهلك المؤمن؟" بين الخوف والرجاء، لكن يغلب جانب الرجاء، لأن الله عز وجل رحمته تسبق غضبه. هذه معادلة الخوف والرجاء.

الذي يزداد رجاءه ويلغي خوفه، هذا يصاب بالأمن من مكر الله بعضهم يعمل بهذا الرواية: "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة"، يرتكب الذنوب والمعاصي وما يصلي وما يصوم بحجة أن عقيدته من دون عمل تكفي، هذا يصاب بماذا؟ يصاب بالأمن من مكر الله.

وأما من يغلب جانب الخوف على جانب الرجاء، فعنده دائمًا خوف ويلغي رجاء رحمة الله، هذا يصاب باليأس من روح الله. وأكبر الذنوب الكبيرة، أكبر الكبائر: الشرك بالله، وثاني أكبر الكبائر: اليأس من روح الله، وثالث أكبر الكبائر: الأمن من مكر الله.

إذا لاحظوا الترتيب في الذنوب الكبيرة والعظيمة، أول ذنب: الشرك بالله "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" يلي هذا الذنب الذي لا يغفر: اليأس من روح الله، قنوط من روح الله. إذن، هذه آفات تقطّع رجاء المؤمن بالله تبارك وتعالى.

الضلال ضد الهدى، والمعنى الذي يقصده الداعي بغفران هذه الذنوب هو أن يجنبه الله تبارك وتعالى هذه الذنوب لكي لا يصبح ضالًا وبعيدًا عن ساحة لطفه وكرمه، فالقلب المفعم بالإيمان لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله تبارك وتعالى.

وجاء في الحديث الشريف عن سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وخذوا هذا الحديث، هذا الحديث أحرى أن يُكتب بماء الذهب، أنا رأيت في حياتي بعض الناس عندهم ذكاء جيد، لكن دائمًا يغتابون الناس، دائمًا إذا يتكلم يذكر أسماء أشخاص ويتكلم عليهم، فسلب التوفيق، والعكس بالعكس، من يتحرز وما يغتاب الناس وما يذكر ويشتغل بمعايب نفسه وإصلاح عيوب نفسه، الله يوفقه.

هذا شيء عمل ميداني بقطع النظر عن الآيات والروايات، كان السيد الخوئي رحمه الله يقول: "إذا وضعت في قبري سأُسأل عن عملي، ولن أُسأل عن عمله، فحسبي أن أكتفي بالنظر إلى عملي ونفسي، ولا أشتغل بعيوب غيري"، سألت المرجع الكبير الشيخ محمد أصحاق الفياض حفظه الله، قلت له: "حدثني عن السيد الخوئي واذكر لي خاطرة"، قال: "طوال عشرتي مع السيد الخوئي لم أسمعه يومًا ذكر أحدًا قط بسوء"، طوال عمري، لم يذكر أحدًا بسوء.

يقول: "وكانوا يشنعون عليه"، يقول حفيد أحد المراجع والشيخ الفياض، يقول: حفيد أحد المراجع الكبار، ما أريد أذكر اسمه، يقول: كان يشنع على السيد الخوئي ويتكلم عن السيد الخوئي، ويسقط في السيد الخوئي والسيد الخوئي ساكت ما يرد عليه".

هذا العالم تقدم للإقامة، حصول على تأشيرة الإقامة وتجديد الإقامة، فقالوا له في الشرطة: "أحضر زوجتك وبناتك حتى نعطيك الإقامة"، فانزعج.

وصل هذا الخبر إلى السيد الخوئي في ذلك اليوم، جاء محافظ أمن النجف إلى بيت السيد الخوئي، يقول الشيخ الفياض وأنا جالس، يقول: "التفت السيد الخوئي إلى محافظ أمن النجف، قال له: فلان، أنت ابن النجف، أنت تعرف ناموس النجف، عيب عليك أن يجيك فلان يطلب إقامة، تقول له: أحضر زوجتك وبناتك".

ثم قال السيد الخوئي بنقل الشيخ الفياض: "فلان أفضل مني وأعلم مني، لكن شاءت الأقدار أن تكون لي مرجعية، وما تصير لي مرجعية، يا محافظ النجف، اعمل له إقامة كما تعملني"، فقال محافظ النجف: "صار سيدنا صار"، أغلب من وصلوا هكذا يشتغل بعيوب عن عيوب الناس.

خصلتان: أولًا: الثقة بالله. ثانيًا: صدق النية، كل من عنده صدق نية وتوجه إلى الله، الله يرزقه ويفتح له.

الثاني: الاشتغال بعيوب نفسه عن عيوب الناس.

لاحظ هذا الحديث حُلُوٌ، رأيتها في مقام العمل، قال صلى الله عليه وآله:

"والذي لا إله إلا هو، ما أعطى مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين.

والذي لا إله إلا هو، لا يعذب الله مؤمنًا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله، وتقصيره من رجائه، وسوء خلقه، واغتيابه للمؤمنين.

والذي لا إله إلا هو، لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخير، يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن الظن به ثم يخلف ظنه ورجائه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه."

أصول الكافي للكليني، باب حسن الظن بالله، الحديث الثاني.

إذن من هذا الحديث يتضح ما للرجاء من أهمية، رجاء رحمة الله، ويتضح أن اليأس من رحمة الله والقنوط من رحمة الله له أثر كبير على حياة الإنسان.

إذن، آخر مقطع من هذه الذنوب التي صُنّفت: "اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء"، ثم يبدأ الإمام عليه السلام بالتعميم لجميع الذنوب فيقول: "اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطأتها"، فمن هنا يذهب الداعي برجائه إلى أقصى حد، ويلتفت إلى أنه قد وقف ومثل بين يدي رب كريم، وقد جاء في كرمه أن النبي صلى الله عليه وآله قال يومًا: "يا كريم العفو"، فقال له جبرائيل: "أتدري ما تفسير (يا كريم العفو)؟" هو أنه يعفو عن السيئات برحمته ثم يبدلها حسنات بكرمه.

إذن في هذا الدعاء مفردتان: العفو والكرم، العفو في محو السيئات، والكرم في إبدال السيئات حسنات، فلماذا إذن يقصر الداعي في دعائه في طلب المغفرة؟! فالذنوب منها ما يهتك العصمة، وما ينزل النقمة، وما يحبس الدعاء، فليطلب هذا المؤمن مغفرة جميع الذنوب: "اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته".

فالداعي يتوجه إلى الله عز وجل ويرجو أن يغفر له جميع ذنوبه، خصوصًا أن الآيات الكريمة تدل وتطلب الاستزاده، قال تعالى: "إن الله يغفر الذنوب جميعًا"، وقال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، ثم تترقى آية أخرى فتتحدى وتقول: "ومن يغفر الذنوب إلا الله"، فالله عز وجل هو المصدر الوحيد للغفران، وهو رب عطوف، كما جاء في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "والذي نفسي بيده، الله أرحم بعبده المؤمن من الوالد الشفيق بولده".

إذن فليذهب العبد برجائه إلى مدارج السمو، ويطلب من الله تبارك وتعالى الخير والمغفرة.

ورد في الحديث: "إن العبد إذا أذنب فاستغفر، يقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب، اشهدوا أني قد غفرت له"، ويقال إنه يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقاد إلى النار، فيمضي إلى النار فيتوقف، فيقال له: "عبدي، لماذا توقفت؟" فيقول: "إلهي وسيدي ومولاي، أنا عبد عاصٍ أستحق النار، ولكن كنت آمل في رحمتك الواسعة، خذوه إلى الجنة. عبدي وثق بي وأمل بي، لن أخيب ظنه أبداً" هذه رحمة الله.

ثم قال عليه السلام: "وكل خطيئة أخطأتها".

الخطيئة هي الذنب المتعمد، وقيل إن الخطيئة هي ما ليس بعمد، فيقال: هكذا، الذنب أعم من الإثم والخطيئة، فالإثم هو الذنب عن عمد، والخطيئة هي الذنب لا عن عمد.

إذن، يوجد معنيان للخطيئة: المعنى الأول: الذنب عن عمد، المعنى الثاني: الذنب لا عن عمد. والأوفق بسياق الدعاء حمل الخطيئة على الذنب لا عن عمد. فتقول هكذا: "اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته" أي كل ذنب عن عمد ارتكبته، و"كل خطيئة أخطأتها" أي وكل ذنب وخطيئة لا عن عمد أقدمت عليها، هذا فيه ترقي. إذن، التناسق الدعائي يقضي أن يكون المراد في هذه الجملة هو المعنى الثاني: الذنب لا عن عمد، لأن الروعة الدعائية تظهر على هذا التفسير فإن الداعي، بعد أن تدرج في الالتماس، يطلب من الله أن يغفر له الذنب الذي جاء به عن عمد، ثم يضرب عن ذلك، ويقول: بل اغفر لي الخطايا التي أقدمت عليها لا عن عمد طمعًا في كرم ربه تبارك وتعالى، فهذا الداعي يريد أن يفتح صفحة جديدة مع الله تبارك وتعالى.

جاء في الحديث القدسي: "إنما خلقت الخلق ليربحوا علي، ولم أخلقهم لأربح عليهم"، الله عز وجل ماذا يستفيد من عبادتنا، ومن تهجدنا، ومن دعائنا؟ هذا كله خير لنا ولأنفسنا.

هذا تمام الكلام في هذه المقاطع التي يسأل فيها العبد من الله عز وجل المغفرة: "اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصمة"، "اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقمة"، "اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء"، "اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء"، ختمت هذه المقاطع بقوله: "اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطأتها". بعد أن يطلب الداعي المغفرة، يتوجه إلى الله ويطلب منه القول: "اللهم إني أتقرب إليك بذكرك وأستشفع بك إلى نفسك"، شرحه يأتي إن شاء الله،

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين